على الرغم من عدم البدء بتعافي الاقتصاد العالمي، إلا أن العديد من المؤشرات الاقتصادية التي ظهرت مؤخرا بدت إيجابية إلى حد ما، ما جعل بعض المحللين، يقولون إننا ربما في اتجاهنا للتعافي الاقتصادي خلال الفترة القادمة.

من أبرز المؤشرات الإيجابية التي ظهرت مؤخرا تراجع حدة ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين نهاية العام الفائت، فضلا عن مؤشر أسعار المنتجين الذي تم الإعلان عنه الأربعاء، بأرقام جيدة، ما قد يظهر بتحول المؤشرات إلى إيجابية.

مؤشرات إيجابية؟

وزارة التجارة الأميركية أعلنت الأربعاء الفائت عن مؤشر أسعار المنتجين، الذي يمثل مبيعات التجزئة في الولايات المتحدة الأميركية، وذلك بتراجع أكثر من المتوقع، مما يضع إنفاق المستهلكين والاقتصاد بصورة عامة على مسار ضعيف للنمو مع بداية 2023.

مبيعات التجزئة تراجعت بحسب إعلان الوزارة الأميركية 1.1 بالمئة الشهر الماضي. وتم تعديل بيانات تشرين الثاني/نوفمبر لتظهر انخفاض المبيعات واحدا بالمئة بدلا من 0.6 بالمئة وفقا لما أُعلن سابقا. وهذا هو الانخفاض الشهري الثاني على التوالي.

ومن المرجّح أن يؤدي الانخفاض الواسع في المبيعات الذي أعلنته وزارة التجارة الأميركية يوم الأربعاء الفائت بالإضافة إلى التضخم المتراجع لتشجيع مجلس الاحتياطي الاتحادي “البنك المركزي الأميركي” على إبطاء وتيرة زيادة أسعار الفائدة الشهر المقبل.

تقرير منفصل من وزارة العمل الأميركية، أظهر انخفاض مؤشر أسعار المنتجين 0.5 بالمئة في كانون الأول/ديسمبر على أساس شهري بعد ارتفاعه 0.2 بالمئة في تشرين الثاني/نوفمبر.

قد يهمك: التكيف مع الانتقاد السياسي.. دور للأحزاب في الاصلاحات والإنعاش الاقتصادي بالجزائر؟

بيانات أسعار المنتجين في الولايات المتحدة هبطت أكثر من المتوقع، ما يقدم المزيد من الأدلة على تراجع التضخم، فيما انخفضت مبيعات التجزئة بأكبر قدر خلال عام، ما وضع إنفاق المستهلكين والاقتصاد بوجه عام على مسار نمو أضعف.

ماذا عن مرحلة التعافي؟

الأكاديمي والباحث في العلاقات الاقتصادية الدولية الدكتور عبد المنعم الحلبي، استبعد أن تكون مرحلة التعافي الاقتصادي قد بدأت، على الرغم من ظهور بعض المؤشرات الإيجابية، متوقعا استمرار “البنك الفيدرالي” الأميركي في سياسة رفع معدلات الفائدة لمواجهة التضخم.

الحلبي قال في حديث مع “الحل نت” ،”التضخم ما زال موجود وبأرقام بعيدة عن هدف الحكومة الأميركية، بالتالي لا بد من استمرار رفع معدل الفائدة، لكن ربما بوتيرة أقل وبمقدار أقل من الزيادات السابقة”.

الحلبي توقع اتجاه “البنك “الفيدرالي” الأميركي إلى خفض معدلات رفع الفائدة، إذ من المتوقع أن يرفع البنك الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس خلال اجتماعه القادم مطلع شهر شباط/فبراير القادم.

وحول سياسة الدول في مواجهة التضخم أضاف الحلبي، “التضخم العالمي متفاوت الحدة، كما هناك سياسات متفاوتة في مواجهته، والحرب في شرق أوروبا مستمرة، إضافة إلى سياسات أوبك بلس، وبالتالي لا أتوقع انخفاضا ملموسا في معدلات التضخم العالمية بل العكس، ربما تزداد الضغوط التضخمية وتحدث انهيارات مالية بالنسبة لبعض الاقتصاديات الناشئة والنامية”.

من المؤشرات الإيجابية التي ظهرت خلال الأسابيع الماضية، المؤشر الأبرز لقياس التضخم في الولايات المتحدة الأميركية، وهو مؤشر أسعار المستهلكين الذي هبط من 7.2 بالمئة إلى 6.5 بالمئة، ما حفز المستثمرين الذي يتوقعون خفض حدة إجراءات “البنك الفيدرالي”الأميركي.

أسواق الأسهم كانت قد شهدت منذ مطلع العام الجاري تحسنا طفيفا، كذلك سوق العملات المشفرة شهد انتعاشة ملحوظة حيث ارتفعت قيمة عملة “البتكوين” من نحو 16500 دولار إلى نحو 20500 دولار للقطعة الواحدة.

أسعار الذهب كذلك، ارتفعت الخميس، إذ يقيّم المستثمرون فرص إبطاء مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) وتيرة رفع أسعار الفائدة، فيما أدى صعود الدولار إلى كبح مكاسب المعدن الأصفر. إلا أن العديد من المحللين الاقتصاديين، يرون أن الأسوأ في الاقتصاد العالمي لم يأتي بعد، والتحسن الطفيف لا يعني بالضرورة التوجه لمرحلة التعافي الاقتصادي.

بعض مسؤولي “مجلس الاحتياطي الاتحادي” لفتوا إلى أنهم سيدعمون المضي قدما في رفع أسعار الفائدة، فيما قال باتريك هاركر، رئيس المجلس في فيلادلفيا، ولوري لوجان، نظيرته في دالاس، إنهما يدعمان وتيرة أبطأ للتشديد النقدي.

نهاية العام الماضي، أبطأ “البنك المركزي” الأميركي وتيرة زياداته إلى 50 نقطة أساس في كانون الأول/ديسمبر بعد أربع زيادات متتالية بمقدار 75 نقطة أساس، حتى وصلت نسبة الفائدة إلى 4.5 بالمئة.

على الرغم من تحسن أرقام التضخم في الولايات المتحدة الأميركية، إلا أن رئيس “البنك الاحتياطي الفيدرالي”، لم يطلق التطمينات على تحسن الواقع الاقتصادي، بل أكد أن مشواره في مواجهة التضخم ما يزال طويلا حتى الوصول إلى الأهداف المعلنة.

الزيادة الأخيرة لمعدل الفائدة على الدولار الأميركي، هي السابعة خلال العام الجاري، وكانت 75 نقطة أساس هي أعلى معدل فائدة أقرها البنك دفعة واحدة، وتكررت ثلاث مرات خلال النصف الثاني من العام الفائت.

“الفيدرالي” الأميركي، يلجأ إلى رفع أسعار الفائدة من أجل خفض الأسعار، وتتمثل الفكرة في أنه كلما كان اقتراض المال أكثر تكلفة، أنفق الناس أقل وادخروا أكثر. ويكمن الخطر في أن يؤدي ذلك إلى خنق النمو الاقتصادي والتسبب في ارتفاع معدل البطالة، وهو خطر يغذي مخاوف الركود الحالي.

“صندوق النقد” يحذّر

النائبة الأولى للمديرة العامة لـ”صندوق النقد الدولي” جيتا غوبيناث، حذرت من جانبها، من أن الولايات المتحدة لم تتخطّ بعد خطر التضخم، ومن السابق لأوانه أن يعلن “البنك الفيدرالي” الأميركي النصر في المعركة ضد ارتفاع الأسعار.

وحثت غوبيناث، في مقابلة مع صحيفة “فايننشال تايمز” الأميركية، “الفيدرالي” على مواصلة رفع سعر الفائدة هذا العام، وقالت إنه من المهم “أن يحافظ على تشديد السياسة النقدية”، لحين حدوث “تراجع مؤكد ومستمر في التضخم بشكل واضح وينعكس في الأجور والقطاعات غير المتعلقة بالغذاء والطاقة”.

“صندوق النقد الدولي” أوصى كذلك بمواصلة السياسة النقدية، إلى حين الوصول في معدل الفائدة الرئيسية إلى خمسة بالمئة أو أكثر.

البورصات والأسهم والذهب والعملات المختلفة أمام الدولار ستكون صاحبة النصيب الأكبر من التأثيرات، خاصة أن رفع الفائدة يعنى خروج الدولار إلى تجارة الفائدة الرائجة حاليا، كما أن رفع الفائدة يعنى مزيدا من قوة الدولار، والذي سجل مستويات هي الأعلى في 20 عاما.

المؤشرات الإيجابية التي ظهرت مؤخرا، لا يبدو أنها كافية لعبور مرحلة التراجع الاقتصادي العالمي، فما زال أمام أبرز اقتصادات العالم تحديات عديدة لمواجهة أرقام التضخم، كما أن العديد من المختصين ما زالوا يرون أن الانكماش الاقتصادي أمر لا يمكن الفرار منه، قبل الوصول إلى مرحلة التعافي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.