دفع ظهور “قوات الفجر” التابعة للجماعة الإسلامية، الذراع السياسي “للإخوان” في لبنان، إلى جملة من المتغيرات الاستراتيجية، أبرزها تغول تلك الميلشيات، مع استمرار الحرب في غزة، وتوسع قواعدها العسكرية، ضمن أنشطة تهريب السلاح عبر الحدود السورية، وفرض الهيمنة على عدد من القرى اللبنانية عند الشريط الحدودي مع سوريا.

في 22 حزيران/ يونيو الجاري، اغتال الجيش الإسرائيلي القيادي في “قوات الفجر”، التابعة للجماعة الإسلامية اللبنانية، أيمن غطمة (أبو عمر) ومرافقه، بواسطة قصف استهدف سيارة كان يستقلها، في جهة الخيارة، بالبقاع الغربي بلبنان، على بعد عشرة كيلومترات من الحدود مع سوريا. وذلك بالتزامن مع قصف مدفعي وصاروخي إسرائيلي، تجاه مواقع وبلدات في الجنوب.

من جهته، قال الجيش الإسرائيلي إن طائرة نفذت “ضربة دقيقة في منطقة البقاع في لبنان، من أجل القضاء على الإرهابي” أيمن غطمة، الذي تمّ استهدافه لتورطه في الترويج وتنفيذ أنشطة إرهابية ضد إسرائيل”. بحسب البيان.

وفقدت “الجماعة الإسلامية” اللبنانية سبعة من مقاتليها في لبنان، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، إثر دخولها على خط الصراع العسكري مع إسرائيل، بالتحالف مع “حزب الله” اللبناني. وأعلنت “قوات الفجر” عن أول عملية عسكرية لها في 18 تشرين الأول/ أكتوبر، وهي عبارة عن وابل من الضربات الصاروخية، استهدف مواقع إسرائيلية في الشمال. ومنذ ذلك الحين نفذت “قوات الفجر” المزيد من الهجمات، وتعرضت بالمثل لهجمات انتقامية إسرائيلية.

خط تهريب السلاح عبر الحدود السورية

أكدت مصادر ميدانية مطلعة في لبنان، لـ”الحل نت”، أن أيمن غطمة كان على رادار الاستهداف الإسرائيلي، منذ عدة أشهر، وبحسب المصدر كان الأخير مسؤولاً عن الدعم اللوجيستي “للجماعة الإسلامية”، وعمليات تهريب السلاح عبر الحدود السورية اللبنانية، وبالتحديد عبر منطقة الحدود المفتوحة، التي تبدأ عند أطراف جبل الشيخ في الجنوب الشرقي للبنان مروراً بسهول الهرمل في الشمال الشرقي، وقرى وادي خالد وعكار، حيث تتمركز، بحسب المصدر، قاعدة الإعداد والإمداد اللوجستي للأسلحة القادمة من الحدود السورية، في أنفاق منيعة في بلدة عرسال الحدودية.

“الجماعة الإسلامية”، ومنذ انخراطها في الصراع ضدّ إسرائيل، تتعرض لضغوط كبيرة في الداخل اللبناني، حيث يمكن لمعارضي “حزب الله” تفهم السياق الذي ينشط فيه عسكريا ضدّ إسرائيل، بدعم من إيران، لكن الجماعة التي تندرج ضمن المكون السني في لبنان، فاجأت الجميع بإعادة إحياء ميلشيا “قوات الفجر”، بعد قرابة عقدين من تجميدها، وفي ظل وضع سياسي هش، وراهن اقتصادي شديد الحرج.

وتزايدت التساؤلات حول عودة ظهور الجماعة، بعد أن قام مسلحون تابعون لها، بمسيرة في عكار في أواخر نيسان/ أبريل الفائت. حيث أصيب أربعة نتيجة لإطلاق النار، وأثار الحادث ردود فعل غاضبة في الأوساط السياسية اللبنانية، بل واستنكر مسؤولون سُنة تزايد أنشطة ميلشيا الفجر، قائلين إن ذلك لا يخدم سوى إسرائيل.

محاولة ضم حلفاء جدد

بحسب مصدر سياسي لبناني مقرب من “الجماعة الإسلامية”، فإن بسام حمود، نائب رئيس المكتب السياسي، اقترح توسيع قاعدة المؤيدين لوجود ميلشيا “قوات الفجر”، عبر التواصل مع الحركات والتيارات اليسارية والقومية، وبناء جسور قوية معها، وهو ما تحفظ عليه نسبياً ياسين أبو علي، رئيس المكتب السياسي، وربما يأتي ذلك في ضوء المنافسة الشخصية بين الاثنين، لكنّ الأمين العام، الشيخ محمد طقوش، حسم الأمر بالموافقة؛ من أجل فك الطوق السياسي المفروض على الجماعة، سواء من القيادة العسكرية، أو المكونات السياسية الطائفية الأخرى. يقول المصدر نفسه لـ”الحل نت”.

وبالفعل، وفي 11 حزيران/ يونيو الجاري، التقى الأمين العام “للجماعة الإسلامية، الشيخ محمد طقوش، برئيس “حزب التوحيد العربي”، وئام وهّاب، في لقاء حضره عضو المكتب السياسي عمر سراج، وبحسب “الجماعة الإسلامية”، “كانت وجهات النظر متفقة؛ على أن الصمود في الميدان بوجه العدوان الصهيوني، كفيل بتحقيق النصر للأمة”.

يواصل الجيش اللبناني ضغوطه على “الجماعة الإسلامية”، وسط تقارير أمنية أكدت ضلوع الجماعة في تجنيد عدد من الشباب السوري، ضمن “قوات الفجر”.

بحسب مصدر أمني لبناني رفيع لـ”الحل نت”

وبحسب المصدر السابق، وبعد مداولات داخل الجماعة على مستوى المكتب السياسي، حسم الأمين العام قراره؛ بالتواصل مع “الحزب الشيوعي اللبناني”، واتفق الطرفان، بطلب من “الحزب الشيوعي”، ألّا يكون اللقاء بشكل رسمي، وهو ما جرى بالفعل، حيث استقبل طقوش، الأمين العام السابق “للحزب الشيوعي”، الدكتور خالد حدادة، في لقاء شهد اتفاقاً على مواصلة العمل العسكري، من قبل “الجماعة الإسلامية”، ضدّ إسرائيل.

كما حرص وفد من “الجماعة الإسلامية”، برئاسة علي أبو ياسين رئيس المكتب السياسي، وبصحبته الشيخ رامي الزمار، مسؤول الجماعة في البقاع، على زيارة أمين سر دار الفتوى في البقاع، الشيخ عاصم جراح؛ لتقديم التهنئة بتكليفه برئاسة دائرة الأوقاف الإسلامية في البقاع، في محاولة لجذب الجناح الديني في المكون السني، واصطفافه خلف المشروع العسكري “للجماعة الإسلامية”.

الجيش يواصل ضغوطه

بحسب مصدر أمني لبناني رفيع، تحفظ على ذكر اسمه، واصل الجيش اللبناني ضغوطه على “الجماعة الإسلامية”، وسط تقارير أمنية أكدت ضلوع الجماعة في تجنيد عدد من الشباب السوري، ضمن “قوات الفجر”، وحتى اللحظة يرفض الجيش اللبناني الاعتراف بمشروعية الجناح العسكري “للجماعة الإسلامية”، بل ويصر على أن تكون قناة التواصل بينه وبين الجماعة هي النائب عماد الحوت، ممثل “الجماعة الإسلامية” في البرلمان اللبناني.

وأكد المصدر الأمني في تصريح خصّ به “الحل نت”، أن العميد حسان عودة، رئيس أركان الجيش اللبناني، التقى عماد الحوت، في جلسة خاصّة، يوم 25 حزيران/ يونيو الجاري، وأكد له أن الأمر لم يعد يحتمل المزيد من التوتر الأمني. لافتاً إلى أن قيادة الجيش، ممثلة في العماد جوزيف عون، باتت ترفض ضمناً التحركات الواسعة التي تمارسها الميلشيا الإخوانية، عبر الحدود السورية، وأن الجيش رصد عدة حوادث لتهريب السلاح، تحت حراسة عناصر من ميلشيا “قوات الفجر”. كما لفت إلى أن دخول السلاح بهذه الكثافة ينذر بعواقب وخيمة على أمن وسلامة لبنان.

وبحسب المصدر، فإن لهجة حسان عودة الصارمة هذه المرة، دفعت إلى عقد اجتماع عاجل للمكتب السياسي “للجماعة الإسلامية”، حيث قرّر طقوش التواصل مع شركاء المعركة، أي “حزب الله” اللبناني، من أجل التشاور حول رسالة الجيش اللبناني.

“حزب الله” يقلب الطاولة

في 28 حزيران/ يونيو الجاري، تفاجئ الجميع بظهور الأمين العام لـ”حزب الله”، السيد حسن نصر الله، في لقاء هو الأول، مع الأمين العام “للجماعة الإسلامية” ‏في لبنان، الشيخ محمد طقوش، وبحضور عضو المجلس السياسي لـ”حزب الله”، ‏الشيخ عبد المجيد عمار، وبحسب بيان الجماعة الإسلامية، “جرى التداول حول آخر التطورات السياسية والأمنية في لبنان ‏وفلسطين، والتأكيد على أهمية التعاون بين قوى المقاومة، في معركة الإسناد للمقاومة ‏الباسلة في غزّة وأهلها الصامدين الشرفاء”. بحسب البيان.

زعيم “حزب الله”، حسن نصرالله يستقبل الأمين العام “للجماعة الإسلامية” ‏في لبنان، الشيخ محمد طقوش-“الوكالة الوطنية للإعلام”

وعليه، جاءت رسالة “حزب الله” واضحة، للداخل اللبناني، بأنّه يدعم، بل ويحمي الوجود العسكري “للجماعة الإسلامية”، في تحد واضح لقيادة الجيش، فيما يشبه الهجوم الاعتراضي على أي إجراءات ينوي الجيش اتخاذها تجاه “الجماعة الإسلامية” وميلشياتها، الأمر الذي يقطع الطريق أمام جهود نزع سلاح “قوات الفجر”، ويغذي مكونات وجودها من الناحية السياسية والعسكرية.

ويمكن القول إن مشاركة “قوات الفجر” في الصراع العسكري، لم تعد رمزية ومحدودة كما بدأت، ذلك أن الحسابات السياسية لدى “حزب الله”، تتطلب زيادة حجم هذه المشاركة، لتخفيف الضغط على قوات “حزب الله” من جهة، ودفع المكون السني إلى المعركة من جهة أخرى. وبالتالي فإن الدور الوظيفي لميلشيا “قوات الفجر”، يفكك محاولات عزل “حزب الله” في الداخل اللبناني، بحيث يصبح لبنان بأسره داخل الحلبة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة