المثير واللافت طوال الوقت أن الجماعات المسلحة والحركات الجهادية رغم إطارها العقائدي المتشدد، والأيديولوجيا التكفيرية التي تعتمد أدبيات راديكالية تتصل بمركزية “أهل السنة” أو “الشيعة الإثني عشرية” في نموذجها الذي اضطلع به الخميني منذ العام 1979، إلا أن تعقب تاريخ التحالفات يكشف عن تهميش الأمر الأخير لحساب المصالح في السياسة والعمليات الميدانية التي تجعل الخصومة الظاهرية ليست محل خلاف أصيل يباعد بين احتمالات التعاون، بل العكس هو الصحيح، حيث إن فرص التعاون والتحالف الوثيق والممتد أكبر من أي نزعات توتر وخصومة، وتظل الجوانب العقيدية مجرد وسيلة للدعاية وجذب أو تعبئة الأفراد والحصول على رعاة وتمويل من جهات ومصادر عديدة، لحساب المنفعة السياسية والإقليمية والأهداف الأمنية والعسكرية.
فالتحالف الذي يتكشف اليوم تلو الآخر بين جماعة “الحوثي” باليمن وتنظيم “القاعدة” الإرهابي، يؤكد هذا المنحى وهو منحى ليس جديدا إنما امتداد لتحالفات مماثلة حدثت بين إيران ومجوعاتها الولائية، من جهة، والقوى السنية التكفيرية المسلحة، من جهة أخرى، سواء في السابق القريب مع “داعش” بالعراق، وتوفير الملاذات الآمنة “للقاعدة” بطهران، أو ما يحدث منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي، بين ما يعرف بـ”جبهات الإسناد” في مناطق نفوذ طهران بالمنطقة وحركة “حماس”. ويظهر من ذلك عمق إدارة النظام الإيراني لعدد لا بأس به من القوى السنية بالمنطقة بصورة علانية في الحرب الدائرة.
تنسيق بين “الحوثي” و”القاعدة”
وبحسب عدة مصادر صحفية، فإن تنسيقا واضحا قبل أيام قليلة برز مع هجمات متزامنة بين تنظيم “القاعدة” والجماعة الحوثية المدعومة من إيران، بدأ من هجوم للأولى من مواقع عسكرية بمحافظة أبين، وقد باغت “الحوثي” المجلس الانتقالي الجنوبي ومواقعه بهجمات أخرى. وتشير صحيفة “العين” الإماراتية، إلى أنه كان آخر هذه الهجمات ليلة الجمعة/السبت، منتصف الشهر الجاري أيلول/سبتمبر، عندما دفع تنظيم “القاعدة” الإرهابي بعناصره للتسلل والهجوم على مواقع عسكرية للقوات الجنوبية في أبين، بحسب ما نقلت الصحيفة عن الناطق العسكري القوات الجنوبية المقدم محمد النقيب، وقال إن “قواتنا في وادي عومران شرقي مديرية مودية شرقي المحافظة، تعرضت لهجوم نفذه عناصر لتنظيم القاعدة الإرهابي، لكنها نجحت في إحباطه على الفور”.
وتابع: “تصدت لهجوم تنظيم القاعدة بصورة فورية ومباشرة عند استهدافه مواقع تنتشر فيها وحدات للحزام الأمني” شرقي المحافظة المطلة على بحر العرب. موضحا أن “هجوم تنظيم القاعدة الإرهابي تزامن مع هجمات برية لجماعة “الحوثي” المدعومة من إيران على جبهاتنا الحدودية وباءت جميعها بالفشل”.
وكان تنظيم “القاعدة” الإرهابي بدأ استعدادات مكثفة بتنسيق مع جماعة “الحوثي” ورفع وتيرة هجماته، أبرزها الشهر الماضي عند هجومه الانتحاري الدامي على موقع للواء الثالث دعم وإسناد في بلدة الفريض مما خلف 16 قتيلا و22 مصابا من الجنود، وفق الصحيفة الإماراتية. فيما أعقب التنظيم الهجوم الانتحاري بهجوم مسلح على المواقع العسكرية، وهجوم على حاجز تفتيش، سقط فيها اثنان من قياداته الميدانية في ذات المحافظة الجنوبية.
وكانت مواقع المجلس الانتقالي تطاولها الاستهدافات العنيفة البرية والمدفعية بمحافظتي لحج والضالع، فضلا عن مناطق حدودية. و”منذ تموز/يوليو أجرت القاعدة استعدادات واسعة بدعم من مليشيات الحوثي لتصعيد أعمالها الإرهابية، انطلاقا من مرتفعات ومناطق بين محافظة البيضاء الخاضعة للحوثيين وعلى حدود محافظتي شبوة وأبين الجنوبيتين”، بحسب “العين”.
بالتالي، تبدو الأوضاع في اليمن داخل حسابات “الحوثي”، بخاصة العداء للمجلس الانتقالي الجنوبي، فضلا عن أجندة أهداف أخرى تتصل بالسيطرة على المناطق الحدودية، وتأمين ممرات الملاحة الدولية وما يتصل بأمن البحر الأحمر وعمقه الجيواستراتيجي، تقرب المسافات بين الجماعة الشيعية بتبعيتها الإيرانية وتنظيم “القاعدة”، والسعي لتكبيد “المجلس الانتقالي” هزيمة فادحة يكون على إثرها استعادة جنوب اليمن.
“تعاون مشبوه”
وسبق لصحيفة “تلغراف” البريطانية أن كشفت عن تعاون بالغ بين الطرفين وصل حد تزويد جماعة “الحوثي” لتنظيم “القاعدة” بالطائرات المسيّرة والصواريخ الحرارية وأجهزة الاستطلاع، فضلا عن الدعم اللوجيستي وغيرها، ثم الإفراج عن شخصيات تابعين للأخيرة من السجون.
وقد أقرت جماعة “الحوثي” إطلاق سراح عناصر إرهابية على علاقة بتنظيم “القاعدة”، غداة إعلان رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي أمام قمة ميونيخ للأمن، امتلاك حكومته أدلة عن تخادم “الحوثيين” مع التنظيمات الإرهابية، وفق تقرير “العربية” قبل نحو عام، بينما أكد رئيس ما تسمى “لجنة الأسرى” في جماعة “الحوثي” عبد القادر المرتضى في تغريدة على حسابه على منصة “إكس/تويتر”، أن جماعته أجرت “عملية تبادل للأسرى” مع تنظيم “القاعدة” في شبوة اليمنية. وقال إنه إثر هذه العملية تم الإفراج عن ثلاثة من عناصر “الحوثيين” في مقابل “أسيرين تم أسرهما في جبهات البيضاء”.
إيران تلعب مؤخرا من خلال الحماية التي توفرها للقواعد السنية على “وتر تصعيد العناصر والقوى التي لا تمانع في التعاون المشترك، وذلك ما حدث في انتخابات الإخوان بالأردن والجناح الذي تم تصعيده، وسبق الأمر ذاته في لبنان مع “الجماعة الإسلامية” فرع إخوان لبنان.
الباحث المصري، سامح مهدي لـ”الحل نت”
بالعودة إلى تقرير الصحيفة البريطانية المنشور في أيار/ مايو الماضي، طرح اسم أبو أسامة الدياني، المعروف بصلاته بتنظيم “القاعدة” وزعيمها السابق خالد باطرفي، بأنه الجسر الذي تتواصل عليه العلاقة بين الطرفين والسبيل للحصول على السلاح وتنسيق التعاون الأمني والعسكري، بخاصة في ما يتصل بتزامن الهجمات على المجلس بجنوب اليمن.
يشير الباحث المصري المختص في الشؤون الإقليمية والدولية، سامح مهدي، إلى أن اليمن بطبيعته القبلية والاجتماعية والدينية المذهبية، فضلا عن الاعتبارات الديمغرافية وتشابكها مع الجغرافيا الصعبة المعقدة، يجعله مساحة شديدة الالتباس في أي تحالفات تجري، لافتا لـ”الحل نت” إلى أن الجماعة الحوثية المدعومة من إيران هي تنتمي للزيدية التي هي تختلف عن الشيعة الإثني عشرية بإيران سواء على المستوى العقائدي أو التاريخي، لكن السياسي طغى على أي اعتبارات أخرى، وذلك ما يفسر البراغماتية التي تحكم العلاقة الأخيرة مع “القاعدة”.
ويقول مهدي لـ”الحل نت” إن إيران تلعب مؤخرا من خلال الحماية التي توفرها للقواعد السنية على “وتر تصعيد العناصر والقوى التي لا تمانع في التعاون المشترك، وذلك ما حدث في انتخابات الإخوان بالأردن والجناح الذي تم تصعيده، وسبق الأمر ذاته في لبنان مع “الجماعة الإسلامية” فرع إخوان لبنان، والشاهد من كل ذلك هو امتلاك أوراق تفرضها على التنظيمات التي يتقاطع وجودها في مناطق نفوذها أو التي لها مصلحة مشتركة فيها. فالزعيم الحالي “للقاعدة سعد العولقي تقول مصادر عديدة إنه جاء بتوصية من زعيم القاعدة سيف العدل الذي وفرت له ملاذا آمنا”.
إيران تستثمر بـ”القاعدة” في اليمن
وفي النصف الثاني من آذار/ مارس الماضي، ذكرت “العربية” “توفي خالد محمد زيدان، نجل الأمير الفعلي لتنظيم “القاعدة” الإرهابي محمد صلاح الدين زيدان المعروف بسيف العدل، نقلا عن موقع “أنباء جاسم” اليمني. وأشارت المصادر، إلى أن الصريح كان يعمل ضمن لجنة الإعلام في تنظيم “القاعدة” بجزيرة العرب، نظرا لعدم أهليته للأمور العسكرية والقيادية.
وكان خالد زيدان قد وصل إلى اليمن في العام 2015م وهو في سن الـ20 من عمره، بعد أن اختار الهجرة إلى اليمن ضمن اتفاق بين القيادة العامة للتنظيم والاستخبارات الإيرانية، المعروفة رسميا بوزارة الاستخبارات والأمن الوطني، وقام حينها فيلق القدس بتولي عملية النقل البحري”.
إذاً، كانت البيئة مواتية لتطور العلاقة بين تنظيم “القاعدة” في جزيرة العرب و”الحوثيين”، ومثّلت إيران (حليفة الحوثيين) نموذجا لمثل هذه العلاقة على ضوء خبرتها الطويلة في التعامل مع تنظيم “القاعدة”، حيث أتاحت استخدام أراضيها كممرّ للعديد من قيادات “القاعدة” المتنقلين من وإلى أفغانستان، وفق “مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية”.
ويردف المركز: “ظهرت أولى بوادر التعاون بين الجانبين مع إطلاق سراح عدد من عناصر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب من سجون الحوثيين مقابل إفراج السلطات الحوثية عن الملحق الإداري بالسفارة الإيرانية في صنعاء نور أحمد نيكبخت والذي اختطفه تنظيم القاعدة في صنعاء عام 2013. ووفقا لمصادر مقربة من فرع التنظيم في اليمن، فقد تم ترتيب الصفقة بدعم من الحكومة الإيرانية وسيف العدل. هناك أيضا شكوك بأن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب كان يبيع النفط لقوات الحوثيين حين كان الأول يسيطر على المكلا في 2015/ 2016 – وهي مزاعم أطلقها تنظيم الدولة الإسلامية في ذلك الوقت ولعبت دورا في توتر العلاقات بين التنظيمين”.
- هجمات متزامنة بين “الحوثي” و”القاعدة” باليمن.. أبعد من مجرد تحالفات مشبوهة
- انفجار جرأة نسرين طافش في سهرة ساخنة: رقص وغناء يشعل السوشيال ميديا
- بعد حادثة “البيجر”.. هل يمكن اختراق أجهزتنا وتفـجيـ.رها؟
- تفجيرات “البيجر”.. نذير بتصعيد على الجبهة اللبنانية وتوقف لاستراتيجية إيران الاستنزافية
- شاهد بالفيديو.. انفجارات جديدة بأجهزة اتصالات لاسلكية في لبنان
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.