كرة القدم السورية هي واحدة من أكثر الألعاب شعبية في البلاد، لكنها أصبحت أيضا أحد أكثر الألعاب فسادا. حيث أصبح أمراء الحرب يسيطرون على اللعبة، ويستخدمونها لأغراضهم الخاصة.

في ظل هذا الواقع العصيب، وعندما يعتقد البعض أن الاهتمام بكرة القدم قد ضاع بين أحداث الحرب والمآسي، يظهر “حرامي بئر نفط” ليفاجئ الجميع. هو لقب غريب يطلق على أحد الأشخاص الذي يسيطر على عالم كرة القدم السورية بأسلوب غير شرعي وغير أخلاقي. إذ يرتبط اسمه بالإرهاب والفساد والانتهازية، حيث يعتبر رمزا للأمراء الحرب الذين استغلوا الفوضى والفلتان الأمني في البلاد لتحقيق مكاسبهم الشخصية، حتى وإن كان ذلك على حساب كرامة اللعبة وطموحات اللاعبين والجماهير.

نادي “الكرامة” آخر الضائعين

قصص الفساد والسيطرة على كرة القدم السورية ليست حكرا على شخص واحد، بل تكثر في فضاء سوري تملأه الفوضى وغياب القانون. فالأندية تكتنفها الشبهات والاتهامات وعمليات الاحتيال والتزوير، فيما يعاني اللاعبون والمدربون من ظروف صعبة واستغلال لمواهبهم.

نادي الكرامة السوري - إنترنت
نادي الكرامة السوري – إنترنت

منذ أمس الثلاثاء، تتداول صفحات التواصل الاجتماعي السوري، تعيين ما يصفه السوريون بالملياردير، محمد رهيف الشبعان، رئيسا لنادي “الكرامة”، بعد دعمه لفريق كرة اليد بمبلغ 3 ملايين ليرة وتعهده بدعم النادي بمبلغ 220 مليون ليرة، فضلا عن استخدامه سلطته للإطاحة برئيس النادي الأسبق، خالد رعد.

الشبعان الذي ارتبط اسمه بشكل مباشر مع أروقة وشركات رجال الأعمال السوري المشبوه والمعاقب دوليا، سامر الفوز،  تقلد منصب عضو مجلس محافظة حمص بقرار رئاسي، في تشرين الأول/أكتوبر 2022، بعد أن انتخب عضوا بشكل غير معلوم ضمن مجلس نادي “الكرامة” في حزيران/يونيو من العام ذاته.

الذي يجسد الجانب الأكثر غموضا وانتشارا للفساد في عالم كرة القدم السورية، أن جميع هذه القرارات تخضع للمؤسسة الحكومية السورية، إذ لا خصخصة في الأندية السورية، وهذه القصة الغامضة تكشف عن طبيعة الظروف القاسية التي تمر بها البلاد، وتبين كيف يتم الاستفادة من الأزمات لتحقيق أهداف شخصية وضرب كرامة اللعبة الجميلة.

تنافس أمراء الحرب على الرياضة السورية

هذا ليس الحادث الأول من نوعه، حيث سبق أن تم اتهام العديد من أمراء الحرب السوريين بشراء الأندية الرياضية السورية لأغراض سياسية وتجارية. إذ في حزيران/يونيو 2021، تنافس كبير تناقلته صفحات سورية عبر موقع “فيسبوك”، بين شركتي “إيماتيل” و”قاطرجي الدولية”، ليس على الصعيد الاقتصادي وإنما في الجانب الرياضي. 

تفاصيل مثيرة كشفت عن دعم شركة “قاطرجي الدولية”، التي يملكها أمراء الحرب براء وحسام قاطرجي، لنادي “الاتحاد” الحلبي بمبلغ ضخم يتجاوز المليار ليرة سورية ونصف، خلال الموسم الرياضي 2022. وهذا المبلغ الضخم خصص بشكل رئيسي لصالح فريق كرة القدم للرجال.

بالمقابل، قررت شركة “إيماتيل” التي يديرها طاهر خضر وترتبط بنفوذ أسماء الأسد الاقتصادي، منح نادي “الوثبة” الحمصي ميزانية مفتوحة، وهو النادي الذي يشارك في لعبتي كرة القدم والسلة فقط. وبالفعل، بدأت إدارة نادي “الوثبة” التحضير للموسم الكروي بتعاقدات نوعية وصفقات ضخمة، في حين لم تبدأ أي من الأندية الأخرى بعد في تعاقداتها للموسم الجديد.

تدريبات المنتخب السوري - إنترنت
تدريبات المنتخب السوري – إنترنت

في سياق آخر وفي ذلك الوقت، استعد فريق “الاتحاد” للكشف عن صفقات كروية مميزة، حيث أشارت تسريبات وتداولات مشجعي الفريق عبر “فيسبوك” حينها، إلى استقدام مدرب سوري محترف سابق في قطر، بالإضافة إلى التعاقد مع مهاجم سوري يلعب في الدوري السويدي ويحمل جذورا سورية.

تبيض أموال النفط السوري

شركة “قاطرجي” دعمت نادي “الاتحاد” منذ مدة تزيد عن خمسة أعوام، ورغم ذلك لم تكن تقدم أموالا كبيرة ضمن عقد الرعاية بينهما في المواسم الماضية، حيث كانت الأموال تصنف بأنها هِبة أو هدية نظرا لتراجع مستوى فريق كرة القدم في المواسم السابقين، وخصوصا في الموسم 2020.

رجل الأعمال سامر الفوز - إنترنت
رجل الأعمال سامر الفوز – إنترنت

على الجانب الآخر، كانت الشركة قد قدمت دعما ماليا هائلا للنادي خلال موسم 2019-2020، حيث وصل المبلغ إلى أكثر من 600 مليون ليرة سورية، مما ساهم في جذب مدرب تونسي لتدريب الفريق، وهو الحدث الأول من نوعه منذ عام 2011، حيث كانت سوريا تعاني من تحديات أمنية ورياضية خلال تلك الفترة.

عدة تقارير صحفية أثبتت مشاركة شركة “قاطرجي” مع تنظيم “داعش” الإرهابي لنقل النفط والقمح من المناطق التي كانت تحت سيطرته في الشرق السوري إلى مناطق سيطرة الحكومة في دمشق. واستمرت هذه العمليات مع الميليشيات الإيرانية في العراق وسوريا، مما أثار تساؤلات حول دور الشركة في هذه الأنشطة غير المشروعة.

أيضا كان الموسم الكروي 2020 مثيرا للجدل، حيث اشتدت المنافسة بين شركتي “قاطرجي” و”الفوز” في تقديم الدعم المالي للأندية. حينها، قدم الفوز دعما كبيرا لنادي “حطين”، مما دفع شركة “قاطرجي” لزيادة المخصصات لنادي “الاتحاد” واستقطاب لاعبين بصفقات مالية ضخمة لم يشهد الشارع الرياضي السوري مثلها من قبل.

رغم أن “تشرين” حصل على دعم مالي أقل بكثير من “حطين” من قبل رجل الأعمال المعاقب دوليا، سامر فوز، إلا أنه استطاع تحقيق لقب بطولة الدوري مرتين خلال الموسمين الفائتين. الناديان اللذان ينتميان لمحافظة اللاذقية شهدا رغبة من شركة “الفوز” في السيطرة على كرة القدم في سوريا، وهو ما نقلته شبكة إخبارية رياضية محلية في وقت سابق.

هيمنة جديدة لإرهابي وقاتل

تساؤلات عديدة أثيرت مؤخرا حول مصدر المليارات التي ينفقها نادي “الفتوة” في كرة القدم بسوريا. حيث تنبع هذه التساؤلات من كميات الصفقات الضخمة التي أبرمها النادي خلال العامين الماضيين، إذ طفت فجأة على السطح هذه الأموال بعد تولي مدلول العزيز رئاسة النادي الرياضي.

رئيس نادي "الفتوة" مدلول العزيز - إنترنت
رئيس نادي “الفتوة” مدلول العزيز – إنترنت

استلام أمير الحرب العزيز لرئاسة “الفتوة” كان نقطة تحول رئيسية في سياسة النادي المالية، رغم هذا الشخص يحمل تاريخا مشبوها يتخلله العديد من الجرائم، فضلا عن ارتباطه السابق بجماعة إرهابية ومشاركته في عمليات عسكرية ضد القوات الحكومية.

على الرغم من تلك الحقائق المثبتة، فإن العزيز ظهر برفقة كادر نادي “الفتوة” خلال لقاء مع الرئيس السوري بشار الأسد في مطلع شهر حزيران/يونيو الماضي، بعد أن حقق النادي القادم من مدينة دير الزور لقب الدوري السوري الممتاز لكرة القدم.

صفحات رياضية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” تداولت وصفا لنادي “الفتوة” بأنه “نادي النفط” منذ تولي مدلول العزيز إدارته. وهذه التقارير أكدت أن العزيز يسيطر على بئر نفط في دير الزور، وترتبط سيرته بتهريب النفط والمخدرات، والآن يستخدم النشاطات الرياضية لتبييض أمواله.

بالرغم من قرار وزارة المالية السورية بالحجز الاحتياطي على أموال 35 مسؤولا، من بينهم رئيس نادي “الفتوة” مدلول العزيز، بسبب تورطهم في عمليات تهريب النفط والمخدرات، وتورطهم في تهم القتل والابتزاز، إلا أن ذلك لم يمنعه من الالتقاء بالرئيس السوري.

العزيز الذي كان قبل شهر يلتقط الصور مع الرئيس السوري بشار الأسد، تؤكد تقارير من “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” أنه كان قياديا في جبهة “النصرة” المعروفة الآن باسم “هيئة تحرير الشام”، والتي تعتبر منظمة إرهابية وفقا للقوائم الدولية، خلال الفترة بين عام 2012 و2015.

بحسب تقرير الشبكة، كان العزيز يلقب بـ “أبو ذباح” نظرا لسمعته في قتل وذبح عناصر الجيش السوري عندما كان أميرا في “جبهة النصرة”. كما كشف التقرير أنه كان يتاجر بالنفط ويشرف على تصديره للحكومة السورية. وعندما احتل “داعش” مدينة دير الزور، أجرى مصالحة مع المخابرات الجوية السورية ليؤسس ميليشيات تابعة للقوات الحكومية. وبعدها، استمر في عمليات تهريب النفط والمخدرات بمساعدة الميليشيات الإيرانية في دير الزور.

وبالفعل، أصبح العزيز أحد المقربين البارزين لقيادة “الحرس الثوري” الإيراني في المحافظة. ويُعتبر صديقا مقربا من “الحاج عسكر”، الذي يشغل منصب مسؤول “الحرس الثوري” الإيراني في البوكمال، وكذلك “الحاج علي” نائب مسؤول “الحرس الثوري” في مدينة دير الزور. ونتيجة لذلك، حصل العزيز على سلطة واسعة في المحافظة واستطاع التحكم بمقدراتها الاقتصادية. وهذا يجعله يتمتع بضوء أخضر من قبل حكومة دمشق، التي تظل عاجزة عن رفض أو تحجيم أي توجه إيراني في دير الزور.

حقل النفط الذي يسيطر عليه أمير الحرب العزيز يتواجد في منطقة حقل “الخراطة” جنوب غرب مدينة دير الزور. وهذا الحقل تحميه ميليشيا “الباقر” التابعة لإيران، وهذه المعلومة موثقة في العديد من التقارير الحقوقية، وأدركها جيدا مشجعو كرة القدم في سوريا، مما دفعهم لإطلاق لقب “نادي النفط” على نادي “الفتوة” منذ تولي العزيز إدارة النادي.

بعد أجراء المصالحة مع القوات الحكومية، تؤكد المصادر المفتوحة، أن مدلول العزيز استمر في نشاطات تجارة النفط والمخدرات. وفي عام 2020، نجح العزيز في الفوز بعضوية مجلس الشعب السوري، وبعد عام، تولى إدارة نادي “الفتوة”. وفي هذا الوقت، قام بتسديد كافة ديون النادي وبدأ في سلسلة من التعاقدات مع نخبة من اللاعبين، الذين ساهموا في تحقيق لقب بطولة الدوري هذا العام.

كيف يسيطرون أمراء الحرب على أندية كرة القدم السورية، سؤال لا يكتنفه الغموض ولا التعقيد، إذ من المسلم في سوريا أن جميع هذه النوادي لا يمكن الوصول إلى رئاستها إلا عبر الاتحاد الرياضي العام التابع للحكومة السورية ووزارة الرياضة  والشباب، وهو ما يدلل أن هناك ضوء أخضر من السلطات لأمراء الحرب بالسيطرة على كرة القدم السورية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات