بعد وساطته في عودة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والمملكة العربية السعودية، يبدو أن الحزب “الشيوعي” الصيني، يسعى لتعزيز دور بلاده على الساحة العالمية عبر إكمال دور الوساطات في حل النزاعات والملفات العالقة، على أن يساهم ذلك في تعزيز الحضور الصيني على الساحة العالمية.

من بوابة الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، تحاول الصين لعب دور الوساطة من أجل فتح قنوات حوار بين روسيا والدول الغربية لإيجاد أرضية يمكن من خلالها وقف عمليات الغزو الروسية المستمرة لأكثر من عام، ما يطرح التساؤلات حول قدرة بكين في لعب هذا الدور خلال الفترة القادمة.

الوساطة بين روسيا والدول الأوروبية، تحتاج ربما إلى طرف محايد إلى حد ما ويملك علاقات جيدة مع جميع الأطراف، وعندما نتحدث عن الصين فإن جميع الدول تعرف ما يهدف إليه الحزب “الشيوعي” الصيني، من وراء هذه المساعي، فهل تمتلك الصين مواصفات الجهة المحايدة لدخول وساطة سلام في أوكرانيا.

الصين خيار جيد للتهدئة؟

المساعي الصينية ظهرت من خلال لقاء جمع الرئيس الصيني شي جين بينغ، مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، الثلاثاء، حيث قال بوتين إنه يمكن استخدام المقترحات الصينية التي صدرت الشهر الفائت، كأساس للتوصل لتسوية سلمية في أوكرانيا “ولكن الغرب وكييف ليسا مستعدين بعد”، ما يعني أن روسيا تدعم الوساطة الصينية للتدخل في الحرب الدائرة بأوكرانيا.

لكن الصين تفتقد بالحقيقة إلى أبسط المقومات التي تمكّنها من دخول وساطة لتهدئة القتال في أوكرانيا، وخاصة وأنها الحليف الأبرز لروسيا على الساحة الدولية، فضلا عن مساعيها في اقتحام الساحة الدولية وفرض نفسها كلاعب رئيسي في العالم، بالتالي فإنه لا يبدو أن الدول الأوروبية وأوكرانيا يمكن لها أن تثق في نوايا الحزب “الشيوعي” الصيني.

بلغة أقرب للتهديد، حذّر كلا من جين بينغ وبوتين، في بيان مشترك صدر بعد اللقاء الثنائي “من أي خطوات قد تدفع بالحرب الدائرة في أوكرانيا إلى مرحلة لا يمكن السيطرة عليها”، إذ يبدو أن روسيا تسعى بدورها كذلك إلى فرض الوساطة الصينية على المحور الغربي للدخول في حوار بشأن عمليات غزو أوكرانيا.

قد يهمك: قمّة كوريا الجنوبية واليابان.. من وراء اللقاء التاريخي للأعداء؟

الباحث في العلاقات الدولية عامر المالكي، رأى أن الصين لا تعتبر طرفا محايدا في الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية حتى تدخل في وساطة للتهدئة، فضلا عن عدم وجود رغبة من المحور الغربي لقبول هذه الوساطة، مشيرا إلى أن روسيا لن تقبل الحوار إلا بعد تحقيق أهدافها، ذلك ما سيعزز إمكانية استمرار الحرب لاستنزاف القوات الروسية.

المالكي قال في حديث مع “الحل نت”، “الصين لا تعتبر طرفا محايدا على طاولة مباحثات السلام بين الروس والغرب، هذا إن افترضنا وجود هذه الطاولة أصلا، ومع سعي الصين في الظهور بهذا الموقف بشكل كبير فإنها لا يمكن أن تحقق ما تسعى إليه، لعدة أسباب أولها أن الصين بعكس علاقتها الجيدة مع روسيا، فإن علاقتها مع الغرب في واحدة من أسوأ مراحلها سواء بسبب تشابكها مع الغرب حول الملف التايواني وأيضا تهديدها قطبية القوى في العالم المتوحدة في الغرب”.

تخوف غربي

التخوف الغربي من التدخل الصيني ظهر من خلال ردود الفعل الغربية على المبادرة الصينية، إذ أبدت الدول الغربية تشككا في الاقتراح الصيني، في وقت اعتبرت فيه رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، أن الصين لم تعرض خطة سلام بل بعض المبادئ، وقالت “سننظر في المبادئ بالطبع، لكننا سننظر إليها في ضوء انحياز الصين إلى أحد الطرفين”.

تاليا، فإن دراسة الغرب للخطة الصينية، ستكون في ضوء انحياز بكين إلى حليفتها موسكو، خاصة في ظل تصاعد وتيرة تعزيز العلاقات الروسية الصينية حتى قبل اندلاع عمليات الغزو الروسي لأوكرانيا، كذلك فإن تعليق الأمين العام لـ “حلف شمال الأطلسي” (الناتو) على المبادرة، لا يوحي بثقة الغرب بالصين، حيث قال إن “الصين تحاول الجمع بين الشيء ونقيضه فمن ناحية تحاول تقديم نفسها علنا أنها محايدة وتسعى إلى السلام، بينما تدافع في الوقت نفسه عن رواية روسيا الزائفة عن الحرب” .

من الواضح أن المحور الغربي يرغب بالدخول في مفاوضات مع روسيا من أجل إنهاء الحرب، لكنه لا يريد الوساطة الصينية، وذلك لانعدام الثقة بالجانب الصيني، فضلا عن أن دخول بكين سيبدو تعزيزا لموقف الحزب “الشيوعي” الصيني، على الساحة العالمية، وهو أمر لا يريده الغرب بالتأكيد بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.

وهنا أضاف المالكي، “لن تستطيع الصين ممارسة دور الوساطة في وقت هي لا تأمن للغرب، والغرب لا يريدها حقيقة في هذا الموقف، أما من ناحية روسيا فهي لن تدخل في عملية سلام إلا إذا خرجت من هذه المعارك بعد تحقيق أهدافها، وهذا يرجّح احتمالية استمرار الحرب، التي يسعى من خلالها الغرب إلى استنزاف قوة روسيا من الناحية العسكرية والاقتصادية، لكن لا أعتقد أن الحرب ستصل للمرحلة النووية وفي النهاية سيجلس الطرفان على طاولة الحوار”.

علامات إنهاك روسيا

المبادرة الصينية التي تم الإعلان عنها لم تتضمن المطالبة بانسحاب القوات الروسية من المناطق التي استولت عليها منذ اندلاع عمليات الغزو الروسي في شباط/فبراير من العام الماضي، لكنها ركزت على التقيد الصارم بالقانون الدولي المعترف به عالميا، بما في ذلك مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، مشددة على وجوب التمسك بشكل فعّال بسيادة واستقلال ووحدة أراضي كلّ البلدان.

كذلك ركزت المبادرة الصينية على استئناف محادثات السلام وحماية المدنيين وأسرى الحرب، كذلك المحافظة على سلامة محطات الطاقة النووية وتسهيل تصدير الحبوب، لكن بكين تجاهلت ربما أن روسيا هي المتهمة الأولى في خرق القوانين الدولية وعرقلة تصدير الغذاء وارتكاب جرائم ضد الإنسانية، حتى وصل الأمر إلى إصدار “المحكمة الجنائية الدولية” مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قبل أيام.

ولعل مذكرة الاعتقال التي صدرت بحق بوتين، هي من نشّطت المبادرة الصينية، إذ ربما شعرت روسيا بزيادة العزلة الدولية، فحاولت من خلال الإعلان الأخير القول بأنها على استعداد لقبول المفاوضات عبر الوساطة الصينية، لكن بالتأكيد فإن قبول الغرب بتلك المحادثات سيتطلب المزيد من التنازلات من قبل روسيا.

الرئيس الروسي يواجه اليوم تُهما تتعلق بارتكاب جرائم حرب، إذ تشتبه “المحكمة الجنائية الدولية”، في مسؤوليته عن ترحيل أطفال ونقل أشخاص دون سند قانوني من أوكرانيا إلى روسيا منذ بدء الحرب على أوكرانيا، إلا أن بوتين، قرّر على ما يبدو إرسال رسائل إلى الغرب والمجتمع الدولي بأنه غير مهتم بالقرارات الدولية، ما يعني أنه قرر تحدي الإرادة الدولية.

“المحكمة الجنائية الدولية” على الرغم من أنها لا تملك قوى قضائية لتنفيذ مذكرة التوقيف، إلا أن القرار سيكون له تأثير واسع في الأوساط الدولية، خاصة وأن كافة الدول الأعضاء في المحكمة ملزمة على التعاون بشأن تنفيذ القرار ومتابعة التحقيقات بشأن جرائم الحرب المرتكبة في أوكرانيا. 

إعلان بوتين ومحاولته لفت انتباه الغرب، قد يكون أولى إشارات إنهاك القوات الروسية على الصعيد العسكري والاقتصادي، ذلك ما قد يرجح ظهور مبادرات عديدة من أطراف مختلفة حول العالم في محاولة لجمع روسيا مع الغرب على طاولة واحدة، في انتظار مبادرة إيجابية من روسيا تجعل الغرب يقبل هذا الحوار.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.