مع ارتفاع نبرة التهديد الإسرائيلي والتصعيد العسكري من جانب “حزب الله” اللبناني، بجانب تسارع الأحداث بوتيرة عالية، فإن الوضع في جنوب لبنان يميل إلى سيناريو الحرب المحتملة. ولم يكن تهديد زعيم “حزب الله”، حسن نصر الله، في خطابه الأخير ضد قبرص أمراً عبثياً جاء من فراغ، وروج له البعض على نحو ساخر، بل كان رسالة لها مضامين واضحة ومباشرة، نظراً للعلاقات المتينة مع إسرائيل في إطار تحالف يندرج فيه بلد ثالث هو اليونان لتأمين غاز شرق المتوسط، ووجود قواعد بريطانية بالمنطقة المطلة على ساحل المتوسط، وبالتالي، هناك تهديدات مباشرة تبعث الخوف في ذهن قادة الحزب الموالي لإيران من استعمال هذه القواعد ضده بأي صورة.

ولهذا، قال وزير الخارجية اليوناني، جورج جيرابيتريتيس، إن تهديدات زعيم “حزب الله بحق” قبرص ليست مقبولة، وأن الاتحاد الأوروبي سيصطف إلى جانب الدول الأعضاء ضد هذه التهديدات. وأضاف: “من غير المقبول على الإطلاق توجيه تهديدات ضد دولة ذات سيادة في الاتحاد الأوروبي. نقف إلى جانب قبرص وسنكون جميعاً معاً في مواجهة جميع أنواع التهديدات العالمية القادمة من المنظمات الإرهابية”.

مخاوف من اندلاع حرب مع حزب الله

وقد تحدث مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، عن مخاوفه من اتساع دائرة الصراع في المنطقة لما هو أبعد من غزة، ووقوع لبنان في قلب الصراع بشكل مباشر، وقد جاء تعقيب بوريل بالتزامن مع تهديدات زعيم حزب “الولي الفقيه” بلبنان، وقال: “يتزايد خطر تأثير هذه الحرب على جنوب لبنان وامتدادها يوماً بعد يوم. نحن على أعتاب حرب يتسع نطاقها”. كما قالت أنالينا بيربوك وزيرة خارجية ألمانيا، إنها تعتزم زيارة لبنان حيث إن “الوضع على الحدود مع إسرائيل أكثر من مقلق”.

زعيم “حزب الله” اللبناني حسن نصر الله خلال خطاب متلفز في حفل تأبين طالب عبد الله، القائد الميداني الكبير في المجموعة التي قُتل فيها في 11 يونيو إلى جانب ثلاثة مقاتلين آخرين من حزب الله في غارة إسرائيلية على قرية جويا في جنوب لبنان… الصورة في الضاحية الجنوبية لبيروت، لبنان، 19 يونيو 2024-“رويترز”

غير أن رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، الجنرال تشارلز براون، ألمح إلى مخاطر وتداعيات اندلاع حرب في لبنان، بما يعني خوض حرب إقليمية. في حين أن لقاء وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، في واشنطن، مع نظيره الأميركي، لويد أوستن، مطلع الأسبوع، والذي التقى فيه وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، يحمل إشارات عديدة بشأن محاولات ضبط المرحلة القادمة والتي تبدو على الحافة، وتتباين الاحتمالات التي تقود لسيناريوهات مختلفة، وفي قمتها سيناريو الحرب.

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي الذي اعتبر أن تلك الزيارة لواشنطن إنما هي “حاسمة بالنسبة لمستقبل الحرب” إنه بصدد المغادرة “إلى الولايات المتحدة بدعوة من وزير الدفاع لويد أوستن. الولايات المتحدة هي حليفنا الأهم والمركزي، وعلاقاتنا مهمة بشكل خاص، ربما أكثر من أي وقت مضى، هذه الأيام”. 

وقال: “سألتقي في الولايات المتحدة بوزيري الدفاع والخارجية وغيرهما من كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية. سأناقش في هذه اللقاءات الوضع على جبهة غزة وعلى الجبهة اللبنانية، وهما أمران ذو أهمية حاسمة في هذا الوقت. نحن مستعدون لأي إجراء قد يكون مطلوباً، سواء في غزة أو في لبنان أو في أماكن أخرى. إن الانتقال إلى المرحلة الثالثة في قطاع غزة له أهمية كبيرة. سأناقش مع كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية هذا التحول. سيتم التركيز في هذه الزيارة على عمليات تجهيز وإمداد إسرائيل بالعتاد والأسلحة، للحفاظ على تفوقها النوعي  في الشرق الأوسط بالإضافة إلى تحقيق أهداف إسرائيل في الحرب في غزة وعلى الجبهة الشمالية مع حزب الله وإعادة المختطفين”.

الولايات المتحدة تقوم بجهود جمّة في إطار التهدئة وتفعيل الحلول السياسية والدبلوماسية، لكنها في المقابل تتخوف مما وصفته بـ”سوء التقدير” الذي قد يجعل الأطراف تسقط في دائرة الصراع الخشن، وتبعاته الصعبة على المنطقة، وقد أكدت واشنطن أنها لا ترغب في نشوب حرب إقليمية بالمنطقة، وتتحول الولايات المتحدة إلى هدف لاعتداءات من قبل طهران ووكلائها، وضرب مصالحها، وقد أوضح الجنرال سي كيو براون أن النظام الإيراني “سيكون أكثر ميلاً لدعم حزب الله” اللبناني في حال شن إسرائيل الحرب على لبنان، وأن هذا الدعم سوف يكون مختلفاً عن ما تقدمه طهران لحماس “خاصة إذا شعروا (الإيرانيون) أن حزب الله يتعرض لتهديد كبير”.

احتمالية شن هجمات دقيقة

وفق مصدر سياسي لبناني، فإن الحرب في لبنان “بدأت منذ ثمانية أشهر، وذلك منذ أن وضع حزب الله البلاد على حافة الهاوية، ليحقق رؤية إيران الاستنزافية في البلاد من خلال مبدأ “وحدة الساحات”، والأزمة باتت في أن لبنان هو مركز المقاومة وينبغي تفكيك ذلك لضمان السلام في المنطقة” مرجحاً في حديثه لـ”الحل نت” أن “الحرب حتمية، وقد لا تكون على الأرجح برية إنما ستشن إسرائيل هجمات دقيقة على مراكز ومنشآت بها أسلحة استراتيجية للحزب، لشل قدراته العسكرية، كما ستطال قيادات مهمة ميدانية وأمنية”. 

ويوضح المصدر السياسي اللبناني الذي فضل عدم ذكر هويته، أن الحزب لن يتمكن من “مواجهة الهجمات الجوية لإسرائيل. ولهذا، سوف تستفيد الأخيرة من تجربتها السابقة في حرب تموز/ يوليو 2006، وتتفادى الهجوم البري الذي يعرض معداتها الثقيلة وأسلحتها إلى حرب العصابات الميلشياوية. سوف تعتمد إسرائيل على المسيرّات والطائرات مستفيدة من أكبر قدر من المعلومات الاستخبارية”. 

الحرب الوشيكة بين إسرائيل و”حزب الله”، هي التي اضطرت حسن نصر الله اللجوء لهذا التكتيك، والتصريح بالعداء لقبرص، ليكون خطابه موجهاً إلى عدة أطراف، آخرهم نيقوسيا.

وأشار إلى أن “القواعد البريطانية في قبرص وهي تخضع من الناحية السيادية إلى لندن ولا سيطرة لقبرص عليها من الناحية القانونية وغيره، فهي لن تتوانى عن حماية مصالح الغرب وواشنطن في المتوسط والإقليم. وتحميل قبرص من قبل حزب الله وحسن نصر الله تبعات ما يحدث في تلك القواعد، إنما تكتيك دائم يميل إلى ضرب الحلقة الأضعف لتمارس هي الضغوط على الحلقة الأكثر قوة. فالحزب كما هي عاداته لا يصل للخصم دفعة واحدة إنما هو يصنع غلافاً جوياً مسموماً حوله لإضعاف الوسطاء أو الارتكزات التي تمنحه القوة، وهي حيلة تفكيكية مرهقة لطالما يتبناها في سياساته”.

وبحسب المصدر، فإن الحرب الوشيكة بين إسرائيل و”حزب الله”، هي التي اضطرت حسن نصر الله اللجوء لهذا التكتيك، والتصريح بالعداء لقبرص، ليكون خطابه موجهاً إلى عدة أطراف، آخرهم نيقوسيا، حيث التهديد إلى (حلف شمال الأطلسي) “الناتو”، لا سيما أن هذه القواعد لها دور مؤثر في صد هجمات الحوثي، فضلاً عن دعم عسكري جوي بالطائرات من سلاح الجو الملكي البريطاني”.

رسائل متبادلة

وعلى ما يبدو أن التقرير الذي نشرته “التلغراف” البريطانية، جاء في سياق لافت، ويحمل معه دلالات على مستوى التوقيت وتراكم الأحداث، إذ وكأنه يضع كل شيء محل وضوح ويكشفها للكافة في لحظة ما قبل الانفجار الوشيك. فالحديث عن سلاح “حزب الله” المكدس في مخازن سرية بمطار بيروت، لا يثير انتباه اللبنانيين، إنما “يشحن قوى وأطراف سياسية معارضة للحزب وسياساته” كما يقول المصدر السياسي اللبناني، لافتاً إلى أن “التعبئة تبدو ضرورية في تلك الفترة سواء إذا اندلعت الحرب أو لم تندلع”، مرجحاً حدوث توترات عديدة على أكثر من صعيد لتأزيم الوضع في لبنان بأقصى درجة، لا سيما في يخص ملف اللاجئين داخل المخيمات. 

طيران الشرق الأوسط الخطوط الجوية اللبنانية (MEA) طائرة إيرباص A321 تصطف في مطار رفيق الحريري بيروت الدولي في 11 أبريل 2012- تصوير وكالة فرانس برس / باتريك باز

ويقول المصدر ذاته ساخراً إن “أحداً في العالم ليس بحاجة إلى ضرب منشأة بها أسلحة في لحظة توتر مماثلة، وهناك أكثر من نائب ومسؤول لبناني سابق خاض حرباً شرسة ضد وجود أسلحة الحزب في المطار، وذلك منذ أزمة أيار/ مايو عام 2008، ووجود كاميرات تجسس ومراقبة يستعملها الحزب للتأمين والحماية وضد خصومه قبل استهدافهم”.

ووفق الصحيفة فإن “كميات ضخمة من الأسلحة والصواريخ والمتفجرات الإيرانية في المطار المدني الرئيسي في بيروت”. فيما عرجت الصحيفة على حديث للنائب عن القوات اللبنانية غسان حاصباني قال فيه: “إن سيطرة حزب الله على المطار كانت منذ فترة طويلة مصدر قلق للبنان وأكثر من ذلك الآن إذا أصبح بشكل متزايد هدفاً عسكرياً محتملاً في الصراع مع إسرائيل”.

نفي الحكومة اللبنانية ما ورد في الصحيفة البريطانية، بينما دشن وزير الأشغال العامة والنقل، الدكتور علي حمية، مؤتمراً صحفياً قال فيه إن “ما يتعرض له المطار، كان قد بدأ منذ عشرات من السنوات، وهو دائماً وجهة يتم من خلالها تشويه سمعة لبنان”، وقال: “بناءً على بيانات الجيش اللبناني، فإن الأجواء اللبنانية تتعرض – وبمعدل وسطي- لما يقرب الألف خرق جوي من العدو الإسرائيلي، ولاسيما فوق مطار رفيق الحريري الدولي-بيروت، يضاف إلى ذلك التشويش الذي هو في تقارير الاتحاد الأوروبي المعني بسلامة الطيران، والذي يقول إن هناك تشويشاً على الأقمار الصناعية التي هي أساسية بالنسبة للطائرات وللهبوط والإقلاع. واليوم انتقلنا من تلك الخروقات والتهديدات إلى مقالات إعلامية سخيفة تتناول مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت”.

لكن حاصباني عاود التذكير بمأساة وكارثة المرفأ التي كشفت عن وجود مواد متفجرة سمح بها “حزب الله”، وقال “من الصعب جداً معرفة من يمكنه اتخاذ الإجراءات. آخر مرة حاولت الحكومة اتخاذ إجراءات في عام 2008، كان هناك رد فعل عنيف من حزب الله”. موضحاً أن “المنطقة المحيطة بالمطار كلها تحت سيطرة حزب الله، لذا فإن العديد من الناس قلقون بشأن المرور عبر مطار بيروت، ولهذا السبب فرضت العديد من دول الخليج في بعض الأحيان حظراً على سفر مواطنيها إلى هناك”. وتابع: “نقل الأسلحة من إيران إلى حزب الله عبر نقاط الدخول الحدودية أو حتى مكونات الأسلحة، يعرض للخطر كل من السكان اللبنانيين وغير اللبنانيين الذين يسافرون ويعيشون في البلاد”.

وبالعودة إلى المصدر السياسي اللبناني، فيؤكد أن هناك توترات كما سبقت الإشارة سيتم تنفيذها والضغط عليها حد الانفجار، وتحديداً ملف المخيمات الفلسطينية ووضع اللاجئين في لبنان، ويقول إن هذا “الجيب كان وما يزال توطئة لأي صراع يقع تحت وطأته لبنان، بداية من الحرب الأهلية وحتى الصراع مع إسرائيل. ولهذا، ينبغي الإمعان جيداً في حادث مقتل أحد أعضاء أو عناصر قوات الأمن الوطني الفلسطيني داخل مخيم عين الحلوة بصيدا، وهو الجهاز الأمني التابع لحركة فتح”.

ونجم عن الحادث مرة أخرى محاولات فصل الحدود داخل المخيم بحسب تمركزات كل فصيل، وذلك لتفادي أي صدامات ومنع أي احتكاكات عنيفة، ونزع فتيل أي مواجهات محتملة عسكرياً بين كل جهة وأخرى، لا سيما بين الفصائل الإسلاموية التي تنتشر في حي الطواري وحي البركسات، الذي تنتشر فيها حركة “فتح”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة