على إثر الانقسام السياسي المعقّد في ليبيا، ما زالت البلاد منغمسة في العديد من الأزمات والتوترات، وسط عدم نجاح فرقائها السياسيين لإجراء أول انتخابات رئاسية بتاريخ البلاد في كانون الأول/ ديسمبر العام الفائت.

بالتزامن مع هذا الوضع المأزوم، هنالك رؤية سياسية جديدة لحل الأزمة الليبية يطرحها “المجلس الرئاسي الليبي” متطلعا لدعم عربي لها لحل الأزمة الحالية، وتحديد موعد انتخابي جديد، وهذه المبادرة الجديدة تأتي بدعم أممي.

خلال زيارة له في القاهرة، ولقائه مع الأمين العام لـ”جامعة الدول العربية” أحمد أبو الغيط، والمندوبين الدائمين للدول العربية، مؤخرا، أكد رئيس “المجلس الرئاسي الليبي”، محمد المنفي، أن المقاربة السياسية التي يطرحها المجلس لحل الأزمة الليبية تقوم على معالجة النقاط الخلافية بين مجلسي “النواب” و”الدولة” وذلك بغية الوصول إلى توافق على قاعدة دستورية تُجرى على أساسها انتخابات برلمانية ورئاسية.

القاعدة الدستورية اللازمة لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، لا تزال محل خلاف بين مجلسي “النواب” و”الدولة”، على الرغم من عقدهما جلسات عديدة للتباحث في القاهرة الصيف الماضي، بجانب لقاءات رئيسيهما عقيلة صالح، وخالد المشري، في المغرب وجنيف؛ لكن الأزمة بقيت على حالها، مما يراه الليبيون فقد ضاع عام آخر دون إحراز تقدم على أي مسار.

من هنا تبرز عدة تساؤلات حول الأمر، لعل أبرزها، ما إذا كان “المجلس الرئاسي” سينجح في التقريب بين الليبيين، أي إجراء انتخابات رئاسية والتخلص من فوضى ومشاكل المراحل الانتقالية. كذلك، وبالنظر إلى اتساع فجوة الخلاف بين مجلسي “الدولة” و”النواب”، هل سيكون هنالك استجابة من قبل صالح والمشري للدعوة التي وجهها “المجلس الرئاسي” لهما، لعقد لقاء برعاية أممية في مدينة غدامس، غرب ليبيا، في 11 من الشهر الجاري، وما النتائج المتوقعة على إثره، وفيما إذا سيكون هناك حشد شعبي أو عشائري للضغط على الأطراف التي تعرقل العملية السياسية لما لها من تأثير اجتماعي بل وحتى سياسي وأمني على البلاد.

فرص نجاح المبادرة

المنفي، بيّن خلال كلمة له بمقر “الجامعة العربية” في القاهرة، إنه “حرصا على إنجاز الاستحقاق الانتخابي، الهدف الأسمى من خارطة الطريق، وبعد التعثر المستمر من مجلسي النواب والدولة في استكمال القاعدة الدستورية وانتهاء المهلة المحددة لهم بخارطة الطريق، طرح المجلس الرئاسي مقاربته لحل الأزمة التي تنطلق من لقاء يجمعه مع مجلسي النواب والدولة وبدعم بعثة الأمم المتحدة لمعالجة النقاط الخلافية العالقة بينهما، للوصول إلى توافق على قاعدة دستورية تقوم على أساسها الانتخابات البرلمانية والرئاسية لتلبية تطلعات الشعب الليبي واستجابة لقرارات الشرعية الدولية ومنها قرارات مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة”.

المنفي، أضاف قبل أيام أن “لقاءنا اليوم ينعقد ونحن نشهد خطوات متسارعة في ليبيا من خلال المصالحة الوطنية الشاملة التي يشرف عليها المجلس الرئاسي الليبي للانطلاقة نحو المستقبل”، لافتا إلى أن “ليبيا واجهت على مدى سنوات ظروفا قاهرة، وكاد أن يفتك بها الإرهاب والتطرف لولا تنادي الوطنيين الأحرار من أبنائها لدحر الإرهاب والقضاء عليه”، وفق ما نقلته قناة “سكاي نيوز“.

المنفي أشار إلى “ما حققته رؤى المجلس الرئاسي الليبي وفقا لاختصاصاته المحددة بخارطة الطريق المقررة بموجب الاتفاق السياسي، للدفع بعمل اللجنة العسكرية 5+5 وما توصلت إليه من تنفيذ لاتفاق وقف إطلاق النار وتنسيق الجهود والترتيبات لانسحاب المقاتلين والمرتزقة الأجانب وربط أواصر الوطن”، مؤكدا أنه “في إطار مهامنا كقائد أعلى للجيش الليبي، نؤكد على ضرورة استمرار جهود اللجنة العسكرية 5+5 لتوحيد المؤسسة العسكرية والأمنية والعودة بالبلاد إلى الاستقرار وصولا إلى الاستحقاق الانتخابي”.

المتحدثة باسم “المجلس الرئاسي” نجوى وهيبة، أفادت بدورها “أبلغنا رئيس مجلس النواب والدولة صالح والمشري بزمان ومكان اللقاء التقابلي لمبادرة الرئاسي في ‎مدينة غدامس، جنوب غرب البلاد، بتاريخ 11 كانون الثاني/ يناير الجاري، ولم نتلق ردا بمشاركتهما حتى الآن”، مبينة أن “هذه المبادرة سبقتها مشاورات واسعة جدا بين كل الأطراف، ونأمل أن يكون هناك انخراط إيجابي من المجلسين من دون إهدار مزيد من الوقت والمماطلة والعرقلة”، وفق ما نقلته صحيفة “الشرق الأوسط“، مؤخرا.

قد يهمك: الأزمة السياسية التونسية.. دفع نحو زيادة هجرة المواطنين؟

في المقابل، صرح المتحدث الرسمي باسم مجلس النواب عبدالله بليحق، بانطلاق أعمال جلسة “مجلس النواب” اليوم الإثنين بمقر “مجلس النواب” في مدينة بنغازي برئاسة النائب الأول لرئيس المجلس فوزي النويري.

جلسة البرلمان هذه تأتي في إطار مناقشة المبادرات المطروحة لحلها، بالإضافة إلى موقف البرلمان من المبادرة التي طرحها “المجلس الرئاسي”، على أن تتضمن لقاء ثنائيا بين رئيسي البرلمان صالح والمجلس الأعلى للدولة المشري الأسبوع المقبل في غدامس.

ضمن هذا الإطار، يرى المتحدث باسم مبادرة القوى الوطنية الليبية، محمد شوبار، أن أي اجتماع بين مجلسي النواب والدولة هو أمر مطلوب بهدف التوافق على قاعدة دستورية تفضي إلى انتخابات حرة ونزيهة.

شوبار يرى أيضا خلال حديثه مع موقع “الحل نت”، أن “المجلس الرئاسي” يدعو المجلسين لغرض الاجتماع في غدامس للاتفاق وإذابة جميع نقاط الخلاف المتعلقة بالقاعدة الدستورية “خطوة جيدة” وقد تنجح هذه المبادرة إذا طغت المصلحة العامة على مصالح من هُم في السلطة، ذلك لأنهم يسعون إلى البقاء لفترات أطول في السلطة وتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب الذاتية.

التشكيك بنجاح المبادرة

عضو “مجلس النواب” عبد المنعم العرفي، قال من جانبه إنه “ليس من اختصاص المجلس الرئاسي لعب دور المرشد، والتقريب بين مجلسي النواب والدولة، والمجلس الرئاسي لم يستطع حلحلة ملف المصالحة الوطنية، ولا أن يلعب دور القائد الأعلى للقوات المسلحة بالشكل المطلوب، ولم يكن موفقا بالخارج في قضية مسعود أبو عجيلة، بالتالي هو ليس الوسيط المثالي في الأزمة الحالية”، وهذه شكوك بعدم جدوى المبادرة المطروحة راهنا.

أما شوبار، فلا يعتقد أن لقاء غدامس سيأتي بأي جديد بسبب رغبة المتحاورين في البقاء في السلطة، ولغياب أي كتلة شعبية كبيرة تضغط على جميع الأطراف التي تعرقل العملية السياسية. ووفق منظوره فإن الطريقة الوحيدة للضغط على الأطراف المتصارعة على السلطة هي الضغط من قِبل المجتمع الدولي على جميع الأطراف المحلية والإقليمية من أجل تحقيق الاستقرار في ليبيا.

العديد من الأطراف السياسية شككت أيضا في فرص تجاوب المجلسين مع مبادرة “الرئاسي”، ورأت أنها ولدت ميتة. حيث قال وزير الثقافة الليبي السابق الحبيب الأمين، إن “مبادرة المجلس الرئاسي مضى عليها أسابيع، وخلال هذه الفترة لم يسمع أي تعاطي إيجابي من الطرفين المقصودين بالحضور،

هذا ولم يصدر عن مجلس النواب أي تعليق بالخصوص، وحتى عن مجلس الدولة عدا بعض أعضائه الذين قالوا إنهم يرحبون بتلك الخطوة، وهو موقف فردي”، وفقا لتقارير صحفية.

الأمين اعتبر أن ما طرحه “المجلس الرئاسي” لا يمكن اعتباره مبادرة يمكن الاعتماد عليها، وأشار إلى أن “ما طرحه المنفي لا يمكن أن نسميه مبادرة، بل دعوة للتشاور، لأنه لم يكشف عن خطتها أو بنودها، عدا الغاية منها وهي إجراء انتخابات في أقرب وقت”.

أسباب عدم إجراء الانتخابات

في المقابل، تعثر لقاء سابق كان مقررا عقده بين الجانبين بمدينة الزنتان، غرب ليبيا، في مطلع كانون الأول/ ديسمبر الماضي، للاتفاق على توحيد السلطة التنفيذية، واستكمال الإطار الدستوري للانتخابات. وقال المبعوث الأممي الخاص لدى ليبيا عبدالله باتيلي، حينها، إن اللقاء أُلغي لأسباب وصفها المبعوث الأممي بـ”لوجستية خارجة عن إرادة البعثة الأممية”؛ لكنه دعا مجلسي “النواب” و”الدولة” إلى الاتفاق على مكان وموعد مقبولين للطرفين لعقد اجتماعهما، للاتفاق على مقترحات ملموسة وقابلة للتنفيذ، وذات أطر زمنية محددة، لإيجاد مخرج توافقي من أزمة البلاد.

بالعودة إلى شوبار، فقد قال إن الليبيين يتمنون ويأملون أن يتفق “مجلس النواب” و”الدولة” على أسس دستورية، وما يخشونه هو أن “يمدد مجلس النواب والدولة لنفسيهما السلطة للبقاء ونهب أموال الليبيين وتحويلها للخارج”، وأضاف “كما يعلم الجميع  أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2656 الذي نصت فقرته الرابعة على تشكيل قيادة موحدة لليبيا لإنهاء حالة الانقسام والحفاظ على عائدات النفط، وتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، وتمهيد الطريق والإشراف على الانتخابات، لكن جميع المعوقات التي تحول دون إجراء الانتخابات في البلاد هي عدم وجود أساس دستوري، وانتشار السلاح، ووجود المرتزقة والمقاتلين الأجانب بالوكالة، وكذلك الأموال الفاسدة التي تستخدم لشراء أصوات الناخبين، وحالة الانسداد السياسي التي نفذتها الطبقة السياسية الحالية عمدا”.

المراقبون من جهتهم رأوا أن العقبة الأكبر أمام إجراء الانتخابات هو عدم التوافق بين مجلسي “الدولة” و”النواب” حول شروط الترشح للرئاسة، وأن لقاء غدامس ليس ذاك اللقاء الموعود للتوصل إلى أي حل، فالفجوة بين الطرفين ما زالت كبيرة.

كما أن مبادرة “المجلس الرئاسي”، تواجه عقبات كثيرة، أولها أن هذا المجلس مقيد ومحكم بمهام وصلاحيات محددة، بحسب الاتفاق السياسي الذي أُنتج في جنيف.

يبدو أن تلاعب الأطراف الخارجية في المشهد السياسي الليبي هو أكبر عقبة أمام الأزمة التي تشهدها البلاد منذ سنوات طويلة. لذلك لا بد من حل هذا الأمر إما بالضغط الدولي لإنهاء أزمة القاعدة الدستورية، والتوسط بين مختلف المرشحين السياسيين، شرقا وغربا، للتوصل إلى قرارات بشأن انسحاب بعض المرشحين لتوحيد الخلاف وعدم إفساد المشهد الانتخابي كما حدث العام الماضي أو أن البلاد ستدخل مرحلة أكثر تعقيدا مما هي عليه الآن.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.