العراق يستعر بسبب الأحوال الشخصية: معركة شعبيّة ضد انتهاكات البرلمان لحقوق الإنسان؟

غضب كبير في العراق من قبل الأوساط الشعبية ضد البرلمان العراقي وإجراءاته الرامية لانتهاك حقوق الإنسان وسلبها وإعادته إلى العصور الجاهلية، وهذا الغضب لم يهدأ منذ أسبوعين وإلى الآن، إذ تستعر البلاد بسبب الإصرار على تعديل قانون الأحوال الشخصية.

في التفاصيل، تسعى الأحزاب الإسلامية إلى تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959، عبر جعل القانون يعتمد على الأحكام الشرعية الدينية (الفقهية) للمذهبين الشيعي والسني، وهو ما يشكل خطرا كبيرا على الحقوق المدنية للإنسان، لا سيما النساء والأطفال، لذا جوبه برفض شعبي كبير، اضطر على إثره البرلمان لرفع القانون من جلسة 24 تموز/ يوليو المنصرم، لكنه عاد فجأة وأدرجه على جدول أعماله الأحد الماضي، وتمت قراءته قراءة أولى ليهتز الشارع العراقي مجددا. 

الشارع العراقي من حقوقيين/ حقوقيات وناشطين/ ناشطات ومنظمات مجتمع مدني وأحزاب ناشئة وحتى برلمانيات لم يهدأ، وقرر استخدام كل أوراقه المتاحة لمنع تمرير وتعديل القانون الجديد الذي يسيء لموقف وسمعة العراق أمام المجتمع الدولي، وينتهك كل المبادئ والحقوق الإنسانية، ومنها التحشيد لوقفة احتجاجية كبرى غدا في بغداد وبقية المحافظات العراقية. 

“تحالف 188” للدفاع عن قانون الأحوال الشخصية النافذ، دعا في بيان له، إلى وقفة احتجاجية في ساحة التحرير وسط بغداد، غدا الخميس، عند الساعة الخامسة والنصف مساء، وترافقها وقفات احتجاجية موحدة في ذات التوقيت ببقية المحافظات، وذلك تعبيراً عن رفضهم لتعديل قانون الأحوال الشخصية بعد مناقشته وقراءته قراءة أولى. 

ماذا لو تم تشريع تعديل قانون الأحوال الشخصية؟ 

“تحالف 188” تأسس مؤخرا من قبل ناشطين وناشطات بمجال الحقوق والحريات، وأحزاب ناشئة ومنظمات مجتمع مدني، والهدف الأساسي منه هو منع ورفض تشريع القانون الجديد، وعقد مؤتمرات وندوات عدة لتسليط الضوء على مخاطر قانون الأحوال الشخصية الجديد، الذي “يُدعشن المجتمع” ويجعل العراق بمثابة قندهار، خاصة وأنه يستهدف المرأة بشكل رئيسي للتضييق عليها من كل النواحي.

كما تأسست كتلة برلمانية من النساء حصرا من البرلمانيات من مختلف توجهاتهن الفكرية والمذهبية ومن عدة أحزاب في تكتل واحد بقيادة النائبة نور نافع، للوقوف من داخل مجلس النواب بحزم ضد تمرير وتشريع التعديل المزمع لقانون الأحوال الشخصية النافذ.

وفي إطار التحركات المستمرة، التقى “تحالف 188” والكتلة النسوية البرلمانية المعترضة ومجموعة من النساء من “شبكة النساء العراقيات” برئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق، القاضي فائق زيدان، لمناقشة مخاطر القانون الجديد وإشكالياته وسلبياته على المجتمع العراقي. 

وضمن هذا الإطار، أكدت الناشطة الحقوقية رؤى خلف، أن المجتمع المدني سيسعى بكل قوته لمنع تمرير هذا القانون، وأن التحركات مستمرة على الجهات المعنية لكسب تأييدها ضد تعديل القانون، مشدّدة على أن الوقفة الاحتجاجية ليوم غد ستكون أبرز موقف واضح يعبر عن رفض الشعب لهذا القانون ولأجندة البرلمان الذي لم يمثّل الشعب ويقف بالضد منه. 

رؤى خلف إبان مشاركتها في “انتفاضة تشرين” شتاء عام 2020 في بغداد – (فيسبوك)

وأشارت خلف في حديث مع “الحل نت”، إلى أن الخطوات المقبلة في حال أصر البرلمان على تشريع القانون وتم تمريره، هو الطعن بشرعية القانون أمام القضاء العراقي، وتحديدا عند “المحكمة الاتحادية العليا” من “تحالف 188″ و”شبكة النساء العراقيات” والكتلة النسوية البرلمانية؛ لأن هذا القانون سيسلب حقوق النساء المغصوبة أساسا بل وينتهك حقوق الأطفال، على حد قولها. 

نسف حقوق المرأة والطفل!

يصرّ “الإطار التنسيقي” الذي يمتلك رئاسة الحكومة، ويضاف معها وجود حليفه محسن المندلاوي على رأس “السلطة التشريعية” لعدم وجود رئيس للبرلمان من المكوّن السّني، على تشريع تعديل جديد لقانون الأحوال الشخصية العراقي النافذ لعام 1959، ليجعل المذهبية تتحكم فيه، فيما يرفض المجتمع ذلك. 

الغضب الشعبي من القانون يأتي لأن أبرز ما في التعديل، هو جعل مسائل الأحوال الشخصية، لا سيما عقود الزواج والطلاق والميراث والنفقة وحضانة الأطفال، تكون بناء على المذاهب، وخاصة المذهبين الشيعي (الجعفري) والسّني (الحنفي)، وبالتالي فإن القضاة عليهم الرجوع في كل الأمور إلى مذهب الشخص عند حكمهم بأي حكم.

ويعتمد التعديل المقترح مسألة “الأحكام الشرعية” في تطبيق قضايا الأحوال الشخصية، وفق مدونتين للأحكام الشرعية من قبل الوقفين الشيعي والسّني، يعتمد عليهما القاضي في تلك الأحكام، وهو ما دفع بالشارع العراقي للتنديد به ورفضه عبر الإعلام وعبر وقفات احتجاجية وندوات ومن خلال حملات في مواقع التواصل الاجتماعي.

وتكمن خطوة المقترح القانوني في أنه ينسف الكثير من الحقوق للمرأة ويهدرها، ويثير مشاكل عائلية لا حدود لها، ناهيك عن تأثيره على الأطفال وحتى على الآباء، فضلاً عن مخاوف من عدم الزواج من مذاهب مختلفة، بحسب تقارير صحفية متعددة.

ويتيح التعديل القانوني للمُقبل والمُقبلة على الزواج، اختيار مذهبهما الديني عند إبرام عقد الزواج، سواء كان شيعياً أو سنّياً، وفي حال عدم اتفاق الزوجين على مذهب محدد، يُطبّق مذهب الزوج، وحتى في أي خلاف بين الزوج والزوجة، ومنها مسألة التفريق والطلاق، فإن التعديل يعتمد على مذهب الزوج بشكل تعسفي. 

كوارث القانون وفق المذهبين الجعفري والحنفي

مقترح التعديل سيتيح وفق المذهب الشيعي (الجعفري)، إبرام عقد زواج الأنثى بعمر 9 أعوام بدلاً من 18 عاماً، أي أنه يشرعن زواج الأطفال أو القصّر والقاصرات، كا أنه لا يمنح النفقة للزوجة الناشز، أو الصغيرة التي لا يمكن لزوجها التمتع بها، وإذا كانت كبيرة وزوجها صغيراً لا يستطيع التمتع بها، ولا للزوجة البالغة التي ترفض لزوجها أن يتمتع بها.

كذلك لا يمكن للمرأة طلب التفريق أبدا حتى لو كان زوجها مريضاً أو هجرها في الفِراش، ويفرض العدّة على الطفلة التي لم تكمل التاسعة من العمر وإن لم يدخل بها زوجها، ويحرم الزوجة من الإرث في العقارات من زوجها، ويبيح الزواج المؤقت أو المنقطع “المتعة”. 

فيما يتيح مقترح التعديل وفق المذهب السّني (الحنفي)، شرعنة إبرام عقد زواج الأنثى بعمر 9 أعوام، أي شرعنة زواج الأطفال، وإباحة الزواج المؤقت “المسيار”، والذي يُعد هو و”زواج المتعة” جريمة في القانون العراقي الحالي، كما أن النساء تأخذ نصف حصة الإرث فقط، والنصف الآخر للأقارب الرجال، وفي حال عدم وجود أقارب رجال، يذهب النصف الآخر من الإرث للدولة، ناهيك عن أن الزوجة لو ماتت، فإن حضانة الطفل لا تذهب للأب، بل تذهب لأم الزوجة أو للخالة أخت الأم، أي لكل نساء عائلة الزوجة المتوفاة، ويمنع الأب من الحضانة.

إلى ذلك، سيبيح التعديل القانوني المقترح، الزواج خارج المحاكم عند رجال الدين والمأذونين، وهذا سيتيح الزواج الثاني وتعدد الزوجات، في وقت أن كل زواج خارج المحكمة يُعد باطلاً وفق القانون العراقي الحالي، و سيجبر المحاكم على تصديق الزواج إن طلب الطرفان ذلك، وسيسلب الأم حقّ الحضانة إذا تزوجت، ويتم تسليم أطفالها لجد الأب في حال لم يكن الأب راغباً بالحضانة.

ورغم الغضب والسخط الشعبي الكبيرين، اجتمع قادة ونوّاب “الإطار التنسيقي” في منزل زعيم “ائتلاف دولة القانون”، رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، الأسبوع الماضي، وخرجوا ببيان أكدوا فيه المُضي نحو ضرورة تشريع قانون الأحوال الشخصية الجديد وفق المذاهب، متحدّينَ الشعب والمجتمع، بل قالوا في البيان، إنه يجب وضع مشروع القانون في الجلسة “البرلمانية” المقبلة لأجل قراءته تمهيدا لتشريعه، وهو ما حدث بالفعل عندما تمت قراءته قراءة أولى.

الجدير بالذكر، أن هذه ليست المرة الأولى التي تسعى فيها الأحزاب الشيعية إلى تعديل وتشريع قانون جديد للأحوال الشخصية، فسبق وأن سعى “حزب الفضيلة” في عامي 2012 و2014 إلى تشريع القانون وفق “المذهب الجعفري” وقوبل الأمر بسخط ورفض شعبي، ثم تكررت المحاولة في 2017 و2021، وكذلك خرجت تظاهرات رافضة للأمر، لتعود المحاولة اليوم مجدداً، ولكن هذه المرة تأتي مع سيطرة “الإطار” على الحكومة و”البرلمان”، ولذا فهي تحاول استغلال وجود المندلاوي في رئاسة “البرلمان” لتمرير القوانين الجدلية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات