لأول مرة بعد سنوات من العِداء بين البلدين، وعودة العلاقات بين الرياض وطهران في آذار/مارس الماضي، زار وزير الخارجية الإيراني المملكة العربية السعودية، حيث تأتي زيارة حسين أمير عبد اللهيان إلى الرياض بهدف تباحث العديد من الملفات الإقليمية، لعل أبرزها الملف اليمني وأمن الملاحة البحرية في مياه الخليج العربي، وسط التوترات القائمة بين طهران وواشنطن، وجهود الجيش الأميركي للحد من التهديدات الإيرانية في المنطقة.

من هنا تبرز عدة تساؤلات حول دلالات الزيارة وإذا ما سيترتب على ذلك زيارة للقادة بين البلدين فيما بعد، فضلا عن الملفات الإقليمية الأكثر أهمية لدى السعودية في علاقاتها مع إيران، وإذا ما يمكن تهدئة التهديدات الإيرانية للأمن البحري في مياه الخليج بعد هذه الزيارة والمشاورات، خاصة وأن الرياض بقيادة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، باتت تنتهج سياسة تخفيض الأزمات والحروب التي تحيط حولها، عبر الاستجابة لما تراه ضرورات وأولويات قصوى، بما يضمن إرساءً للأمن والاستقرار في المنطقة.

دلالات الزيارة الإيرانية لـ السعودية

في الإطار، قالت “وكالة الأنباء الإيرانية” (إرنا) يوم الخميس الفائت، إن أمير عبد اللهيان وصل إلى مطار الرياض قبل بضع دقائق في زيارة تستمر ليوم واحد، وكان في استقباله نائب وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، ويرافق عبد اللهيان في زيارته إلى الرياض السفير الإيراني الجديد لدى السعودية علي رضا عنايتي، وسيباشر في مهامه الدبلوماسية رسميا فور وصوله إلى الرياض، بحسب الوكالة.

عبد اللهيان التقى نظيره السعودي وعددا من كبار مسؤولي هذا البلد باحثا معهم في القضايا الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية. وقال الوزير الإيراني في مؤتمر صحافي بجوار الأمير فيصل بن فرحان، إن “العلاقات بين السعودية ذات الغالبية السنية والجمهورية الإسلامية ذات الغالبية الشيعية تتخذ مسارا صحيحا”، وعلى الرغم من حديثه عن مناقشة التعاون الاقتصادي والأمني، إلا أنه لم يعلن أي اتفاقات مشتركة جديدة.

كما وأشار إلى أن اللقاء الذي عُقد في قاعة التضامن الإسلامي في مقر وزارة الخارجية السعودية، سيكون تمهيدا للقاء قادة البلدين، مضيفا “نحن متأكدون أن هذه اللقاءات والتعاون سيساعد في وحدة العالم الإسلامي”، وأشار إلى أنه طرح فكرة إجراء الحوار والتعاون الإقليمي مع وزير الخارجية السعودي، من دون أن يقدم مزيدا من التفاصيل.

بينما أكد وزير الخارجية السعودي أن استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إيران نقطة مفصلية للأمن بالمنطقة، مشددا على تطلع بلاده إلى تعزيز العلاقات الثنائية مع طهران. وأضاف خلال المؤتمر الصحافي، أن الرغبة صادقة وجدّية لتعزيز الثقة المتبادلة بين الجانبين. وبحسب “وكالة الصحافة الفرنسية” لم يتلقَ المسؤولان أسئلة الصحافيين المقيمين أو المرافقين للوزير الإيراني.

زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى السعودية تأتي لتؤكد عمق المسار الذي بدأه البلدان، وأن هناك إرادة حقيقية لاستكمال هذا النهج الذي بدأ بوتيرة متسارعة في الآونة الأخيرة، ويعكس جدّية حقيقية لاستئناف العلاقات وتطويرها، خاصة في ظل الخطوات العديدة التي تمت خلال الفترة القصيرة الأخيرة، وفق ما يراه المحلل والباحث السياسي المختص بالشأن الإيراني هاني سليمان، من دلالاتٍ لهذه الزيارة.

يمكن لهذه الزيارة أن تحمل العديد من المؤشرات والرسائل إلى الداخل والخارج وإعادة ترتيب الملفات الإقليمية وتوازنات القوى والعلاقات على المستويين الإقليمي والدولي في الآونة الأخيرة، لأن العلاقات السعودية الإيرانية ليست فقط علاقات ثنائية بل لها تداعيات كبيرة وصدى في ترتيبات الأوراق والتحالفات الموجودة في الأزمات والصراعات على المستويين الإقليمي والدولي، وفق تقدير الباحث في الشأن الإيراني لموقع “الحل نت”.

هذا واتفقت إيران والسعودية في آذار/مارس الماضي على إعادة العلاقات الدبلوماسية بعد 7 سنوات من العِداء في اتفاق توسّطت فيه الصين، واتفقت الدولتان على إعادة فتح السفارتين، وإعادة تفعيل اتفاق أمني تم توقيعه قبل 22 عاما، اتفق بموجبه الطرفان على التعاون في مكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات وغسيل الأموال.

لقاء محتمل

قبل ساعات من اليوم الجمعة، التقى الأمير محمد بن سلمان، حسين عبد اللهيان، بمدينة جدة. وذكرت “وكالة الأنباء السعودية الرسمية” (واس) أن الجانبين “يستعرضان العلاقات.. والفرص المستقبلية للتعاون بين البلدين وسبل تطويرها، بالإضافة إلى مناقشة تطورات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية، والجهود المبذولة تجاهها”.

هذا الاجتماع يُعدّ أول لقاء لولي العهد السعودي مع مسؤولين إيرانيين منذ استئناف العلاقات بين القوتين الإقليميتين قبل عدة أشهر، بحسب “فرانس برس”.


كل هذه المعطيات والمؤشرات تؤكد أنه ليس من المستبعد أن يكون هناك اجتماع على مستوى قادة البلدين خلال الفترة المقبلة، خاصة وأن هذه الترتيبات والتفاصيل ربما تم احتواؤها إلى حدّ كبير خلال المرحلة السابقة، حسبما يشير إليه سليمان.

وقد يؤدي ذلك إلى تهيئة الأجواء لعقد اجتماع على مستوى القمة للتأكيد على هذه العلاقات بعد طمس الخلافات وتنحّيها جانبا ولكن في رأي سليمان هذا سيحدث بالتأكيد بعد تسوية بعض الملفات وربما تحقيق خطوات جادة وإيجابية في الملف اليمني، سيعقبه لقاء محتمل بين قادة البلدين.

وزير الخارجية السعودي، قال يوم الخميس الماضي إن السفارة السعودية في طهران استأنفت نشاطها، معتبرا الأمر “خطوة أخرى في تطوير العلاقات بين البلدين”، وقال إنها تعكس “رغبة صادقة وجدّية الطرفين في تنفيذ الاتفاق الذي يعود بالنفع على البلدين وشعبيهما”.

آنا جاكوبس، كبيرة محللي شؤون الخليج في “مجموعة الأزمات الدولية” ترى أن الزيارات وإعادة فتح السفارات تمثل إجراءات مهمة لبناء الثقة بين البلدين، إلا أن التقارب السعودي الإيراني لا يزال في مراحله الأولى، ولا يزال من غير الواضح تماما كيف سيتعامل الجانبان مع نقاط الخلاف العديدة بينهما، ومن الصعب معرفة ما إذا كان ذلك سيكون كافيا لحل القضايا العالقة طويلة الأمد في علاقتهما، بحسب “الوكالة الصحافة الفرنسية”.

زيارة أمير عبد اللهيان تأتي بعد نحو شهرين من قيام بن فرحان، بزيارة رسمية إلى إيران كانت الأولى لوزير خارجية سعودي لطهران منذ 17 عاما، إذ عقدا الجانبان حينها مباحثات تناولت قضايا الأمن والاقتصاد والسياحة والنقل.

ليس تقاربا استراتيجيا

الباحث في الشأن الإيراني، يقول إن هناك ملفات كثيرة حاضرة في هذه اللقاءات، منها تلك المتعلقة بملفات ذات مستويات عالية من التوتر ومؤشرات التوتر العالية، ومنها الملف اليمني الذي بالطبع تم مناقشة ما حدث وما يحدث على الساحة اليمنية وسبل تحقيق التهدئة وطريق التسوية وعملية الانتقال السياسي.

في اعتقاد الباحث السياسي، أن أهم الملفات هي تلك المتعلقة بالملاحة في الخليج، والعملية الأمنية، وعمليات التهدئة، وحرية الملاحة البحرية، والأوضاع الأمنية والاستراتيجية لخطوط الأمان السعودية، وأيضا ثمة ملفات أخرى تهمّ السعودية في علاقاتها مع إيران، مثل الملف اللبناني وأوضاع الميليشيات الإيرانية، وهو من أبرز الملفات بين الرياض وطهران، ثم تأتي ملفات التعاون الاقتصادي وما إلى ذلك، ثم ربما مسارات الشراكة والتنسيق المشترك في العمليات الأمنية والاستراتيجية العسكرية كما حدث على هامش مؤتمر الأمن في موسكو، مؤخرا.

في الوقت نفسه أصدر البلدان بيانات متعارضة حول حقل غاز متنازع عليه تعتزم السعودية تطويره مع الكويت، وترغب إيران أيضا في استكشاف الحقل البحري المعروف بـ”آرش” في إيران و”الدرة” في الكويت والسعودية، الذي لطالما شكّل مصدر خلاف بين البلدان الثلاثة.

الباحث في الشأن الإيراني، يرى أن ملف حقل “الدرة” من أهم الملفات الحالية التي قد تؤثر على العلاقات السعودية الإيرانية، لكن قد يتجاوز البلدان هذه القضايا التفصيلية، نظرا لأن كلا الطرفين يريدان استغلال الظرف الإقليمي والدولي لتحقيق مصالحه.

لكن النقاط الصدامية، برأي هاني سليمان، هي أن هناك اتفاق على تجاوزها، أو على الأقل التوصل إلى حلول تقديرية تقريبية، ولكن ليست حلول حاسمة وجذرية.

الباحث في الشأن الإيراني، هاني سليمان

كما ويعتقد سليمان أن هذا التقارب؛ السعودي الإيراني هو تقارب تكتيكي، لكن لفترة أوسع وأطول إلى حد ما. ولكنه ليس تقاربا استراتيجيا على المدى الطويل، ولكنه في النهاية يخدم مصالح الدول على المديين القصير والمتوسط ​ربما، وهذا ما يتوازى ويتماشى مع المتغيرات والتحولات الإقليمية والدولية.

في العموم، تريد المملكة العربية السعودية تقليص حجم الأزمات والتوترات الموجودة في المنطقة، والحد من التوسع الإيراني العدائي وحاولت ولا تزال تحاول جاهدة أن تفعل ذلك، لكن يبدو أن إيران تتبع تكتيك مرحلي مؤقت، فمن خلال التهدئة مع دول الخليج خلال الفترة الحالية ولكن دون تحقيق أي نتائج إيجابية ملموسة يُذكر في العديد من القضايا الإقليمية، فإن ذلك يدلل على أنها تتبع سياسة كسب الوقت التي اعتادت عليها لتحقيق بعض المكاسب المؤقتة في مقابل التنازل عن بعض الملفات أو القضايا كما قد يحدث في بعض الملفات، مثل أمن الملاحة في مياه الخليج أو الملف اليمني.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات