منذ انقلاب جماعة “الحوثيين” على السلطة الشرعية، لم يعش اليمن يوماً من الأمن والأمان، حيث تحولت جماعة “الحوثي” إلى أداة للنفوذ الإيراني في المنطقة، وبالتالي يحدث التصعيد والتوتر الأمني بين الحين والآخر في المشهد السياسي أو العسكري سواء داخل اليمن أو حتى مع دول الجوار أو في موانئ وممرات الملاحة الدولية في البحر الأحمر.
كما أنه منذ سيطرة “الحوثيين” على العديد من المناطق في اليمن، ومنها العاصمة صنعاء، تمزق البلاد بشكل شبه كلي، وأصبح أفقر دولة عربية، نتيجة النزاع الداخلي المستمر، فضلاً عن مواصلة “الحوثيين” لهجماتها ضد المناطق والبنى التحتية في مناطق الحكومة اليمنية الشرعية، حيث أعلن الجيش اليمني اعتراض ثلاث طائرات مسيرّة انتحارية أطلقتها جماعة “الحوثي” على منشأة صافر النفطية في مأرب شرقي البلاد.
“الحوثي” واستهدف منشأة صافر
جاء تصعيد “الحوثيين” هذا بعد أشهر من تهديداتها باستهداف المنشآت النفطية في المحافظة؛ لإيقاف الإنتاج. وأكدت وزارة الدفاع اليمنية التابعة للحكومة الشرعية، في بيان لها أن المسيَّرات الانتحارية المجنَّحة تحمل مواد شديدة الانفجار، مشيرة إلى أنها تمكّنت من إسقاط تلك الطائرات قبل تحقيق أهدافها، مؤكدة جاهزيّتها للرد على مثل هذه الهجمات، بحسب ما جاء في صحيفة “بلقيس” اليمنية.
كما ويأتي استهدف “الحوثيين” لمنشأة “صافر” النفطية التي تمثل آخر الموارد الاقتصادية للحكومة الشرعية في نهج تصعيدي لإضافة المزيد من العقبات أمام السلام المنتظر الذي يبذل دول الإقليم والمجتمع الدولي جهوداً مضنية لإزالتها على طريق النهاية المأمولة للصراع الدامي.
وقد أدانت الحكومة الشريعة في اليمن هذا الهجوم وصفته بأنه “عمل إرهابي”، واعتبر معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة، هذا الهجوم من جانبه، جزء من الحرب الاقتصادية التي تمارسها جماعة “الحوثي” على الشعب اليمني، بجانب أنها تهدف إلى تدمير البنية التحتية ونهب خيرات البلاد كـ”منهجية رئيسية” في سياسات الإفقار والتجويع الممنهج لليمنيين.
وحول ذلك علق الأكاديمي اليمني وأستاذ علم الاجتماع السياسي، عبد الباقي شمسان لموقع “الحل نت”، أن “هذا الهجوم يأتي في إطار الحرب الاقتصادية وإيقاف الموارد عن السلطة الشرعية، أي أنهم يطالبون الحكومة الشرعية بدفع الرواتب، وبأن يكون لهم حصة أو جزء من أموال النفط. ومن ثم يزعمون أن السلطة الشرعية هي التي تنهب مقدرات الشعب اليمني، وهذه ذريعة واضحة في الحقيقة من أجل عرقلة تصدير الغاز والنفط ومنع كافة الموارد عن السلطة الشرعية”.
وبحسب الأكاديمي السياسي اليمني، فإنه لدى اليمن اقتصادان، البنك المركزي في عدن، وبنك آخر في صنعاء. بالإضافة إلى سعر الصرف في أماكن الشرعية وسعر صرف آخر في الأماكن الخاضعة لسيطرة جماعة “الحوثي”، وبالتالي هناك نظامان اقتصاديان.
وبتقدير الأكاديمي السياسي، فإن هجمات “الحوثيين” يأتي في إطار “إعاقة السلطة الشرعية عن إدارة حياة المواطنين أو حتى تمكينهم اقتصادياً”، خاصة وأن السلطة الشريعة اليمنية لا تستطيع توفير الأموال لجماعة “الحوثي” التي تضع يدها على موارد نفطية تقدر بالملايين وتتصرف فيها شخصياً، أو تحويل هذه الأموال إلى مقاتليها، فـ”الحوثيين” لديهم من المدخرات تستطيع بموجبهم دفع الرواتب، لكنهم لا يفعلون ذلك لأنهم في حالة صراع مع السلطة الشرعية، ومع دول المنطقة، نظراً لأن هدف الجماعة الموالية لأجندات طهران هو “إظهار السلطة الشرعية عاجزة وغير قادرة على الاعتماد على نفسها مالياً أو القيام بأي شيء تجاه الوضع المتأزم باليمن. كما تهدف إلى إضعاف سلطة الحكومة الشرعية جماهيراً وإظهار عدم قدرتها على التحكم في مجريات الأمور”.
تراجع “الحوثي” عن السلام
ويأتي هذا التصعيد أيضاً بعد شهر من إعلان المبعوث الأممي، هانس غروندبرغ، عن التوصل إلى اتفاق بين حكومة الشرعية وجماعة “الحوثيين” من أجل خفض التصعيد الاقتصادي بين الطرفين فيما يتعلّق بالمصارف والخطوط الجوية اليمنية.
يبدو أن جماعة “الحوثي” باستهدافها المنشآن الحيوية وخاصة “النفطية”، تعتمد على الاقتصاد كورقة من أوراق الضغط على الحكومة اليمنية الشرعية.
كما أن الملفت في الأمر أن هذا التصعيد يأتي بعد بداية استقرار “سعودي- حوثي”، فقد تم الإعلان عن توجيه أول شحنة منتجات زراعية من ميناء الحديدة إلى ميناء جيزان السعودي. إلا أن هذا الهجوم “الحوثي” يحمل مؤشر واضح على التراجع في خطوات التقدم في عملية السلام باليمن. ولهذا يقول شمسان: “حتى مسألة الاتفاق مع المبعوث الأممي، ما هي إلا محاولات لكسب المزيد من الوقت لتحقيق الاعتراف بهم. لأن “الحوثيين” عندما يتعرضون للضغوط يذهبون إلى طاولة الحوار.
وبشأن تحقيق السلام مع السعودية، فقد أعلن القيادي البارز محمد علي الحوثي الأسبوع الماضي أنه على السعودية ودول التحالف معها إيقاف “العدوان وإنهاء الحصار وفتح المنافذ” كشرط أولي على طريق السلام والاستقرار. كما طلبوا من السعودية، كخطوة أولية نحو السلام، أن تدفع تعويضات عما حدث في حرب 2014. وهكذا يبدو من هذه المواقف أن جماعة “الحوثي” غير جادة في تحقيق الاستقرار والسلام بالبلاد.
وهذا ليس بالشيء الجديد على استراتيجية هذه الجماعة الموالية لطهران، فهي تعتمد دائماً على خلق ظروف جديدة للتفاوض، كلما اقترب موعد الاتفاق مع السعودية. وهذا ما عبر عنه وزير الإعلام اليمني، معمر الإرياني على منصة “إكس/ تويتر” عند استهداف “الحوثي” لمنشأة “صافر” النفطية بمأرب، وقال :”اقدام مليشيا الحوثي الإرهابية التابعة لإيران، على استهداف منشأة صافر النفطية بمحافظة مأرب، أحد أهم المنشآت الحيوية لإنتاج النفط والغاز، تصعيد خطير يندرج ضمن الحرب الاقتصادية التي تشنها على الحكومة والشعب اليمني، ونهجها التدميري للبنية التحتية ومقدرات اليمن، وسياسات الإفقار والتجويع الممنهج. ونحذر من استغلال الحوثي حالة التراخي الدولي لمواصلة تصعيدها الذي يهدد بتقويض فرص السلام وجر الوضع إلى مزيد من التعقيد، وينذر بانهيار الوضع الاقتصادي، ويفاقم المعاناة الإنسانية. ونؤكد أن الحكومة لن تقف مكتوفة الأيدي وستتخذ كافة الإجراءات التي تحفظ مصالح الشعب اليمني وموارده، وتحمي تضحياته في معركة استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب”.
الاقتصاد كـ”ورقة ضغط”
يبدو أن جماعة “الحوثي” تعتمد على الاقتصاد كورقة من أوراق الضغط على الحكومة الشرعية، ذلك لأنه في شهر آب/ أغسطس الحالي، أعلنت الحكومة اليمنية تكبدها خسائر مالية قدرت بنحو 1.5 مليار دولار، بسبب توقف تصدير النفط.
وتمثل منشأة “صافر” النفطية إحدى أهم مؤسسات الدولة اليمنية وأهم مصادرها الحيوية وظلت طوال أعوام الحرب تزود كل المناطق اليمنية بما فيها مناطق “الحوثيين” بمادة الغاز المنزلي بسعر زهيد قبل أن يعمل “الحوثيون” على منع دخوله إلى مناطقهم واستيراد الغاز المنزلي بدلاً من غاز صافر، وفق تقرير لصحيفة “إندبندنت عربية”.
وتشن جماعة “الحوثي” حرباً اقتصادية على الحكومة لمنعها من الوفاء بالتزاماتها. ويقول الإرياني في تغريدة له على منصة “إكس/ تويتر” في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، “هاجمت سفن وناقلات النفط في موانئ محافظتي حضرموت وشبوة، ما أدى إلى توقف صادرات النفط. ومنعت بيع الغاز المحلي القادم من محافظة مأرب إلى المناطق الخاضعة لسيطرتها واستبدلته بالغاز المحلي. الغاز (الحر) القادم من إيران عبر ميناء الحديدة. ضاعفت أسعار الضرائب والرسوم الجمركية في المنافذ البرية لمنع حركة البضائع والناقلات بين المحافظات بهدف إجبار التجار على إيقاف الاستيراد من ميناء عدن”.
وبالعودة إلى الأكاديمي السياسي اليمني عبد الباقي شمسان، فإنه يرى أن “الحوثيين لا يهمهم البنية التحتية أو تحويل اليمنيين إلى ما دون خط الفقر، ذلك لأن تاريخ هذه الجماعة يقول إنه كلما كان الناس أكثر فقراً، كلما كانوا أكثر خضوعاً للسلطة. كما أنهم يجمعون الأموال ويحولونها إلى البنوك خارج اليمن لحساباتهم. وهذا غير ما هو موجود في الداخل من الأموال التي تستخدم لفتح الشركات أو شراء الأسلحة، وفتح العديد من المشاريع الخدمية، والاستيلاء على العديد من الوكالات العالمية، مما يخلق نوعاً من التبعية المجتمعية، ومن ثم ينتج عنه نوع من الهيمنة الأيديولوجية والسياسية والاقتصادية”.
كلما اقتربت المواجهة المباشرة بين إسرائيل و”حزب الله” اللبناني، يتم افتعال علميات في الممرات الدولية والبحر الأحمر، أو في التوترات التي تختلقها الميلشيا الموالية لإيران في العراق أو سوريا.
وهناك أيضاً نقطة مهمة، وهي أن جماعة “الحوثي” قد يكون لديهم هاجس الخوف من فشل تحركاتهم وعودة الدولة اليمنية من جديد، ولهذا السبب يعملون على تعطيل عودة سيادة الدولة وبالتالي سحب نفوذهم في البلاد.
وفي سياق آخر متّصل، يقول رئيس شعبة الصحافة العسكرية في التوجيه المعنوي، المقدَّم رشاد المخلافي في حديثه مع صحيفة “بلقيس” اليمنية، “مليشيا الحوثي تَعِدّ لشن حرب جديدة على مأرب بتخطيط وتوجيه من الحرس الثوري الإيراني، وهناك رصْدٌ لكل تحرّكاتها في مسرح العمليات العسكرية، في مختلف المحاور والجبهات”.
وبسؤالنا شمسان عن توقيت هذه الهجمات على المنشآت النفطية والتي ربما يكون لها علاقة بمفاوضات غزة حالياً؟ يجيب شمسان لـ”الحل نت”: “في تصوري توجد علاقة بين الهجوم ومفاوضات غزة لأنهم يختارون الهجوم في التحرك من المحلي إلى الإقليمي بالتناوب وهذا يأتي ليس من غرفة حرب واحدة، بمعنى أنهم قادرون على القيام بعمليات العسكرية أو الاقتصادية في الداخل وبنفس الوقت يقومون بأدوار إقليمية، وما يحدث في غزة هو نوع من الاستراتيجية الإيرانية بمعنى أن الحوثيين بتوجيه من إيران ينقلون الصراع إلى مناطق أخرى لتخفيف الضغط على أذرع إيران الأخرى، مثل حزب الله اللبناني، إذ كلما اقتربت المواجهة المباشرة بين إسرائيل والحزب اللبناني، يتم افتعال علميات في الممرات الدولية والبحر الأحمر، أو في التوترات التي تختلقها الميلشيا الموالية لإيران في العراق أو سوريا، وبالتالي هذا يعني أن إيران عبر وكلائها الميلشياوية تشكل ضغط على المفاوضات بخصوص حرب غزة أو الملفات الأخرى التي تتفاوض بها مع الدول الغربية أو الإقليمية”.
- دمشق تتواصل مع السعودية ومصر وهذه آخر التطورات الميدانية بحلب
- “ردع العدوان”.. ما هي الأسباب التي أدت إلى التقدم السريع للمعارضة؟
- بين الفرح والحذر: كيف ينظر سكان حلب إلى سيطرة المعارضة؟
- “معركة حلب”.. طهران تتهم إسرائيل بالوقوف وراءها وأنقرة تنفي انخراطها
- بعد انسحاب الجيش السوري..”قسد” تتقدم في حلب والمعارضة تواصل عملياتها في إدلب
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.