يأتي صعود الخطاب الجهادي السني في لبنان، بالتزامن مع الحرب المستمرة في قطاع غزة، كأحد أبرز تجليات حالة السيولة التي تكتنف المشهد اللبناني. ولعل أبرز تداعيات هذا المشهد، هي عودة ميليشيا “قوات الفجر” الجناح العسكري لـ”الجماعة الإسلامية” اللبنانية، الذراع السياسية للإخوان، إلى الساحة مرة أخرى، بعد تجميدها في العام 2006.

يمكن القول إن التحالف الوثيق بين بين “الجماعة الإسلامية”، و”حزب الله” اللبناني، أثمر عن تمدّد الأخير داخل مساحات سنية واسعة، كان مرفوضاً فيها لسنوات، بفضل الارتباط الكبير بين الأمين العام للجماعة، الشيخ محمد طقوش، وقيادات الميليشيا الموالية لإيران، الأمر الذي فجر خلافاً حاداً بين إخوان لبنان، والذراع السوري للجماعة الذي يعمل من الأراضي التركية.

جدير بالذكر أن المراقب العام لـ”الإخوان المسلمين” في سوريا، عامر البوسلامة، يواجه جراء ذلك موقفاً مربكاً، فهو من حيث الموضوع، يكن عدءاً شديداً لإيران وحلفاءها في المنطقة، بسبب التحالف العسكري بين طهران وحكومة دمشق، الأمر الذي دفعه إلى إبداء استياءه من الارتباطات العسكرية التي تجمع بين “الجماعة الإسلامية” و”حزب الله”، الذي يحمله إخوان سوريا المسؤولية عن المذابح التي ارتكبتها الحكومة السورية ضدّ المعارضين السوريين. وبحسب مصدر خاص، تواصل مع “الحل نت”، فإن البوسلامة واجه تحدياً آخر داخل التنظيم، في ظل موقفه البارد تجاه حركة “حماس”، وانتقاده لعودتها إلى دمشق مرة أخرى، حيث أدّت الخلافات إلى حدوث انشقاقات داخل التنظيم السوري، وصفها البوسلامة بالمحدودة، ووصفها خصومه بالتاريخية. 

العميد حسان عودة، رئيس الأركان اللبناني، تلقى معلومات عن شروع “الجماعة الإسلامية” في القيام بعمليات تجنيد واسعة، خاصة بين العناصر الشبابية، التي تتعاطف بشكل تلقائي مع القضية الفلسطينية، وأن “قوات الفجر” أصبحت تضم بين صفوفها متطوعين من سوريا وليبيا والعراق.

مصدر أمني لبناني لـ”الحل نت”

وبحسب المصدر ذاته تفكر المجموعة المنشقة في الإعلان عن تنظيم موازي، بينما تجري وساطات خلف الكواليس، شارك فيها محيي الدين الزايط، القائم بأعمال المرشد العام لجبهة لندن، أثناء تواجده في إسطنبول، على هامش مشاركته في عزاء القيادي التاريخي في إخوان سوريا، عصام العطار.

المصدر لفت إلى حدوث اجتماع خاص، ضمّ عامر البوسلامة، ورئيس شورى إخوان سوريا محمد حكمت وليد، بالإضافة إلى محيي الدين الزايط وحلمي الجزار، حيث نصح الزايط بتجميد التصريحات العدائية تجاه إيران، والكف مؤقتاً عن الدخول في صدام مع “الجماعة الإسلامية” اللبنانية، ودعم “محور المقاومة” حتى تنتهي الحرب في غزة، ووعد بالتدخل ومحاولة إثناء المجموعة المنشقة عن قرارها.

اختراق المكون السني عبر المساعدات الاقتصادية

بالتزامن مع التحالف الضمني مع “الجماعة الإسلامية” في لبنان، استخدم “حزب الله” المساعدات الاقتصادية، من أجل دعم تواجده في المناطق السنية الواقعة في شمال البلاد، وخاصّة في عكار وطرابلس، حيث يشارك “حزب الله” في الفعاليات الاجتماعية المختلفة، ويظهر رجاله ضمن المناسبات الاحتفالية التي تنظمتها “الجماعة الإسلامية”، كما اقترنت الاحتفالات الدينية والاجتماعية بتوزيع المساعدات الاقتصادية، والمكافآت المالية لحفظة القرآن والمتفوقين من الطلاب.

صورة وزعتها “قوات الفجر” تظهر مسلحين منها يحملان صاروخاً- “إنترنت”

ويبدو أن خفوت نجم سعد الحريري وانسحابه من الحياة السياسية، منح فرصة لـ”حزب الله”، الذي سعى إلى ملئ الفراغ، من خلال التواجد المكثف في مناطق الشمال، ثمّ جاءت الحرب في غزة، ليظهر التحالف العسكري بين الحزب والإخوان؛ كمؤشر على حدوث تمدّد غير مسبوق للميليشيا الموالية لإيران داخل المكون السني.

العلاقات العامة في “حزب الله”، نظمت لقاءً إعلامياً في طرابلس، في الأسبوع الأول من نيسان/ أبريل الفائت، بعنوان: “إعلاميون من أجل غزة”، بحضور عضو المجلس المركزي في “حزب الله” الشيخ حسين زعيتر، وبات واضحاً أن خطاب المقاومة نجح بفضل “الجماعة الإسلامية”، في تعزيز مكانة “حزب الله” في المناطق السنية، التي تدعم القضية الفلسطينية دون قيد أو شرط. 

ويمكن القول إن “الجماعة الإسلامية اغتنمت هي الأخرى الفرصة، وتماهت مع مواقف حزب الله، من أجل التمدّد داخل المكون السني ومحاولة أخونته، الأمر الذي أعادها بقوة إلى الساحة، بعد أن تراجعت لسنوات سياسياً وشعبياً أمام تيار المستقبل”.

ويبدو أن “حزب الله” الذي كان في أمس الحاجة إلى فصيل سني، يخفف الضغط الكبير الواقع عليه، بداعي أنّه يقود لبنان إلى حرب مدمرة، وجد ضالته في “الجماعة الإسلامية”، التي تسعى هي الأخرى إلى استعادة شعبيتها، عبر البوابة الجنوبية، ومن ثمّ كانت عودة ميليشيا “قوات الفجر” تكنيكاً وظيفياً؛ يستهدف تقديم نموذج لبناني لمفهوم وحدة الساحات.

محاولات لاحتواء ميليشيا “الإخوان”

منذ اللحظة الأولى لظهور ميليشيا “قوات الفجر” على مسرح الأحداث، أبدت قيادات الجيش اللبناني مخاوفها من فوضى السلاح التي يمكن أن تنتج عن ظهور ميليشيات سنية، جنباً إلى جنب مع “حزب الله”، الأمر الذي قد يدفع باقي المكونات الطائفية إلى حمل السلاح.

وبحسب مصدر أمني لبناني، فإنّ العميد حسان عودة، رئيس الأركان اللبناني، أبدى انزعاجه الشديد، في لقاء مغلق، جمعه بالنائب عن “الجماعة الإسلامية”، عماد الحوت، من وجود ميليشيا “قوات الفجر”، وكذا الظهور العسكري المتكرر لعناصرها، والذي بدأ يأخذ شكل العروض العسكرية، وحاول الحوت التقليل من خطورة الأمر على الداخل اللبناني، بزعم أن “قوات الفجر” تقوم بمهمة وطنية للدفاع عن الوطن، وأنّها لن تتورط في أي شأن سياسي داخلي.

المصدر السابق أكد لـ”الحل نت”، أن رئيس الأركان تلقى معلومات عن شروع “الجماعة الإسلامية” في القيام بعمليات تجنيد واسعة، خاصة بين العناصر الشبابية، التي تتعاطف بشكل تلقائي مع القضية الفلسطينية، وأن “قوات الفجر” أصبحت تضم بين صفوفها متطوعين من سوريا وليبيا والعراق، وأن هناك طفرة حدثت داخل الميليشيا من حيث العدد والعتاد وأنماط التسليح، وهو ما دفع عودة، إلى لقاء الحوت مرة أخرى، منتصف أيار/ مايو الجاري، مبدياً انزعاج العماد جوزيف عون وقيادات الجيش، من تجنيد الأجانب، والتوسع في تجنيد السوريين ضمن ميليشيا “قوات الفجر”، وهو ما نفاه الحوت، محاولاً التقليل من شأن تلك التقارير.

مصدر ميداني آخر، أكد لـ”الحل نت”، أن قوات “حزب الله” تسعى إلى إعادة الانتشار في الفترة المقبلة، وأنّها ربما تنسحب إلى مواقع شمالي الليطاني، في حال التوصل إلى اتفاق، لكن المصدر فجر مفاجأة تتعلق بمعلومات تشير إلى أن “قوات الفجر” تضم بين صفوفها عناصر سورية وعراقية (شيعية) موالية لـ”حزب الله”، وأنّها ربما تنشر جنوباً، في حال انسحاب “فرقة الرضوان” التابعة لـ”حزب الله” إلى شمال الليطاني، بحيث تملأ الفراغ العسكري جنوباً، لكنها لن تتحرك بعيداً عن جنوب الليطاني.

يبدو أن لبنان على موعد مع صيف ساخن، ربما يشهد المزيد من المضي نحو هاوية لا يعلم نهايتها أحد.

وفيما يبدو، فإنّ هذا التحالف الوظيفي، يأتي ضمن استراتيجية موحدة، تنتهجها الأذرع الإخوانية في المنطقة، باستثناء إخوان سوريا، بالتحالف مع جبهة الممانعة، وتبني خطاب المقاومة العابر للمذهبية شكلاً، والمنبطح لإيران مضموناً، في غياب أي فعالية لحركات المقاومة اليسارية والقومية، التي يتراجع دورها يوماً تلو الآخر على ساحة الصراع بين العرب وإسرائيل.

من جهة أخرى، كان ظهور ميليشيا “الغد” مبرراً ومحفزاً لحمل السلاح لدى الفصائل الأخرى، حيث نقلت محطة تلفزيون “الجديد”، في آذار/ مارس الفائت، معلومات تشير إلى حصول حزب الكتائب ونوابه ووزراءه الحاليين والسابقين، على مئات التراخيص لحمل الأسلحة، الأمر الذي دفع الجيش إلى الامتناع عن تجديد التراخيص التي تقدم بها النائب نديم الجمّيل، والذي حمّل وزارة الدفاع المسؤولية عن أي أضرار تلحق بأعضاء الحزب.

بدوره أكد “حزب الكتائب” أنّه سوف يقوم بحماية أفراده، حتى لو لم يتم تجديد تراخيص السلاح، مضيفاً في بيان أصدره جهاز الإعلام في الحزب: “لن نسمح تحت أي ظرف من الظروف، أن تنكشف حياتنا، في زمن تفلّت السلاح وغياب دولة، استولت عليها الميليشيات”.

وعليه، يبدو أن لبنان على موعد مع صيف ساخن، ربما يشهد المزيد من المضي نحو هاوية لا يعلم نهايتها أحد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات