فيما يبدو أن قطار الأزمة في السودان وصل إلى مرحلة نهائية من المشاورات، للبحث عن نهاية لها، حيث دشّنت القوى الموقّعة على “الاتفاق الإطاري” في السودان، الأحد الماضي، المرحلة النهائية من العملية السياسية في الخرطوم، والتي تهدف للوصول إلى اتفاق نهائي لنقل السلطة للمدنيين، وحل الأزمة التي تعيشها البلاد لأكثر من عام، وسط ترحيب دولي.

“وكالة الأنباء” السودانية، صرّحت بأنه من “المقرر أن تناقش الأطراف المَدنية المشاركة في الاتفاق الإطاري، الموقّع مع الشّق العسكري في الخامس من كانون الأول/ديسمبر 2022، في هذه المرحلة التي يتوقع أن تستمر ثلاثة أسابيع 5 قضايا، تشمل العدالة وإصلاح الجيش والأجهزة الأمنية، واتفاق السلام الموقع في تشرين الأول/أكتوبر 2020”.

مساع إلى اتفاق نهائي

الخرطوم تشهد برعاية من الأمم المتحدة ومجموعة الهيئة الحكومية للتنمية “إيغاد” والرباعية المكونة من الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات، المرحلة النهائية للعملية السياسية الرامية لإنهاء الأزمة السودانية.

خلال حفل تدشين مرحلة الاتفاق النهائي، أكد قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان التزام المؤسسة العسكرية بالخروج النهائي من العملية السياسية، وقال إن “المؤسسة العسكرية لن تخذل الشعب السوداني، ولن يكون لها أي دور في السلطة المَدنية المقبلة”، بحسب موقع قناة “سكاي نيوز عربية”.

من جانبه، شدد محمد حمدان دقلو، قائد قوات الدعم السريع، على الالتزام بإنهاء الوضع الراهن وتشكيل سلطة مدنية كاملة، والوصول إلى جيش مهني قومي واحد.

قد يهمك: ترقب لـ“الاتفاق الإطاري“.. عودة الحكم المدني السوداني؟

الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قال في تعميم صحفي، الاثنين، إن “المنظمة ملتزمة بدعم الجهود الرامية لاستئناف المسار المدني في السودان، مشددا على أهمية الدعم الدولي المنسّق في إطار الآلية الثلاثية المكوّنة من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومجموعة الإيقاد”.

بداية عهد جديد؟

“الاتفاق الإطاري” الذي تم التوقيع عليه مبدئيا، هو نواة لعمل يُنهي الانقلاب القائم وبداية عهد جديد لمواصلة الانتقال الديمقراطي، وصولا إلى انتخابات حرة مقبلة، بحسب حديث الصحفي والمحلل السياسي السوداني، أيمن بدوي أخرش لـ”الحل نت”.

أخرش يرى أن الاتفاق هو أفضل الحلول المتاحة، بعد أن وصل العسكريون إلى نتيجة مهمة، وهي أن عهد الانقلابات قد انتهى ولا يمكن أن يُحكم الشعب السوداني بواسطة انقلاب إطلاقا.

هذه الخطوة ستنهي أزمة الحكم في السودان، وتحفظ الدماء وتوقف التدهور الاقتصادي الذي أنهك الشعب، بحسب تعبيره

“الاتفاق الإطاري” وصل إلى مراحله النهائية، وفق أخرش، وسيمضي إلى التوقيع النهائي وتشكيل حكومة مَدنية تقود البلاد في المرحلة الانتقالية إلى انتخابات حرة ونزيهة. وخروج المؤسسة العسكرية من المشهد السياسي نهائيا وإصلاحها، ودمج الحركات والجيش، في جيش وطني واحد، هو أهم مكاسب هذا الاتفاق، وفق تعبيره.

معوقات الاتفاق

من جهة أخرى يرى المحلل السياسي والاقتصادي السوداني محمد الناير، خلال حديثه لـ”الحل نت” بأن الوصول إلى الاتفاق النهائي ليس بالأمر اليسير، نسبة لعدم فتح الأفاق للجميع، إذ يفترض أن يكون الاتفاق مفتوحا لكل القوى السياسية، للوصول إلى اتفاق يتم الاجماع عليه من كل القوى، لأن مشكلة السودان المزمنة دائما منذ الاستقلال وحتى يومنا هذا، هو عدم الاستقرار السياسي، وبالتالي عدم الاستقرار السياسي يؤدي إلى عدم الاستقرار الأمني، والاثنين مع بعضهم البعض يصعبان تحقيق الاستقرار الاقتصادي.

اقرأ أيضا: التوتر المتطور في السودان ودور القاهرة.. تحويل الانتباه عن التحديات؟

الاستقرار الاقتصادي للسودان، وفق الناير، لا يتحقق إلّا بالوصول إلى توافق سياسي وأمني تام، لذلك نقول من الصعب جدا الوصول إلى اتفاق نهائي، وخاصة في ظل ما يجري الآن من إقصاء لكثير جدا من الكيانات السياسية في السودان، لذلك من الصعب التوصل إلى اتفاق نهائي، يحقق استقرار سياسي وأمني، وبالتالي لن تنتهي الأزمة السياسية إذا لم تكن بتوافق تام، بل ستستمر التجاذبات، وفق تعبيره.

المؤسسة العسكرية لن تلتزم بالخروج إلا إذا حدث توافق سياسي تام يشمل كل مكونات العملية السياسية، ولن تخضع المؤسسة العسكرية لأمرة الحكومة المدنية إلا بعد أن تكون حكومة منتخبة، وهذا أمر لا يدخل فيه أي جدال، بحسب الناير.

لذلك كل ما يدور الآن في الساحة، هي عملية تنسيقية بين العسكر وبعض المكونات السياسية، للتوصل لاتفاقية لإكمال المرحلة الانتقالية، ثم تأتي حكومة منتخبة تكون مسؤولة حتى على الشأن العسكري والأمني، لذلك خروج المؤسسة العسكرية بالكامل في المرحلة الانتقالية لن يتحقق وسيتحقق بالكامل بعد إجراء انتخابات حرة نزيهة.

تباين سياسي

الفريق محمد حمدان حميدتي، نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، أبدى في تصريح صحفي، أمله في التحاق المجموعات المعارضة بالحوار، وشدد على أن هذه المباحثات تؤسس لاتفاق نهائي للمرحلة القادمة من العملية السياسية في السودان.

محمد المهدي حسن القيادي في قوى “الحرية والتغيير” ورئيس المكتب السياسي لـ”حزب الأمة القومي”، قال إن “الخلافات بشأن الاتفاق الإطاري، تتعلق بما وصفها بأبعاد شخصية لرافضي الاتفاق، إضافة إلى بعض القضايا الإجرائية، وأن المرحلة المقبِلة من الاتصالات ستشارك فيها جميع مكونات السودان”، بحسب موقع “الجزيرة نت”.

في المقابل، رفضت قوى “الحرية والتغيير”-الكتلة الديمقراطية، “الاتفاق الإطاري”، وقالت إنه “مرفوض بشكله الحالي، وتعهدت بتحريك الشارع لإسقاطه”، وذكرت الكتلة أنها “أوقفت اللقاءات غير المباشرة مع مجموعة الحرية والتغيير-المجلس المركزي”.

القيادي في قوى “الحرية والتغيير”-الكتلة الديمقراطية، عبد العزيز سليمان، اعتبر أن المطلوب في هذه المرحلة في السودان، هو معالجة جذور الأزمة التاريخية للبلاد، حسب تعبيره، وأن الانتقال السلس لا بد أن يستند إلى توافق جميع المكونات المدنية والمسلحة.

الموقف الدولي والإقليمي

الآلية الثلاثية الميسّرة للحوار، التي تتألف من الاتحاد الأوروبي ومجموعة الهيئة الحكومية للتنمية “إيغاد” وبعثة الأمم المتحدة، قالت إن “الاتفاق الإطاري بين القوى السودانية حظي بدعم كبير من القوى السياسية والمجتمع الدولي والإقليمي”.

الرباعية ومجموعة “الترويكا”، النرويج، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، قد رحبت أيضا في بيان صحفي، بانطلاق المرحلة الثانية والأخيرة للعملية السياسية في السودان، لاستعادة التحول الديمقراطي في السودان.

السفير النرويجي في السودان، ممثل الوساطة الدولية، إندرو ستيانسن، قال في مقابلة مع قناة “الجزيرة”، إنه “يؤمن بأن الجيش السوداني سينفّذ تعهداته ويعود إلى ثكناته، وأنه يعتقد أن هناك ما يكفي من الاتفاق بين مكونات الشعب لإقامة حكم مَدني، ويشدد على أنه لا يوجد خيار أمام الجميع سوى الاتفاق للانتقال إلى حكم مدني كامل” بحسب تعبيره.

الخطوات التي تمضي بها الخرطوم الآن نحو الاتفاق النهائي، من شأنها ترتيب الأوضاع في البلاد، خاصة أن المرحلة النهائية من العملية السياسية سيتم من خلالها فتح نقاش مستفيض بشأن القضايا الخلافية، مع التأكيد على أهمية الإصلاح، والاستفادة من الإخفاقات التي صاحبت الفترة الانتقالية السابقة، مما يرفع درجات التفاؤل بالوصول إلى تسوية سياسية تعود بالانتقال السياسي في البلاد إلى مساره الصحيح.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.