التفجيرات المتزامنة لمئات أجهزة “بيجر” و”آيكوم” واللاسلكي التي يستخدمها عناصر “حزب الله”، والتي وقعت يومي الثلاثاء والأربعاء في لبنان، واتهمت إسرائيل بتنفيذها، لم تكن حدثا عاديا، بل شكلت حالة من الذعر والصدمة بين اللبنانيين، وبالتالي يثير تساؤلات حول كيفية تنفيذ هذه العملية من الناحية التقنية والتكنولوجية، فضلا عن حجم الضرر الذي تسببه هذه الانفجارات، وأخيرا، كيف تفجر إسرائيل أجهزة “حزب الله” اللاسلكية؟

وتفجيرات يوم أمس الأربعاء طالت أجهزة الـ”ووكي توكي” والنظارات الخاصة بصواريخ “الكورنيت”، ونوّهت وسائل الإعلام إلى أن ضرر تفجيرات الأربعاء على عناصر “حزب الله” أكبر بسبب حجم جهاز الاتصال “الووكي توكي”، فضلا عن قوة انفجار بطارية الليثيوم الموجودة داخل أجهزة “بيجر” اللاسلكية للاتصال، والتي انفجارها مؤذٍ جدا ويؤدي لإصابات كبيرة، أو وفاة الشخص في حال كان على خاصرته، وفقا لخبراء تقنيين تحدثوا لـ”الحل نت”.

حصيلة تفجيرات أجهزة اللاسلكي

في السياق، كشف وزير الصحة اللبناني، فراس الأبيض، اليوم الخميس، أن الحصيلة الإجمالية للقتلى نتيجة تفجيرات اليومين الماضيين، بلغت 37 وآلاف من الجرحى.

وجاء ذلك في تصريحات صحفية للأبيض بالعاصمة بيروت، تعقيبا على التفجيرات التي وقعت يومي الثلاثاء والأربعاء في أجهزة اتصالات لاسلكية “بيجر” و”آيكوم” بمناطق متعددة في لبنان.

من آثار تفجيرات أجهزة الاتصال اللاسلكية في لبنان- “رويترز”

وصرح الوزير اللبناني بارتفاع عدد قتلى انفجارات أجهزة الاتصال اللاسلكية التي وقعت أمس الأربعاء إلى 25، وزيادة عدد الإصابات إلى 608 بينهم 61 بحالة حرجة، وذلك بعد أن كان أفاد بمؤتمر صحفي ظهر اليوم بأن الحصيلة 20 قتيلا فقط.

وجاء هذا الهجوم غداة هجوم مماثل غير مسبوق نسبه “حزب الله” إلى إسرائيل وأوقع 12 قتيلا ونحو ثلاثة آلاف جريح، بينهم 300 بحالة حرجة، بحسب وزارة الصحة اللبنانية، يوم أمس الأربعاء.

هذا وأعلن “حزب الله” اللبناني في وقت سابق من اليوم الأربعاء، مقتل 20 من عناصره جراء موجة الانفجارات التي ضربت الأربعاء أجهزة لاسلكية من نوع “آيكوم” في عدة مناطق بلبنان، وفق “فرانس برس”.

ويحمّل “حزب الله” إسرائيل مسؤولية هذه التفجيرات، وأنها قد اخترقت الأجهزة ومن ثم فجرتها، في حين تلتزم إسرائيل الصمت حيال الأمر. ومن المقرر أن يلقي الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله كلمة عند الساعة 17:00 (الثانية بعد الزوال بتوقيت غرينتش) الخميس، حول ما حصل.

في سياق متصل، أفادت مصادر في شرطة العاصمة السورية، يوم الثلاثاء، بانفجار سيارة على الطريق الواصل بين نفق المواساة ودوار كفرسوسة بدمشق، مشيرة إلى انفجار جهاز لاسلكي داخل السيارة، وتم نقل أربعة أشخاص إلى مشفى المواساة بدمشق، حسب “وكالة الأنباء الألمانية”.

من جهته، أفاد “المرصد السوري لحقوق الإنسان” بوصول عدد من عناصر “حزب الله” اللبناني إلى المستشفيات في دمشق ومحافظة ريف دمشق إثر تعرضهم لإصابات بعد انفجار أجهزة الاتصال، وأشار المرصد إلى إصابة 14 شخصا في سوريا جراء الانفجار.

ما هي الآلية التي تعتمدها إسرائيل لتفجير بطاريات الليثيوم؟

شرح، يحيى صبيح، خبير الأمن الرقمي والمهتم بالأمن السيبراني، لـ”الحل نت” الآلية التي اعتمدت عليها إسرائيل لتفجير مئات أجهزة الاتصالات اللاسلكية التابعة لعناصر “حزب الله” في لبنان وسوريا بشكل متزامن، ويقول: “بناء على آخر المعطيات والبيانات المنشورة في وسائل الإعلام، أن ثمة بطاريات ليثيوم أيون انفجرت في أجهزة الاتصالات اللاسلكية (البيجر)”.

وبالتالي يمكن القول إن الآلية التي استخدمتها إسرائيل، أو سيناريو الهجوم هي أنها أرسلت برمجيات وأوامر أو عددا كبيرا من الرسائل إلى الأجهزة بحيث تكثف من نشاطها ومن ثم ترتفع درجة حرارة المعالج والبطارية، وبالتالي هذا ما يؤدي إلى انفجار واشتعال البطارية التي تفجر كامل الجهاز بدورها، والتي تتسبب بأضرار خطيرة، منها يمكن أن يتسبب بوفاة الشخص  في حال كان على خاصرته أو أمام وجهه، يضيف خبير الأمن الرقمي.

يعتقد صبيح أن هذه الانفجارات حدثت نتيجة اختراق في النظام الأمني لجميع هذه الأجهزة التي انفجرت، أي أن بعض المعلومات المسربة استخدمت تاليا في إرسال برامج وأوامر ضخمة تؤدي إلى تسخين البطارية ومن ثم انفجارها.

خبير الأمن الرقمي، يحيى صبيح لـ”الحل نت”

ولتبسيط الأمر ذكر صبيح مثال بسيط على ذلك وهو جهاز “سامسونغ”، إصدار “جالاكسي نوت “7 الذي كان به مشكلة وهي أنه عندما تسخن البطارية أو تتمدد وبالتالي يحدث ضغط داخل الجهاز ولا توجد مساحة تبريد كافية، فإنه كان يؤدي إلى انفجار البطارية أو اشتعالها.

ومثال آخر، الذي قاله خبير الأمن الرقمي، يحيى صبيح لـ”الحل نت”، إن هناك أشخاصا يركبون أجهزة الكمبيوتر “ديسك توب” ويقومون بكسر سرعة المعالج، وفي هذه الحالة معالج الجهاز يحتاج إلى تبريد عالي، وعندما لا يحصل على التبريد اللازم يحدث انفجار. وبالتالي يمكن القول إن هذا ما فعلته إسرائيل (المتهمة) بتفجير هذه الأجهزة.

وحسبما ذكرت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية، يمكن لبطاريات “الليثيوم أيون” أن تسخن حتى درجة حرارة 60-70 درجة مئوية في حالات الاستخدام المكثف أو الشحن لفترة طويلة، وعندما تتلف البطارية أو يتم شحنها بشكل زائد، فإنها قد تمر بعملية تسمى “الهروب الحراري”، حيث تستمر الحرارة المتولدة بداخلها في رفع درجة الحرارة بشكل لا يمكن السيطرة عليه، مما قد يسبب انفجارا أو اشتعالا مفاجئا.

وقد أظهر مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، يوضح قوة انفجار بطارية الليثيوم الموجودة داخل أجهزة “بيجر” اللاسلكية للاتصال والتي انفجرت مؤخرا بمناطق متفرقة من لبنان.

وبالعودة إلى الصحيفة العبرية، فقد أوضحت أنه “يمكن أن تشتعل بطاريات الليثيوم أيون، التي تستخدم كمصدر للطاقة في الدراجات الكهربائية، أثناء الشحن بشكل رئيسي، وترتبط الآلية التي تسبب ذلك بالحمل الزائد أو التسخين الزائد أو التلف الداخلي للخلايا الكيميائية للبطارية، وعندما يتم شحن البطارية بشكل زائد، قد تبدأ عملية (الهروب الحراري)، حيث تتسبب الحرارة المتولدة في تسارع التفاعلات الكيميائية الداخلية إلى درجة الاشتعال أو الانفجار”.

وفي الماضي، كانت القيود المفروضة في عالم الطيران على جلب الهواتف المحمولة رحلات جوية خوفا من انفجار بطاريات الليثيوم. إذا كانت البطاريات هي التي تحولت بالفعل إلى عبوات ناسفة، فهذا عمل يرفع الوضع إلى مستوى لا يمكن تصوره تقريبا، وفق تقارير صحفية. وحسب “معاريف”، فإن “الدمار الذي لحق بمنظومة اتصالات حزب الله كبير وألحق أضرارا جسدية بعناصره”.

كيف يتم الهجوم؟

تعزيزا لتحليل خبير الأمن الرقمي، يحيى صبيح، فقد نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مصادر مقربة من “حزب الله”، أن بعض الأشخاص شعروا بسخونة الأجهزة وتخلصوا منها قبل أن تنفجر.

ويقول صبيح إن كل هذه الأجهزة التي انفجرت تعمل على مبدأ إرسال الأوامر وتنفيذ المهام للأجهزة. لذلك، يشير صبيح في حديثه الخاص لـ”الحل نت”، إلى أن انفجار هذه الأجهزة اللاسلكية حدث تقنيا، من خلال إعطاء الأوامر لها، وليس من خلال تركيب متفجرات من 2-5 مليغرام على الأجهزة عن طريق اختراق شحنة هذه الأجهزة، كما رجحت بعض الروايات.

ويقدّر صبيح أن هذه الانفجارات حدثت نتيجة اختراق في النظام الأمني لجميع هذه الأجهزة التي انفجرت، أي أن بعض المعلومات المسربة استخدمت تاليا في إرسال برامج وأوامر ضخمة تؤدي إلى تسخين البطارية ومن ثم انفجارها.

وبيّن صبيح أن طريقة انفجار كل جهاز تقريبا تختلف عن الآخر، على سبيل المثال نسبة درجة الحرارة التي وصلت إليها بطارية الجهاز الذي انفجر.

وتحتوي بطاريات الليثيوم دائما على نظام تبريد بداخلها، مما يساعدها على العمل بكفاءة عالية ويمنحها أيضا ”المعالجات” وآليات نظام الجهاز من “الهاردوير” وأن يبقى معدل درجة الحرارة معتدلا. ولذلك فإن الهجوم تم عن طريق رفع درجة حرارة الأجهزة، لكن هذا يبقى تحليلا تقنيا بحتا، إذ لا توجد إجابة قاطعة، والتحقيقات في الأيام المقبلة ستظهر بدقة أكبر كيف حدثت هذه التفجيرات.

ما مدى الضرر الذي تحققه انفجار البطاريات؟

أما الأضرار التي تسببها انفجارات هذه الأجهزة فهي غير معروفة. وكما ذكرنا آنفا فإن طريقة تفجير كل جهاز تختلف عن الآخر في طريقة التفجير وهكذا، يقول صبيح.

وبحسب الأخبار والتسريبات المتداولة، فإن أجهزة النداء اللاسلكية “بيجر” استقبلت رسالة، ولأن شاشة هذه الأجهزة صغيرة، كان على الأشخاص حمل الجهاز أمام وجوههم لرؤية الرسالة وبعد ثوان انفجر الجهاز، مما أدى إلى أضرار خطيرة، طبقا لصبيحن خبير الأمن الرقمي.

ومن المحتمل جدا أن تكون هذه الرسالة رسالة من قراصنة إلى نظام الجهاز تم إرسالها كأوامر أو عمليات معقدة للغاية تؤدي إلى تسخين البطارية، مما يؤدي بدوره إلى عدم تحمل البطارية لهذه الحرارة ويؤدي إلى انفجار فوري، وفق صبيح.

هل يمكن تجنب هكذا هجمات؟

في إطار تجنب الهجوم تقنيا، فهو ببساطة الابتعاد عن الأجهزة الإلكترونية، يقول خبير الأمن الرقمي، يحيى صبيح، ولكنه يشير إلى أنه “لا يمكن معرفة كيفية تجنب مثل هذه الهجمات على الأجهزة دون معرفة التفاصيل الكاملة للاختراق وكيفية وصولهم إلى هذه الأجهزة. ربما قاموا باختراق نوع معين من الأجهزة، ومن غير المعقول أن يقوموا باختراق جميع الأجهزة أو الشبكة بأكملها في لبنان”.

“حتى الآن النظرية الأرجح كانت هي نظرية التبديل، والتي تقول أن أجهزة النداء (البيجر) وأجهزة التواصل الخاص (ووكي توكي) تم التلاعب الفيزيائي بهما أثناء التوريد”.

ويرى صبيح أنه يجب الابتعاد عن الأجهزة الإلكترونية، واستخدام الأجهزة دون كفر، بحيث إذا شعر الشخص بارتفاع في درجة حرارة الجهاز يجب الابتعاد عنه، لكن كل هذه الإجراءات تبقى يدوية وبالتالي لا تفي بالغرض، إذ أن الحماية الكاملة تتحقق من خلال صد الخروقات الأمنية.

ويختتم صبيح حديثه لـ”الحل نت” بالقول: إن الهجمات على الأجهزة اللاسلكية التي حصلت خلال يومي الثلاثاء والأربعاء في لبنان كانت بمثابة اختراق أمني لأنظمة هذه الأجهزة أكثر من كونها هجوما سيبرانيا أو زرع المتفجرات في الأجهزة.

“نظرية وجود دارة مضمنة”

قبل ساعات، تناقلت وسائل الإعلام أن بعض البطاريات انفجرت رغم فصلها عن جهازها اللاسلكي، إن كان ذلك صحيحا بالتالي تثبت نظرية “زرع بطاريات” مشابهة للأصلية أو تعديلها كيميائيا لجعلها أكثر انفجارية، وفق ما يقول، نضال ظريفة، خبير تكنولوجيا الاتصالات.

ولتفعيل الانفجار يبدو أن هناك مع البطارية دارة صغيرة لقصر حمل البطارية وليس عن طريق تسخين الجهاز، والدارة المفترضة هي “دارة رنين” بسيطة تقوم بقصر حمل البطارية عن طريق إرسال تردد محدد تهتز معه الدارة لسحب تيار أعظمي يرفع حرارة البطارية، أضاف نضال ظريفة تحليله حول تفجير أجهزة النداء اللاسلكية على صفحته الشخصية على منصة “فيسبوك“.

إضافة لتحليل خبير الأمن الرقمي، يحيى صبيح، يقول نضال ظريفة: “حتى الآن النظرية الأرجح كانت هي نظرية التبديل، والتي تقول أن أجهزة النداء (البيجر) وأجهزة التواصل الخاص (ووكي توكي) تم التلاعب الفيزيائي بهما أثناء التوريد. لكن بعد ظهور دلالات واضحة أن الشركة المجرية المزودة لأجهزة النداء هي واجهة تجارية فقط لا وجود لموارد بشرية وصناعية واضحة خلفها يمكن أن تقوى نظرية ثانية هي أن زرع البطارية المتفجرة تم أثناء التصنيع (سنسميها نظرية التصنيع) وتوريد الأجهزة إلى لبنان عبر مراحل متعددة من الوساطات التجارية لإخفاء المنشأ”.

التحكم أثناء التصنيع يعطي الإمكانية الكاملة لإخفاء المادة المتفجرة وطريقة تفجيرها سواء كانت بدارة منفصلة تنتظر رسالة بتردد معين من خارج الشبكة أو من خلال زرع برمجية في برنامج الجهاز المدمج ” firmware” بحيث تأتي الرسالة من داخل شبكة الخدمة وتفهمها البرمجية لرفع حرارة الجهاز أو إعطاء أمر مباشر لدارة التفجير.

أجهزة “البيجر”- “أ ف ب”

هنا يظهر السؤال عن انفجار أجهزة التواصل الخاص، ما المشترك في هذه الحالة بين الجهازين؟ إن كانت نظرية التصنيع صحيحة وانطبقت على كلا الجهازين فمعنى ذلك أن لبنان وربما دول أخرى تعجّ بأجهزة مصنعة ذات منشأ مجهول ولا يقتصر ذلك على أجهزة النداء والتواصل الخاص بل كل جهاز إلكتروني تم استيراده من الخارج ولا يمكن التحقق من منشأه الأصلي، من أجهزة السيارات إلى التلفزيونات إلى بطاريات الطاقة الشمسية وغير ذلك. على الأرجح وبشكل عام لا ينطبق ذلك على أجهزة الهاتف المحمول التي عادة منشأها معروف ورقمها التسلسلي التصنيعي واضح، وفق نضال ظريفة، خبير تكنولوجيا الاتصالات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
5 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة