لا يعدو اجتماع الفصائل الفلسطينية لتدشين محادثات وحدة وطنية في الصين كونه أمراً جديداً، أو يتوقع منه الانفتاح نحو أفق جديد، وذلك في ظل عدة أمور رئيسية، منها أن الانقسام الفلسطيني الفلسطيني متجذر منذ 17 عاماً وحل الانقسامات العميقة ليس هيناً، وقد انخرط في ذلك عدة وسطاء منها مصر التي سبق لها وجمعت الفصائل مرات عديدة طوال عمر الأزمة. كما أن روسيا احتضنت اجتماعات مماثلة مؤخراً ولم تسفر عن شيء.

الصين التي استقبلت عدة اجتماعات للفصائل لحل وتسوية الصراع، وبدأت منذ نيسان/ أبريل الماضي، يؤشر إلى نقطة جوهرية تتمثل في رغبة بكين لعب دور أوسع بالشرق الأوسط، الأمر الذي تقوم به موسكو كذلك، وذلك في إطار السباق على خلفية التنافس الجيوسياسي مع الولايات المتحدة، وإظهار أن بمقدورهما ملء المساحات التقليدية لواشنطن بالمنطقة وتشكيل مناطق نفوذ محددة. ولهذا، يبدو أن الدور الصيني في انعطافته تجاه أزمة الانقسام الفلسطيني الفلسطيني لا يتخطى مجال الدعاية السياسية تحت وطأة التنابذ مع واشنطن والغرب، خاصة مع شحّ المعلومات وقد أوضح الناطق وزارة الخارجية الصينية لين جيان، أن بلاده ستنشر تفاصيل اجتماع بين حركة “حماس” ومنظمة “فتح” “في الوقت المناسب”. وتابع: “دعمت باستمرار المصالحة والوحدة بين الفصائل الفلسطينية من خلال الحوار والتشاور”، وأنها على استعداد “لتوفير منصة وخلق فرص” لمشاركتها.

توافق “حماس” و”فتح” المستحيل

يتضح أن الانفراجة قلقة بين حركتي “حماس” و”فتح”، بينما ما تزال التناقضات والتباينات بين الطرفين تؤزم العلاقة. ففي حين طالب القيادي بحركة “فتح” محمد الحوراني أنه يتعين على “حماس” التخلي عن ضجيج الشعارات، وتعلن اصطفافها مع برنامج “فتح”، فإن “حماس” من الناحية السياسية البراغماتية وفي ظل انقلابها عام 2006، للقفز على إدارة القطاع بغزة، وتحقيق أجندتها المرتبطة بجماعة “الإخوان”، ثم لاحقاً تبعيتها أو بالأحرى صلاتها بإيران و”الحرس الثوري الإيراني” بتقاطعاته الإقليمية مع قطر، يجعل هذه الصيغة الفتحاوية تبدو مستحيلة أو مثالية وطوباوية، ولا محل لتحققها عملياً.

الصين التي استقبلت عدة اجتماعات للفصائل الفلسطينية لحل وتسوية الصراع، يؤشر إلى نقطة جوهرية تتمثل في رغبة بكين لعب دور أوسع بالشرق الأوسط- “وكالات”

إذ إن استحقاقات “حماس” (من وجهة نظرها) في حكم غزة وإدارته لحساباتها الأيديولوجية وتنفيذ توجهاتها، بالإضافة لانفصالها عن ارتباطها الخارجية مع كل التراكمات الإقليمية والعسكرية التي خاضتها وآخرها “طوفان الأقصى” لن تتنازل عنها دفعة واحدة للسلطة في الضفة وكأنما تعيد التاريخ للوراء. بل إن خطاب ممثل “فتح” في ما يبدو الذي ينبني عليها المصالحة برعاية بكين يبدو هزلياً إذ يبطن في مطالبه تصوراً مباشراً لعزل “حماس” وتصفية دورها نهائياً ومطالبتها بالامتثال لـ”فتح”، وأن لا تكون لها شرعية، وتوحيد القيادة لمنظمة السلطة، الأمر الذي لن تقابله “حماس” حتماً بقبول.

ورغم ذلك شدد القيادي بـ”فتح” على أنه من المطلوب “أولاً إعلان الموقف السياسي المتعلق ببرنامج منظمة التحرير، وهو أن الشعب الفلسطيني يناضل من أجل دولة على حدود 1967 كما تقتضي قرارات الشرعية الدولية”. 

وقال أيضاً إن هذه الخطوة هي الأولى لتكون هنا مرحلة “بعيدة المدى ومهمة تتخلى فيها حماس عن الشعارات، وتهبط على أرض الواقع للعمل السياسي الذي يعمل في إطاره العالم العربي: مبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية وأطراف المجتمع الدولي”. 

وعدّ الحوراني الانقسام الفلسطيني الفلسطيني وسيلة استغلتها حكومة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لتصفية المسار السياسي وقال: “نتنياهو كان يسمح بتحويل ميزانية شهرية لإدامة هذا الانقسام، ليقول أمام العالم إنه لا يوجد طرف فلسطيني واحد أتحدث معه، وهذا لأن إسرائيل وحكومة نتنياهو أرادت أن تدفن أي إمكانية لأي مسار سياسي”.

خلافات جوهرية

وفي ظل حرب غزة المندلعة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي، حاولت عدة أطراف خارجية الانخراط في وساطة ضمن إطار الصراع، مرة لتحقيق التهدئة، ومرة أخرى بشأن إنهاء الانقسام الفلسطيني الفلسطيني والذي برز مرات عديدة وتصاعد مع الحرب التي شنتها “حماس” ضد إسرائيل، وقد هاجم الرئيس الفلسطيني محمود عباس الحركة المصنفة على قوائم الإرهاب مرات عديدة، واعتبرها تمنح الذرائع لإسرائيل لشن حربها على الفلسطينيين وتوسيع الصراع، وأنها إذ تقوم بذلك فليس الغرض منه الدفاع عن فلسطيني إنما لتحقيق أغراض مشبوهة تتعلق بإيران، الأمر الذي تسبب في حدوث ملاسنات عديدة بين الطرفين. 

ومع نهاية تموز/ يوليو العام انعقد في العلمين على ساحل المتوسط بمصر لقاء جمع الرئيس عباس وفصائل فلسطينية وغاب آخرون، لكن “حماس” في الاجتماعات كافة، بمصر ثم موسكو، لم تمتثل للتوقيعات التي قامت بالتوقيع عليها وإقرارها والانقلاب على ما تم الاتفاق بشأنه.

بالتالي، فإن “إعلان بكين” المصالحة وإنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الفلسطينية، وفق ما ذكرت شبكة CGTN التلفزيونية الصينية، من غير المأمول أن تحقق طفرة في العلاقات بين الطرفين، لا سيما أن البنود المطروحة هي ذاتها التي لا تلتزم بها “حماس” كل مرة، بينما لم يعلن عن أسس وشروط جديدة للقبول أو إعلان الجدية من قبل الطرف الحمساوي الذي لطالما يعمد إلى المماطلة والتسويف. 

ومن بين تلك البنود هي الاعتراف ببرنامج “فتح”، والالتزام بقرارات الأمم المتحدة المتعلق بفلسطين، مع الأخذ في الاعتبار أن النقطة الأخير لا تعد منطقية من ناحية قانونية في ظل التمثيل الشرعي الدولي فقط لـ”فتح” أممياً بينما تُصنف “حماس” كمنظمة إرهابية.

في حين لم تؤد الوساطة الصينية بين السعودية وإيران إلى انفراجة جادة في ملفات النزاع المتبادلة بينهما، فإن السلام المزعوم التي تتصدره الصين في انخراطها بالأزمات بالشرق الأوسط لا يصل إلى الرقم الصحيح. 

في حين أن “حماس” سبق لها وكررت أن الاعتراف بهذه البنود، يجعلها تسير في اتجاه الاعتراف بإسرائيل، والتي ما تزال مطالب ما قبل أوسلو، وتلجأ في المقابل إلى الكفاح المسلح لاسترداد الأراضي كافة التي تقع تحت سيطرة إسرائيل وحق اللاجئين بالعودة لبيوتهم وممتلكاتهم. ولحل هذه المعضلة، سعت الحركة إلى طرح فكرة حكومة وفاق وطني بمرجعية لها امتداد تمثيلي من الفصائل، الأمر الذي يقوض من شرعية “فتح” ويدخل أطراف أخرى في شراكة معها بالحكم، ورفضته الأخيرة، حتى تكون هي المرجعية الوحيدة للحكم بفلسطين، والحديث باسم القضية.

فيما صرح الناطق بلسان الخارجية الصينية أن “الجانبين اتفقا على مواصلة مسار المحادثات لتحقيق التضامن والوحدة الفلسطينية في وقت قريب”. ومن اللافت وفق صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، تزامن هذه الترتيبات السياسية الدبلوماسية برعاية الصين مع جهود وقف إطلاق النار والحرب في غزة، مشيرة في الآن ذاته أن إسرائيل والحركة وافقتا على إدارة “مستقلة ومؤقتة لقطاع غزة مع قوة مراقبة أمنية تتألف من نحو 2500 من أنصار السلطة الفلسطينية في غزة الذين قامت إسرائيل بالفعل بفحصهم”.

“وساطة دعائية”

وفي حين لم تؤد الوساطة الصينية بين السعودية وإيران إلى انفراجة جادة في ملفات النزاع المتبادلة بينهما، كما هو الحال في أزمة اليمن، مثلاً، والتصعيد الحاصل في البحر الأحمر وتهديد ممرات الملاحة الدولية، وتأزيم الوضع الإقليمي والدولي وما يرتبط به من مصالح الخليج ومصر كما الغرب وواشنطن، فإن السلام المزعوم التي تتصدره الصين في انخراطها بالأزمات بالشرق الأوسط لا يصل إلى الرقم الصحيح. 

“إعلان بكين” المصالحة وإنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الفلسطينية، وفق ما ذكرت شبكة CGTN التلفزيونية الصينية، من غير المأمول أن تحقق طفرة في العلاقات بين الطرفين-“DW”

كما لا يتخطى الدور الوساطي أبعد من دعاية سياسية بتقديم نفسها كبديل للنظام العالمي الذي تقود الولايات المتحدة، وطرح بدائل عن فكرة القطب الواحد إلى الثنائي وربما المتعدد، وكذا تأمين الصين لمصالحها تحديداً التجارية والاقتصادية.

غير أن وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، غرد عبر منصة “إكس” (تويتر سابقاً):  “وقعت حماس وفتح في الصين اتفاقاً للسيطرة المشتركة على غزة بعد الحرب”. وقال: “بدلاً من رفض الإرهاب، يحتضن محمود عباس القتلة من حماس ويكشف عن وجهه الحقيقي”، مؤكداً أن “هذا لن يحدث لأن حكم حماس سيُسحق، وسينظر عباس إلى غزة عن بعد”.

ثم نقلت وكالة “رويترز” عن عضو المكتب السياسي لحركة “حماس”، حسام بدران، بأن “أهم نقطة في إعلان بكين هي تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية لإدارة شؤون الفلسطينيين”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة