تغيرات عديدة حصلت في منطقة الشرق الأوسط خلال الأشهر القليلة الماضية، لا سيما فيما يتعلق بعلاقات الدول ببعضها، وحالات التطبيع بين حكومات، كانت قد انقطعت علاقتها لسنوات، وكانت السعودية صاحبة الحدث الأبرز عندما أعلنت عودة علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، ما قد يوحي بفتح ملفات عديدة وأبرزها العلاقات مع دمشق.

المملكة العربية السعودية لم تخفي رغبتها منذ أشهر بالتواصل مع دمشق، وهذا لا يعني بالضرورة التطبيع أو إعادة العلاقات بشكل رسمي، لكن الرياض تسعى للعب دور في الملف السوري، خاصة في ظل السيطرة لمحور روسيا وتركيا وإيران على القرار السوري، بالتالي فإن العودة العربية تراها الرياض ضرورة لتحقيق العديد من الأهداف، لكن هل تملك دمشق ما يمكن أن تقدمه للسعودية وغيرها من الدول العربية.

ملف إعادة العلاقات مع دمشق، عاد إلى الواجهة مجددا في الرياض، خاصة بعد إعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، ورغم عدم وجود أي إعلان رسمي من الجانب السعودي، إلا أن الأجواء السياسية، توحي بوجود رغبة بالتواصل لا بالتطبيع مع دمشق، فما هي أبرز ملامح النجاح والفشل لهذه الجهود.

أهداف السعودية

بصرف النظر عما يمكن لدمشق أن تقدمه لدول الشرق الأوسط، فإن دول الإقليم تهدف بالدرجة الأولى إلى تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، لكن الجهود السعودية سيتوجب عليها تجاوز عقبات كثيرة في التواصل مع دمشق، أبرزها ربما الرفض الأميركي لأي عمليات تطبيع مع دمشق، هذا فضلا عن فشل مَن سبق الرياض في إشراك دمشق في أية جهود داعمة لملف الاستقرار في المنطقة وأبرزها عمّان.

حتى الآن لم يتحدث أي مصدر سعودي عن أية خطوات جدية في هذا السياق، سوى مصدر مطلع نقلت عنه وكالة “رويترز”، أفاد بأن كلٍّ من دمشق والرياض اتفقتا على معاودة فتح سفارتيهما بعد قطع العلاقات الدبلوماسية قبل أكثر من عقد، في انتظار ما يمكن أن يتحدث عنه المسؤولون السعوديون حول آلية هذه العودة وشروطها، خاصة وأن أسباب عزل دمشق عن المحيط العربي ما تزال قائمة، ذات الأسباب التي جعلت الرياض في وقت سابق من أكثر الدول الرافضة للتطبيع مع دمشق.

قد يهمك: خطة بكين للتهدئة.. هل يمكن للصين “فعلا” أن تكون وسيط سلام في أوكرانيا؟

ملف الأمن والاستقرار هو على قائمة أولويات المملكة العربية والسعودية وغيرها من دول الإقليم، وبالتأكيد فإن الاستقرار في سوريا جزء من استقرار المنطقة، لكن التجربة الأردنية السابقة، أكدت أن دمشق لم تتمكن من تقديم أي شيء في ملف الاستقرار إلى الأردن، خاصة فيما يتعلق بالملف الأمني على الحدود الأردنية السورية وتدفق المخدرات، وهذا ما دفع الأردن للتواصل مع دمشق في وقت سابق لكنها لم تحصل على أية ضمانات.

الكاتب والمحلل السياسي فراس علاوي، رأى أن كل ما يجري في الرياض هو عبارة عن أفكار للتواصل مع دمشق، ولا يوجد حتى الآن أي شيء يوحي بنيّة المملكة العربية السعودية التطبيع مع دمشق، مشيرا إلى أن الملف الإيراني هو العامل الأبرز الذي دفع ملف التواصل مع دمشق إلى التحرك في الرياض.

تطبيع أم تواصل؟

علاوي قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “لا يمكن الحديث عن تطبيع بين الرياض ودمشق حتى الآن، هي مجرد أفكار في السعودية وغيرها من الدول العربية للتواصل مع دمشق، وذلك بسبب المتغيرات الإقليمية الأخيرة، والحرب الأوكرانية، إضافة الى الابتعاد التدريجي للولايات المتحدة الأميركية عن الشرق الأوسط”.

ابتعاد واشنطن مؤخرا عن الشرق الأوسط، عزز مخاوف الدول العربية وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية، التي تسابق الزمن لاحتواء الملف الإيراني وضمان أمن واستقرار المنطقة، لذلك ستتجه ربما للتواصل مع دمشق ورؤية ما يمكن تقديمه في هذا الصدد، وإحداث نوع من التوازن في العلاقات الإقليمية.

هنا أضاف علاوي، “هناك ابتعاد من الجانب الأميركي، فضلا عن نجاح روسيا بفرض بعض التحالفات مع إيران، وكذلك دخول الجانب الصيني على المنطقة، لذلك هناك جهود ليس فقط من السعودية، وإنما من عدة دول لدفع دمشق من أجل المساعدة في استقرار المنطقة، لكن هذا الأمر أمامه الكثير من العقبات”.

أبرز العقبات التي قد يواجهها ملف التواصل أو التطبيع مع دمشق، هو عدم قبول القيادة المركزية في دمشق لأية حلول سياسية تتضمن إشراك المعارضة، خاصة وأن الحكومة السورية، اشترطت مع جميع الدول التي حاولت التواصل معها الحفاظ على حكم الرئيس بشار الأسد ورفضت أي دور مستقبلي للمعارضة.

أبرز العقبات

كذلك فإن الرياض وغيرها من الدول العربية ستكون على موعد مع اصطدامها، بعجز دمشق عن الافتكاك عن الهيمنة الإيرانية، وهذا ما حدث مع الأردن، الذي كان متوقعا قبول دمشق أو قدرته على إبعاد الميليشيات الإيرانية عن حدوده الشمالية مع سوريا، خاصة وأنها المسؤولة الأولى عن تدفق المخدرات إلى الأراضي الأردنية.

علاوي أوضح كذلك أن ملف عودة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، هو النقطة الأهم في التواصل مع دمشق، وهو الذي فتح الطريق أمام الرياض إلى دمشق، وضغط على دمشق ربما لقبول هذا الملف، وأضاف “ربما تمتلك دمشق ما تقدمه في ملف استقرار المنطقة خلال الفترة القادمة، سواء بعدم السماح لتدفق اللاجئين أو إيقاف تدفق المخدرات. الاستقرار هو العنوان الأبرز للدول الإقليمية، ولا أعتقد أن الأمور متجهة إلى تطبيع كامل مع النظام السوري، وإنما هي عملية تواصل تقوم بها السعودية وأطراف أخرى، وربما نشهد زيارات مسؤولين سعوديين إلى دمشق وبالعكس لكن كلها تندرج ضمن الأفكار التي تم تقديمها، من أجل إعادة صياغة العلاقات ما بين الأطراف المتداخلة في الشأن السوري”.

ربما تكون أبرز نقاط انطلاق السعودية، تأتي من حاجتها للتعامل مع سوريا كدولة، خاصة في ظل الفراغ السياسي الذي أحدثته المعارضة السياسية، فمعظم دول الشرق الأوسط، تسعى الآن لضمان أمن المنطقة وعدم الدخول في احتمال فتح صراعات جديدة، بعيدا عن أية حسابات سياسية فيما يبدو.

منذ مطلع العام الحالي، شهد الخطاب السعودي تجاه النظام السوري تغيّرا واضحا، برزت ملامحه بشكل أكبر منذ حدوث الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا، وكانت أحدث التصريحات السعودية التي حملت ملامح التبدل في 18 من شباط/فبراير الماضي، عندما قال وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، خلال جلسة حوارية عن “الدور الجيوستراتيجي لدول الشرق الأوسط” في مؤتمر “ميونيخ للأمن” 2023، إن “هناك إجماعا عربيا على أن الوضع الراهن في سوريا لا يجب أن يستمر”.

من غير المعلوم كيف يمكن للمملكة العربية السعودية أن تتواصل مع العقبات، في مشوارها للتواصل مع دمشق، هذا فضلا عن الرفض الأميركي المستمر لأية محاولات تطبيع مع دمشق، وهنا ربما تسعى الرياض لإطلاق مبادرة من شأنها إقناع دمشق الانخراط بعملية سياسية حقيقية، وذلك بهدف تجاوز الرفض الأميركي.

التواصل مع دمشق كما هو واضح أمامه الكثير من العقبات، لكن الهيمنة الإيرانية والروسية على القرار السوري، ستجعل ربما من أهداف السعودية وغيرها صعبة التحقيق، خاصة وأن إيران تلعب دورا هاما في زعزعة أمن واستقرار العديد من مناطق الشرق الأوسط، فكيف يمكن لدمشق أن تساهم في كبح الخطر الإيراني في ظل تمدد النفوذ الإيراني على الأراضي السورية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.