مع انقضاء المهلة الرسمية لإغلاق ملجأين للحيوانات الضالة في منطقتي الصبورة و شبعا بريف دمشق في 25 حزيران/يونيو، بعد أن أرسلت محافظة ريف دمشق كتاباً إلى قيادة الشرطة لتنفيذ عملية الإخلاء، تكشفت الأوراق عن صراع سياسي معقّد يقف خلف هذا القرار. 

ما يثير الدهشة، هو الكشف عن أن هذه الأزمة ليست مجرد قضية إدارية روتينية، بل هي انعكاس لصراع أعمق يدور في أروقة السلطة السورية. فقد اتضح أن الحيوانات الأليفة قد وجدت نفسها، عن غير قصد، في قلب خلاف سياسي – اقتصادي بين الحكومة السورية و أسماء الأسد، زوجة الرئيس السوري.

إغلاق ملجأين للحيوانات

على مدى سنوات، نجحت جمعيتان للرّفق بالحيوان في نسج شبكة أمان للكلاب والقطط الضالة، تقف في طليعة هذه المبادرة الإنسانية جمعيتان رائدتان: “الفريق السوري لإنقاذ الحيوانات” (ستار) بقيادة هنادي المحتسب، و”الجمعية السورية لإنقاذ الحيوانات” (سارة) التي تقودها آنا أورفلي. 

ملجأ الحيوانات
ملجأ الحيوانات

منذ تأسيسهما في عام 2015، تحوّلت هاتان الجمعيتان إلى ملاذ آمن للحيوانات المشرّدة، حيث يقدّم متطوعون الرعاية الصحية والغذاء، معتمدين على التمويل الذاتي والتبرعات.

لكن هذا الجهد يواجه الآن تحدياً غير متوقع. ففي عام 2023، أصدرت وزارة الزراعة قراراً مفاجئاً بإخلاء الملاجئ، مستندة إلى شكاوى من الجيران وتقارير صحية وبيئية. 

هذا القرار، الذي نشرته صحيفة “الوطن” المحلية، جاء بعد شكاوى الجيران من الأصوات المزعجة والروائح الكريهة المنبعثة من الملاجئ، وعلى إثر ذلك قامت لجانٌ من وزارة الزراعة بمعاينة الملاجئ وأمرت بإخلائها، إلا أن تنفيذ هذا القرار تأخر استجابة لمناشدات من القائمين على الجمعيات.

وفق موقع “سيريا ريبورت” فإن العلاقة الوثيقة التي تجمع بين مديري جمعيات الرفق بالحيوان و”الأمانة السورية للتنمية”، التي تقف على رأسها أسماء الأسد، زوجة الرئيس السوري، كانت بمثابة درع واقٍ أمام قرارات الإجلاء السابقة.

غير أن هذا الدعم الضمني من أعلى مستويات السلطة جاء بمردود عكسي، حيث أوقفت مديرية الزراعة تجديد رخصة الطب البيطري لكلا الجمعيتين منذ ثلاث سنوات دون أي تفسير، مما أجبرهما على مواصلة عملهما بشكل غير قانوني.

أرض قاحلة ومسؤولية ثقيلة

في 25 حزيران/يونيو الفائت، قالت آنا أورفلي، لموقع “أثر برس” المحلي ، إن الأرض التي عليها الجمعية تبلغ مساحتها دونمين من الأملاك العامة في شبعا، وقد خصصتها وزارة الزراعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل قبل عدة سنوات. 

وأضافت أورفلي أن بناء الجمعية استغرق سبع سنوات، وبلغت تكاليف البناء وتخصيص الأرض وحفر بئرين للمياه نحو 10 مليارات ليرة سورية. وبما أن الأرض مصنّفة زراعياً ويمنع البناء فيها، فقد تم بناء الملجأ وفق الأنظمة، وباستخدام هياكل قابلة للتفكيك.

مؤخرا، أعلنت وزارة الزراعة ومحافظة ريف دمشق عن تخصيص 40 دونماً في منطقة الدنون في الكسوة جنوب دمشق لانتقال الجمعيتين، إلا أن هذه الأرض تفتقر إلى أي بُنى تحتية أو مرافق جاهزة، مما يعني على الجمعيتين عبء بناء ملاجئ جديدة على نفقتهما الخاصة دون أي تعويض حكومي أو مساعدة مالية.

ناشدت الجمعيتان، اللتان تواجهان صعوبات مالية منذ سنوات، المنظمات غير الحكومية المحلية والأجنبية لتقديم المساعدة، لكن دون جدوى. وأعلن مديرو الجمعيات إفلاسهم، محذّرين من مخاطر إطلاق آلاف الحيوانات الضالة في الشوارع دون رعاية أو مأوى.

وفي ظل غياب أي حلول أخرى، يبدو أن خطة الحكومة السورية الوحيدة للتعامل مع الحيوانات الضالة هي القتل، إما بالسّم أو بالرصاص.

صراعٌ ونفوذ

يُبرّر قرار إغلاق الملاجئ بوجود مخاطر صحية وبيئية، خاصةً مع فشل بلدتي شبعا والصبورة في جمع القمامة ومخلفات الحيوانات.

ولكن، يُخفي هذا القرار صراعاً أعمق، فالمناطق الواقعة على طول طريق المطار في شبعا والصبورة كانت تضمّ العديد من الحدائق الخاصة المزدهرة قبل ثورة 2011.

مع عودة النشاط السياحي إلى المنطقة، ظهرت مشاريع سياحية جديدة، بما في ذلك مدرسة ومشروع سياحي بالقرب من الملجأ، يتضمنان مبانٍ خرسانية على أرضٍ زراعية.

يُشير هذا الوضع إلى صراعٍ بين مؤسسات الحكومة السورية والجمعيات التي تدعمها “الأمانة السورية للتنمية”، وهو ما يشير إلى احتمال وجود أطراف أكثر نفوذاً من أسماء الأسد تدفع باتجاه إخلاء الملاجئ. 

ووفق موقع “سيريا ريبورت” يوجد أطراف متنافسة، من رجال أعمال وشركات سياحية، تضغط على محافظة ريف دمشق ووزارة الزراعة لنقل الملاجئ إلى الكسوة. ومن هنا، تتعامل المحافظة والوزارة بصرامة مع الجمعيات، وتثقلها بالتعقيدات البيروقراطية وتُلغي التراخيص الممنوحة سابقاً، متجاهلة عجز الجمعيات شبه المفلسة عن تغطية تكاليف بناء ملاجئ جديدة ونقل آلاف الحيوانات.

الجدير ذكره، أنه بعد إعلان إصابة أسماء الأسد للمرة الثانية بـ”السرطان” وتفرّغها للعلاج في أيار/مايو الماضي، العديد من التكهنات خرجت مؤخرا حول تنحية زوجة الأسد عن المشهد الاقتصادي الذي سيطرت عليه خلال العقد الفائت.

“الأمانة السورية للتنمية”، هي منظمة غير حكومية أنشأتها أسماء الأسد، تعمل كمؤسسة جامعة لمختلف المنظمات الأخرى. وبسبب هوية مؤسّسها، فهي من بين المنظمات غير الحكومية النادرة جدًا التي يُسمح لها بالعمل في سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات