بعد إصدار الرئيس السوري بشار الأسد، أمس الاثنين، مرسوما سمى بموجبه وزراء الحكومة الجديدة، التي يرأسها محمد غازي الجلالي، تتوجه الأسئلة نحو الوزراء الجُدد الذين دخلوا مجلس الوزراء لأول مرة، حول ما يمكن أن يقدمونه في المستقبل القريب.

وزراء جدد دخلوا إلى الحكومة، لكن الجلالي احتفظ بـ 10 وزراء، أبرزهم الداخلية والدفاع، بينما شهدت الحكومة إلغاء منصب وزير شؤون رئاسة الجمهورية الذي كان يشغله منصور عزام، وتخفيض عدد وزراء الدولة من ثلاثة إلى اثنين.

لكن هذه الحكومة طغى عليها الطابع السياسي، على عكس الدعوات، إذ كانت طموحات السوريين، أن تتضمن الحكومة الجديدة، شخصيات اقتصادية، تتماشى مع الوضع الاقتصادي الحالي، الذي وصل إلى مستويات غير مسبوقة.  

الملف الاقتصادي

ملفات ضخمة أثقلت كاهل السوريين تنتظر حلولا منذ سنوات، أبرزها الاقتصاد والمحروقات، اللذان ألقيا بثقلهما على جميع مناحي الحياة في السنوات الأخيرة، ووصل الفقر إلى مستويات غير مسبوقة.

وزارة المالية السورية - انترنت
وزارة المالية السورية – انترنت

لكن هذه الحكومة، لم تأتِ بجديد إلى السوريين في الحقائب الاقتصادية سوى وزير المالية رياض عبد الرؤوف، والذي جاء خلفاً لـ كنان ياغي، ووزير الاقتصاد والتجارة الخارجية محمد ربيع قلعه جي، لكن هذا لا يدل على التوجّه إلى إحداث التغيير المأمول لإنقاذ البلاد من الانزلاق أكثر من ذلك اقتصاديا وانهيار الليرة السورية، وارتفاع التضخم. إذ إن الشخصيات التي تولت الحقائب الوزارية سياسية ولا تمتلك رؤى اقتصادية، على عكس ما كان مأمولاً.

 ففي عام 2023، انخفضت قيمة الليرة السورية انخفاضاً كبيراً بنسبة 141 بالمئة مقابل الدولار الأميركي، وفي الوقت نفسه تشير التقديرات إلى أن تضخم أسعار المستهلكين ارتفع بنسبة 93 بالمئة وقد تفاقم هذا الوضع بسبب خفض الدعم الذي تقدمه الحكومة، وفق تقريرٍ للبنك الدولي.

التقرير الذي صُدر بعنوان “تفاقم الانكماش في معدلات النمو وتدهور رفاه الأُسر السورية” في أيار/مايو الماضي، توقّع أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في سوريا بنسبة 1.5 بالمئة العام الحالي. في حين تشير تقديرات إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي لسوريا بنسبة تقدر بـ 60 بالمئة منذ عام 2011.

ويبلغ الحد الأدنى للأجور في سوريا نحو 280 ألف ليرة سورية (19 دولارا أميركيا)، بينما يتراوح متوسط الرواتب والأجور في القطاع العام بعد الزيادة الأخيرة في شباط/فبراير الماضي، بين 375 و400 ألف ليرة (بين 25- 27 دولارا)، في حين يُقدر أن العائلة المكوّنة من 5 أفراد تحتاج إلى نحو 8 ملايين ليرة سورية شهريا، لتغطية تكاليف الغذاء بالحد الأدنى.

ناهيك عن ارتفاع الأسعار في سوريا بنسبة 80 بالمئة، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، ما أدى إلى زيادة الضغوط الاقتصادية على الأُسر السورية، وفق برنامج الأغذية العالمي، بينما احتلت المرتبة السادسة عالميا من حيث انعدام الأمن الغذائي الحاد.

بالنسبة لـ قلعه جي، فقد تولى سابقا رئاسة لجنة الموازنة والحسابات خلال فترته البرلمانية، إذ أعلن تأييده رفع الدعم الكامل عن كافة الشرائح، بشرط أن يوزّع نقداً على المواطنين بموجب إحصائية دقيقة لعدد أفراد الأسرة.

وتسلمت حكومة الجلالي مهامها في ظل معاناة البلاد من أزمة محروقاتٍ حادة، والتي تبعتها أزمة مواصلات خانقة، وموجة ارتفاع أسعار، لم تسلم منها المنتجات المحلية بأنواعها كافة، وسط وعودٍ من حكومة حسين عرنوس بحل الأزمة، لتصبح هذه المهام موكلة إلى لؤي عماد المنجد الذي أصبح وزيراً للتجارة الداخلية وحماية المستهلك، بعد أن كان وزيراً للشؤون الاجتماعية والعمل.

ماذا عن الخارجية؟

من بين الوزراء الجدد الذين دخلوا الحكومة، وزير الخارجية والمغتربين، بسام صباغ والذي جاء خلفا لفيصل مقداد، إذ تم تسميته نائبا لرئيس الجمهورية، مفوّضا إيّاه بـ”متابعة تنفيذ السياسة الخارجية والإعلامية في إطار توجيهات رئيس الجمهورية”.

السفير بسام صباغ يؤدي اليمين الدستورية أمام الرئيس بشار الأسد نائبا لوزير الخارجية والمغتربين 2023 - انترنت
السفير بسام صباغ يؤدي اليمين الدستورية أمام الرئيس بشار الأسد نائبا لوزير الخارجية والمغتربين 2023 – انترنت

في ظل هذا الوقت تحديدا، حيث تنشط التحركات الدبلوماسية باتجاه دمشق، مع عودة بعض سفارات الدول العربية إلى سوريا، كان آخرها السفارة السعودية، إضافة إلى تحرك دول أوروبية مؤخرا، تم تعيين الصباغ وزيرا للخارجية والمغتربين، كونه يتمتع بحنكة عالية، إذ تتلمذ على يد وزير الخارجية الأسبق وليد المعلم، قبل أن يتم تعيينه نائبا للمقداد في آب/أغسطس 2023.

هذه المهمة ستكون من نصيب وزارة الخارجية، التي تتلقى، بلا شك، توجيهات من الأسد ونائبه المقداد، بشكل مباشر، حيث تظهر سيرة الصباغ الذاتية، أنه كان يجري تجهيزه لتولي مهام هذه المرحلة.

كما شغل موقع مستشار سياسي في البعثة الدائمة لسوريا لدى الأمم المتحدة في نيويورك من عام 2001 إلى 2006، ليُعيّن بعدها مدير إدارة في مكتب وزير الخارجية، وليد المعلم، إلى عام 2010، ليعين بعدها ممّثلا دائما لسوريا لدى مكتب الأمم المتحدة في فيينا، وسفير دمشق لدى النمسا وسلوفاكيا وسلوفينيا إلى 2020، قبل أن يشغل منصب مندوب سوريا الدائم لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية “اليونيدو”، ومكتب الأمم المتحدة المختص بالمخدرات والجريمة.

كما شغل الصباغ منصب المندوب الدائم لسوريا لدى منظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” في لاهاي بهولندا، قبل أن يتولى منصب المندوب الدائم لدى الأمم المتحدة في 2020.

الصباغ من مواليد مدينة حلب 1969، حاصل على إجازة من المعهد العالي للعلوم السياسية عام 1990، وكان مسؤول مكتب في وزارة الخارجية بين عامي  1994 و 1995، لينتقل بعدها إلى واشنطن حيث شغل منصب سكرتير ثانٍ بالسفارة السورية من عام 1995 إلى 2000، بينما عُيّن مديراً في مكتب نائب وزير الخارجية من عام 2000 إلى 2001.

شخصيات تكنوقراط

إضافة إلى الصباغ، فقد جرى تعيين شخصيات تكنوقراط في حكومة الجلالي، إذ حلَّ وزير الإعلام زياد غصن، خلفا لبطرس حلاق. وغصن، هو صحفي وشغل منصب رئيس القسم الاقتصادي في صحيفة “تشرين” المحلية حتى عام 2008 وساهم في تحرير عدد من الصحف والمطبوعات الاقتصادية.

مبنى رئاسة مجلس الوزراء في دمشق - انترنت
مبنى رئاسة مجلس الوزراء في دمشق – انترنت

واستلم غصن منصب مدير “مؤسسة الوحدة للطباعة والنشر” في شباط/فبراير 2012 حتى كانون الثاني/يناير 2020. وشغل منصب رئيس تحرير “جريدة تشرين” بين عامي 2011 و2012 ومدير تحرير “صحيفة الخبر”. وعمل سابقا بعدة صحف عربية آخرها جريدة “الأخبار اللبنانية”، وفق ما ذكر موقع “سناك سوري” المحلي.

وعرف بتوجيه انتقادات للسياسات الاقتصادية للحكومات السابقة، إذ كان يهتم على نحو خاص بالتقارير المتعلقة بالوضع الاقتصادي في البلاد.

إضافة لغصن، فقد جرى تعيين شخصيات تكنوقراط أيضا في حكومة الجلالي، مثل وزير الكهرباء سنجار طعمة، الذي تم تعيينه معاون الوزير لشؤون تنظيم قطاع الكهرباء عام 2021، وأثار الجدل بتصريحاته حول ضرورة ترشيد الطاقة الكهربائية، ووزير التعليم العالي بسام حسن، الذي تولى رئاسة “جامعة تشرين” بين عامي 2018 و2024.

أما لؤي خريطة، فقد عُيّن وزيراً للإدارة المحلية والبيئة، خلفا لـ لمياء شكور، إذ إن خريطة شغل مناصب عدة في وزارة الإدارة المحلية، قبل أن يُعيّن محافظا لـ درعا في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، حيث تعرض لمحاولتي اغتيال، كان آخرها في 4 من أيلول/سبتمبر الحالي.

ولم يخرج محمد سامر خليل من التشكيلة الحكومية الجديدة لكن موقعه تغيّر من وزير للاقتصاد والتجارة الخارجية إلى وزير للصناعة في حكومة الجلالي خلفا لـ عبد القادر جوخدار، حيث دخل خليل إلى الحكومة عام 2017، بعد أن كان معاونا لوزير الاقتصاد والتجارة الخارجية.

التغييرات في الحكومة شملت أيضا أحمد ضميرية وزيرا للصحة، ومعتز قطان وزيرا للموارد المائية، وفايز المقداد وزيراً للزراعة والإصلاح الزراعي، وسمر السباعي وزيرة للشؤون الاجتماعية والعمل، وحمزة علي وزيرا للأشغال العامة والإسكان، وأحمد هدلة وزير دولة.

وجاءت وزير الدولة السابقة في حكومة عرنوس، ديالا بركات، لتخلف في وزارة الثقافة لبانة مشوح التي تعرّضت لعاصفة من الانتقادات في الفترة الأخيرة على خلفية تأجير قلعة دمشق لحفل زفاف لرجل أعمال سوري.

ومن المنتظر أن تُدلي الحكومة ببيان أمام “مجلس الشعب”، بحسب المادة 76 من الدستور، التي توجب على رئيس الحكومة بعد تشكيل وزارته أن يتقدّم ببيان إلى “مجلس الشعب”. يُفترض أن يتضمن السياسة الاقتصادية التي تعتزم الحكومة ممارستها وتحوز ثقة المجلس بموجبه، إذ يلقي الدستور على الحكومة بموجب المادة ذاتها تنفيذ بيانها المذكور المتضمن هذه السياسة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة