في الشوارع المليئة بالركام والملاعب المدمرة في جميع أنحاء سوريا المنكوبة في الشوارع التي تتناثر فيها الأنقاض، انتشر شكل خبيث من أشكال الرياضة – وهو على ما يبدو من صُنع الدائرة المقربة من بشار الأسد نفسه. فوفقًا للسجلات المسرّبة التي اطلع عليها موقع “الحل نت”، فإن أعلى المستويات في حكومة دمشق قد نسّقت إنشاء دوري وطني جديد لكرة القدم لإثراء أمراء الحرب ورجال الأعمال المعروفين بــ”حيتان الاقتصاد” الذين يتعهدون بالولاء لمنظومة الأسد السياسية وداعميه الإيرانيين والروس.

بعد مدلول العزيز وأبناء قاطرجي، حاليا يتمحور هذا المشروع المشوّه حول مازن حميدي، المعروف باسم “الحميدي” – الكاتب الشهير لخُطب الرئيس السوري بشار الأسد الدعائية المتلفزة التي يهاجم فيها التدخل الغربي والإصلاحيين الديمقراطيين. وتشير المصادر إلى أن الحميدي قد سيطر شخصياً على عمليات كرة القدم السورية بعد تلقّيه توجيهات من القصر الجمهوري لتحويل البرنامج الرياضي الوطني إلى وسيلة لغسيل الأموال لصالح وكلاء النظام المفضلين وشبه العسكريين، وهنا تكمن القصة.

أصل القصة

على غرار مدلول العزيز، النائب في مجلس الشعب، ورئيس نادي “الفتوة” الرياضي، المتهم بارتكابه لجرائم حرب تحت راية تنظيم إرهابي، ورجل الأعمال السوري المشبوه والمعاقب دوليا، سامر الفوز، الذي يمتلك نادي “الكرامة”، وأبناء قاطرجي براء وحسام قاطرجي، ملّاك نادي “الاتحاد” الحلبي، سيظهر في المستقبل القريب رجل الأعمال، مازن حميدي، ليقتحم باب الرياضة ولكن هذه المرة من موطنه في جنوب سوريا.

أمراء الحرب وحيتان الاقتصاد السوري الموالين لإيران أنتم التالي! (5)
مدلول العزيز، القيادي السابق في جبهة النصرة وعضو مجلس النواب ورئيس نادي الفتوة الرياضي، مع الرئيس السوري، بشار الأسد. إنترنت

ما توصل إليه “الحل نت”، هو أن مازن الحميدي المقرّب من القصر الجمهوري منذ عهد والده، و بأوامر من أعلى المستويات بالدولة تم التوجيه للاتحاد الرياضي العام بترميم ملعب درعا بالسرعة القصوى لإقامة الدوري عليه، لأسباب رياضية وغير رياضية مثلما تم تتويج “الفتوة” بالدوري خلال العامين.

الميركاتو السوري هذا العام سيشهد تنافس رهيب بين عمر العموري ومدلول العزيز ومازن الحميدي، حتى مع عدم وجود لاعبين محترفين في الدوري، إلا أن هذا لن يمنعهم بالتفاخر بالتعاقد مع لاعبين محليين بالمليارات.

رغم أن قوانين “الفيفا” الدولية ترفض تدخل القرار السياسي على أي مسار رياضي، وتؤكد على الاحترام اللازم للتشريع الوطني، بوقف تدخلات الأجهزة السياسية في شؤون إدارة كرة القدم، إلا أن ظهور شخصيات مثل الحميدي والفوز وحتى لونا الشبل، مستشارة الرئيس السوري، في تعيين ودعم رؤساء الأندية السورية وشرائها ليس مجرد صدفة، بل تدخّل سياسة الدولة بأجندة خفية تتعلق بالرياضة، و تحمل أهدافاً استراتيجية.

يقول زكي الأكراد، المؤسس المشارك في فريق العمل السوري لحقوق الإنسان في حالات الطوارئ: “لطالما أطلق الأسد مبادرات منافقة حول إحياء الرياضة الاحترافية كمصدر موحّد للفرح والحياة الطبيعية للشعب السوري؛ لكن الأدلة تظهر أن هذا المخطط الأخير كان مصمماً منذ البداية كوسيلة أخرى لنهب موارد الدولة وتحويلها نحو تغذية نهب أمراء الحرب الذين مكّنوا الأسد من البقاء”.

حوت جديد

تصف عشرات الوثائق التي اطلع عليها “الحل نت” – ستُنشر لاحقا عبر فيديو خاص – والتي يُزعم أنها مذكرات داخلية بين المسؤولين الرياضيين في الحكومة السورية والمكاتب العسكرية، إنشاء دوري كرة قدم احترافي جديد ظاهرياً يسمى “الدوري الجمهوري الممتاز”. 

مازن الحميدي مع رئيس الاتحاد الرياضي السوري، فراس معلا – إنترنت

ومن بين المزاعم الأكثر إثارة للقلق، أن المواسم الافتتاحية للدوري في عام 2024 قد تم تنظيمها عمداً لضمان فوز فرق مملوكة لشخصيات متغلغلة في طائفة الفساد التي تنتمي إلى المنظومة السياسية في دمشق وترتبط بمموّلي “الحرس الثوري” الإيراني. 

تشير السجلات إلى أن امتياز دوري الجمهورية الجديد تم تأسيسه خصيصاً في أواخر عام 2023، ومُنح مباشرةً لعدة رجال أعمال من قبل مسؤولين سوريين يُعتقد أنه بداية مشروع لغسيل الأموال مقابل استمرار حيتان الاقتصاد في سوريا.

المحلل الاقتصادي، محمد الحريري، قال لـ”الحل نت”، إن منح امتيازات رياضية لمعاقبينَ دولياً مثل مدلول والفوز وغيرهم، هو جزء من حسابات الأسد لاستغلال أي مؤسسة مدنية يمكن أن تعزز من واجهة سيطرته الكاملة. مضيفا: “إن قيامه بالسطو على إرث كرة القدم السورية من أجل تمويل القتلة الذين دمروا مدنًا مثل حمص هو انحطاط قاسٍ جديد”. 

وتثير الاكتشافات الرئيسية الأخرى حول هيكلية الدوري الجمهوري شكوكاً حول التلاعب في اللعب والأبطال الذين تم اختيارهم مسبقاً لخدمة مصالح دمشق. والجدير بالذكر أنه تم إصدار أوامر بإجراء ترميمات واسعة النطاق للبنية التحتية لتجديد ملعب درعا ومرافق الإسكان تحت وصاية مازن الحميدي – وهو أمر غير معتاد في المنطقة الجنوبية المعزولة التي شهدت بعضاً من أسوأ المعارك ضد القوات النظامية. 

وتشير المذكّرات الحكومية إلى أن هذه الإصلاحات المستعجلة جاءت بتكليف من مكتب الرئيس لإعداد درعا كموقع لاستضافة البطولة “لأهداف رياضية وغير رياضية”، تحت رعاية الحميدي الرئيس الفخري لنادي “الشعلة” الرياضي. 

وتجد عبارة “أهداف رياضية وغير رياضية” نفسها مستخدمة بشكل متكرر في السجلات المسرّبة. ويقول محللون إن هذا يشير على الأرجح إلى أن الدوري الجمهوري يعمل كقناة لغسيل الأموال لدعم الوكلاء المسلحين وكذلك توفير فرص دعائية “مبهجة” من خلال تنظيم مباريات في ملاعب ممتلئة وهتافات مصممة لحملات الأسد الإعلامية.

يقول داني مكي، وهو زميل مشارك في برنامج التراث والأمن السوري في الولايات المتحدة، “لقد أصبح الأسد محنكاً جداً في معايرة كمية العنف المستخدمة للبقاء في السلطة مقابل تقنيات التضليل الداهية التي تزرع هالة من الاستقرار”. 

ويضيف في حديثه لـ”الحل نت”، أن “من وجهة نظر الديكتاتور، فإن مخطط كرة القدم المنحرف هذا هو طريقة ملتوية بأناقة لجعل منفذيه أكثر ثراءً بينما يبث للعالم مجازات خادعة عن الحياة الطبيعية والمشهد الرياضي”.

من هو مازن الحميدي؟

تعود جذور مازن الحميدي المنحدر من قرية دير العدس بريف درعا في السلطة السورية لوالده، الذي شارك في الجيش السوري بحرب تشرين عام 1973، كقائد أحد أسراب القوات الجوية، حيث نال من الرئيس السوري الأسبق، حافظ الأسد، وسام الشرف والاستحقاق من الدرجة الأولى، وتم ترفيعه إلى رتبة مقدم. ومنذ ذلك الحين، أصبح هذا الضابط المخضرم مقرّباً من القصر الجمهوري حتى عُيّن مستشاراً في المكتب الخاص للرئيس بشار الأسد بعد تسلّمه مقاليد الحكم عام 2000.

مازن الحميدي الرئيس الفخري لنادي “الشعلة” الرياضي – إنترنت

ولم تكن مسيرة محمد الحميدي في الجيش السوري فردية، بل سبقه إخوته أحمد وعبد الرحمن في الانخراط بصفوف الجيش، حيث ترقى الأخير إلى رتبة عميد ركن وتولى قيادة قسم الاستطلاع في مطار المزة العسكري. أما الأخ الثالث أحمد، فظل ضابطاً في جهاز الشرطة حتى وفاته قبل سنوات قليلة.

في ظل الظروف العصيبة التي مرّت بها سوريا، برز اسم مازن الحميدي أو ما يُلقب بـ “الدكتور” على الساحة السياسية بقوة. فهذا الشاب الحاصل على شهادة الدكتوراه في طب الأنف والأذن والحنجرة من جامعة دمشق المرموقة، نجح في اقتحام أروقة القصر الجمهوري منتصف العقد الأول من القرن الحالي بفضل علاقات والده الوثيقة.

لم يكن صعود مازن الحميدي السريع نحو قلب السلطة مجرد صدفة، بل حل محل والده كمستشار سياسي في المكتب الخاص للرئيس بشار الأسد، وأصبح الحميدي اليد اليمنى للرئيس وكاتب خطاباته.

وفي أحدث تجلّياته على الساحة السياسية، كان لـ مازن الحميدي دور محوري في صياغة آخر خطاب للرئيس الأسد أمام مجلس الوزراء الجديد في 14 آب/أغسطس 2021. في هذا الخطاب، عرض الأسد مفهوم “اللامركزية الإدارية” كطريق نحو حل النزاع الدامي في سوريا، مستعيناً بأفكار مستشاره.

ظل الأسد الأمني

يسكن مازن الحميدي، رجل الظل الأكثر نفوذًا في منظومة الحكومة السورية الحالية، بحي ركن الدين في دمشق، ويُخفي هذا المستشار سرّاً من أسرار القصر الجمهوري، التي لا يعلم بها سوى النخبة المقربة من الرئيس بشار الأسد.

مازن الحميدي برفقة المفتي السابق لسوريا أحمد بدر الدين حسون – إنترنت

لكن عيادة الدكتور الحميدي الخاصة في شارع الحمرا هي المركز الحقيقي لعملياته السرّية. ففي هذا المكان المحصّن، يلتقي بانتظام مع كبار قادة الجيش والأجهزة الأمنية لرسم السياسات الأمنية للبلاد بعيداً عن أعين المراقبين.

لضمان سلامته أثناء تنقلاته، يحاط الحميدي بمرافقة خاصة من نخبة مكافحي الإرهاب والمعروفة باسم (CTU)، وهذه الوحدة العسكرية النخبوية، المدربة والممولة من روسيا، هي الجدار الواقي لـ مازن الحميدي.

ومن معقله السرّي، يشرف الحميدي مباشرة على رسم السياسات الأمنية لمكتب الأمن الوطني، ذلك الجهاز الاستخباراتي الخطير الذي يهيمن على شرايين الدولة السورية. فبقلم هذا المستشار وبتوجيهاته السّرية، رسم ملامح المستقبل الأمني لجنوب سوريا منذ عام 2018.

ففي خضم الصراع الدامي الذي مزّق سوريا، برز مازن الحميدي كرجل سلام غامض. ففي بداية عام 2015، وبدعم من الجنرال الروسي ألكسندر زورين، المبعوث الخاص لوزارة الدفاع الروسية لدى مجموعة العمل الدولية، أطلق الحميدي مبادرة باسم “سلام الجنوب”.

كانت الفكرة الرئيسية لهذه المبادرة هي إنشاء ما يُعرف لاحقاً بـ “لجان المصالحات” في مدن وبلدات درعا والقنيطرة المنكوبتين بنيران الحرب. تولت هذه اللجان مهمة فتح قنوات تواصل مباشرة مع قادة فصائل المعارضة السورية، بهدف تجميد جبهات القتال وعقد اتفاقيات مصالحة سرّية برعاية روسية.

وسرعان ما أثمرت جهود الحميدي عن أولى ثمارها في عام 2016، حين تم التوصل لأول اتفاق تهدئة سرّي بين فصيل “مجاهدي حوران” في مدينة إنخل شمال غربي درعا والقوات النظامية برعاية الحميدي.

وبموجب هذا الاتفاق، سلّم الفصيل المعارض رشاشاً ثقيلاً وقاذفة صواريخ محلية الصنع مقابل وقف استهداف المدنيين وإطلاق سراح بعض المعتقلين، فضلًا عن فتح ممرات إنسانية لإدخال المواد الغذائية والوقود إلى المدينة المحاصرة.

لم تكن هذه سوى البداية لـ مازن الحميدي، فقد أعقبها سلسلة من الاتفاقيات السّرية المماثلة في مدن الحارة وابطع وداعل وغيرها، معتمداً في ذلك على شبكة واسعة من لجان المصالحة التي أنشأها في أنحاء محافظة درعا. 

وكان للحميدي دور كبير في الاتفاق الذي عُقد منتصف عام 2018 بين فصائل المعارضة والجيش السوري برعاية روسية وذلك عن طريق “كنانة حويجة” والتي تُعد أحد أذرعه في ملف التسويات والمصالحات والذي أفضى لسيطرة دمشق على جنوب سوريا آنذاك.

أحزاب وجمعيات الحميدي

في ظل انهيار جبهات القتال في الجنوب السوري أمام هجمات الجيش السوري والروسي والميليشيات الإيرانية، كان مازن الحميدي يخطط لمرحلة ما بعد الحرب بخطوات حذرة وماكرة. فبعيداً عن أضواء الإعلام، عقد هذا الدبلوماسي الخفي سلسلة من الاجتماعات السّرية في نهاية عام 2018 مع نخبة من المعارضين الذين بقوا في درعا وأجروا تسويات مع دمشق.

مازن الحميدي خلال اجتماع لجمعية “تموز” في درعا – إنترنت

في هذه الاجتماعات السرية، التي حضرها اللواء علي مملوك رئيس الأمن الوطني “أمن الدولة” سابقا، طرح الحميدي فكرة تشكيل كيان سياسي جديد في درعا ضمن إطار المعارضة الداخلية. وقد ضمّت اللقاءات عدداً من الوجوه البارزة مثل محمد المذيب وزير الإدارة المحلية السابق في الحكومة السورية المؤقتة، وإسماعيل الحاج علي، وأحمد الدنيفات أحد قادة المعارضة في جاسم، الذي اغتيل لاحقًا عام 2020، إضافة إلى أعضاء هيئة الإشراف والمتابعة السابقة وضباط منشقين عن الجيش السوري.

بحسب خطة الحميدي، كان يتعين أولًا إنشاء “حواضن شعبية” للكيان السياسي الجديد ضمن المجتمعات المحلية في درعا قبل الإعلان الرسمي عنه. ومن هنا، أطلق مشروع “خيمة وطن” في عدد من المدن والبلدات لاستقطاب قاعدة جماهيرية للتشكيل المزمع. لكن فشل هذا المشروع لأسباب غير معروفة.

ولم ييأس مازن الحميدي من مخططه لإحياء معارضة موازية في درعا، إذ إنه عاد للعمل على ذات المشروع في بداية عام 2018 بدعم من روسيا وبمساعدة عدد من المعارضين السوريين في الداخل.

حين توصّلت اللجان المركزية في درعا البلد لاتفاق تسوية مع حكومة دمشق برعاية روسية، ظهر الحميدي إلى جانب اللواء حسام لوقا رئيس شعبة المخابرات العامة، والعميد لؤي العلي رئيس فرع الأمن العسكري في المنطقة الجنوبية في مشهد يدل على دورٍ كبير لعبه “الدكتور” في التوصل إلى ذلك الاتفاق.

كما برز اسم مازن الحميدي كواحد من أبرز الشخصيات السورية المنخرطة في أعمال الجمعيات الخيرية، حيث أسس عام 2016 جمعية “تموز” أو ما يُعرف بـ”الجمعية السورية لدعم أُسر الشهداء”.

على الرغم من حداثة عهدها، نجحت هذه الجمعية الخيرية في ترسيخ حضورها القوي على الساحة الإنسانية في سوريا. ويُعزى جانب كبير من هذا النجاح إلى العلاقات الوطيدة التي يقيمها الحميدي مع عدد من المؤسسات الخيرية الإقليمية والدولية.

جمعية “تموز” ترتبط بشكل وثيق بـ “مؤسسة الشهيد”، الذراع المالي لـ “حزب الله” اللبناني الشيعي. ومن خلال هذا الارتباط، تمكّن الحميدي من الحصول على تمويل وتبرعات مالية تُدفقها طهران إلى المؤسسة اللبنانية التي أدرجتها واشنطن على لائحتها السوداء بسبب نشاطاتها المشبوهة.

لكن ليس هذا فحسب، بل يستقي الحميدي أيضاً تبرعات لجمعيته من مصادر محلية في دمشق، حيث يربطه علاقات وثيقة بأبرز رجال الأعمال مثل سامر الفوز. تطورت هذه العلاقة إلى شراكة تجارية حقيقية بينهما في تأسيس شركة “MENA” لإنتاج السكر برأسمال ضخم يقدر بنحو 47 مليون دولار. 

وهكذا، يظهر مازن الحميدي للعلن كوجه إنساني خيري، بينما يخفي بمهارة خلفياته المشبوهة والروابط المريبة مع جهات محسوبة على الإرهاب والجريمة المنظمة.

الرياضة السورية لغسيل الأموال

تؤكد السجلات أن التحويلات المالية من الاتحاد الرياضي العام في سوريا سيقدم للفريق بعد الفوز باللقب مع توجيه أموال إضافية كهدايا، ولذلك بعد أن احتلت فرق قاطرجي والفوز ومدلول مؤخرا صدارة الدوري السوري، يبدو أن الدور جاء على الحميدي.

مازن الحميدي الرئيس الفخري لنادي “الشعلة” الرياضي – إنترنت

ويبدو أن إحدى مذكّرات آب/أغسطس 2023 تُظهر سلسلة معقدة من التحويلات التي توجّه عائدات نادي “الفتوة” استقرت في نهاية المطاف في صندوقٍ مملوك لـ”الحرس الثوري” الإيراني مسجل في منطقة بعلبك اللبنانية.

حكومة دمشق، ليس غريب عليها إساءة استخدام الصناعات المدنية مثل البناء والأدوية و الكونسروة كخطوط سرّية لتحويل الأموال إلى شركاء إيرانيين وميليشيات وكيلة مثل “حزب الله”، وغسيل الأموال من تجارة المخدرات وغيرها من وسائل الجريمة المنظمة التي انتشرت في سوريا.

كرة القدم بدورها لم تكن من المجالات المتوقعة التي من الممكن أن يستغلها حيتان الاقتصاد وأمراء الحرب لأغراض الإثراء الذاتي المنظّم. لكن هذه التسريبات تكشف عمقاً جديداً تماماً من الفساد من خلال ما يبدو أنه تحويل الرياضة السورية إلى خط أنابيب مالي يتجه مباشرة إلى خزائن هؤلاء.

وتشير الدلائل أيضاً إلى أن الدوري الجمهوري الممتاز الذي تم تسهيله تحت رعاية مازن حميدي يستعد للتوسع بشكل كبير ليصبح مشروعاً بيزنطياً يمتد على كامل الاقتصاد السوري. وتكشف مذكّرة صدرت في أواخر عام 2023 تحمل توقيع حميدي عن أوامر للبرلمانيين السوريين بصياغة تشريع جديد لإنشاء ما يسمى بـ “الصندوق الوطني لكرة القدم” تحت إدارته. 

وتقترح المذكّرة نسج نسبة مئوية من جميع الإيرادات الضريبية من قطاعات مثل النفط والغاز والزراعة وإعادة الإعمار في هذا الصندوق المخصص الذي سيوجه الأموال إلى “تطوير البنية التحتية الرياضية” التي تسيطر عليها الدائرة المقربة من حميدي. 

وبنفس القدر، تشير التوجيهات أيضاً إلى أن الصندوق الوطني لكرة القدم سيكون له الأسبقية في الحصول على فرص عمل مربحة لأي عقود تشمل “بناء الملاعب أو المجمعات الرياضية وإعادة تأهيل المرافق وسلاسل التوريد”. 

مثل هذه اللغة المفتوحة يمكن أن تتيح نظرياً وقوع أي مشروع اقتصادي كبير في سوريا تحت إشراف حميدي كمصدر دخل ذاتي متخفياً في شكل استثمار رياضي، وخاضعاً للرشاوى والكسب غير المشروع الذي يميز بالفعل دوري الجمهورية.

وبحسب الأكراد، فإنه بدلًا من تمكين الشركات المستقلة والمواطنين من إعادة بناء مجتمعاتهم بعد سنوات من الحرب، يبدو هذا وكأنه استيلاء آخر على السلطة يرسّخ من قوة زمرة بشار الأسد المعاقبة دوليا من شبكات المحسوبية. 

الآن يمكن لهذه الزمرة والحديث للمصدر ذاته، الانخراط في رأسمالية المحسوبية تحت ذريعة إعادة بناء الملاعب أو استيراد البضائع، بينما تقوم بتحويل الأموال إلى صناديق مشبوهه بهدف خرق العقوبات وتمويل كتائب وفرق الموت.

0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات حول سياسة

جديداستمع تسجيلات سابقة