يتأتى الاتصال بين الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان ونظيره السوري فيصل المقداد منتصف الأسبوع ضمن سياقين، أولهما عام يرتبط بالموقف الإماراتي من الوضع في سوريا، وتحولات ذلك الموقف عقب الزلزال المدمر قبل نحو عام، وثانيهما خاص، يتعلق بالمتغيرات الإقليمية على وقع ما يجري في غزة من أحداث ميدانية تؤثر على الإقليم، بينما تظل الجبهة السورية ضمن حيازة المحور الإيراني الذي يستعملها في صراعه من خلال وكلائه. فيما بحث الطرفان وفق البيانات الرسمية، العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها وتنمية التعاون، بما يخدم المصالح المشتركة.

مطلع العام، قامت الإمارات بتعيين سفير فوق العادة لها بسوريا، هو حسن الشحي، ليكون أول سفير منذ عام 2011.

ليس ثمة شك، أنه لا يجود أي إجماع عربي بشأن تعويم حكومة دمشق سياسياً أو القبول بالتطبيع معها، بل إن مصدر سياسي عربي، لم يتردد في الكشف عن “الإحباطات” وخيبة الأمل بين دول “مجلس التعاون الخليجي” منذ استعادة سوريا مقعدها في “جامعة الدول العربية”، وحضور اجتماع القمة بعد غياب دام لنحو 12 عاماً، موضحاً لـ”الحل نت”، أن قضية الكبتاغون “مسألة أمن قومي” بالنسبة لأمن الخليج، لا سيما المملكة العربية السعودية، وهي تشكل مخاطر لكونها “مقياس مباشر على مدى نفوذ الدولة العميقة المرتبطة بـ”الحرس الثوري الإيراني” في سوريا، واستمرارها في تضخيم الاقتصاديات الموازية التي تعتمد عليها في تمويل الميلشيات، وإدامة الحروب والصراعات بالإقليم”. بالتالي، فإن محاولات جذب بشار الأسد لمحيطه الإقليمي العربي، تبوء بالفشل. 

علاقة الإمارات بسوريا

غير أن المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه، يقول إن مقاربات كل بلد تختلف بشأن تواصلها السياسي والدبلوماسي مع دمشق، موضحاً أن الإمارات لديها خط عام يتصل مؤخراً “تصفير المشاكل” وعليه، خففت من حدة الصراع مع تركيا، ونجحت في الوصول لصيغة ثنائية من التعامل مع خصومها الإقليميين في إطار براغماتي وبناء على الملفات المشتركة، كما هو الحال مع إيران، ويردف: “اتصال الشيخ عبد الله بن زايد مع المقداد في تقديري مرتبط بالوضع الإقليمي في غزة، نظراً لجهود أبو ظبي ووساطتها إن جاز التعبير لإبلاغ “الأسد” ضرورة الابتعاد عن سياق الحرب برمته”.

زيارة سابقة لوزير الخارجية الإماراتي لدمشق ولقائه بشار الأسد-“إنترنت”

ويمكن القول إن “الأسد” يعول على أبو ظبي لجهة تخفيف العقوبات الأميركية على سوريا، لا سيما “قانون قيصر” وإن كان ذلك من بين الأمور المستبعد حدوثها في ظل المماطلة لجهة الحل السياسي والاستجابة للقرارات الأممية. 

وفي لقاء سابق جمع الشيخ عبد الله ونظيره الروسي سيرغي لافروف، قال إن “قانون قيصر هو التحدي الأكبر الذي يواجه العمل المشترك مع سوريا”. وأكد الأخير أن بلاده لا تعارض إطلاقاً التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل، وجاء هذا اللقاء عقب الزيارة التي قام بها الوزير الإماراتي العام الفائت لسوريا، ووفق بيان الرئاسة السورية آنذاك: “ناقشا (عبد الله بن زايد وبشار الأسد) تطوير التعاون الثنائي في مختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك، وتكثيف الجهود لاستكشاف آفاق جديدة لهذا التعاون، وخصوصاً في القطاعات الحيوية من أجل تعزيز الشراكات الاستثمارية في هذه القطاعات”.

كما “تناولا الأوضاع على الساحتين العربية والإقليمية، واتفقا على استمرار التشاور والتنسيق حول مختلف القضايا والتحديات التي تواجه المنطقة العربية، من أجل تحقيق تطلعات شعوبها وبإرادتهم بعيداً عن أي تدخلاتٍ خارجية”. ومن جهته، أكد الشيخ عبد الله على “دعم الإمارات لجهود الاستقرار في سوريا، وما حصل في سوريا أثر على كل الدول العربية”.

مسار الأحداث التي اندلعت في سوريا عام 2011، شكلت فرصة مهمة بل واستراتيجية للعديد من دول الخليج لتنظر لها على نحو مختلف عن سياق “الربيع العربي” الذي لم يكن مرحباً به في دول مثل القاهرة، لكن سوريا انعكست في سياسات دول الخليج التي تبدو العلاقات بينها وبين دمشق مأزومة نظراً لمواقف الأخير العدائية والتي تحمل أجندة مختلفة عن الإقليم تذهب نحو الولاء لإيران، فكان الموقف الخليجي يرى في الحراك المدني فرصة لعزل إيران عن المشهد الإقليمي في محيطها المباشر والمؤثر على مصالحها، فضلاً عن تقويض نشاطها وتعطيل حركتها.

ومن هنا، دعمت الإمارات كما السعودية وآخرين الاحتجاجات المعارضة للأسد قبل أن يبدأ بشن حربه واستعمال السلاح والبراميل المتفجرة ويستدعي حلفائه من إيران وروسيا. وشكلت أبو ظبي مجموعات سياسية منها “أصدقاء الشعب السوري”، حتى تكون وسيلة تنظيمية لحل الأزمة بشكل سياسي.

والموقف الإماراتي لم يكن بعيداً عن التنسيق مع الولايات المتحدة، خاصة في ما يتصل بجهود مكافحة الإرهاب، إذ انخرطت في القصف الجوي عام 2014 مع “قوات التحالف الدولي” على مواقع تنظيم “داعش” الإرهابي.

تركيا خصم مشترك!

ثمة متغيرات إقليمية يمكن افتراضها لتحولات أبو ظبي في سوريا، وانفتاحها على بشار الأسد، والذي جاء مع عام 2018 بافتتاح السفارة بدمشق، وبعدها تعددت الاتصالات واللقاءات بين المسؤولين من الجانبين، ففي تلك المرحلة السياسية احتدم الموقف بين أبو ظبي وتركيا في ليبيا والتي كانت تدعم حكومة فايز السراج المعروف بتبعيتها التامة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وصلاتها بجماعة “الإخوان” وعمقهم العشائري بليبيا، بينما سعت الإمارات نحو استمرار تمكين خليفة حفتر تحديداً في طرابلس. وعلى ذلك اصطفت أبو ظبي مع دمشق أمام خصم مشترك هو أردوغان وتقليص الدور التركي في الشمال السوري ومحاولة استعادة إدلب.

لا يتعين الموقف الإماراتي خارج الأطر والسياقات الدول الخليجية، حيث تؤدي الدولة الخليجية دوراً من خلال علاقاتها وتأثيراتها الإقليمية لدى الحكومة السورية وكذا لدى إسرائيل بعد “اتفاقات إبراهام”، بما يجعلها تتحرك على خلفية ما يجري في غزة بمرونة وديناميكيات متعددة.

سبق لمعهد واشنطن، أن لفت إلى أن التطبيع مع “الأسد” تتزامن مع تحركات “لتحسين العلاقات الثنائية وسط مسعى إقليمي أوسع يهدف إلى إيصال الشرق الأوسط تدريجياً، بعد مرور عقد حافل بالاضطرابات. إذ يجري في الوقت الحالي مساران مختلفان إنما متساويان بأهميتهما لجهود المصالحة في المنطقة، بضمان الدول الأعضاء في “مجلس التعاون الخليجي” كأطراف رئيسية. حيث تعمل دول المجلس من جهة على تخفيف حدة التوترات مع منافسيها الإقليميين المتأصلين بغية تعزيز الاستقرار الدائم في الجوار المباشر لدول المجلس. ومن جهة أخرى، تتخذ الأنظمة الملكية في دول المجلس حالياً خطوات لتخفيف حدة التوترات الحالية ونزع فتيل الصدامات المستقبلية داخل معسكر الخليج نفسه. ولعل عودة الرئيس السوري بشار الأسد إلى الحضن العربي حيث يتقاطع هذان المساران الدبلوماسيان تحمل معها تداعيات بعيدة المدى للاستقرار العام في الشرق الأوسط ونجاح عملية خفض التصعيد الحالية”. 

وبالتالي، فإن “تباين الأولويات الاستراتيجية والسعي إلى تحقيق نتائج متعارضة ليس بالأمر الجديد على المجلس. فقد شهدت دولة منذ بداياته في عام 1981 اختبارات عديدة شكلت تحدياً كبيراً أمام صموده. ومع ذلك، لم تصل الاحتكاكات يوماً إلى نقطة اللاعودة، إذ لا يزال المجلس صامداً ولم يشهد أي انشقاق بعد”، وفق المعهد الأميركي.

الرئيس السوري، بشار الأسد خلال القمة العربية في البحرين-“إنترنت”

كما ولفت المعهد الأميركي إلى أن الجهود الرامية إلى إعادة بناء الثقة المتبادلة في الوسط الخليجي ما زالت في مراحلها المبكرة والخلافات التي لم تُحل حول القضايا الساخنة مثل التطبيع مع حكومة دمشق، قد يدفع ممالك الخليج إلى استئناف عاداتها التخريبية القديمة. فمن ناحية، تعكس الدبلوماسية الاستباقية للسعودية بشأن الملف السوري خلال الأشهر الماضية عزم المملكة على تعزيز مكانتها القيادية الإقليمية. وبما أن اتفاق التقارب السعودي الإيراني الذي توسطت فيه الصين ومحادثات خفض التصعيد مع “الحوثيين” يخففان العبء عن كاهل الرياض، فقد تنظر المملكة إلى الوضع الجيوسياسي الحالي على أنه موات لأداء دور سعودي أكثر حزم في سياسة العالم العربي.

“مصالح آنية وتكتيكية”

في المحصلة، لا يتعين الموقف الإماراتي خارج الأطر والسياقات سالفة الذكر، حيث تؤدي الدولة الخليجية دوراً من خلال علاقاتها وتأثيراتها الإقليمية لدى الحكومة السورية وكذا لدى إسرائيل بعد “اتفاقات إبراهام”، بما يجعلها تتحرك على خلفية ما يجري في غزة بمرونة وديناميكيات متعددة، وقد نجحت في منع ارتفاع مناسيب التوتر على الجبهة السورية للحدود القصوى، وتحديداً بعد القصف الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق، حيث رغبت طهران و”الحرس الثوري” في تفجير الجبهة السورية وبدء رد عنيف وتحضير رد عسكري من الجولان.

لكن النظام في دمشق توخى الحذر واستجاب للضغوط أو على وجه أدق التهديدات المختلفة ومنع حدوث ذلك، وقد كانت الاتصالات الإماراتية ضمن جهود آخرين تلح على ضرورة تجميد أي أنشطة عدائية ضد تل أبيب من سوريا. 

غير أن أزمة الكبتاغون، هي التي ما تزال عائقاً في مسألة التطبيع بين “الأسد” وبلدان أخرى مثل السعودية والأردن، وتتفاقم الأمور مع الأخيرة بعد كشف عمليات تهريب أسلحة ومعدات عسكرية لميلشيات تتواجد في جغرافيتها الواقعة في مثلث تهين عليه نفوذ الميلشيات الولائية بين سوريا والعراق، مع تشكيلات تجري بين القوى الإسلاموية السنية الممثلة في تصعيد جناح الصقور في “الإخوان” بالأردن وتعاطيه الواسع مع الجناح المسلح في “حماس” وتعميق ارتباطاتهما بإيران، كما سبق وهندسة الأخيرة أوضاعا مماثلة في مع الجماعة الإسلامية وهي فرع جماعة “الإخوان” بلبنان، ودخول هذه الجبهات السنية مع التنظيمات الشيعية لتكون قوى عسكرية وأمنية ضمن إطار “وحدة الساحات” وتطوق الإقليم لحساب “الولي الفقيه”. 

وفي ظل هذه الاستعصاءات تظل الحوافز العربية لـ”الأسد” محل جدال وتبعث باستقطابات ورؤى مختلفة في الخليج ولدى البلدان العربية، لا سيما مع استمرار ممارساته وسياساته الداخلية والإقليمية، وارتباطه العضوي بإيران، ووضع رهاناته كافة في كفها، ومن ثم، لا يتخطى الدور الإماراتي مساحة أبعد من تحقيق مصالح آنية وتكتيكية، ولا تشترك مع مسألة تطبيع أو تعويم الأسد، خاصة في ظل العزلة الدولية وقرارات واشنطن الممثلة في العقوبات، ناهيك عن غياب الإجماع العربي والذي يعاني من تهريب الكبتاغون والمسلحين، فضلاً عن مسألة اللاجئين وإعادة توطينهم (الأخيرة يربطها الأسد برفع العقوبات عن نظامه)، وتعطيل الإجراءات السياسية والإقليمية والدولية لبدء مسار حل سياسي ودبلوماسي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة