في الوقت الذي يشهد فيه السودان حالة من عدم الاستقرار، فيما يتعلق بالصراع السياسي بين التيار المدني والمؤسسة العسكرية الحاكمة منذ تشرين الأول/أكتوبر 2021، على خلفية حل مجلسي السيادة والوزراء، وتصاعد حدّة الموقف في شرق السودان، تظهر القاهرة كطرف في المشهد، حيث استقبل رئيس “مجلس السيادة الانتقالي” السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الاثنين الماضي، اللواء عباس كامل رئيس المخابرات العامة المصرية، وسط حالة من الترقب والتكهنات.

ظاهريا، قال طرفي اللقاء، إن زيارة رئيس المخابرات المصرية جاءت لنقل رسالة شفوية لرئيس “مجلس السيادة الانتقالي” من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. رسالة تتعلق بالعلاقات الثنائية بين مصر والسودان، وسبل دعمها وتطويرها وترقية التعاون المشترك بينهما في المجالات كافة، وذلك وفقا للمواقف الرسمية التي أكدت على أهمية العلاقات السودانية المصرية، وضرورة تعزيزها وتمتينها بما يخدم المصالح المشتركة.

زيارة اللواء كامل إلى السودان، تأتي بعد أن سبقها البرهان بزيارة إلى العاصمة المصرية القاهرة في 24 أيلول/سبتمبر الماضي، وأجرى مباحثات مع السيسي. تعاون لفت الأنظار خصوصا بعدما اشتملت زيارة رئيس المخابرات المصرية اجتماعات مع ممثلين للائتلاف “قوى الحرية والتغيير” التي تقود تسوية مع المجلس الانتقالي لإنهاء التوتر في البلاد وكيفية إنهاء الانقلاب العسكري في تشرين الأول/أكتوبر 2021.

السودان والقاهرة وتحديات المستقبل

إذ بدت مهمة اللواء كامل في الخرطوم مزدوجة هذه المرة، وذات طابع أمني وسياسي، لتبديد الشكوك حيال اقتصار غالبية زياراته السابقة على كبار المسؤولين في الجيش السوداني، وهي محاولة من جانب القاهرة للتأكيد أنها منفتحة على المكونيَن العسكري والمدني، ولا تناصر طرفا على حساب آخر، وفقا لمراقبين.

غير أن الحديث كثُر عن وجود دوافع أخرى خلف الزيارة، تنطوي على الأهمية الأمنية، حيث جاءت بعد وقت قصير من تصاعد حدّة الموقف في شرق السودان، وتلويح بعض القيادات القَبلية في الإقليم بخيار تقرير المصير في ظل انسداد أفق الحوار السياسي مع القيادة المركزية في الخرطوم، ما يمثل إزعاجا لمصر، حيث يقع هذا الإقليم على حدود مصر الجنوبية.

اقرأ/ي أيضا: مع حلول عام 2023.. ما سيناريوهات الغزو الروسي لأوكرانيا؟

حيث يرى البعض أن ما يجري في شرق السودان يمثل تهديدا كبيرا لمصر، ومن الضروري معالجة الأزمة قبل تفاقمها وتحولها إلى أمر واقع يصعب إيجاد حلول مناسبة لها، مع اتساع رقعة السودان الجغرافية وزيادة حدّة التجاذبات في أطرافه وتلويح بعض الأطراف القَبلية بالـ “الحرب“، في ظل استمرار الأزمة السياسية بين المكونين العسكري والمدني، على الرغم من توقيع اتفاق إطاري بينهما في الخامس من كانون الأول/ديسمبر الماضي.

الباحث السياسي هشام داود قال عن الدور الذي تحاول مصر لعبه في المعادلة السودانية، إن “الحدود المصرية السودانية تمتد على مساحة شاسعة من ساحل البحر الأحمر الذي يمثل أهمية عالية لحركة التجارة الدولية، لذلك تحاول مصر الحفاظ على الهدوء في تلك المنطقة وحماية مصالحها من خلال إيجاد حل مقنع للأطراف السودانية قبل تفجّر الوضع، وهو ما يجنب جميع الأطراف سيناريو كارثي“.

إضافة إلى ذلك، يرى داود خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن قضية سد النهضة تمثل جزءا من الأهداف التي تسعى القاهرة لحمايتها، إذ تود التوصل إلى اتفاق مشترك مع جميع الأطراف مع الحفاظ على وحدة الدولة السودانية ما يضعها كلها تحت القرار الحكومي الذي تسعى مصر للتقارب معه، بغية الحصول على موقف يساندها في صراعها مع إثيوبيا التي تسعى لتشيد سد النهضة على طول نهر النيل والذي يمثل تهديدا لأمن مصر المائي، بالتالي هي تعي جيدا مدى خطورة تعدد مصادر القرار في الدولة الواحدة، ما يضطرها لدعم جهود التوصل إلى اتفاق بين العسكر والمدنيين للحسم مسألة الحكومة للتعامل مع ملف القبائل في الشرق.

صراع مصر والسوداني حول البحر الأحمر

كذلك هناك صراع تاريخي بين مصر والسودان حول بعض الأراضي على حدود البحر الأحمر من الشرق، والتي تدعي كلا الدولتين سيادتهما عليه، وواقعا تفرض مصر سيادتها عليها؛ ما يعني بحسب الباحث السياسي، أن اشتداد خلاف إقليم الشرق مع الحكومة السودانية وذهابه باتجاه التصعيد بين الجانبين دون التوصل إلى حلّ يضمن سلامة الجميع، يعني أن مصر ستكون مهددة في هذا الجانب، خصوصا وأن المنطقة المتنازع عليها تنطوي على أهمية اقتصادية كبيرة مما لا شك فيه سيدفع أطراف الشرق بالمطالبة بها أو تضيق الخناق عليها.

داود لفت إلى أن القضية تتعلق بالأمن القومي للدولتين، حيث تحاول مصر تأمين مصالحها، وإبعاد مخاطر مستقبلية يمكن أن تجلبها الخلافات الداخلية المستمرة في السودان، مشيرا إلى أن هذا السيناريو فيما لو حصل قد ينبئ بدخول أطراف دولية جديدة على خط الأزمة ما يضع الحكومة السودانية والمصرية بمواجهة خصوم داخليين وخارجيين جدد، لذلك الحل ربما يكمن في حث أطراف النزاع بالتوصل إلى مخرج سريع، ولعله يتمثل باستيعاب التيار العسكري لحجم المشكلة والاستجابة لرغبات الجماهير المدنية في تسلم السلطة.

اقرأ/ي أيضا: مشاركة إريتريا في الصومال.. تحالف إقليمي آخر يحتاجه القرن؟

يُشار إلى أن رئيس “المجلس الأعلى لنظارات” البجا والعموديات المستقلة أكبر مكونات إقليم الشرق السوداني، محمد الأمين ترك، كان قد هدد بإعلان الحرب في شرق السودان إذا رفضت السلطات السودانية منح الإقليم منبرا تفاوضيا منفصلا لتقرير المصير، ووجه ترك انتقادات للسياسات التي اتبعها النظام السابق في تنمية المناطق المتأثرة بالحرب، فيما تحدث عن ترتيبات يقودها للانخراط في تحالف يجمع وسط وشمال وشرق السودان، إضافة إلى إقليم كردفان للعمل على تحقيق الحكم الذاتي.

تحركات الترك تأتي في سياق رفض “مسار شرق السودان” المضمن في “اتفاقية جوبا لسلام السودان” التي أبرمتها الحكومة الانتقالية عام 2020، في حين كانت قبائل البجا قد قادوا في العام 2021 تحركات لإغلاق الموانئ الرئيسية في البلاد، والطريق الرابطة بين العاصمة الخرطوم وولاية البحر الأحمر، ضمن احتجاجات مناهضة للحكومة الانتقالية التي عزلها الجيش لاحقا.

الغضب في شرق السودان، صادر من قناعتهم بأن “الاتفاق الإطاري ومسار الشرق“، قد همّش أهالي الشرق، وهو ما يدفعهم إلى التحشيد لرفض ذلك حتى تستجيب الحكومة لمطالب أهالي الإقليم بمنبر مستقل يناقش قضاياه بمشاركة أصحاب المصلحة، وطاولة مستديرة للقوى الوطنية والمجتمعية لحل أزمات البلاد.

حيثيات وضمانات

يُذكر أنه في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أعلن “المجلس المركزي” لـ“قوى الحرية والتغيير” السودانية، التوصل الى اتفاق “إطاري“، أي مبدئي، مع المؤسسة العسكرية يضع ضمانات لتشكيل حكومة مدنية بالكامل، بعد عامين مما يصفونه بـ “الانقلاب” على الشرعية بحل مجلسي السيادة والوزراء.

المجلس وبعد اجتماع له، أعلن في بيان أنه بعد دراسة مستفيضة أقرّ بالإجماع تصورا بعنوان “نحو عملية سياسية ذات مصداقية وشفافية تُنهي الانقلاب وآثاره وتكمل مهام ثورة ديسمبر“، ومن المفترض أن يوقع “الاتفاق الإطاري” مع المكون العسكري في غضون عشرة أيام، فيما يوقع اتفاق تفصيلي ونهائي بعد حوالي شهر، وهو ما لم يتحقق حتى الآن، حيث قسّم المجلس العملية السياسية الى مرحلتين، تبدأ بمرحلة “اتفاق إطاري” قائم على التفاهمات التي جرت بين “قوى الحرية والتغيير” والمكون العسكري، وأطراف قوى الانتقال الديمقراطي.

تلك التفاهمات تشمل ملاحظات الجيش حول الدستور الانتقالي، إضافة الى أهم القضايا من قبيل وضع إطار دستوري لإقامة سلطة مدنية ديمقراطية انتقالية، فيما تتضمن مرحلة الاتفاق النهائي، بلورة “الاتفاق الإطاري” في أربع قضايا رئيسية بمشاركة شعبية واسعة من أصحاب المصلحة وقوى الثورة.

القضايا الأربعة هي؛ العدالة الانتقالية، وتشمل قضية أُسر الضحايا والمتضررين من انتهاكات حقوق الإنسان منذ عام 1989 وحتى الآن، وثانيا الإصلاح الأمني والعسكري، ويهدف إلى بناء جيش مهني وقومي موحد وفق ترتيبات أمنية متفق عليها.

ثالثا تفكيك نظام الرئيس الأسبق عمر البشير، وحل ما تبقى من هياكل حكم الرئيس المخلوع منذ العام 1989، أما القضية الرابعة تتمثل بـ“اتفاق جوبا لسلام السودان” وإكمال عملية السلام.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.