في خضم التوترات والمتغيرات الإقليمية والدولية، ووسط الضغوط التي تعاني منها إيران نتيجة عدم تعديل سلوكها العِدائي، لا تكفّ طهران عن تنفيذ أنشطتها الإرهابية في مياه الخليج العربي وتهديد الأمن البحري، عبر ميليشياتها في محاولة لتحويل حالة التهديد الدائم التي تمارسها تجاه الملاحة البحرية الدولية إلى ورقة ابتزاز ومشروع يستمد شرعيته من أجل تحقيق مصالح وأهداف استراتيجية.

في الآونة الأخيرة، تصاعدت التوترات في مياه الخليج عند مضيق “هرمز” بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، مما يثير احتمال أن تلعب إيران بورقة “ناقلات النفط” مرة أخرى كأداة لتحقيق مصالحها وأهدافها، خاصة وأن واشنطن أرسلت مؤخرا تعزيزات عسكرية إلى الخليج لمواجهة التهديدات الإيرانية المحتملة، وبالتالي تبرز هنا تساؤلات حول دلالات هذه التوترات في مياه الخليج وانعكاساتها على أمن المنطقة ككل.

استراتيجية إيران

نحو ذلك، حذر التحالف الدولي لأمن وحماية الملاحة البحرية وضمان سلامة الممرات البحرية، السفن التي تبحر في مضيق “هرمز” الاستراتيجي من الاقتراب من المياه الإيرانية لتجنب خطر التعرّض للاحتجاز، وفق بيانات منفصلة صدرت خلال اليومين الماضيين.

في الإطار، قال المتحدث باسم الأسطول الخامس الأميركي الذي يتخذ من البحرين مقرّا له، تيم هوكينز، يوم أمس الأحد، “نُصحت السفن بعبور المنطقة أبعد ما يمكن عن المياه الإقليمية الإيرانية” لتقليل مخاطر تعرّضها للمصادرة. وأشار إلى أن “التحالف الدولي يُخطر بحارة إقليميين بالإجراءات الاحتياطية المناسبة لتقليل مخاطر احتجاز السفن بناءً على التوترات الإقليمية الحالية التي نسعى إلى تهدئتها”، وفق ما نقلته صحيفة “العرب” اللندنية.

المحلل السياسي والباحث في “المعهد الدولي للدراسات الإيرانية”، محمود حمدي أبو القاسم، يعتبر أن مهاجمة ناقلات النفط في الخليج واحدة من عناصر استراتيجية المواجهة التي تتبعها إيران في مواجهة الضغوط والعقوبات الأميركية، وتتزايد معدلات مهاجمة طهران للناقلات النفطية والتجارية في الخليج كلما كانت العلاقات أكثر توترا بين الجانبين، وليست هذه هي المرة الأولى التي تتصاعد فيها هذه الهجمات.

لكن جاءت هذه العمليات من جانب القوات البحرية الإيرانية التابعة لـ”الحرس الثوري” الإيراني، أو للجيش الإيراني هذه المرة في إطار التوترات التي تزايدت منذ توقف المفاوضات النووية في آب/أغسطس من العام 2022، فمنذ ذلك التاريخ أدارت الولايات المتحدة ظهرها للاتفاق النووي، وسط تشبث إيران بشروطها، وفق تحليل أبو القاسم لموقع “الحل نت”.

كما وسعت وتسعى واشنطن إلى فرض مزيد من العقوبات على إيران، حتى طالب بعض أعضاء “الكونغرس” بمهاجمة ناقلات النفط الإيراني لحرمان إيران من عوائد النفط، وذلك على خلفية دور طهران العدائي في مساعدة روسيا في حرب أوكرانيا، وتماديها في تطوير برنامجها النووي برفع معدلات التخصيب ومراكمة مزيد من اليورانيوم المخصب، الأمر الذي يقرّبها من العتبة النووية، وفق تقدير أبو القاسم.

“أداة ضغط”

عادة ما يأتي الرد الإيراني في إطار استراتيجية المواجهة، وهو مزيد من التوجهات بعيدا عن الغرب، وتوثيق التحالف مع روسيا والصين، وعلى الصعيد الإقليمي بينما تحسنت علاقاتها مع دول المنطقة بعد الاتفاقية مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج، فإن إيران وجدت في مهاجمة ناقلات النفط في الخليج أداة من أجل موازنة الضغوط مع الولايات المتحدة، وقد استغلت إيران الانشغال الأميركي بحرب أوكرانيا والمنافسة مع الصين، حيث اعتقدت بأن الولايات المتحدة لن ترغب في فتح جبهة في الشرق الأوسط في هذا الوقت، وفق ما أوضحه أبو القاسم.

من وجهة نظر أبو القاسم أيضا، فإن طهران تتقن سياسة المواجهة غير المباشرة مع واشنطن، وتأتي هذه السياسة ثمارها في بعض الأحيان، حيث تعزز إيران من قدرتها على الردع، وتوازن علاقاتها مع الولايات المتحدة من خلال مهاجمة ناقلات النفط، وفق أبو القاسم الذي استدرك تحليله بالقول “ولا ننسى كيف ارتفعت وتيرة هذه المواجهات بعد استعادة الولايات المتحدة عقوباتها على إيران خلال فترة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب والتي كان ضمنها تصفير صادرات إيران من النفط والتي هددت إيران حينها بعدم السماح بعبور ناقلات النفط من الخليج، بل هاجمت مراكز إنتاج النفط في بعض دول المنطقة.

يضم التحالف الدولي الذي أُنشئ عام 2019، 11 دولة هي الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات والبحرين وألبانيا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وجزر سيشيل، ومهمته توفير الأمن للشحن البحري في منطقة الشرق الأوسط.

هذا وتقع حوادث مماثلة منذ عام 2018، تزامنا مع سحب ترامب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني، أي أن طهران تلعب بورقة الملاحة الدولية في مياه الخليج كأداة للضغط من أجل تحقيق مصالحها وأهدافها التكتيكية، كلما حدث تعثر وحصل ضغوط عليها. ويشير أبو القاسم هنا إلى أن التحركات الإيرانية قد تأتي في إطار تعزيز أوراق الضغط وذلك بالتزامن مع المفاوضات السرية غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، ترعاها عُمان وقطر.

شركة “آمبري” للأمن البحري أعلنت في بيان يوم السبت الماضي، أن السلطات اليونانية، بدعم من البعثة الأوروبية للمراقبة البحرية في مضيق هرمز والسلطات الدبلوماسية الأميركية، حذرت من احتمال تعرّض سفينة تجارية ترفع علما مجهولا لهجوم في مضيق “هرمز” خلال الساعات الـ12 إلى 72 المقبلة.

حتى الساعة، لم تعلّق السلطات الإيرانية على هذه التحذيرات، إلا أن ثمة تحركات من قِبل ميليشيا “الحوثي” اليمنية والتابعة لطهران، حيث كثّف “الحوثيون” أنشطتهم المتعلقة باستعراض القوة البحرية، من خلال سلسلة لقاءات عقدها قادة سياسيون وعسكريون “حوثيون” مع قادة الفصائل البحرية، تزامنت مع تصريحات إعلامية ربطت بين تصاعد هذا النشاط والتحركات العسكرية الأميركية في البحر الأحمر.

إيران تلعب بورقة ناقلات النفط كأداة ضغط- “إنترنت”

التصعيد “الحوثي” يتزامن مع التوتر الذي يسود العلاقات الأميركية الإيرانية، وإعلان البحرية الأميركية عن نشر قوات جديدة في البحر الأحمر لحماية الممر الملاحي في أعقاب احتجاز “الحرس الثوري” الإيراني، المزيد من ناقلات النفط بالقرب من مضيق “هرمز”.

في السابع من آب/أغسطس الجاري، أعلنت واشنطن وصول أكثر من ثلاثة آلاف بحار أميركي إلى الشرق الأوسط في إطار خطة لتعزيز التواجد العسكري في المنطقة، أكدت أنها تهدف إلى ردع إيران عن احتجاز السفن وناقلات النفط. في السنوات الأخيرة، تبادلت واشنطن وطهران الاتهامات على خلفية سلسلة حوادث في مياه الخليج بما في ذلك هجمات غامضة على سفن وإسقاط طائرة مسيّرة ومصادرة ناقلات نفط.

تداعيات التوترات على المنطقة

الجيش الأميركي يقول إن إيران احتجزت أو حاولت السيطرة على زهاء 20 سفينة في المنطقة خلال العامين الماضيين. وأعلنت واشنطن أن قواتها منعت محاولتين إيرانيتين لاحتجاز ناقلتي نفط في المياه الدولية قبالة عمان في الخامس من تموز/يوليو الفائت، بينما صادرت طهران سفينة تجارية في اليوم التالي.

في نيسان/أبريل وأوائل أيار/مايو الماضيين، صادرت إيران ناقلتين في غضون أسبوع في المياه الإقليمية، كما اتّهمت بشنّ هجوم بطائرة مسيّرة على ناقلة مملوكة لشركة إسرائيلية في تشرين الثاني/نوفمبر 2022.

بالعودة إلى المحلل السياسي والباحث المتخصص بالشأن الإيراني، فإن الحال في عامي 2019-2020 جلبت سياسة مهاجمة ناقلات النفط رد فعل أميركي قوي، حيث عززت الولايات المتحدة من حضورها في مياه الخليج، وذلك من خلال العديد من الإجراءات، إذ أعلنت البحرية الأميركية إن ثلاث سفن حراسة إيرانية سريعة الهجوم وعلى متنها جنود مسلحين اقتربت من سفينة تجارية على مسافة قريبة.

البحرية الأميركية نشرت مدمرة صاروخية موجهة في الخليج، وأرسلت طائرات مقاتلة من طراز “F-16” ومزيدا من القوات البحرية لتعزيز وجودها العسكري، وبينما حثّ مشرّعون من كلا الحزبين إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، على مصادرة شحنات النفط والغاز الإيرانية الخاضعة للعقوبات ردا على هجمات إيران البحرية، فلا يُستبعد أن يكون احتجاز خفر السواحل الإندونيسي في 11 يوليو/تموز الماضي لناقلة عملاقة ترفع العلم الإيراني قد تم بإيعاز أميركي، وفق ما يقوله أبو القاسم.

على الرغم من أن هذه التطورات تشير إلى ارتفاع وتيرة التصعيد بين الجانبين، غير أنه من غير المتوقع أن يصل الأمر إلى الصدام المباشر، وسوف تؤدي الإجراءات الأميركية إلى الحد من اعتداءات إيران التي تدرك حتى اللحظة أنه لا يمكن تحدي الولايات المتحدة، وجر الصراع إلى نقطة المواجهة التي ستكون قاسية ومكلفة بالنسبة لإيران.

المحلل السياسي والباحث في “المعهد الدولي للدراسات الإيرانية”، محمود حمدي أبو القاسم

لا سيما أن اتفاقية تبادل السجناء التي تم الوصول إليها مؤخرا، سوف تُلقى بظلالها على العلاقات المتوترة، ما يشير إليه أبو القاسم. كما وستُسهم في خفض التوتر، وربما تنطوي هذه المباحثات على صيغة غير معلنة بشأن العديد من الملفات العالقة، إذ من الواضح أن الطرفين لا يرغبان في التصعيد ولديهما الاستعداد للمضي قدما في مسار الدبلوماسية، طبقا لأبو القاسم.

هذا ما يدل على ذلك أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين قد أوقفوا  جهودهم لاستعادة آلية العقوبات الآلية من خلال “مجلس الأمن الدولي”، ومن جانبها إيران قد تعاونت مع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، مؤخرا، وفق تقدير أبو القاسم.

في العموم، فإن وقوع أيّ تصادمات عسكرية أو حدوث حرب ناقلات في مياه الخليج سيترتب عليه حتما مخاطر وتداعيات جمّة فيما يخص أمن المنطقة ككل. إلا أن ذلك يبدو صعبا، نظرا لأن إغلاق مضيق “هرمز” سيسبب أضرارا اقتصادية كبيرة، حيث يُعد المضيق من أهم المضايق البحرية والتجارية النفطية الدولية، ويمرّ منه حوالي ثلث تجارة النفط العالمية، أي ما بين 20 إلى 30 ناقلة نفط يوميا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات