في تصريحات صادمة كشفت النقاب عن استراتيجية دمشق للتهرب من العقوبات الاقتصادية الأميركية، أطلق وزير المالية السوري قنبلة من العيار الثقيل، ففي كلمة متلفزة، أوضح الوزير علناً أن الحكومة تلجأ إلى طريقة المقايضة لتجاوز العقوبات وضمان استمرار تدفق السلع الأساسية إلى الأراضي السورية. 

كلمات الوزير السوري المثيرة للجدل لاقت ردود فعل متباينة وسط تساؤلات حادة حول نجاعة هذا الأسلوب وآثاره المستقبلية. إذ على الفور، شكك خبراء اقتصاديون في جدوى هذه الخطوة المتهورة، معتبرين إياها محفوفة بالمخاطر ومحكوم عليها بالفشل. 

بينما الأزمة الخانقة تشتد يوماً بعد يوم، لا شك أن هذا التصريح الصادم قد أشعل فتيل جدلٍ ساخن على الساحة المحلية والإقليمية على حدٍّ سواء. ما الذي يختبئ وراء هذا الإعلان غير المسبوق؟ هل ستنجح دمشق في كسر شوكة العقوبات بهذه الطريقة؟ أم أن سياستها الجديدة ستقودها إلى مأزق أعمق؟

إعلان رسمي

في خطوة جريئة ومثيرة للجدل، وصف وزير المالية السوري، كنان ياغي، العقوبات الغربية المفروضة على حكومته بـ “اللاشرعية”. وبنبرة واثقة، كشف الوزير النقاب عن آلية جديدة تعتمدها دمشق للالتفاف على تلك العقوبات – التجارة بالمقايضة. 

السعودية وسوريا جسر جوي يُعيد الدفء إلى العلاقات الدبلوماسية! (3)
صورة لطائرة من طراز إيرباص A320-211 تابعة لأجنحة الشام للطيران في مطار حلب السوري بعد تحويل الرحلات الجوية من مطار دمشق بعد غارة إسرائيلية، في 15 يونيو 2022. (الصورة من وكالة الصحافة الفرنسية)

وأكد ياغي أن الحكومة السورية باتت تتبع “نهج المقايضة” كأحد أبرز الوسائل لتجاوز القيود الاقتصادية المفروضة عليها. وبصوت حازم، عبّر عن طموح بلاده المتنامي للانضمام إلى تكتلات اقتصادية بديلة مثل مجموعة “البريكس” و”الاتحاد الأوراسي” و”منظمة شنغهاي”، في خطوة تشير إلى تحوّل جذري في السياسة الخارجية السورية.

على هامش فعاليات منتدى بطرسبرغ الاقتصادي الدولي في روسيا، وخلال حديث متلفز، تحدى الوزير السوري بجرأة العقوبات الغربية المفروضة على بلاده، زاعماً أنها ليست سوى “إجراءات قسرية اقتصادية أحادية الجانب لا شرعية لها”.

ورفض ياغي الاعتراف بشرعية تلك العقوبات الدولية التي تستهدف حكومته. ووصفها بـ “المجحفة” من المنظور الاقتصادي، معلناً أن دمشق لن تنحني أمام هذه الضغوط. 

وتأتي هذه التصريحات المثيرة للجدل في ظل انعقاد فعاليات منتدى بطرسبرغ الاقتصادي الدولي، والذي يشهد مشاركة من دول متحالفة مع روسيا بما فيها 8 دول عربية إلى جانب سلطنة عُمان كضيف شرف للمرة الأولى. 

دولة متدخلة

في واقع مرير فرضته سياسات خاطئة وإدارة سيئة، يئن الاقتصاد السوري تحت وطأة نقص حاد في احتياطات النقد الأجنبي، وبنية تحتية صناعية شبه مدمرة، فضلاً عن قيود مشددة على الاستثمار في مناطق سيطرة الحكومة. أزمة معقّدة لا حلّ لها في الأفق القريب، حسب ما يقول خبراء.

ذروة غير مسبوقة لأسعار الملابس في سوريا فرحة العيد تُغيّبها أرقام خيالية! (1)
محل لبيع الملابس في حي الصالحية، شمال غرب سور دمشق القديم، سوريا. (تصوير ماماد تاجيك/صور الشرق الأوسط)

من جامعة حلب، يطرح الأستاذ في كلية الاقتصاد الدكتور حسن حزوري تساؤلات محورية: هل بإمكان الدولة إعادة بناء اقتصادها المنهار بشكله الراهن؟ كيف يمكن معالجة معطيات صعبة كالبُنى التحتية المدمرة، ونقص مصادر الطاقة، وعدم تطابق العرض والطلب، والتضخم المفرط وعدم استقرار أسعار الصرف؟

تصريحات الوزير السوري، يراها حزوري ليست في محلها، خصوصا أنّه إذا الدولة لا تستطيع إعادة البناء ومعالجة معطيات الاقتصاد وفق شكلها الحالي في ظل واقع أنتجته الحرب وسوء الإدارة، حيث بُنى تحتية مدمرة كلياً أو جزئياً أو متضررة- ضعف توفر حوامل الطاقة ( مازوت، فيول، كهرباء) وركود اقتصادي مترافق مع عدم استقرار سعر الصرف، عدم توفر قدرات مالية لدى الدولة، حيث يتم التمويل بالعجز.

في صميم الجدل الدائر حول مستقبل الاقتصاد السوري، يرى حزوري أنه لا هوية للاقتصاد السوري، لأنه هناك “دولة متدخلة” تسيطر بقبضة من حديد على المشهد الاقتصادي، فيما تحتاج البلاد للانتقال إلى نموذج “الدولة الناظمة” التي تتبنى دوراً محفزاً ومنظماً للنشاط الاقتصادي، و تكتفي بمراقبة تنفيذ السياسات.

لا شك أن هذا الطرح المصيري يثير جدلاً ساخناً في ظل واقع يشهد تدخلات حكومية متكررة في الاقتصاد. فالسلطات تصدر باستمرار قرارات وإجراءات تهدف إلى توجيه عجلة الاقتصاد بما يخدم مصالحها قبل مصالح الشعب، كما يحذر الخبراء. هذه السياسات المثيرة للجدل لا تخلو من آثار سلبية على المؤشرات الاقتصادية وحياة المواطنين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات