منذ الهجوم المباغت الذي شنّته حركة “حماس” ضد إسرائيل في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وصمود الحركة حتى الآن أمام الضربات والاستهدافات الإسرائيلية منذ نحو أربعة أشهر، يُطرح في الواقع سؤالاً ملحّاً لا بدّ من طرحه هنا، وهو ماذا تبقّى من قوة “حماس” البشرية والعسكرية.
وما يثير طرح هذا التساؤل هو أن المسؤولينَ الإسرائيليينَ اعترفوا بأنه على الرغم من العمليات الجوية والبرية القوية داخل قطاع غزة، والتي أسفرت عن مقتل آلاف المدنيين، إلا أنهم لم يحققوا هدفهم المتمثل في القضاء على “حماس”.
وفي هذا السياق، كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، نقلاً عن تقديراتٍ لوكالات استخبارات أميركية، أن القوات الإسرائيلية، قتلت ما بين 20 إلى 30 بالمئة من مقاتلي “حماس”.
واعتبرت الصحيفة الأميركية أن هذه النتيجة لا ترقى حتى الآن إلى هدف إسرائيل المتمثل في تدمير “حماس”، التي تظهر قدرتها على الصمود أمام أشهرٍ من الحرب التي دمّرت مساحات واسعة من قطاع غزة.
“حماس” وقدرتها العسكرية
بحسب تقرير الصحيفة الأميركية والتي نقلت عنها قناة “الحرة”، فإن تقديرات استخباراتية عن خسائر “حماس”، تبيّن أن الحركة “لا تزال تمتلك ما يكفي من الذخائر لمواصلة ضرب إسرائيل والقوات الإسرائيلية في غزة لعدة أشهر، وأنها تحاول إعادة تشكيل قوة الشرطة الخاصة بها في أجزاء من مدينة غزة”، وفقاً لمسؤولينَ أميركيينَ.
وقال الجيش الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، إن أكثر من 9 آلاف عنصر من “حماس” والفصائل الفلسطينية الأخرى المتحالفة معها قُتلوا على يد الجيش الإسرائيلي في غزة منذ بداية الحرب.
إضافة إلى نحو ألفٍ قتلوا داخل إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وذلك عندما هاجم مسلحون مناطق محاذية للقطاع المحاصر، بحسب ما أوردته صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”.
وحول القدرات البشرية، قال قائد كبير في الجيش الإسرائيلي، في عام 2021، إنه يعتقد أن “حماس” تضم حوالي 30 ألف مقاتل.
بينما أشار المتخصص في الدراسات الدفاعية البروفيسور البريطاني، مايكل كلارك، في حديثٍ سابق لقناة “سكاي نيوز” البريطانية، إلى أن التقديرات السابقة تقول إن عدد مقاتلي حركة “حماس” الأساسيينَ يصل إلى نحو 10 آلاف مقاتل، لكنه لفت إلى قدرة الحركة على تعبئة مزيدٍ من المقاتلين في حالة الحرب، وهذا يعني أن عددهم قد يصل إلى نحو 40 أو 50 ألف مقاتل.
وما يؤكد صحة هذا التقدير تصريح القيادي بحركة “حماس” علي بركة، لوكالة “أسوشيتد برس”، بأن لدى الحركة 40 ألف مقاتل “داخل غزة وحدها”، وهو ما يدلل بأنها تملك أكثر من 40 ألف مقاتل.
مقتل العاروري نكسة لـ”حماس”
في المقابل، قال الجيش الإسرائيلي، مؤخراً، إن ضرباتٍ جوية إسرائيلية على قطاع غزة قتلت ستة مقاتلينَ فلسطينيينَ من بينهم المسؤول عن مكافحة التجسس بـ”حماس” في المنطقة الجنوبية للقطاع.
وأردف الجيش في بيانٍ، أنه قتل ضابط مكافحة التجسس، بلال نوفل، وقال إن ذلك يؤثر “بشكل كبير” في قدرة “حماس” على تطوير وتعزيز قدراتها.
وفي الثاني من كانون الثاني/ يناير الجاري، قُتل نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، صالح العاروري، في غارة بطائرة مسيّرة في الضاحية الجنوبية لبيروت، وهو واحدٌ من قادة الحركة البارزين، والذين تقول إسرائيل إنها تريد استهدافهم، وتضعهم على لائحة الاغتيال.
وفي هذا الإطار، يقول “معهد واشنطن” لسياسات الشرق الأدنى، إنه عندما قُتل العاروري والعديد من الناشطين الآخرين في بيروت مطلع شهر يناير، فقدت “حماس” أحد أهم قادتها السياسيين وقادة العمليات.
حيث لعب العاروري أدواراً عملية كمحاورٍ رئيسي مع “حزب الله” اللبناني وإيران، وكقائد عملياتي يشرف على أنشطة وعمليات “حماس” في الضفة الغربية.
وفي الواقع، كان العاروري هو الذي حذّر في آب/أغسطس – قبل شهرين من هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر- من أن “حماس” كانت تخطط لإشعال “حرب شاملة” مع إسرائيل.
وفي المجمل، قتلت إسرائيل، من خلال حملتها العسكرية الحالية في غزة، الآلاف من نشطاء “حماس” وعدداً من القادة، ومن بين القتلى “جواد أبو شمالة، مسؤول الاقتصاد في المكتب السياسي لحماس، وزكريا أبو معمر، رئيس دائرة العلاقات الوطنية في المكتب السياسي، ومراد أبو مراد، قائد التشكيل الجوي في لواء غزة، وبلال القدرة، قائد وحدة النخبة في كتيبة جنوب خان يونس”، وفق الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي.
وفي 17 أكتوبر الماضي، أعلنت “حماس”، مقتل القيادي، أيمن نوفل، في قصف إسرائيلي على مخيم البريج وسط قطاع غزة، طبقاً لـ”فرانس برس”.
وأشارت الحركة في بيانٍ إلى أن نوفل كان عضواً بالمجلس العسكري العام وقائد لواء الوسطى في “كتائب القسام”، الجناح العسكري لحركة “حماس”.
ونوفل بحسب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي هو “قائد المخابرات العسكرية السابق في قطاع غزة” وكان “متورطاً في أعمال إنتاج وتطوير أسلحة” و”توجيه عمليات إطلاق الصواريخ”.
كما ودمّرت إسرائيل جزءاً كبيراً من البنية التحتية للحركة. لكن مقتل العاروري يمثّل انتكاسة كبيرة لـ”حماس”، وفق المعهد الأميركي.
إلى متى ستصمد “حماس”؟
بحسب تقديرات الجيش الإسرائيلي، فإن القتال في غزة سيستمر على الأرجح طوال عام 2024 بأكمله، حيث تعمل إسرائيل على تجريد “حماس” من قدراتها العسكرية والقيادية. كما تعهّدت بمواصلة القتال حتى يتم إطلاق سراح جميع الرهائن المتبقينَ من الأسر.
“حماس” أظهرت أنها لا تزال قادرة على القتال، لكن الخسائر تستمر في فرض المزيد من الضغط على شبكة الحركة.
الجنرال الأميركي المتقاعد، جوزيف فوتيل
وعلى الرغم من الضغوط الدولية على حكومة بنيامين نتنياهو، فضلاً عن ضغوط عائلات المحتجزينَ الإسرائيليينَ لدى “حماس”، فإن تل أبيب والعديد من المسؤولين العسكريين يقولون إن الحرب قد تستمر لعدة أشهر أخرى.
وعن أهداف “حماس” من هذه الحرب، قال مسؤول عسكري إسرائيلي كبير للصحيفة الأميركية: “ليس عليك الفوز، عليك فقط ألا تخسر”.
من جهته، صرّح الجنرال المتقاعد، جوزيف فوتيل، الذي سبق أن تولى منصب قائد القيادة المركزية الأميركية “سنتكوم”، أن “حماس أظهرت أنها لا تزال قادرة على القتال، لكن الخسائر تستمر في فرض المزيد من الضغط على شبكة الحركة”، مضيفاً أنه “قد يتعين على شخص واحد الآن القيام بوظيفتَين أو ثلاث وظائف”.
أما عن القوة العسكرية لدى “حماس”، فبعد هجمات السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، فإن إسرائيل تقوم بشكل منهجي تفكيك ترسانة أسلحة “حماس” وقدراتها على إنتاج الأسلحة، إلى جانب بنيتها التحتية العسكرية الحيوية الأخرى، عبر توجيه ضربات للحركة خلال عدة مسارات، على الرغم من إيلاء قدر كبير من الاهتمام للجهود الإسرائيلية الرامية إلى تدمير نظام أنفاق “حماس”، أو “مترو غزة” كما يسمّيه الإسرائيليون.
بيد أن خسارة “المجمع الصناعي العسكري” لا تقلّ أهمّية عن توجيه ضربة للحركة، التي تعهّدت بتنفيذ هجمات إضافية على غرار تلك التي شُنّت في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، إلى أن يتم تدمير إسرائيل، وفق تقرير لماثيو ليفيت “زميل فرومر-ويكسلر” ومدير “برنامج راينهارد للاستخبارات ومكافحة الإرهاب” في معهد واشنطن، نُشر لأول مرة في موقع “ذي هيل”، ومن ثم أعاد “معهد واشنطن” نشره مطلع يناير الجاري.
كما وصادر الجيش الإسرائيلي منذ اندلاع الحرب مع “حماس”، كمية كبيرة من الأسلحة ودمّر مصانع وورش الأسلحة التابعة لـ”حماس” هناك. وبينما يناقش الخبراء مدى فعّالية الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد “حماس” بالقطاع، وما إذا كان بإمكان إسرائيل تحقيق أهدافها العسكرية غير الواضحة أحياناً هناك، يمكن التأكيد على نقطة واحدة، وهي أن القوات الإسرائيلية تقوم بشكل منهجي بتدمير المجمع الصناعي العسكري التابع لـ”حماس”، يضيف ليفيت في تقريره المنشور بـ”معهد واشنطن”.
ويرى ليفيت أنه حتى لو فشلت إسرائيل في تفكيك مشروع “حماس” في غزة كما تقول، فإن بقايا الحركة في نهاية هذه الحرب لن تشكل سوى جزء صغير من التهديد الذي كانت تمثله في السابق. ولم تخسر “حماس” ما يقرب من 10 آلاف مقاتل فحسب، وفقاً للتقرير المذكور آنفاً، بل إن جزءاً كبيراً من مخزون الأسلحة التي أمضت “حماس” سنوات في جمعه قد تم استخدامه أو تدميره، وأصبح مجمّعها الصناعي العسكري في حالةٍ يُرثى لها.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.