بعد حوالي 12 ساعة من البحث، نشرت وسائل إعلام إيرانية مقطع فيديو قالت إنه يُظهر موقع تحطم المروحية التي تقلّ الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان ومسؤولين آخرين في شمال البلاد، ما أدى إلى مقتلهم.
هزت محافظة أذربيجان الشرقية شمالي غربي إيران اليوم الاثنين صدمة كبيرة؛ حيث أعلنت السلطات الإيرانية الرسمية عن مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي، ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، إضافة إلى عدد من المسؤولين الآخرين، جراء تحطم الطائرة المروحية التي كانت تقلّهم يوم أمس الأحد.
وقد أكد التلفزيون الإيراني الرسمي هذا الخبر، كما أعلن نائب الرئيس الإيراني، محسن منصوري، عبر منصة “إكس” (تويتر سابقا)، عن مقتل هؤلاء المسؤولين البارزين في هذا الحادث.
وتُعد هذه الخسارة الكبيرة لقيادة إيران لطمة قوية على مستوى البلاد، فقد فقدت البلاد في هذا الحادث شخصيات قيادية مهمة في السياسة الخارجية والداخلية. وستكون عملية التأقلم مع هذه الخسائر الفادحة تحدّياً كبيراً للنظام الإيراني في المرحلة القادمة، والتساؤل الأبرز منذ إعلان اختفاء طائرة رئيسي؛ مَن يقف خلف الحادثة؟
“دبور الجحيم”.. كيف تحطمت؟
بعد عودته من افتتاح سد “قيز قلعة سي” على نهر آراس الحدودي بين البلدين بحضور الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، والذي يُقال أنه أصرّ على وجود الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، خلال الافتتاح، كانت مروحية رئيسي التي يُطلق عليها “دبور الجحيم” ضمن موكب من ثلاث مروحيات تقلّه برفقة مسؤولين آخرين، إلا أنّ المروحيتين الأخريين وصلتا إلى وجهتهما، في حين فُقد الاتصال بطائرة رئيسي.
ركاب المروحية التي تتسع لـ15 شخصاً كحد أقصى ولديها القدرة على الاستمرار في الطيران بمحرك واحد في حال تعطل الآخر، هم: إبراهيم رئيسي – رئيس البلاد، محمد الهاشم ممثل الفقيه الديني وإمام مدينة تبريز، حسين أمير عبد اللهيان وزير الخارجية، مالك رحمتي والي أذربيجان الشرقية، سردار سيد مهدي موسوي قائد وحدة حماية الرئيس، وعدد من الحراس والطاقم.
المروحية تحطمت في منطقة جلفا الجبلية الوعرة وسط ظروف جوية صعبة، إذ أعلن رئيس الهلال الأحمر الإيراني العثور على حطام المروحية محترقة بالكامل، في غابة جبلية على بُعد 3 كيلومترات قرب قرية تسمى توال شمال غرب إيران.
إن قطاع الطيران في إيران قد شهد خلال العقد الأخير عدداً من الحوادث المأساوية. فقد تعرّضت مجموعة من الطائرات لانحرافات عن المدرج أثناء الإقلاع والهبوط، كما سقطت طائرات أخرى جراء اشتعال النيران في محركاتها. وكان من أبرز هذه الحوادث اصطدام إحدى الطائرات بقمّة سلسلة جبال زاغروس في وسط البلاد.
ولم تكن الطائرات المروحية في مأمن من هذه الكوارث الجوية. فقد شهدت إيران مؤخراً سقوط مروحية كانت تقل وزير الرياضة والشباب الإيراني السابق، حميد سجادي، في محافظة كرمان جنوبي البلاد، مما أسفر عن إصابته وبعض مرافقيه، وكذلك مقتل مساعده إسماعيل أحمدي.
الأسطول الجوي في إيران يتكون في الوقت الحالي من 250 طائرة ركاب، وقد خرجت نحو 200 منها من الخدمة خلال السنوات الماضية، وأن متوسط عمر الطائرات المتبقية أكثر من 25 عاماً، بينما تحتاج البلاد إلى تشغيل 600 طائرة سليمة، نظرا إلى جغرافيا البلاد وعدد سكانها.
إبراهيم رئيسي وحلم الخلافة
تولى رئيسي منصب الرئاسة في الرابع من آب/أغسطس 2021، ليصبح الرئيس الثامن لإيران. وكان هذا السياسي المحافظ قد واجه انتقادات حادة بشأن سجلّه الحقوقي المثير للجدل.
فقد اتهمته منظمات حقوقية بالتورط في إعدام آلاف المعتقلين السياسيين عام 1988، قبل أن يتولى رئاسة السلطة القضائية في إيران قبل وصوله إلى منصب الرئاسة.
بدأ رئيسي مشواره المهني في القضاء منذ صغره، حيث ارتقى بسرعة في السّلم الوظيفي، ليصبح مساعداً للنائب العام في طهران وهو لم يتجاوز الخامسة والعشرين من العمر. كما تلقى تدريباً خاصاً على يد المرشد الأعلى علي خامنئي الذي توّلى رئاسة البلاد في عام 1981.
بعد أن بدأ مسيرته المهنية في القضاء منذ سنّ صغيرة، ارتقى إبراهيم رئيسي بسرعة في السلم الوظيفي. ففي عام 1985، توّلى منصب نائب المدعي العام لمدينة طهران، وهو المنصب الذي مهّد له الطريق للانضمام إلى “لجنة الموت” عام 1988.
هذه اللجنة المثيرة للجدل ضمت ثلاثة قضاة آخرين إلى جانب رئيسي، وتولّت مهمة إجراء محاكمات سرّية خلال ذلك العام. وفي أعقاب وفاة المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، آية الله خميني، عام 1989، تسلّم رئيسي منصب المدعي العام لطهران، وظل في هذا المنصب خلال فترات توّلي محمد يزدي وآخرين رئاسة السلطة القضائية.
وبين عامي 2004 و2014، شغل رئيسي منصب النائب الأول لرئيس السلطة القضائية. وخلال هذه الفترة، تم انتخابه عضواً في “مجلس خبراء القيادة” عام 2006، الذي يتولّى مهمة تعيين أو عزل المرشد الأعلى للثورة. وبعد عامين، أصبح نائباً لرئيس هذا المجلس الحساس.
إن هذا المسار الوظيفي الصاعد لرئيسي في السلطة القضائية والسياسية الإيرانية، كان له دور كبير في وصوله إلى منصب الرئاسة في عام 2021، ليصبح الرئيس الثامن للجمهورية الإسلامية.
ففي عام 2017، فاجأ رئيسي المراقبين وترشّح لخوض سباق الرئاسة ضد روحاني الذي فاز بولاية ثانية عبر فوز ساحق من أول جولة. ولم تقضِ الخسارة أمام روحاني على رئيسي الذي عيّنه المرشد الأعلى خامنئي عام 2019 على رأس السلطة القضائية في البلاد.
ترشّح مرة أخرى في الانتخابات الرئاسية الإيرانية لعام 2021 وأُعلن عن فوزه في 19 حزيران/يونيو 2021 بنسبة بلغت 62 بالمئة من أصوات الناخبين المشاركين و29.77 بالمئة من أصوات الناخبين المسجلين.
ولا يُعرف غير القليل عن حياة رئيسي الخاصة، ومن ذلك أن زوجته تُدعى جميلة وهي أستاذة في جامعة الشهيد بهشتي في طهران، وأن لهما فتاتين بالغتَين، وأن حماه يدعى أحمد علم الهدى وهو رجل دين شيعي وواعظ متشدد في مدينة مشهد.
“نيويورك تايمز” وصفت رئيسي في الماضي بأنه “الخليفة المفضل المحتمل” للقائد الأعلى لإيران، علي خامنئي، إلا أن الخيار الأكثر واقعية هو نجل خامنئي نفسه، مجتبى خامنئي، الذي كان نشطاً للغاية من وراء الكواليس في السياسة الإيرانية.
تدخل “الحرس الثوري”
رغم ما كان يعتقده الكثيرون أن رئيسي هو خليفة محتمل لخامنئي، إلا أن البعض في إيران يعتقدون على ما يبدو أن الرئيس الحالي ليس لديه فرصة كبيرة، وهذا ما يثير الشك، خصوصا أن “الحرس الثوري” الإيراني، لم يتحرك نحو عملية البحث عن طائرة الرئيس الإيراني، إلا متأخرا.
بحسب الدبلوماسي السابق، والخبير في الشأن السياسي الإيراني، بيير بهلوي، فإن هناك دلالات ومؤشرات منذ الأمس تحتّم توجيه أصابع الاتهام نحو خامنئي و”الحرس الثوري”، حيث لا مصلحة في موت رئيسي وعبداللهيان في الوقت الحالي، إلا هؤلاء خصوصا مع اقتراب اختيار خليفة خامنئي بعد انتهاء انتخابات مجلس الخبراء الإيراني، في آذار/مارس الفائت.
وفقاً للدستور الإيراني، فإن مجلس صيانة الدستور الإيراني سيشكّل مجلس من رئيس مجلس الشورى ورئيس السلطة القضائية وغيرهم للإشراف على تنظيم انتخابات رئاسية خلال 50 يوما، وفقا للدستور وبعد موافقة المرشد سيتولى النائب الأول للرئيس صلاحيات الرئيس.
بموجب الجدول الزمني العادي، كان من المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية في 2025. ومن المتوقع الآن أن تجرى في أوائل تموز/يوليو القادم.
حسب الترجيحات، فإن محمد مخبر الذي تدور حوله الشبهات، وفقا لحديث بهلوي لـ”الحل نت”، هو من سيتولى الرئاسة حاليا، وربما يكون هو خليفة إبراهيم رئيسي حتى بعد الانتخابات، خصوصاً أن خلفيته العسكرية هي “الحرس الثوري”.
محمد مخبر، السياسي البارز في إيران والمقرّب من المرشد الأعلى علي خامنئي. فهذا الرجل البالغ من العمر 67 عاماً، كان ضابطًا بارزًا في “الحرس الثوري” خلال الحرب العراقية – الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي، كما تولّى إدارة دائرة الصحة في مسقط رأسه.
وقد ارتفعت شهرته وسطوته السياسية بعد توليه رئاسة “لجنة تنفيذ أوامر الإمام الخميني” منذ عام 2007 وحتى 2021. إذ ظل مخبر في هذا المنصب الحساس والنافذ لمدة 14 عامًا. هذه اللجنة هي الذراع المالية لمكتب المرشد الأعلى في البلاد. وقد عيّنه الرئيس إبراهيم رئيسي نائبًا أولًا له في آب/أغسطس 2021.
أُدرج مخبر على لائحة العقوبات الأوروبية في عام 2010 بسبب صلته ببرنامج إيران الصاروخي. كما وضعته وزارة الخزانة الأميركية على قائمة العقوبات في كانون الثاني/يناير 2021.
إن تعيين هذا السياسي المحافظ والمقرّب من خامنئي في منصب نائب الرئيس، يؤكد بحسب بهلوي مدى هيمنة التيار المحافظ على السلطة في إيران تحت قيادة المرشد الأعلى.
إرهاصات سابقة
حرب الجنرالات وأسرار الصراع على كرسي المرشد الإيراني، كان قد كشفه “الحل نت” في تقرير سابق، إذ إن حساسية خامنئي ومحاولته إبقاء مجلس الخبراء ضمن دوائره الخاصة دفعت مجلس صيانة الدستور، المكلّف بفحص المرشحينَ، إلى استبعاد عدد كبير من المرشحينَ، بما في ذلك الشخصيات البارزة.
خلال العقود الثلاثة التي قضاها في منصب المرشد الأعلى، أدار آية الله علي خامنئي، العملية من خلال قصر المنافسة على المرشحينَ الملتزمين بالمثل الثيوقراطية للبلاد والموالين له شخصيا.
قبل موت إبراهيم رئيسي، كان لا يوجد سوى مرشحَين محتملَين لخلافة مرشد إيران، رئيسي، الذي فقد شعبيته بسبب أدائه الضعيف كرئيس، والابن الثاني لخامنئي، مجتبى. وهنا جبهة المقاومة هي من أشد المؤيدين لمجتبى خامنئي، وانتصاراتها الأخيرة في فرض تغييرات على حكومة رئيسي هي نتيجة سنوات من التخطيط الدقيق.
من ناحية خلافة علي خامنئي، وحرص الدولة العميقة على تأمين المنصب في حيّز أسماء محددة لتأمين دورة رأس المال الفاسد في شرايين وأوردة المؤسسات التابعة لبيت المرشد؛ فإن كل الدلائل تشير إلى أن خامنئي هندس بشكل كامل وحاسم لانتخابات البرلمان والانتخابات الرئاسية وانتخابات الخبراء من أجل توفير كافة شروط انتقال السلطة إلى ابنه مجتبى.
في العام الماضي، ومن خلال منحه المرجعية الدينية، أزال خامنئي أيضاً العقبة الدينية التي تحول دون أن يصبح فقيهاً، وما قد يحدث لرئيسي قد يكون رئاسة مجلس الخبراء، بالإضافة إلى ذلك، من المحتمل أن يتم استخدامه كمنافس وهمي لمجتبى.
من الناحية النظرية، إذا نجح مجتبى في الوصول إلى المنصب الأعلى، فسوف يحتاج إلى تسلسل هرمي داعم بالكامل وموحّد لضمان الانتقال السّلس. والسيناريو الأفضل بالنسبة له هو أن يكون هناك صوت واحد فقط يأتي من جميع مؤسسات النظام، بما في ذلك الكيانات الأمنية والهيئات الثلاث المنتخبة – البرلمان، ومجلس الخبراء، والسلطة التنفيذية.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.