تكاد لا تهدأ الهجمات والضربات ما بين إسرائيل وأذرع إيران وحلفائها في المنطقة، فلم يمر يومان على الهجوم الأول من نوعه لجماعة “الحوثيين” اليمنية على عمق إسرائيل، حتى وقعت سلسلة من التفجيرات المتزامنة التي استهدفت أجهزة اتصال “البيجر” لعناصر من “حزب الله” أمس الثلاثاء، بالإضافة إلى موجة تفجيرات أجهزة لاسلكية ثانية ضربت عدة مناطق في لبنان، والتي تتهم إسرائيل بتنفيذها، وهو ما يفتح الباب واسعا أمام التساؤلات والتكهنات حول ما يجري خلف الأفنية، وعما إذا كان هذا الاستهداف يمثل بداية تصعيد جديد بين إسرائيل والميلشيات الموالية لإيران، وبالتالي يؤدي إلى حرب شاملة في المنطقة، تبدأ شرارتها في لبنان.

ورغم أن إيران و”حزب الله” كان يتجنب  كل منهما الدخول في حرب مباشرة وشاملة مع إسرائيل، إلا أن التحركات والأنشطة العنيفة للتنظيمات والجماعات الموالية لإيران ضد إسرائيل، أدت إلى قيام الأخيرة بتنفيذ ضربات نوعية ضدهم، وتحديدا ضد قيادات في “حزب الله” وحركة “حماس”. لذلك فإن تفجير أجهزة “البيجر” يبدو أنه قد يجبر الحزب اللبناني على الرد بعد أن اكتفى في السابق برد محسوب على اغتيال قادته العسكريين من الصف الأول والثاني دون تجاوز الخطوط الحمراء.

وبالتالي، ومع حدوث موجة ثانية من الانفجارات في أجهزة الاتصال في لبنان، أصبح احتمال حدوث تصعيد كبير على الجبهة اللبنانية أكثر من أي وقت مضى، خاصة بعد أن أعلنت السلطات الإسرائيلية، أمس الثلاثاء، توسيع أهداف الحرب الحالية في قطاع غزة، لتشمل عودة مواطني الشمال إلى منازلهم القريبة من الحدود مع لبنان، في خطوة يمكن اعتبارها خطوة تمهيدية لنقل الحرب إلى لبنان.

تفجير أجهزة “البيجر” في لبنان

وقعت سلسلة من الانفجارات في عدة مواقع رئيسية تعد معاقل لـ”حزب الله”، بما في ذلك الضاحية الجنوبية لبيروت، ومناطق جنوب لبنان، والبقاع الشرقي.

واستهدفت هذه التفجيرات أجهزة اتصال “البيجر” التابعة لعناصر “حزب الله”، والتي أسفرت عن مقتل 12 قتيلا بينهم طفلان، وإصابة أكثر من 2800 آخرين، بحسب وزير الصحة اللبناني فراس أبيض.

مقتل 3 أشخاص في الموجة الثانية من انفجارات أجهزة الاتصال المحمولة في لبنان- “أ ف ب”

وبحسب ما أكدته وسائل الإعلام، فإن الأجهزة التي انفجرت هي أجهزة الاتصال التي يعتمد عليها عناصر “حزب الله” في التواصل الميداني بعيدا عن الأجهزة المحمولة التي قد تكون عرضة للاختراق الإسرائيلي.

واللافت، أنه لم يمض 24 ساعة على سلسلة هذه التفجيرات، حتى وقعت موجة ثانية من التفجيرات قبل قليل في عدة مناطق في لبنان من الضاحية الجنوبية لبيروت إلى الجنوب مرورا بالبقاع (شرق البلاد).

وأوردت “الوكالة اللبنانية”، أن 3 أشخاص قتلوا في الموجة الثانية من انفجارات أجهزة الاتصال المحمولة في البقاع.

“حزب الله”، الذي يعتبر من أقوى الفصائل المسلحة في المنطقة، والمدعوم من إيران، اضطر منذ فترة لتطوير منظومة اتصالاته الخاصة بعد عدة اختراقات سابقة اتهم فيها “الموساد” الإسرائيلي.

ويحمّل “حزب الله” إسرائيل مسؤولية هذه التفجيرات، وعلى إثره تعهد الحزب مواصلة عملياته العسكرية ضد إسرائيل إسنادا لقطاع غزة، فيما لم تعقب إسرائيل على الحادثة حتى الآن.

وقال مسؤول من “حزب الله” طالبا عدم ذكر اسمه إن انفجار الأجهزة هو “أكبر اختراق أمني” تعرضت له الجماعة خلال الاشتباكات المستمرة مع إسرائيل منذ قرابة عام.

كما  نوّهت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مسؤولين أميركيين مطلعين قولهم إلى أن إسرائيل “نفذت عمليتها” ضد “حزب الله”، الثلاثاء بـ “إخفاء مواد متفجرة داخل دفعة جديدة من أجهزة الاتصال تم استيرادها إلى لبنان”.

وقالت شبكة “سي إن إن” الأميركية، الثلاثاء، إن تفجير الآلاف من أجهزة الاتصالات “البيجر”، تقف وراءه جهتان في إسرائيل، مشيرة إلى أن الاستهداف الذي طال عناصر “حزب الله” في جميع أنحاء لبنان وبعض المناطق في سوريا، كان “نتيجة عملية مشتركة بين جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) والجيش”، ولم تكشف الشبكة تفاصيل أخرى عن مسألة ارتباط إسرائيل بالتفجيرات.

كذلك، كشف 3 مسؤولين أميركيين، في تصريحات لموقع “أكسيوس” الأميركي، أن إسرائيل قررت استهداف أجهزة “البيجر”، خشية اكتشاف الحزب الخطة قبل تنفيذها.

ولفت “أكسيوس” إلى أن الهجوم حدث مع ارتفاع التوترات بين إسرائيل و”حزب الله”، في حين يشعر المسؤولون الأميركيون بقلق كبير بشأن احتمالية اندلاع الحرب بينهما.

وقال مسؤول أميركي إن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، والقادة الإسرائيليين، قرروا استخدام الخطة الآن بدلا من المخاطرة باكتشافها، خصوصا أن عناصر “حزب الله” أثاروا شكوكا في الأيام الأخيرة بشأن أجهزة “البيجر”.

الحادث التصعيدي الأخير في لبنان يكشف عن نذر ميدانية تجعل الوضع مرشحا لجولة مختلفة عن كل ما سبق، وقد يصل إلى حدود تفاقم الأزمة في حال لم يقبل الحزب اللبناني التسوية السياسية المطلوبة.

وبعد ظهر الثلاثاء بالتوقيت المحلي، قبل عدة دقائق من حدوث الانفجارات بلبنان، أبلغ غالانت وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن بأن إسرائيل على وشك شن عملية في لبنان قريبا، لكنه رفض تقديم أي تفاصيل محددة.

ومع ذلك، قال المسؤولون الأميركيون إنهم لم يروا حديث غالانت، بوصفه إشعارا مسبقا، خطيرا، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، للصحافيين يوم الثلاثاء: “لم نكن على دراية بهذه العملية ولم نشارك”.

وقال مسؤولون إسرائيليون وأميركيون إن “حزب الله” يمكن أن يشن هجوما كبيرا ضد إسرائيل للانتقام، أو يمكن ردعه على المدى القصير من خلال احتمال وجود مزيد من الثغرات الأمنية التي لا يعرفها، ويمكن أن تستغلها إسرائيل.

تصعيد خطير

وفي هذا السياق، يرى الخبراء أن حادثة تفجيرات أجهزة اتصال “البيجر”، بالإضافة إلى موجة تفجيرات أخرى في أجهزة اتصال في لبنان قد تكون شرارة لتصعيد جديد وأكبر على الجبهة اللبنانية، يرجح أن يمتد إلى المنطقة، ويحمل في طياته تداعيات وعواقب سلبية جمّة.

مواطنون لبنانيون يتجمهرون أمام قسم الطوارئ في المركز الطبي للجامعة الأميركية- “رويترز”

وما يعزز هذه الفرضية هو تحذير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الأربعاء، من أن تفجير آلاف أجهزة “البيجر” في لبنان قد ينذر بـ”عملية عسكرية كبرى”، وتأكيده أن ثمة وجود خطر جدي لتصعيد دراماتيكي في لبنان. وترافقت تحذيرات غوتيريش مع مواقف دولية محذّرة من انفلات الوضع على الحدود بين إسرائيل و”حزب الله”.

هذا الإضافة إلى وصف المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان، جينين هينيس-بلاسخارت، الانفجارات بأنها “تصعيد مقلق للغاية” في ظل الأوضاع القابلة للاشتعال في المنطقة.

وطالبت جميع الأطراف المعنية بالامتناع عن أي تصعيد إضافي، محذرة من أن المنطقة لا تستطيع تحمل نشوب نزاع أوسع.

وفي سياق متصل، أكد قادة الجيش الإسرائيلي، أثناء اجتماع رفيع المستوى على ضرورة “الحفاظ على اليقظة” والتأهب لأي تطورات جديدة قد تشعل الحدود بين لبنان وإسرائيل.

الحادث التصعيدي الأخير في لبنان يكشف عن نذر ميدانية تجعل الوضع مرشحا لجولة مختلفة عن كل ما سبق، وقد يصل إلى حدود تفاقم الأزمة في حال لم يقبل الحزب اللبناني التسوية السياسية المطلوبة. فالتصعيد الذي يقوده “حزب الله” في الجنوب يتسبب في أزمة بالمستوطنات الشمالية، فضلا عن التهديدات التي تمثلها ذراع طهران الطولى بلبنان على إسرائيل، وبخاصة منذ رهن “جبهة الإسناد” لحساب طهران بناء على رؤيتها السياسية والإقليمية لما يجري منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي.

من ثم، يمكن القول إن ما حدث من هجوم سيبراني على أجهزة الاتصال اللاسلكية بيد عناصر “حزب الله”، وهو خرق نوعي بعد إمكانية ونجاح تفجيرها، لن يكون الأخير إنما هو بداية أو انعطافة جذرية لتحولات قادمة في حال لم يقم الحزب بفك الروابط العضوية التي يصنعها مع غزة، ويجعل من توقف “جبهات الإسناد” ومنها الجبهة الجنوبية في لبنان مقابل وقف الحرب بغزة.

مع رغبة طهران الملتزمة بـ”الصبر الاستراتيجي” وعدم التورط بحرب أوسع من غزة، فكلفة حرب إقليمية أبعد من أهدافها بينما تبحث عن أوراق للتفاوض في اليوم التالي بعد الحرب، فإن إسرائيل تدفع كرات اللهب في عمق شريان “الولي الفقيه” الرئيسي بالشرق الأوسط، لإرغامه على وقف المناورات التكتيكية والاستنزاف المستمر من خلال “حروب الظل”، والاستمرار في التوتير بحسابات “قواعد الاشتباك” الضمنية بين الطرفين. ويبقى خيار الحزب صعبا ومعقدا أمام وضعه الأخير بين قواعده الحزبية والسياسية بل وحلفائه المحليين، ناهيك عن مشاعر الخوف والذعر التي باتت تقض مضاجع حواضن الحزب في مناطق نفوذه.

ويرى خبراء أن التفجيرات ستكون مربكة لقادة “حزب الله” وخططه، وتزيد من مخاوف انكشاف عملياته خاصة بعد أن تم قبل أسابيع قليلة إحباط الهجوم الشامل الذي كان يستعد للقيام به عبر توجيه المئات من الصواريخ إلى مواقع في إسرائيل، وفق تقارير صحفية.

ستواصل الدول الوسيطة جهودا أكبر لمنع اندلاع حرب شاملة، لكن من المرجح جدا أن يحدث تصعيد كبير ومؤقت على الجبهة اللبنانية.

ومن الواضح أن الواقع الميداني سيكون صوب عملية أعمق في الجنوب اللبناني، أو ربما ستكون امتدادا للعمليات النوعية الإسرائيلية ضد “حزب الله”والأذرع الولائية لإيران. وفي كلتا الحالتين، فإن المنطقة تتجه نحو مرحلة ساخنة ستلقي بظلالها على المنطقة ككل.

كما إن سلسلة التفجيرات هذه على أجهزة الاتصالات في لبنان قد تؤدي إلى عمليات ميدانية محددة، خاصة أن “حزب الله” في وضع حرج وعليه الرد حفاظا على قاعدته الشعبية والانتقام لعناصره. لكنها ستواصل توجيه ضربات محدودة ومؤقتة، لأن قرار فتح حرب شاملة مع إسرائيل ليس في يد الحزب، بل في يد إيران التي لا تريد توسيع نطاق الحرب، بل تكتفي باستهدافات محدودة ودون تأثير كبير.

رسالة لـ”حزب الله”

في الإطار ذاته، قال الخبير العسكري هشام جابر إن التفجيرات “رسالة إلى حزب الله تفيد بأنه في حال الحرب الشاملة فإن إسرائيل تملك تقنيات كبيرة”.

وفي إسرائيل بدأ الجيش منذ أيام بسحب قواته الأساسية نحو الشمال مع الاكتفاء بعمليات محدودة في غزة، وهو مؤشر على التهيؤ لرد غير تقليدي في لبنان يتجاوز قواعد الاشتباك المعهودة. وقد يكون “حزب الله” ساعد على إطلاق إشارة توسيع الحرب بعد محاولة اغتيال مسؤول عسكري إسرائيلي سابق، وفق صحيفة “العرب” اللندنية.

يبدو أن طبول الحرب باتت تُقرع، سواء بشكل مباشر أو عبر “حروب الظل”- “أ ف ب”

وأعلن جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي “شاباك” الثلاثاء أنه أحبط مخططا من “حزب الله” لاغتيال مسؤول دفاعي كبير سابق. ولم يكشف عن اسم المسؤول المستهدف.

وأضاف في بيان أنه ضبط جهازا متفجرا متصلا بنظام تفجير عن بُعد كان “حزب الله” يعتزم تفعيله من داخل لبنان باستخدام هاتف محمول وكاميرا، لافتا إلى أن محاولة الهجوم شبيهة بمخطط آخر للحزب تم إحباطه في تل أبيب قبل عام، دون تقديم المزيد من التفاصيل.

في العموم، يبدو أن طبول الحرب باتت تُقرع، سواء بشكل مباشر أو عبر “حروب الظل”، ووسط كل ذلك، وصل وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى مصر، اليوم الأربعاء، وناقش مع الرئيس المصري عبد الفتاح السياسي، مقترحا جديدا بهدف التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة، فضلا عن تأكيد الرئيس السيسي أن القاهرة ترفض أي محاولات لتصعيد الصراع في المنطقة وتوسيع نطاقه، وهو ما يحمل بصيص أمل في أن تتوصل إليه الدول الوسيطة؛ الولايات المتحدة مصر وقطر إلى جانب دول المنطقة، الذين سيعملون بشكل أكبر على منع اندلاع حرب شاملة، لكن من المرجح جدا حدوث تصعيد كبير ومؤقت على الجبهة اللبنانية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة