انشغل المجتمع المصري ووسائل الإعلام، خلال الأيام القليلة الماضية، بموضوع مشروع “رأس الحكمة” في الساحل الشمالي المصري، حيث تم الاتفاق، بحسب مسؤولينَ مصريين، على أن تستثمر الإمارات فيه بمبلغ يصل إلى 22 مليار دولار أميركي.

وتداول اسم “رأس الحكمة” بشكل واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبات موضوع النقاش الأول للإعلام وتعليقات المتابعين والمستخدمين على “السوشيال ميديا”، مع الحديث عن ارتفاع الأسعار وأزمة الدولار في البلاد.

ووسط الحديث عن “بيع” أو “استثمار”، فضلاً عن حملة انتقادات واسعة للحكومة المصرية، صدر أول بيان رسمي مصري بشأن مشروع “رأس الحكمة”، حيث أكد رئيس هيئة الاستثمار حسام هيبة، بدء الاستثمار في المشروع، وأنه تم اختيار تحالف إماراتي لتنفيذ المشروع.

لكن المُلفت في كل ذلك أن حملة التجييش والتحريض ضد الحكومة المصرية تمت في معظمها عبر وسائل إعلام ومنصات تابعة لجماعة “الإخوان المسلمين”، حيث هاجمت الجماعة المشروع بشكل كبير، وذلك بهدف تأليب الرأي العام ضد الدولة المصرية واتهامها ببيع الأراضي، مستغِّلة الضجة التي أُثيرت سابقاً بشأن جزيرتي تيران وصنافير.

مشروع “رأس الحكمة” ومنابر “الإخوان”

نحو ذلك، أضاف هيبة لـ “CNBC” عربية، الأربعاء، إنه “تلقينا عروضاً من عدّة تحالفات استثمارية دولية وتم اختيار تحالف إماراتي لتنفيذ المشروع”، لافتاً إلى أن الاستثمارات المبدئية للمشروع قد تزيد عن 22 مليار دولار ولن يتم ضخها دفعة واحدة.

مدينة العلمين الجديدة في مصر- الصورة من صفحة مدينة العلمين الجديدة على منصة “فيسبوك”

وأكد رئيس هيئة الاستثمار أن “التحالف الإماراتي سيكون مسؤولاً عن تمويل وتطوير وإدارة المشروع”، مضيفاً “انتهينا من المفاوضات ونجهز الآن لتوقيع العقود”، مشيراً إلى أن شركات محلية وأجنبية ستشارك في تنفيذ مشروعات داخل مشروع “رأس الحكمة”.

ويُعد ذلك أول تأكيد رسمي بشأن ما تردّد من أنباء خلال الأيام الأخيرة عن إقامة مشروع سياحي عملاق في مدينة رأس الحكمة المطلّة على البحر المتوسط باستثمارات تصل إلى حدود 22 مليار دولار، والتي ساهمت بالفعل في انخفاض سعر الدولار في السوق السوداء مؤخراً.

هذا المشروع الاقتصادي المصري الإماراتي، والأول من نوعه، دفع منصات جماعة “الإخوان” والحسابات التابعة لها إلى تجنيد جيوشها الافتراضية لترويج أخبار مضلّلة والطعن في العلاقات المصرية الإماراتية، بمزاعم عن “بيع المدينة” في سياق اللعب على المصطلحات لإثارة الغضب الشعبي، بحسب تقريرٍ لصحيفة “العرب” اللندنية.

وتركزت مزاعم وسائل الإعلام الإخوانية على كيل التُّهم للحكومة المصرية بشأن الاستثمارات والمشاريع التنموية والاقتصادية، وبدا واضحاً تعمّد الحسابات التابعة للإخوان لضرب علاقات مصر مع دول الخليج بشتّى الطرق والذرائع واستغلال أيّ حادثة لتغذية سوء الفهم على مواقع التواصل الاجتماعي وتحويله إلى تأجيج شعبي ضد الحكومة، طبقاً للصحيفة اللندنية.

وتداولت بالفعل على منصات التواصل الاجتماعي ردودٌ بأن الحكومة المصرية لجأت إلى “بيع أرض رأس الحكمة” من أجل الحصول على مليارات الدولارات، وسط الأزمة الاقتصادية في البلاد.

وسبق أن أعلنت مصر عن بيع أصولٍ للدولة للمساعدة في تمويل أقساط الديون الخارجية الثقيلة المستحقة هذا العام وإفساح المجال للقطاع الخاص، في إطار حزمة دعم مالي بقيمة 3 مليارات دولار وقّعتها مع “صندوق النقد الدولي” في كانون الأول/ ديسمبر 2022.

لكن مشروع “رأس الحكمة” ليس كما يدّعيه “الإخوان” والمحرضون على الحكومة المصرية، حيث علق الإعلامي أحمد موسى على ما أُثير حول المشروع في برنامجه “على مسؤوليتي” المذاع على قناة “صدى البلد”، قائلاً إن “الرئيس عبدالفتاح السيسي والدولة يعملان على مخطط التنمية العمرانية 2052”.

وأضاف أن “مشروع رأس الحكمة أحد مشروعات مخطط التنمية المصرية 2052 وسيكون أكبر من مدينة العلمين الجديدة”، مضيفاً أن مصر لا تبيع أرضها إطلاقاً، وما يحدث هو استثمار، والاستثمار موجود في كل دول العالم، وهذا ليس جديداً. وأشار موسى إلى أن نصف لندن بها استثمارات من دول عربية سواء السعودية أو الإمارات أو قطر.

“الإخوان” جزءٌ من أزمة الدولار

وفق مراقبين، فإن تهافت جماعة “الإخوان” عبر منصاتها لمهاجمة الحكومة المصرية وقراراتها والأزمة الاقتصادية القائمة في البلاد، ليس بالأمر الجديد، فهي تحاول دائماً “الاصطياد في المياه العكرة”.

كما أن ثمة تكهنات بأن جماعة “الإخوان” لعبت دوراً كبيراً في أزمة الدولار في مصر، من خلال المضاربات التي أجراها عدد من الموالينَ لها في السوق الموازية.

وحول ذلك، قال عضو مجلس الشيوخ المصري، ومساعد وزير الداخلية الأسبق اللواء فاروق المقرحي، إن جماعة “الإخوان” جزء من الأزمة الدولارية الحالية، مشيراً إلى أن هناك دولاً معيّنة لا تريد أن تكون مصر قوية.

الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية دائماً ما تسمح للجماعات والتنظيمات الوظيفية، وخاصة تنظيمات الإسلام السياسي، بأن تنشط وتسعى إلى إعادة تموضعها والظهور من جديد في مجتمعاتها والسعي إلى حلم العودة.

وأردف المقرحي خلال لقاء له عبر قناة “صدى البلد”، أن جماعة “الإخوان” تضارب بالدولار في السوق السوداء، مشدداً على ضرورة القبض على كل عنصر في الجماعة يجمع الدولار.

وأشار المقرحي، إلى أن هناك مسببات وراء قلة الدولار في السوق المصرية، وبالتالي لا بدّ من تطبيق العصا القوية من خلال رجال الشرطة وهي متواجدة في أي وقت لمواجهة كل من يحارب الوطن ويستهدف الدولة، من أجل الغير.

ولفت عضو مجلس الشيوخ، إلى أن القبض على عناصر من جماعة “الإخوان” سيقضي على أزمة الدولار، موضّحاً أهمية مساندة ودعم الدولة في تلك التحديات والأزمات خاصة الأزمة الدولارية وارتفاع الأسعار واستغلالها من بعض المغرضينَ للنيل من الدولة.

وهذه ليست المرة الأولى التي يتهم فيها الإخوان بالمضاربة على الدولار والتسبب في أزمة الدولار في مصر، ففي عام 2015، دخلت أزمة الدولار في مصر إلى الصراع السياسي بين الحكومة والإخوان، حيث اتهمت جهات التحقيق المصرية رسمياً آنذاك، رجل الأعمال الإخواني حسن مالك بالسعي لتنفيذ خطة تهدف إلى الإضرار بالاقتصاد الوطني للبلاد، من خلال جمع العملات الأجنبية وتهريبها إلى الخارج.

وفي عام 2016، كشفت تحريات الأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية المصرية، عن ضبط أخطر خلية إخوانية تسمى “وحدة الأزمة”، حيث تبين أن كوادر إخوانية فارة إلى الخارج، خاصة تركيا، أجرت اتصالات مكثفة مع عناصر إخوانية داخل البلاد، وتم الاتفاق على تشكيل ما يعرف بـ”وحدة الأزمة”، بهدف التشكيك في النظام وخلق أزمات حقيقية وسريعة بين الشعب والحكومة.

وأشارت تحقيقات الأجهزة الأمنية المصرية آنذاك إلى ضخ مبالغ مالية ضخمة من الخارج لأعضاء جماعة الإخوان في الداخل، لتنفيذ التكليفات الصادرة إليهم، والتي كان أبرزها إشعال أزمة الدولار والعمل على تحصيله من شركات الصرافة والعمل على رفع سعره من خلال الحصول على مدخرات المصريين في الخارج وتحويلها إلى جنيهات، إضافة إلى خلق أزمات وقود، والحرص على تصدير مشاهد الزحام أمام محطات الوقود، ونشر شائعات عن إلغاء الدعم بشكل كامل عن السلع، والتشكيك في مشروعات كبرى أبرزها “قناة السويس الجديدة” والعاصمة الإدارية، بحسب وسائل إعلام مصرية.

وبحسب الخبراء، فإن جماعة الإخوان صحيح أنها ليست السبب الرئيسي والأخير لأزمة الدولار الحالية في مصر، لكنهم بالتأكيد أحد أبرز عواملها، لا سيما وأن الدولار عالمياً يأخذ اتجاهاً تصاعدياً بين الحين والآخر مقابل العملات الأخرى.

المثير في الأمر أن جماعة “الإخوان” منذ سقوط حكمهم في مصر عام 2013، لم تتوقف عبر خلاياها ووسائلها الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي، عن مهاجمة الحكومة المصرية وتحريض الرأي العام ضدها، رغم فشل كل محاولاتها، خاصة خلال الانتخابات الرئاسية المصرية الأخيرة، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، إذ إن هذه الظروف (الاقتصادية والسياسية وحتى الاجتماعية) دائماً ما تسمح للجماعات والتنظيمات الوظيفية، وخاصة تنظيمات الإسلام السياسي، بأن تنشط وتسعى إلى إعادة تموضعها والظهور من جديد في مجتمعاتها والسعي إلى حلم العودة لاستلام الحكم والسلطة، خاصة مع ظهور عدد من الظروف السياسية والاقتصادية التي تسمح بذلك. ليقوموا بتصميم وتجميع خطاب إعلامي يتفاعل مع هذه الأحداث ويهدف إلى اختراق تيار الاستقرار في تلك المجتمعات.

مشروع “رأس الحكمة” العملاق

بحسب وسائل إعلام محلية، فإنه “جرى مفاوضات بالفعل مع عدد من كُبرى الشركات العالمية وصناديق الاستثمار بشأن المشروع، والذي تقرّر في نهاية المطاف باختيار تحالف إماراتي لتنفيذه”. وتبلغ مساحة المشروع أكثر من 180 كيلومتراً مربعاً، مما يمكّن الدولة المصرية من وضعه على الخريطة السياحية العالمية خلال 5 سنوات على الأكثر.

تتمتع مصر بشواطئ خلابة على البحر الأبيض المتوسط ​​والبحر الأحمر- “أ ف ب”

وجاء في صحيفة “اليوم السابع” المصري: “اقترب الاتفاق بين الحكومة المصرية وعدد من الشركات والجهات الإماراتية على تنمية مدينة رأس الحكمة في الساحل الشمالي”.

وقالت “صحيفة المال” إن المشروع المرتقب “يتضمن إتمام اتفاقيات بين وزارة الإسكان المصرية وعدة جهات سيادية إماراتية أبرزها وزارة المالية، لتنفيذ عقود شراكات بنظام الحصة العينية والنقدية، مع سداد الطرف الإماراتي نحو 22 مليار دولار نظير شراء أراض بتلك المنطقة”.

ورأس الحكمة، هي قرية تابعة لمدينة مرسى مطروح، على الساحل الشمالي لمصر، شرق مدينة مرسى مطروح. وتمتد شواطئها من منطقة الضبعة في الكيلو 170 بطريق الساحل الشمالي الغربي وحتى الكيلو 220 بمدينة مطروح التي تبعد عنها 85 كم.

وأوضح الخبير الاقتصادي المصري، عادل عامر، في تصريحات لموقع “الحرة” الأميركي، أن القرية أنشأها الملك فاروق، آخر ملوك مصر، عام 1948، لتكون منتجعاً للأسرة المالكة والوزراء.

ويشير إلى أن نظام الحكم في ذلك الوقت أدرك الأهمية الكبيرة لهذه المنطقة بسبب موقعها الاستراتيجي وشواطئها الخلابة.

لكن القيادات السياسية لم تتخذ أي خطوات نحو تنمية القرية على مرّ العقود الماضية لأسباب اقتصادية، إلى أن جاءت القيادة السياسية الجديدة لتعيد إحياء المشروع من أجل خلق قيمة مضافة للاقتصاد المصري، وفق عامر.

وفي 2019، عقد وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، اجتماعاً، لمتابعة “مشروع تخطيط ووضع الأسس والمبادئ التصميمية لمدينة رأس الحكمة الجديدة”، وأوضحت الوزارة حينها أن الرؤية المقترحة لمدينة رأس الحكمة الجديدة، أكدت أن المدينة ستكون مقصداً سياحياً عالمياً”.

وحددت أهدافاً من بينها خلق مساحة مستدامة ﻋﻠﻰ البحر المتوسط تنافس مثيلاتها عالمياً وتجمع بين اﻟﺣﯾﺎة الشاطئية والحيوانية والنباتية واﻟﺻﺣراء، وتحقيق مجتمع حضري مستدام.

ولفتت صحيفة “اليوم السابع”، في تقرير لها، إلى الأسباب التي تجعل منطقة رأس الحكمة مستقبل الاستثمار السياحي في مصر، مشيرة إلى إنشاء طريق “فوكا” الذي يربط بين العاصمة القاهرة والساحل الشمالي ليختصر المسافة الحالية بينهما.

مدينة رأس الحكمة الجديدة_ “الصورة من خريطة مشروعات مصر”

ونوّهت الصحيفة المحلية إلى أن الشريط الساحلي للمدينة، بطول 50 كيلو متراً، ويتمتع بشواطئ خلابة من الرمال الناعمة الصفراء إلى المياه الفيروزية.

كما يُعد إنشاء مدينة مليونية في منطقة العلمين، وما يتبعها من أنشطة صناعية وتجارية وسكنية، تجربة ستتيح لمنطقة “رأس الحكمة” الواعدة نشاطاً سياحياً كبيراً خلال الـ20 عاماً المقبلة.

وتشير كذلك إلى أن المنطقة تزخر بمقومات السياحة الثقافية والتاريخية وهذا النمط من السياحة يشجع على إقامة سياحة المهرجانات والاحتفالات.

وقالت إلهام أبو الفتح في تقرير لـ”صدى البلد” إن تنمية رأس الحكمة يأتي في إطار استيعاب الزيادة السكانية، وخلق أنشطة اقتصادية وفرص عمل لآلاف الشباب للعمل في السياحة والخدمات الترفيهية والصناعات التكنولوجية، والمراكز التجارية والإدارية للشركات العالمية مع توفير الخدمات التعليمية والصحية المتميزة.

وأضافت أن الحكومة تريد تحويل رأس الحكمة “من قرية صغيرة إلى مدينة استثمارية من أحدث مدن العالم الساحلية” لضخ استثمارات بالعملة الأجنبية لتقليص نسبة التضخم والسيطرة على سعر الدولار.

واستشهدت أبو الفتح بمدينة العلمين الجديدة التي أصبحت واحدة من المدن العالمية تعمل طوال العام، وليس في الصيف فقط، وتجذب عدة أنواع من السياحة ومنها السياحة التعليمية بجامعاتها التي بدأت العمل بالفعل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات