واقعيا، النسوية في العراق، تبدو مثل كل البلدان الشرق أوسطية من حيث المأساة والمعاناة، إذ لا تخرج عن هذا النمط إلا بعض الدول المغاربية، ولكن ما يحصل في أرض الرافدين مؤخرا، زاد عن حده ووصل إلى مرحلة خطيرة جدا، تهدد حياة النسويات في البلاد بشكل فعلي.

حملة شرسة تشن ضد النسوية والنسويات في العراق عبر مختلف منصات “التواصل الاجتماعي”، تحمل كل الأدوات العنفية، يضاف لها التحريض والكراهية، في هجمة غير  مسبوقة وليست بالاعتيادية، جعلت العديد من النسويات يعرضن أنفسهن لكل المخاطر بهدف التصدي لهذه الحملة المُمَنهجة. 

النسوية في العراق.. أسباب الهجمة 

“النسوية هي معاداة الرجال. النسوية هي التعري وتسفيه قيم المجتمع. النسوية ضد الأخلاق والأعراف”. من هذا المنطلق تُشن الحملة ضد النسوية والنسويات العراقيات، بل ويتم اتهام النسويات بأنهن مدفوعات من الغرب لزرع الانحلال الأخلاقي في عقول النساء العراقيات وتهديم الأسرة. 

الهجمات على النسوية في العراق تنبثق من مجموعة متنوعة من العوامل الاجتماعية والثقافية والسياسية، ما يجسّد تقاطعا معقدا للديناميات الاجتماعية في المنطقة، هكذا تقول الناشطة النسوية العراقية دينا الأيوبي، التي ترجع أسباب الهجمة هذه إلى عدة أمور، منها المقاومة للتغيير، الثقافة الباترياركية، الخوف من فقدان السيطرة، والجهل والتضليل.

دينا الأيوبي أمام رسمة على جدرانات نفق السعدون قرب ساحة التحرير، تم رسمها إبان “انتفاضة تشرين” في أكتوبر 2019 – (فيسبوك)

عن المقاومة للتغيير، يشعر بعض الأفراد، خاصة الذكور، بتهديد لمكانتهم الاجتماعية والثقافية بسبب التحولات التي تعنيها الحركات النسوية، لذا يرفضون هذه التغييرات ويعارضونها بشكل عدائي، وأما الثقافة الباترياركية، فإن المجتمعات تعيش بتأثير هذه الثقافة التي تعزز فكرة تفوق الذكور وتقليل دور النساء، وتشجيع هذه الثقافة يمكن أن يؤدي إلى المزيد من الهجمات على النسويات وحركاتهن، بحسب الأيوبي. 

أما الخوف من فقدان السيطرة، فبرأي دينا، يشعر بعض الأفراد بأن الحركات النسوية تهدد نمط حياتهم التقليدي وسيطرتهم على المجتمع، مما يدفعهم إلى شن هجمات ضد النسوية في العراق، وبالحديث عن الجهل والتضليل، ينشر بعض الأفراد والصفحات الرجالية المتطرفة معلومات غير دقيقة حول الحركات النسوية بهدف زعزعة الدعم العام لها وتشويه صورتها. 

الرسائل والتوقيت

صفحات وحسابات وهمية تشن التدوينات والمنشورات واحدة تلو الأخرى للنيل من النسوية والنسويات في العراق، ومعها حسابات لشخصيات نسائية معروفة في البلاد اشتركت بمعاداة النسوية في تحريض علني ضد نسويات البلاد، من حيث يعلمن أو لا يعلمن، دون مراعاة -وإن كن ضد النسوية كفكر- أنهن متابعات ومؤثرات، وأن أي حرف منهن قد يتسبّب بمشاكل لا تحمد عقباها. 

لا يمكن إغفال أن للسياسة يد بهذه الحملة، خاصة وأن البرلمان العراقي يحاول مؤخرا التضييق على الحقوق والحريات بشكل كبير، ناهيك عن حملات أخرى مماثلة طالت المجتمع المدني وتحديدا النساء العراقيات، أسفرت عن اغتيالات وتهديدات عديدة، وطبعا معظم هذه الحملات تشنها جهات متطرفة تابعة لأحزاب سياسية إسلامية تملك السلاح المنفلت، وتحاول التحكم بالحيز العام في البلاد. 

هنا، فإن التحديات السياسية والدينية تتلازم مع تحالفات سياسية ودينية ترفض التحول الاجتماعي وتستخدم النسوية كساحة لمعاركها السياسية والثقافية، ناهيك عن تغيرات سياسية قد تعزّز استهداف النسوية كجزء من استراتيجيات سياسية تهدف إلى زعزعة الاستقرار الاجتماعي في العراق، والكلام للناشطة الأيوبي، في حديثها مع “الحل نت”. 

في سؤالها عن الرسائل والتوقيت، قالت النسوية العراقية، إن الهجمات تأتي في توقيت محدد يعكس ارتفاع التوترات السياسية والاجتماعية، مما يعزز من فعالية الحملات الموجهة، التي تتبنى رسائل لتشويه سمعة الحركات النسوية عند الجمهور، وطبعا يتم استغلال الفجوات الثقافية والدينية في المجتمع العراقي لنشر هذه الرسائل، على حد تعبيرها. 

هذه الهجمات تنطوي على مخاطر تصاعد الانقسامات الاجتماعية والثقافية في المجتمع العراقي، وقد تؤدي إلى تعزيز التوترات بين الطوائف والجماعات في المجتمع، كما يمكن لها أن تضعف من الحركة النسوية في العراق، وخاصة الجهود المبذولة نحو تعزيز حقوق المرأة وتحقيق المساواة في البلاد، بحسب رأي الأيوبي. 

التصدي والاستجابة

عن كيفية التصدّي لهذه الهجمات من قبِل النسويات، أبرزت الناشطة النسوية، دينا الأيوبي، 5 نقاط لتحقيق ذلك، أولها، المقاومة عبر المحتوى الرقمي، أي أن تعمل النسويات على إنشاء محتوى رقمي يوضح رسالة الحركة النسوية ويناقش القضايا التي تواجهها. “يمكن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والمدونات والمواقع الإلكترونية لنشر هذا المحتوى وزيادة الوعي بقضايا النساء وحقوقهن”.

الاحتجاجات على أرض الواقع هي الأولوية الثانية، وتتمثل بتنظيم النسويات احتجاجات ومسيرات سلمية للتعبير عن مطالبهن والتصدي للتمييز والعنف ضد المرأة، ويمكن أن تكون هذه الاحتجاجات فرصة لجذب الانتباه الإعلامي وزيادة الضغط على السلطات لاتخاذ إجراءات لحماية حقوق النساء، تقول دينا. 

تعزيز الدعم الدولي والمحلي، حيث يمكن للنسويات التعاون مع المنظمات النسوية الدولية والمحلية لتعزيز قدرتهن على التصدي للهجمات وحماية حقوق المرأة، وهنا يجب الاستفادة من شبكات الدعم الدولية لزيادة الوعي بالقضايا التي تواجهها النساء في العراق، وهذه هي النقطة الثالثة، أما النقطة الرابعة، فتتمثل بتوفير الدعم النفسي والقانوني.

يمكن للمنظمات النسوية تقديم الدعم النفسي والقانوني للنساء المتعرضات للتهديدات والعنف، وذلك لتمكينهن من الدفاع عن حقوقهن والمطالبة بالعدالة، وآخر النقاط لتحقيق الاستجابة، هي التضامن والتعاون، إذ يجب أن تتعاون النسويات مع مختلف الجماعات والفئات الاجتماعية التي تدعم حقوق المرأة والمساواة. هذا التضامن يعزّز الضغط على السلطات لتحقيق التغيير وتوفير الحماية للنساء.

أخيرا، رغم التحديات التي تواجه النسويات والنسوية في العراق، إلا أن العمل المشترك والتصميم على تحقيق التغيير، والاستمرار في دعم وحماية حركات النسوية، سيعزّز حقوق المرأة ومساواتها في المجتمع، خاصة وأن تمكين النساء سيسهم في بناء مجتمع أكثر تقدما وتنمية، وفق الأيوبي، لذا فإن دحض حملات تشوبه النسوية والتحريض ضدها يتم عبر الاستمرار وعدم الاستسلام. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة