منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921، ومع كل تغيير رئيسي في نظام الحكم، كان النشيد الوطني في العراق بدوره يخضع للتغيير، بينما النشيد الوطني الحالي “موطني” نشيد مؤقت منذ 2003 وإلى اليوم. 

ظل النشيد الوطني العراقي مؤقتا، فلا نشيد دائم للبلاد، وربما سيتغير النشيد الحالي مستقبلا سواء من خلال هذا النظام أو في حال حصول تغيير جديد بمنظومة الحُكم في البلاد التي تعاقب عليها 5 أناشيد وطنية في أقلّ من قرن.

كان أول نشيد للعراق عام 1924، وهو لحنٌ فقط من تلحين الضابط البريطاني الميجر جي، بعد أن فاز لحنه من بين الكثير من الملحّنين، إثر مُسابقة أعلنها الملك فيصل الأول وقتذاك لاختيار اللحن الأنسب.

بعد تشكيل الدولة العراقية وتنصيب فيصل الأول ملكا على البلاد عام 1921، كان لا بدّ من أن يكون للمملكة العراقية الهاشمية موسيقى ملكية مثل دول العالم المتقدمة، وفعلا أعلنت عام 1924 مسابقة لتلحين أول سلام ملكي وخصصت جائزة مالية لمن يفوز بتلك المسابقة.

البداية بسقوط الملكية

عدد من الموسيقيين الأجانب اشتركوا في المسابقة، وفاز بها الضابط الإنجليزي، الميجر جي، وألّف قطعة موسيقية على إيقاع “مارش”، وعُزف هذا السلام لأول مرة عام 1924 من قبل جوق الحرس الملكي في مجلس الأمة وفي البلاط الملكي ومقرّ وزارة الدفاع. 

كان النشيد يُعرض على شاشات السينما قبل عرض الأفلام، وبعدها مع ظهور صورة الملك فيصل الأول والعلم العراقي يرفرف وراء صورته، واستمر ذلك حتى انقلاب 14 تموز/ يوليو 1958، وكان السلام الملكي لحنا فقط من دون كلمات.

النشيد الثاني، كان من دون قصيدة أيضا. لحن فقط،  واختير النشيد من قبل حكومة عبد الكريم قاسم، بعد نجاح انقلاب 14  تموز/ يوليو 1958 في إسقاط الحكم الملكي، ومقتل العائلة الملكية في قصر الرحاب ببغداد.

النشيد الثاني كان من تلحين المسيحي الراحل لويس زنبقة، وهو العراقي الوحيد الذي وضع لحنا للنشيد الوطني العراقي إلى يومنا هذا، وهو من خريجي قسم الموسيقى الهوائية في معهد الفنون الجميلة ببغداد أواسط الخمسينيات.

واصل زنبقة دراسته الموسيقية في العاصمة النمساوية فيينا، وعند قيام انقلاب 14 تموز/ يوليو 1958، بادر هناك إلى وضع لحن للسلام الجمهوري، وتدوينه موزّعا على كافة أقسام جوق الموسيقى الهوائية، وتسجيله من قِبل جوق موسيقي نمساوي.

قدَّم زنبقة النشيد مرفَقا برسالة منه إلى عبد الكريم قاسم، عبر سفارة العراق في فيينا، شارحا فيها الأفكار والمضامين التي اعتمدَها في صياغة اللحن، وتقرر اعتماده سلاما وطنيا لجمهورية العراق حتى عام 1963.

رحلة تغيير النشيد الوطني العراقي تستمر مع تغير الأنظمة، والتغيير الثالث للنشيد حصل بعد انقلاب شباط/ فبراير 1963 على عبد الكريم قاسم ومقتله، وصعود “حزب البعث” إلى دفة حكم العراق.

النشيد الثالث، كان ”والله زمن يا سلاحي“ جاء به “حزب البعث” عام 1963، وهو ذاته النشيد المصري حينها، واعتمده عبد السلام عارف وفقا لِما عُرفت بـ “الوحدة العربية”، يومها، واستمر النشيد 18 عاما، حتى عام 1979. 

بريمر ونشيد “موطني”

نشيد “والله زمان يا سلاحي”، من ألحان الموسيقي المصري، كمال الطويل، وكلمات الشاعر المصري، صلاح جاهين، وغنّته “كوكب الشرق”، المطربة المصرية أم كلثوم، عام 1956، وبعد وصول صدام حسين إلى الحكم عام 1979، تم تغيير النشيد الوطني العراقي للمرة الرابعة عام 1981.

عند وصول صدام حسين إلى سدّة الحكم، رأى أنه من الضروري أن يكون للعراق نشيده الوطني الخاص، وأُقيمت مسابقة في دائرة الفنون الموسيقية في وزارة الإعلام العراقية حينذاك، لإصدار نشيد وطني جديد.

قامت الدائرة بتسجيل كافة الأعمال والاستماع إليها من قبل لجنة متخصصة بتقييمها، وقد رجّحت النتائج مشاركتَين لضابطَين من الموسيقى العسكرية، هما عبد السلام جميل فرنسو وعبد الرزاق العزاوي، بحكم اختصاصهما بمثل هذا النوع من الموسيقى.

لكن الذي حصل، هو صدور مرسوم جمهوري من قبل صدام حسين، لاعتماد نشيد “أرض الفراتين”، من كلمات الشاعر العراقي الراحل، شفيق الكمالي، وألحان اللبناني وليد غلمية، ليكون النشيد الوطني الرابع للجمهورية العراقية، واستمر منذ عام 1981 وحتى عام 2003.

في 2003، وبعد سقوط نظام صدام حسين،  بدأ الشروع في البحث عن قصيدة من أجل النشيد الوطني العراقي الخامس، قبل أن يختار رئيس “سلطة الائتلاف المؤقتة”، بول بريمر، نشيد “موطني” حينها، كنشيد مؤقت للعراق عام 2004.

نشيد “موطني”، قصيدة تعود للشاعر الفلسطيني جمال طوقان، كتبها عام 1934، وهي من تلحين الموسيقار اللبناني، محمد فليفل، وظل النشيد مؤقتا منذ 20 عاما وإلى اليوم، رغم المحاولات الحكومية والنيابية المتعددة لاختيار نشيد وطني جديد للعراق.

النشيد الوطني العراقي الخامس، كاد أن يتغير عام 2012، بعد أن اعتمد “مجلس النواب” العراقي، قصيدة ”سلام على هضبات العراق“ لـ “شاعر العرب الأكبر”، محمد الجواهري، نَشيدا وطنيا للبلاد من حيث المبدأ، قبل أن يغلق الموضوع دون معرفة التفاصيل. 

حتى اليوم، يتفق النخبة من العراقيين، أي الطبقة المثقفة على أن قصيدة “سلام على هضبات العراق”، للجواهري، هي القصيدة الأمثل كي تكون نشيدا وطنيا للعراق؛ لأن شاعرا مثل الجواهري يستحق أن تخلّده الدولة باختبار قصيدته كنشيد لها، ولأنها تذكر كل تضاريس وجغرافية البلاد المتنوعة ثانيا. 

أغنية الساهر ولكن!

بعد 7 سنوات من التصويت المبدئي لقصيدة الجواهري، وتحديدا في عام 2019، تحرك “التيار الصدري”، بزعامة مقتدى الصدر، لاختيار نشيد وطني جديد للعراق، واختار قصيدة “سلام عليك على رافديك”، التي غنّاها المطرب العراقي، كاظم الساهر، وسعى لتشريعها رسميا من قبل ” مجلس النواب”.

لاقى الاختيار الكثير من ردود الفعل الشعبية المرحّبة، حتى أن “التيار الصدري” وجّه دعوة للساهر وشاعر القصيدة أسعد الغريري، لزيارة العراق في حال اختيار “سلام عليك” نشيدا وطنيا للعراق، ورحّبا بالدعوة.

كاظم الساهر، قال في تصريح للتلفزيون العراقي الرسمي حينها: “أتشرف بأن يكون سلام عليك على رافديك، نشيد العراق الوطني”، وأردف: “هذا شرف عظيم”.

وقدّم الساهر شكره الى “العراقيين ممن يدعمون اختيار هذا النشيد ورشّحوه”، مضيفا، أن “السعادة لا توصف وأتمنى أن يتم اختياره”، كما أكد: “أحب هذا النشيد جدا”.

القيصر والشاعر الغريري، أبديا استعدادهما لزيارة بغداد مباشرة بعد التصويت على “سلام عليك على رافديك” كنشيد وطني للعراق، وكان من المخطط أن يتم تصوير النشيد في مدينة الموصل، شمالي البلاد، بمشاركة كل أطياف الشعب العراقي، وبوجود الساهر.

بعد تحرك “التيار الصدري”، قام كاظم الساهر، بعمل توزيع جديد لأغنية “سلام عليك على رافديك” من خلال الفرقة السمفونية الأوكرانية، استعدادا منه لاختيارها كنشيد وطني للعراق، لكن لم يتم اختيارها بعد، رغم مرور 3 أعوام على تبنيها من قِبل “التيار الصدري”.

ما منع من اعتماد القصيدة كنشيد وطني سيكون هو السادس بتاريخ العراق، لو تم اختيارها، هو اعتراض عدة قوى سياسية على شخصية شاعر القصيدة، أسعد الغريري؛ كونه من شعراء نظام “حزب البعث” المنحل بقيادة صدام حسين.

أخيرا، لن يستمر النشيد الوطني العراقي الحالي بشكل دائم؛ لأن التاريخ يقول إن نشيد الدولة دائما ما يكون مؤقتا، ولأن المساعي لتغيير نشيد “موطني”، في النظام الحالي مستمرة من أجل تغييره، ناهيك عن أنه في حال تغيير هذا النظام، سيفكّر النظام الذي يتبعه بنشيد جديد من صلب العراق، بحسب كثير من المراقبين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات