بعد مقتل فؤاد شكر أحد كبار قادة “حزب الله” في الضاحية الجنوبية اللبنانية، وإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” في طهران، بدأت أنظار العالم تتوجه نحو الرد المتوقع من ما يطلق على نفسه “محور المقاومة”، هذا المحور الذي يعد الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه جزء رئيسي فيه، والذي لطالما ساعد الأسد على البقاء في السلطة بقيادة إيران. 

وعلى عكس المتوقع من الأسد الذي لم يسعَ أن يكون جزء من لعبة الرد المضاد حتى لو على مستوى التصريحات. ليبدو هنا السؤال منطقي هل خرج الأسد من “محور المقاومة”؟ وبصياغة أخرى هل يحاول الأسد البحث عن أصدقاء جدد بعيداً عن إيران ومحورها؟ وما هو موقف الأسد في حالة نشوء حرب إقليمية بين إسرائيل “ومحور المقاومة”؟ 

علينا في البداية قبل البحث عن إجابات أن نوضح واقع سياسي مهم تجري وفقا له كل المعطيات، هو “واقع المصلحة أو المنفعة” التي لها لغة خاصة يجيدها الجميع.

مواقف كاشفة

أصبحت هذه التساؤلات غاية في الأهمية مع التزام الأسد الصمت نحو “محور المقاومة” الذي انبثق منه مبدأ وحدة الساحات بعد أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، حيث عمل “محور المقاومة” بقيادة إيران كالمليشيات العراقية على استهداف القواعد الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، وفي لبنان سعى “حزب الله” على تجديد الصراع في الجنوب اللبناني مع إسرائيل. 

بوتين يلتقي بشار الأسد في موسكو حرب قادمة؟ (1)
موسكو، روسيا – 24 تموز/يوليو: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (الثاني إلى اليمين) يستقبل الرئيس السوري بشار الأسد (الثاني إلى اليسار) في موسكو، روسيا في 24 يوليو 2024. (الصورة من المكتب الصحفي للكرملين/ هاند أوت)

وكذلك من خلال التهديدات التي سعت إليها جماعة “الحوثي” في اليمن إلى إثارتها عبر البحر الأحمر وتعطيل حركة الملاحة الدولية وخاصة لدول الداعمة لإسرائيل. ليغيب الأسد عن “محور المقاومة” في هذه الأحداث الداعمة لغزة. مما فتح الباب على السؤال عن طبيعة موقف الأسد. 

غياب الأسد عن مراسم التشييع كان غريبا في ظل العلاقات والتحالف الكبير بين البلدان. مما دفع الرأس الكبيرة في إيران إلى عتاب الأسد بشكل غير مباشر وأنه يرفض ما يسعى إليه الأسد، حيث كتب المرشد الأعلى لإيران، علي خامنئي، على موقع “إكس” (تويتر سابقا)، بأن “الهوية المميزة لسوريا هي هوية المقاومة “، مضيفاً: أن “جبهة المقاومة ساعدت دائما على الوحدة الوطنية السورية“.

وتعددت الرسائل بين الأسد الذي يحاول اتخاذ مواقف جانبية من التوتر القائم في المنطقة العربية وبين إيران ومحور المقاومة الذي يسعى إلى رفض تجنب الأسد. مما يجعلنا نقول ربما تكون أحداث مجدل الشمس جزء رئيسي من حالة المحاولة من الأسد والرفض من طهران، فقد جاءت هذه الأحداث في إطار الضغط المباشر على الأسد، الذي يسعي منذ تشرين الأول/أكتوبر الفائت وأحداث السفارة الإيرانية في دمشق إلى عدم الدخول في الصراع مع  الأطراف المضادة لـ”محور المقاومة”. 

حاول خامنئي استخدام جبهة الجولان السورية في الصراع القائم ولكن الأسد رفض، مما أحداث شرخا في العلاقات الإيرانية السورية. ولهذا جاءت عملية مجدل شمس من أذرع إيران لإنهاء التحييد الذي تعيشه دمشق، ومن ناحية أخرى إرباك علاقته بالدروز وتحريك هذه الطائفة لجعل الأسد يتورط في الحرب رغماً عنه وبعيداً عن إرادته العسكرية

ومع تزايد التوتر المستمر بعد هذه التطورات يظل الأسد محافظاً على موقفه الرافض أن يكون طرفا في الصراع، وخاصة بعد مقتل القادة في “محور المقاومة” سواء في لبنان أو طهران على يد إسرائيل. فقد اكتفت دمشق بمواقفها الدبلوماسي من خلال البيان الذي رصد عن وزارة الخارجية السورية، واصفة الأمر بـ”بالعدوان الإسرائيلي ضد إيران والذي يشكل خرقا للقانون الدولي “.

تملص الأسد من التزامه

وصلت حدة الخلاف بين الأسد و”محور المقاومة” إلى أن حسن نصرالله في كلمته الأخيرة لم يتطرق إلى ذكر اسم سوريا باعتبارها “ساحة” من “ساحات محور المقاومة” التي قد تنخرط أو تشترك في الرد المحتمل على إسرائيل، وكذلك الأمر بالنسبة لخطاب إيران التي تحرك الخيوط من الأعلى، بينما يتجنب المسؤولون فيها الإشارة إلى أي دورٍ محتمل للحكومة السورية في دمشق. 

الرئيس السوري بشار الأسد خلال اجتماع انتخاب اللجنة المركزية لحزب "البعث"
الرئيس السوري بشار الأسد خلال اجتماع انتخاب اللجنة المركزية لحزب “البعث”

وهنا يعلق الإعلامي السوري عقيل حسين في تحليله لـ”الحل نت” قائلا: “علينا في البداية التحرك وفقا عنوان رئيسي هو نعم بشار الأسد ونظامه يسعى إلى التملص من الالتزامات التي كانوا ملزمين بها في حال كونهم جزء من محور المقاومة، فالنظام السوري بات واضح في سعيه إلى التملص من هذه الالتزامات ولكن هنا علينا نسأل هو ما موقف طهران من هذا التملص هل ستتفهمه أما أنها سيكون لها رد فعل رافضة لهذا التملص؟”. 

الإعلامي السوري عقيل حسين

ويتابع عقيل، إن “كلمة نصرالله الأخيرة والتي اعتبر من خلالها أن المعارضة السورية العلمانية عميلة لإسرائيل والغرب وإذا استلموا الحكم سيعملون لصالح آمان إسرائيل، وكأنه بذلك أراد القول أننا نحن كمحور مقاومة نتقبل المعارضة الإسلامية التي ليست جزء من محور المقاومة”، هو ما اعتبره عقيل إشارة على تفهم “محور المقاومة” لطبيعة موقف الأسد وأيضاً ربما يدل هذا الكلام على التنسيق القائم بين “المحور” وأعضائه في محاولة منه لاستقطاب جزء من المعارضة السورية. 

وبالتالي لا يوجد خلاف بمقدر ما يوجد نظرة استراتيجية من هذا “المحور” لما يمكن أن تكون عليه سوريا في المرحلة اللاحقة، فقد نقلت وسائل الإعلام عن الجيش السوري أنه سمح بإطلاق صواريخ من أرضه كمحاولة منه للقول أننا ليس ضد وهذا ربما يكون في سياق التفهم الإيراني لموقف الأسد.

كما أنه يوجد مؤشر مغاير يدل على التوتر القائم بين الطرفان، الهجوم على السفارة الإيرانية في دمشق، حيث كانت ردود الفعل قاسية جدا من النواب والمسؤولين الإيرانيين وكان الأسد ونظامه سلبي، وأضاف عقيل قائلا: “هنا نقطة مهمة أخرى وهي أن كل الدول سعت إلى إبعاد نظام الأسد عن إيران سواء كانت الدول العربية أو الغربية ورسيا وتركيا حتى الصين تسعى إلى إبعاد الأسد عن محور المقاومة، ولكن يظل كل جهة من هذه الجهات أهدافها من وراء هذا المسعى”. 

حتى الإمارات العربية المتحدة مع بداية عملية “طوفان الأقصى”، أكدت على الأسد عدم الانخراط في هذه العملية لأنها لن تكون عملية عابرة، هذا بالإضافة إلى أن زيارة الأسد الأخيرة لموسكو، كان تصريح بوتين واضحا، والذي أبلغ الأسد أن المنطقة مقبلة على تصعيد كبير، وبالتالي هنا واجب على الأسد النأي بنفسه عن المشاركة في هذا التصعيد لأنه سيكون خطير. 

فلا شك أن الأسد يمتلك من البراغماتية ما تدفعه إلى التملص من التزاماته بهذا الخصوص مع إيران، فكل شيء يهدد سلطته لن يترد في التخلص منه أو الابتعاد عنه على أقل تقدير.

حسابات الأسد الخاصة

إن حرص الأسد في عدم الانخراط في التصعيد باعتباره جزء من “محور المقاومة” جاء وقفا لاعتبارات كثيرة، تحركها رغبة الأسد في المحافظة على بقاءه على رأس السلطة في دمشق حتى لو كان الثمن هو خسارة طهران التي لطالما كانت عون له.

ولي العهد السعودي ورئيس مجلس الوزراء محمد بن سلمان آل سعود (يسار) يصافح الرئيس السوري بشار الأسد في حفل ترحيبي قبل انعقاد القمة العربية الثانية والثلاثين في جدة، المملكة العربية السعودية، 19 مايو 2023. (وكالة الأنباء السعودية)

– فمن مصلحة الأسد في الوقت الحالي البعد عن الصراع القائم في المنطقة، خاصة بعد عودته لـ”الجامعة العربية”، وبعد بداية التطبيع بينه وبين عدد من الدول العربية كالسعودية، ومما يفرض على الأسد التحرك وقفا خطة معينة تتناسب مع مصلحته أولاً، ومصلحة الشريك الإقليمي الجديد. 

– ومن الناحية الدولية يسعى الأسد إلى تحسين علاقاته بالولايات المتحدة، فقد أشاع فيما مضي أنه على تواصل غير معلن مع بعض المسؤولين الأميركيين. هذا قد تم سحب مشروع القانون المناهض للتطبيع العربي مع الأسد، والذي ربما اعتباره الأسد رسالة أميركية على استمرار بقاءه في الحكم، ومما يحتم عليه تحجيم علاقاته مع طهران.

– كما أنه لا يمكن أغفل سوء العلاقات بين الأسد و”حماس”، الذي ينظر إليها باعتبارها جزء من “الإخوان المسلمين” الذين عملوا ضده في بداية الاحتجاجات السورية 2011، حتى أنه عام 2023 وصف موقف حماس بأنه “مزيد من الغدر والنفاق”. لأنها كانت تدعي المقاومة، موضحًا أن العلاقات بينهما “ضمن المبدأ العام”.

–  روسيا قلقة من محاولة توريط سوريا في حرب إقليمية، والرئيس الروسي يسعى لتجنيب دمشق ارتدادات مثل هذه الحرب المحتملة مع تصاعد مخاطرها، لأن أي تمدد لهذه الحرب على الأراضي السورية يمكن أن يسهم في إعادة تشكيل “الاستاتيكو” العسكري (الوضع الراهن)، وتحديدًا في الشمال السوري، وهو ما يفسر رغبة موسكو بدفع مسار التقارب بين تركيا ودمشق لتعزيز الحماية من المخاطر المحتملة لأي حرب على “الاستاتيكو” العسكري في الشمال السوري

كل هذه الاعتبارات وغيرها ساقت الأسد إلى محاولات عديدة للتمرد والخروج على علاقته السامة بطهران و”محور المقاومة” وعدم المشاركة في حرب النفسية قائمة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة