مع اندلاع حرب غزة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي، كانت الجماعة الإسلامية في لبنان (فرع جماعة الإخوان المسلمين بلبنان) على موعد للانخراط في دور ميداني وعسكري ضمن ما يعرف بـ”محور المقاومة”، والاصطفاف من خلال جناحها العسكري “قوات فجر” مع “حزب الله” في الحرب ضد إسرائيل. وظهور سلاح “الجماعة الإسلامية” للمرة الأولى منذ ثمانينات القرن الماضي، بدا منطقياً بعد التغييرات الهيكلية في جسم التنظيم الذي مال بشكل حاد في انتخاباته الداخلية الأخيرة في آب/ أغسطس عام 2022، إلى إيران، وتم تصعيد القيادات القريبة من نظام الملالي.
ووفق مصادر سياسية لبنانية مطلعة، فإن “حماس” لعبت دوراً مباشراً في تلك الانتخابات لتعيين القيادات المقربة من “حزب الله” في لبنان، وسد الفجوة بين التنظيمين بعد خلافات كان من أبرزها الموقف إزاء الملف السوري والرئيس السوري بشار الأسد، موضحاً لـ”الحل نت”، أن هذه التغييرات التي جرت في قمة الهرم التنظيمي تزامنت مع “تدريبات وترتيبات أمنية وعسكرية هي كواليس ما قبل اندلاع “طوفان الأقصى”، حيث شهدت عدة مناطق في جنوب لبنان، منها عرمتى، استعدادات قصوى لتنفيذ الهجوم الذي جرى في 7 تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي، وبخاصة الاستعانة بالطائرات الشراعية التي حملت مقاتلين من الجناح العسكري لحركة حماس”.
ويشير المصدر إلى أن الحاجة إلى مكون سني “منضبط”، ليكون جنباً إلى جنب مع ما يسمى بـ”الممانعة” هو مخطط رئيس حركة “حماس” بغزة يحيى السنوار، بحيث تشكل “الكتل الصلبة الحركية نموذجاً متجانساً في سياق الحرب الإقليمية (حتى وإن لم تتسع بعد) التي سيترتب عليها تغييرات جيوسياسية هائلة في لبنان كما في غزة وعدة دول أخرى”.
“الإخوان” في لبنان
إذاً، ليس ثمة شك أن الدور المتبادل بين الجناح العسكري للإخوان في لبنان، من جهة، ومماثله في “حزب الله”، من جهة أخرى، ليس براغماتياً وحسب إنما له أهداف استراتيجية، تتعلق بما هو أبعد من واقع الصراع العسكري والميداني المؤقت في غزة، إلى اليوم التالي للحرب، فضلاً عن الترتيبات التي ستجري، بداية من غزة وإعادة الإعمار مروراً بالأطراف التي ستتولى الإدارة الأمنية في القطاع، وحتى في لبنان بما يتصل بحل الشغور الرئاسي، وتمرير سليمان فرنجيّة زعيم “تيار المردة” ومرشح “حزب الله”، ثم ترسيم الحدود البرية بين الحزب وإسرائيل، والاتفاق على المصالح الطاقوية في شرق المتوسط، وهو الملف العالق بعد ترسيم الحدود البحرية.
وبالعودة للمصدر السياسي اللبناني، فإن إخوان لبنان، أضحى لهم دور نافذ منذ الحرب في غزة، وذلك على خلفية نشاطهم العسكري والتنسيق مع “حزب الله”، بل ودخول كل طرف منهم في مناطقه والعمل بين حواضنه، وهذا الدور تحول من “منحة” إلى استحقاق، لا سيما بعد تصدير “فكرة أن لهم شهداء بالحرب، وعسكرة جنازات المقاتلين والتجوال بهم بين المواطنين”، كما أن نائب رئيس المكتب السياسي “للجماعة الإسلامية”، الدكتور بسام حمود، يتولى إدارة ملف العلاقة مع “حزب الله”، ويقوم بتعميم فكرة مفادها أن “المقاومة” يتعين أن يكون لها “قوة دفع وسياسات عمل في لبنان”.
فيما أعلن الجيش الإسرائيلي نهاية الأسبوع مقتل قيادي في “الجماعة الإسلامية” المقربة من حركة “حماس”، بضربة إسرائيلية استهدفت سيارته، في منطقة البقاع شرقي لبنان، وذلك على وقع استمرار التصعيد بين “حزب الله” وإسرائيل. وجاء في بيان الجيش الإسرائيلي: “في وقت سابق من هذا اليوم (الخميس)، هاجم جيش الدفاع الإسرائيلي باستخدام طائرات سلاح الجو منطقة البقاع، مما أدى إلى مقتل محمد حامد جبارة، الإرهابي المرتبط بمنظمة حماس الإرهابية في لبنان”.
ثمة محاولة من “حماس” لبعث الروح من جديد في جسد جماعة “الإخوان” المتهالك والذي يعاني من شيخوخته، فضلاً عن صراع بين جبهتي لندن وتركيا، وتآكل قواعده في ظل هذه التباينات والأزمات، إذ تلعب “الجماعة الإسلامية في لبنان” هذا الدور التجميعي بهدف لململة شتات التنظيم من خلال بوابة “المقاومة” وإغراء الصراع ضد إسرائيل.
وتابع: “كجزء من دوره، تم تكليف جبارة بترويج وتنفيذ مخططات إرهابية وعمليات إطلاق من لبنان إلى إسرائيل، بعضها بالتعاون مع المنظمة الإرهابية الجماعة الإسلامية في لبنان.. القضاء عليه يضر بقدرة منظمة حماس الإرهابية على الترويج وتنفيذ الأعمال الإرهابية ضد دولة إسرائيل على الحدود الشمالية، والتي روجت لها في الآونة الأخيرة”.
كما قالت الوكالة الوطنية للإعلام في لبنان، إن مقتل “القيادي في الجماعة الإسلامية محمد حامد جبارة من بلدة القرعون، جراء غارة على بلدة غزة” في منطقة البقاع. موضحة أن “مسيّرة معادية استهدفت عند السادسة والنصف من صباح يوم الخميس (3:30 فجراً بتوقيت غرينتش)، بصاروخ سيارته، وهي بيك أب (شاحنة صغيرة) من نوع دودج”.
إيران والاستفادة من المكون السني
وبحسب وكالة “فرانس برس”، فإن “الجماعة الإسلامية”، المقربة من حركة “حماس”، تأسست مطلع الستينيات وتعد ضمن جماعة “الإخوان”، وقعت ضمن مروحة الأهداف الإسرائيلية طاولت قياداتها، وآخرها ما جرى بالبقاع. ووصف الجيش الإسرائيلي القيادي المستهدف بأنه كان “مسؤولاً عن إمداد فصيله وحليفته حركة حماس في المنطقة بالأسلحة”.
كما كشف المصدر السياسي اللبناني لـ”الحل نت”، عن رغبة محمومة لدى “حزب الله”، بأن يساهم المكون السني في لبنان بتحريك الموقف تجاه سوريا وحكومة دمشق، والاستفادة منهم إلى جانب الميلشيات الشيعية لعمل ارتكازات أكثر قوة ومتانة في سوريا وتوسيع النفوذ و”مد خطوط التواصل مع تركيا”، حيث إن هناك أولوية للوصول إلى النفط في شمال شرقي سوريا. فضلاً عن مواصلة إيران تدشين مصافي نفط في الساحل السوري، وتحديداً ميناء اللاذقية، والذي سيدعم مناطق العبور لإيران، وكذا إلى لبنان بينما سيتولى تأمين ذلك “حزب الله”.
وتابع المصدر ذاته: “السيطرة على مصافي النفط وتسهيل وتأمين حركة النفط من سوريا إلى لبنان وإيران، سوف يساهم ويعزز من قدرة لبنان في مفاوضاته بشان ترسيم الحدود مع إسرائيل، والاستفادة من حقول الغاز على ساحل المتوسط. كما أن البدء في عمليات التنقيب والمشاركة في ذلك مع اسرائيل، من خلال وسطاء بالجيش اللبناني، سيجعل التهدئة ممكنة في الجنوب في مدى زمني أطول ويحد من التوترات”.
لكن، وبحسب المصدر نفسه، فهناك حالة من عدم الارتياح داخل الأوساط العسكرية اللبنانية، تجاه التحركات التي تقوم بها “الجماعة الإسلامية”، ومنها الرشقات التي جرت لمستوطنة كريات شمونة نهاية العام الماضي، وتم نقل ذلك الاحتجاج إلى النائب عن الجماعة في البرلمان عماد الحوت، والذي رد بأنه سوف ينقل وجهة نظر الجيش للأمين العام الشيخ محمد طقوش.
يمكن القول إن “الإخوان” وعبر أفرعه المختلفة وتنظيمه الدولي، ينشط منذ “طوفان الأقصى” لتحريك حواضنه وقواعده بهدف الانتشار ضد إسرائيل، ويسعى إلى تعبئة “المجتمعات السنية” وإيجاد من فكرة “المقاومة” و”الجهاد” وسيلة تكتيكية لحيازة مساحة في المجال العام، خاصة بعد انحسار دورها، ونبذها مجتمعياً وسياسياً على خلفية إخفاقها في الحكم بعد “الربيع العربي”، كما في مصر وتونس والمغرب، بل تصنيفها منظمة إرهابية في عدد من البلدان العربية، وملاحقة عناصرها وقياداتها أمنياً لتورطها في حوادث إرهابية.
بالتالي، ثمة محاولة من “حماس” لبعث الروح من جديد في جسد التنظيم المتهالك والذي يعاني من شيخوخته، فضلاً عن صراع بين جبهتي لندن وتركيا، وتآكل قواعده في ظل هذه التباينات والأزمات، إذ تلعب “الجماعة الإسلامية في لبنان” هذا الدور التجميعي بهدف لململة شتات التنظيم من خلال بوابة “المقاومة” وإغراء الصراع ضد إسرائيل. ولهذا تنشط “قوات فجر” الجناح العسكري السني “للإخوان” في لبنان منذ عقود ليست بالقليلة، بل يترك لها المجال لتنفيذ هجمات صاروخية بالتنسيق مع الحزب الشيعي، حزب “الولي الفقيه” ضد إسرائيل.
وقد جاءت أولى بوادر إعادة تفعيل “قوات الفجر” في 18 تشرين الأول/أكتوبر، عندما أعلنت هذه القوات أنها هاجمت شمال إسرائيل “رداً على العدوان الصهيوني الذي طال ويطال أهلنا في الجنوب اللبناني من مدنيين وصحافيين حيث أسقط منهم عدداً من الشهداء والجرحى، فضلاً عن قصف المنازل والمساجد وتدميرها”. ومنذ ذلك الحين، أعلنت عن هجمات أخرى ضد أهداف مثل كريات شمونة.
موطئ قدم لـ”حماس” في لبنان
وبحسب “معهد واشنطن“، شهدت الحرب أيضاً محاولة من “الجماعة الإسلامية” للاندماج مع “حماس” ومحور “المقاومة” الأوسع نطاقاً. على سبيل المثال، بعد مقتل القيادي البارز في “حماس” صالح العاروري في كانون الثاني/ يناير الماضي في غارة إسرائيلية في بيروت، ادّعى بيان التعزية الصادر عن الجماعة أن “الدم اللبناني والفلسطيني امتزجا ليكملا معاً مسيرة التحرير”. وقد تعزز هذا التكامل بشكل أكبر عندما أصدرت “الجماعة الإسلامية” مذكرة استشهاد للسيد في 18 أيار/مايو، مشيرة إلى أنه كان قائداً لكل من “قوات الفجر” و”كتائب عز الدين القسام” التابعة لـ “حماس”.
وبالمثل، بعد حادث المروحية الذي أودى بحياة الرئيس الإيراني ووزير خارجيته في الشهر الماضي، كانت “الجماعة الإسلامية” الفرع الإقليمي الوحيد لـ “الإخوان المسلمين” الذي أصدر بيان تعزية. وفي المقابل، أعلن الفرع الشقيق لجماعة “الإخوان المسلمين” في سوريا صراحةً أنه لن يؤبن الضحايا لأن “نظام إيران ورموزه عدو لشعبنا السوري وركن أساسي في الجريمة التي ارتكبت بحق سوريا”، مما يسلط الضوء على التحوّل الحقيقي الذي أحدثه الفرع اللبناني في السنوات الأخيرة. حتى أن طقوش، قائد “الجماعة الإسلامية”، استضاف المستشار الثقافي الإيراني مرتين هذا العام، إلى جانب مسؤولين من “حركة أمل” الشيعية في كانون الثاني/يناير، و”حزب الله” في آذار/مارس.
ويردف: “مع استمرار نمط الهجمات الصاروخية من «قوات الفجر» والردود الإسرائيلية في الأشهر الأخيرة، أصدرت «الجماعة الإسلامية» المزيد والمزيد من بيانات الشهادة، الأمر الذي مكّنها من استغلال التعاطف الواسع النطاق مع هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر. كما حوّلت الجماعة مؤخراً تشييع واحد على الأقل إلى عرض عسكري وسياسي. وكان الهدف من ذلك الاستعراض للقوة هو تعزيز جهود تجنيد الجماعة للشباب السنّة المتعطشين إلى زعامة أو انتماء أو هوية – على غرار الطريقة التي أشرك بها «حزب الله» الشباب الشيعة في ثمانينيات القرن العشرين، وإن كان ذلك على نطاق أصغر”.
ورغم كل ذلك، فإن المعهد الأميركي يوصي بضرورة الانتباه مما يحدث بين الكتل السنية بلبنان، حيث “لا يزال جزء كبير من المجتمع السنّي في لبنان يفضل الاعتدال السعودي النسبي على الآراء المتطرفة التي تتبناها الجهات الفاعلة الأخرى. ومع ذلك، فإن غياب الرياض التام عن المشهد في السنوات الأخيرة قد فتح مجالاً أمام “الجماعة الإسلامية” وغيرها من المتطرفين. ومن شأن أي علامة على تجدد الاهتمام السعودي أن تسهم بشكل كبير في الحيلولة دون محاولة جهات مثل “الجماعة الإسلامية” و”حماس” و”حزب الله” السيطرة على الوضع. وبناءً على ذلك، يجب على المسارين الأميركي-السعودي والفرنسي-السعودي في لبنان إعطاء الأولوية لعودة الرياض، مع التركيز على التأكد من عدم تحوّل المجتمع السنّي الموالي تاريخياً للسعودية إلى جهة “حزب الله”.
فيما تطالب واشنطن بضرورة أن تشجع الجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية الأخرى على إعادة النظر في نهجها تجاه الاضطرابات في هذا المجتمع. وفي الوقت الحالي، يتمثل رد هذه المؤسسات والجيش اللبناني على الاشتباكات أو غيرها من الحوادث الأمنية في هذه المناطق في احتجاز الشبان السنّة وتأخير محاكماتهم، و/أو تنفيذ اعتقالات شاملة تطال أفراداً سلميين. وسيكون من الأفضل للجيش اللبناني أن يستهدف أولئك الذين يحرّضون على العنف، ويوفرون الأسلحة، ويُنَظِّمون الخلايا المتطرفة المحلية، بينما تسعى السلطات الأخرى إلى معالجة المشاكل الجذرية في هذه المجتمعات الفقيرة.
- الاتحاد الأوروبي يقترب من تخفيف العقوبات على سوريا.. هل يفعلها غدًا؟
- مظاهرات في قرية الشنية بريف حمص.. ما المطلوب من الإدارة السورية؟
- مجزرة الكيماوي في دوما 2018.. ما دور روسيا في تضليل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية؟
- ثلاث دقائق من الشائعة.. ماذا حدث بعد تداول عودة ماهر الأسد إلى الساحل؟
- أبرزها سوريا.. ترامب يُعلّق المساعدات الخارجية الأميركية فما الأسباب؟
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.