قبل نحو أسبوع، حاولت إسرائيل اغتيال محمد المصري (الضيف)، العقل العسكري المدبر لحركة “حماس” في قطاع غزة. والذي تتهمه تل أبيب بأنّه المهندس الرئيسي وراء عملية “طوفان الأقصى”، في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الفائت، وعمليات أخرى لا تعد ولا تحصى من الهجمات الحركية العنيفة ضدّ إسرائيل.
إسرائيل شنّ هجوماً دموياً، خلّف وراءه مأساة مروعة في منطقة مجمع المواصي، التي تصنف ضمن المناطق الإنسانية الآمنة، عبر سلسلة من الغارات يوم 13 تموز/ يوليو الجاري، ممّا أدى إلى مقتل العشرات وإصابة المئات، بينهم طواقم من الدفاع المدني.
ووفق المركز الفلسطيني للإعلام، قصف الجيش الإسرائيلي عمارة سكنية على الطريق العام ما بين مفترق النص ودوار جامعة الأقصى، بستة صواريخ،قبل أن يشن هجوماً تحت غطاء أحزمة نارية متتابعة، ويقصف خيام النازحين وطواقم الدفاع المدني التي وصلت للإنقاذ.
وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن الهجوم كان يستهدف القائد العام لكتائب “عز الدين القسام” محمد الضيف، وهو ما نفته حركة “حماس”، وقالت إن “هذه الادعاءات الإسرائيلية هدفها تبرير وحشية المجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال”.
الضيف ووشاية أحد المقربين
منطقة مجمع المواصي بخان يونس، التي هاجمتها إسرائيل بحثاً عن محمد الضيف، تقع في المنطقة الجنوبية من قطاع غزة، ضمن مربع آمن للمدنيين، وبحسب مصدر ميداني خاص، فقد تمّ تنفيذ الهجوم، بعد وصول معلومات من أحد الجواسيس، بأنّ الضيف يتواجد في المجمع، رفقة رافع سلامة، قائد لواء “حماس” في خان يونس، والذي خرج من منطقة الأنفاق قبل أسابيع.
وبحسب مصدر آخر في خان يونس، كانت إسرائيل تتبع رافع سلامة بشكل خاص، ولم يخطر ببالها أن محمد الضيف قد يتواجد هو الآخر برفقته، وهي المعلومة التي وصفت بالصيد الثمين، الأمر الذي يفسر حجم الدمار الذي ألحقته إسرائيل بمخيم المواصي.
صحيفة “نيويورك تايمز” أكدت بدورها، نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين، أن تل أبيب كانت تراقب رافع سلامة، قائد لواء خان يونس التابع لحركة “حماس”، لأسابيع قبل ضرب موقعه، وأنّه ربما خرج لرؤية أسرته بعد أشهر طويلة قضاها في الأنفاق.
وبحسب مصدر مقرب من “حماس”، فإن رافع سلامة تعرّض لوشاية من أحد المقربين منه (ربما أحد أقاربه)، حيث إن أشجار الزيتون الكثيفة، التي تحيط بالمجمع، تعوق حركة الطائرات المسيرة، ومن ثمّ كان العنصري البشري هو عامل الحسم، حيث تمّ زرع جهاز تتبع دقيق بين أغراض سلامة. ولفت المصدر إلى أن العملية كان مقرراً لها الخميس، 11 تموز/ يوليو، لكنّها تأجلت للسبت، بعد أن أكد العميل أن الضيف سيكون برفقة سلامة مساء الجمعة 12 تموز/ يوليو أو على الأكثر السبت 13 تموز/ يوليو، وهو اليوم الذي استقرت عليه القيادة العسكرية الإسرائيلية لتنفيذ ضربتها.
المصدر قال لـ”الحل نت”، إن تسريبات وصلت إلى “حماس” بالفعل، باحتمالية تنفيذ غارة على تخوم مجمع المواصي، بين الخميس والسبت، الأمر الذي استدعى خروج الضيف من الأنفاق، والتوجه مباشرة إلى المجمع، رفقة حراسة محدودة، لإبلاغ عناصر “حماس” المتواجدين في المواصي بضرورة الخروج، وتوجيه ضربة في المنطقة العمياء لإسرائيل، وفق خطة أعدها.
محمد الضيف تحرك بطول الشريط الساحلي جنوبي غرب قطاع غزة، وشوهد بالفعل مساء السبت الماضي، في منطقة الأنفاق في دير البلح شمالا، بعد مروره بخان يونس، وفي الوقت نفسه، فإن مجموعته مرت في طريقها بمنطقة الكثبان “السوافي”، واستقرت حتى هدوء الأوضاع في أحد المنخفضات الزراعية، بحسب مصدر ميداني خاص لـ”الحل نت”.
وبحسب المصدر ذاته، تأكدت إسرائيل أن الضيف وصل مجمع المواصي في ساعة متأخرة من مساء الجمعة، ممّا أدى إلى تكثيف الغارة، التي تأكد أنها قتلت رافع سلامة، بينما ظلّ مصير الضيف مجهولاً حتى الآن.
بدورها قالت صحيفة “نيويورك تايمز” إن ضباط المخابرات في إسرائيل، تلقوا أول إشارة إلى أن الضيف وصل إلى المجمع يوم الجمعة، وعندها وقّع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على خطة شن الغارة، وفي الساعة العاشرة من صباح اليوم التالي، بعد أن تلقى الجيش الإسرائيلي تأكيداً إضافياً بوجود الضيف، أقلعت الطائرات المقاتلة إلى خان يونس.
اجتماع خاطف
بحسب مصدر خاص في المواصي، فإنّ محمد الضيف لم يلتق رافع سلامة على الإطلاق، رغم خروجه من الأنفاق إلى المنطقة المسيجة، حيث عقد اجتماعاً خاطفاً مع مجموعة من العناصر العسكرية القساميّة، في ساعة مبكرة من صباح السبت، وأعطى تعليماته بضرورة التحرك نحو حي تل الهوى، بالتحديد، والذي شهد كميناً محكماً استهدف قوة إسرائيلية راجلة قبل أيام من غارة المواصي. كما أكد المصدر لـ”الحل نت”، أن الضيف رفض لقاء رافع سلامة، وأنّه نجح في الحصول على حقيبة تضم أدوية خاصّة به، قبل أن يختفي.
وربما يتماهى ذلك مع إشارة من مصدر ميداني خاص، أكّد فيها أن محمد الضيف كان بحاجة إلى تدخل طبي سريع، الأمر الذي دفعه إلى الإقدام على محاولة الخروج والوصول إلى مجمع المواصي، حيث تتواجد بعض الطواقم الطبية في المنطقة الآمنة.
المصدر لفت لـ”الحل نت” إلى أن محمد الضيف تحرك بطول الشريط الساحلي جنوبي غرب قطاع غزة، وأنّه شوهد بالفعل مساء السبت، في منطقة الأنفاق في دير البلح شمالا، بعد مروره بخان يونس، مؤكداً في الوقت نفسه أن مجموعته مرت في طريقها بمنطقة الكثبان “السوافي”، واستقرت حتى هدوء الأوضاع في أحد المنخفضات الزراعية.
بدورها نفت “حماس” تعرض الضيف للأذى، بينما تؤكد المصادر أنّه كان متواجداً في الدقائق الأولى للغارة، ولا أحد يعرف على وجه الدقة ما تعرّض له، في محاولة إسرائيل الثامنة لإسرائيل لاغتياله، لكنّه ربما أفلت أيضاً هذه المرة.
وبحسب المصدر نفسه، فإنّ الضيف كان رفقة نائبه، مروان عيسى، أثناء مقتل الأخير في غارة جوية إسرائيلية في آذار/ مارس الفائت، ولفت المصدر إلى أن قدرة الأول على التخفي والتحرك السريع، بالإضافة إلى أن الصورة الوحيدة المعروفة لمحمد ضيف، التقطت في وقت ما قبل ربع قرن من الآن، تجعله يتحرك أحياناً دون أن يتعرف عليه أحد، وأحياناً يشاع أنّه موجود دون أن يكون متواجداً بالفعل.
الخروج الآمن
بحسب مصادر ميدانية، فإنّ عدداً من اللاجئين في مجمع المواصي، أبدوا غضبهم من تحرك القيادات العسكرية التابعة لـ”حماس” بين المدنيين، الذين تحولوا إلى دروع بشرية، في مواجهة آلة حرب إسرائيلية أصابها اختلال أخلاقي وجنون متعطش للدماء.
ويبدو أن طول أمد الحرب، يجعل الخروج من الأنفاق أمراً حتمياً، في ظل الحاجة للغذاء والدواء، وكذا توجيه العناصر المقاتلة، في ظل الرقابة الإسرائيلية المحكمة على الاتصالات، وحتى الآن لم تتمكن قيادات “حماس” من اكتشاف ملاذات آمنة فوق الأرض، الأمر الذي يدفعها دائماً إلى الاختباء والتحرك بين المدنيين.
من جهة أخرى، ربما تخضع حركة “حماس” إلى مناقشة الخروج الآمن من القطاع، في ظل التوحش الإسرائيلي والحصار المحكم، مع فقدان التواصل مع مجموعات عسكرية، نفذت ذخيرتها، وأصبحت معزولة تماماً، وهو ما يؤكده مصدر أمني مصري، رفض الإفصاح عن هويته، حيث لفت إلى وجود معلومات حول نقاشات جادة داخل “حماس”، بخروج قيادات الصف الأول من القطاع، ربما إلى العراق، عبر الأردن، حيث أعطى محمد الحافي، مسؤول “حماس” في بغداد، الضوء الأخضر، بالحصول على موافقة الجهات المختصة في العراق، وهو الأمر الذي يصطدم، بحسب المصدر ذاته لـ”الحل نت”، برفض يحيى السنوار، بينما أكد إسماعيل هنية إمكانية مناقشة ذلك، والتوصل إلى صيغة توافقية، ضمن اتفاق نهائي لوقف إطلاق النار في القطاع المنكوب.
- بضمنها سوريا.. ترامب يُعلّق المساعدات الخارجية الأميركية فما الأسباب؟
- “إخلاء سبيل المتهمين!”.. تطورات واقعة إشعال النيران بسيارة شقيق عمرو دياب
- تعاون استخباراتي بين واشنطن ودمشق يُحبط هجوماً لـ “داعش” على مرقد السيدة زينب.. تفاصيل
- حل الفصائل وتشكيل جيش سوري: العوائق والتحديات أمام الإدارة السورية
- تجاوزات وانتهاكات خلال حملة أمنية بريف حمص.. ماذا جرى؟
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.