مناورات عسكرية وتجارب صاروخية، هي أبرز ما تشهده مناطق شرق آسيا، فيما يبدو استعراضا للقوى من قبل الأطراف المتصارعة في المنطقة، وسط مخاوف أن يتحول هذا الاستعراض إلى مواجهة عسكرية قد تُشعل المنطقة في المستقبل القريب.

هذه العمليات بدأت بعد تلميح كوريا الشمالية إلى احتمالية شنّ عملية عسكرية باتجاه جارتها الجنوبية، إذ إن عمليات الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، قد أيقظت أحلام بعض الدول التي تسعى للتوسع كالصين وكوريا الشمالية، الحليفتان لروسيا.

استمرار المناورات العسكرية التي تجريها كوريا الشمالية، دفع بالتأكيد دول شرق آسيا إلى البدء بأخذ الحذر، فغيرت العديد من الدول استراتيجياتها العسكرية وزادت من ميزانياتها الدفاعية، تحسبا لأية عمليات غزو من الصين وكوريا الشمالي، كما أن الولايات المتحدة الأميركية دفعت حلفاءها لتعزيز قدراتهم العسكرية تحقيقا للتوازن العسكري في المنطقة.

استفزازات ومناورات عسكرية

بين حلفاء الولايات المتحدة الأميركية من جهة وحلفاء روسيا من جهة أخرى، تتواصل الاستفزازات العسكرية في المنطقة، في مشهد يؤكد أن روسيا تسعى لانتزاع زعامة العالم، باستخدام الاستعراض العسكري والتهديد عبر حلفائها بعمليات غزو جديدة تهدد بحدوث حرب أخرى في العالم.

مستخدمة أحدث منصاتها التي يمكن لها شن هجوم نووي تكتيكي، أطلقت كوريا الشمالية في وقت مبكر الاثنين، صاروخين باليستيين، في تجربة هي الثانية خلال يومين، وذلك بعد أن أطلقت السبت الفائت صاروخا باليستيا عابرا للقارات يُعد الأقوى في ترسانتها، حيث سعت لاستعراض قوتها العسكرية، قبل المناورات العسكرية المشتركة المقررة بين الولايات المتحدة الأميركية وكوريا الجنوبية، التي تتخذ إجراءات من شأنها صد عدوان كوري شمالي محتمل لاحقا.

رغم أن كوريا الشمالية لا تخفي تهديداتها بشن عملية عسكرية باتجاه الجنوب، إلا أنها حمّلت جارتها الجنوبية وحليفتها أميركا المسؤولية عن تدهور الوضع الأمني في المنطقة، والناتج بشكل رئيسي عن عمليات إطلاق الصواريخ المستمرة منذ أكثر من عام، لكن حدّتها تصاعدت بشكل ملحوظ خلال الأشهر القليلة الماضية.

جميع الدول في المنطقة يبدو أنها باتت تشعر بالخطر خلال الفترة الماضية، فبدأت التحالفات تتضح بشكل كبير، كما أن حكومات الدول أقرت مع بداية العام الجاري دعم أكبر للميزانيات العسكرية، خاصة اليابان وكندا، تحسبا لأي تحرك عسكري من قِبل الصين وكوريا الشمالية، قد يهدد أمنهم القومي.

دول آسيا تستنفر

المناورات الأخيرة لكوريا الشمالية، أثارت حفيظة معظم الدول شرق آسيا، فوصف بيان للجيش الكوري الجنوبي عمليات إطلاق الصواريخ من قبل كوريا الشمالية، بأنها “استفزاز خطير يقوض عملية السلام والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية، في حين قال رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، إن اليابان تعتزم طلب عقد اجتماع طارئ لـ “مجلس الأمن الدولي” عقب أحدث عمليات إطلاق صاروخية لكوريا الشمالية.

الباحث في العلاقات الدولية عبد اللطيف مشرف، رأى أن التصعيد الكوري الشمالي وراؤه الجانب الروسي، الذي يسعى لمنافسة الجانب الأميركي في النفوذ العالمي، مشيرا إلى أن الوضع الحالي يشبه ما كان يحصل قبل الحرب العالمية الثانية، بالتالي هناك احتمالية كبيرة للتصعيد.

مشرف قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “كوريا الشمالية هي أداة من الأدوات التي تستخدمها روسيا، لزعزعة أمن الدول الحليفة للولايات المتحدة الأميركية، لذلك منطقة شرق آسيا أصبحت منطقة صراع رئيسي، لوجود عدوّين رئيسيين لأميركا في الحزام الجغرافي للمنطقة وهما الصين وروسيا”.

الولايات المتحدة الأميركية سعت لمواجهة الصين من خلال تايوان، أما روسيا مع حليفتها كوريا الشمالية، فيتم محاوطتها لامتصاص خطورة تصعيدها، عبر التنسيق مع كوريا الجنوبية وعدد من دول المنطقة، من خلال التحركات الدفاعية لهذه الدول، وكذلك المناورات العسكرية المشتركة مع القوات الأميركية.

حرب قادمة؟

مشرف شبّه ما يحدث حاليا في المنطقة، بما كان يحدث قبل الحربين العالميتين الأولى والثانية، لا سيما فيما يتعلق بعمليات الاستقطاب الدولي وسباق التسليح الذي انطلق في المنطقة خلال العام الماضي، كل هذا يُضاف إليه امتلاك معظم الأطراف لأسلحة نووية يمكن استخدامها في حال اندلاع الحرب.

لكن على الرغم من وجود العديد من الأسباب لحدوث التصادم العسكرية ووجود البيئة المناسبة كذلك لهذه الحرب، إلا أن هناك أيضا أسباب عديدة تمنع الجميع من الإقدام على أي خطوة من شأنها التصعيد والتصادم المباشر، أولها وجود قوى عسكرية متوازنة، وكذلك السلاح النووي الذي قد يكون سببا لحدوث حرب مميتة، سيكون لوجوده في يد أطراف عديدة سببا في منع أي حرب محتملة، ذلك لأن حربا من هذا النوع لا يُتوقع أن يخرج أحدا منها منتصرا.

قد يهمك: مليار دولار من الجزائر لتمويل مشاريع في إفريقيا.. مساعدة أم دعم للنفوذ الروسي؟

حول ذلك أضاف مشرف، “هذه منطقة تتصدر فيها النزاعات، لأننا أمام حرب باردة جديدة بين الولايات المتحدة، ومعسكر الشرق بزعامة الصين وروسيا وأداته التي هي كوريا الشمالية، روسيا تنافس أميركا على سيادة العالم، بالتالي تدفع الأخير بحلفائها لزيادة الحذر من القوى المحيطة”

برأي مشرف فإن الأسباب التي قد تدفع للتصعيد تتمثل بتنامي القوى النووية، “وإذا تنامت هذه القوى سنكون ربما أمام حرب نووية تهدد الكرة الأرضية، خصوصا أن لدى الأطراف أسلجة نووية واستخدامها هو النقطة الأخطر، فالحروب القادمة هي حروب مميتة وأيضا هناك الصراع على الزعامة الدولية. روسيا تريد انتزاع الزعامة الدولية من الولايات المتحدة الأميركية، والأخيرة ترد بالتحالف مع بعض الدول شرق آسيا كاليابان وكندا وهناك أيضا زيارة قريبة للفلبين وإندونيسيا”.

الولايات المتحدة الأميركية كانت قد شاركت في العديد من المناورات العسكرية مع قوات كوريا الجنوبية، ليس فقط من أجل الخطر القادم من كوريا الشمالية، إذ تسعى واشنطن كذلك لمواجهة خطر الحزب “الشيوعي” الصيني المتنامي في المنطقة، وتفعّل أدواتها من أجل ذلك.

توازن يمنع الصدام؟

كندا واليابان والصين والكوريتين، هم في طليعة الدول التي تواصل لتعزيز قدراتها العسكرية خلال السنوات الماضية، وقد زاد هذا التعزيز خلال العام الماضي، من خلال زيادة الترسانة العسكرية والإنفاق على التسليح بأرقام غير مسبوقة، الأمر الذي أثار المخاوف العالمية من تبعات ونتائج هذا التعزيز العسكري.

زيادة اهتمام هذه الدول بالجانب العسكرية، قد تؤدي بالضرورة إلى حدوث نوع من التوازن العسكري في المنطقة، بدعم من الولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي فإن كل طرف سيحسب حسابات معقدة قبل أن يصل إلى نقطة اللاعودة في الصدام، فاليابان مثلا خصصت 320 مليار دولار ما بين 2023 و2027، لتعزيز قدراتها القتالية، بشكل يمكّنها من رفع ميزانية الدفاع لديها من 51 مليار دولار في 2023، إلى أكثر من 80 مليار دولار في 2027، بعدما كانت 40.2 مليار دولار في 2022، لتتفوق بذلك على روسيا من حيث مخصصات الدفاع، وتصبح في المرتبة الثالثة بعد الولايات المتحدة والصين.

بالتالي فإن هذا السباق في التّسلح، عزز من التوازن العسكري في شرق آسيا، كما أن دعم الولايات المتحدة الأميركية لحلفائها بشكل أوسع، ساهم أيضا بتراجع النفوذ الصيني، وجعل الحزب “الشيوعي” الصيني، يعيد حساباته في طموحه التوسعي في المنطقة إلى جانب كوريا الشمالية.

على الرغم من هذه المناورات والتجارب الصاروخية، لا يبدو أن طرفا من أطراف الصراع مستعد لحرب مباشرة، خاصة بعد الذي حصل مع روسيا ونتائج غزوها لأوكرانيا، والتكلفة الاقتصادية الباهظة التي تحمّلها العالم بشكل عام، وروسيا على وجه الخصوص، فضلا عن العزلة التي عانت منها موسكو نتيجة عدائها للغرب، لذلك فإن تلك العمليات تبدو حتى الآن وسيلة لاستعراض القوة بين جميع الأطراف المتصارعة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.