تتصاعد العمليات الإرهابية في عدة مناطق بإفريقيا، وتواصل الجماعات الجهادية المسلحة هجماتها، وآخرها ما قام به إسلاميون في بوركينا فاسو، حيث تستهدف المدنيين فضلا عن المسيحيين في أثناء أداء طقوسهم الدينية، مثلما حدث بكنيسة قرية إيساكاني الشمالية الشرقية، ناهيك عن ممارسات وحشية متمثلة في قطع الأعناق، وذلك ما وثقه تقرير منظمة “هيومان رايتس ووتش” الأميركية، موضحا أن الهجمات والجرائم تبدو انتقامية لنشر الرعب في صفوف الأفراد والمجتمعات التي ابتعدت عن الانضمام لهم، أو اتهمت بالتواطؤ مع الحكومات المحلية.
وفي التقرير الصادر عن المنظمة الأممية المعنية بحقوق الإنسان، قبل أيام، ألمح إلى ضلوع أعضاء تنظيم “القاعدة” الإرهابي في هجمات مروعة، كما حدث في منطقتي سيندو وأوت باسينز، في 11 حزيران/ يونيو الماضي.
التنظيمات الإرهابية تتمدد بـ بوركينا فاسو
ونقلت “هيومان رايتس ووتش” عن شهود عيان قولهم إن الجهاديين تنقلوا من منزل إلى آخر، وأرغموا المواطنين على الخروج ثم بدأوا في تنفيذ عمليات القتل بحق الذين اتهمومهم بالتعاون مع الجيش.
ولاحظت المنظمة الأممية تنامي الاعتداءات بحق المدنيين ووصفتها بـ”المميتة”، وقد قضى في سبع هجمات خلال النصف الأول من العام الحالي 128 مدنيا، مع العلم أن 6 هجمات أعلن تنظيم “القاعدة” مسؤوليته عنها.
تمثل بوركينا فاسو ميدانا لنشاط الجماعات الجهادية التي تهدد مناطق الساحل وغرب إفريقيا، واللافت وفق مراقبين إلى أن الهجمات الإرهابية التي تطاول الأماكن الدينية إنما هو يقع ضمن استراتيجية تلك التنظيمات المتشددة والمسلحة والتي تستغل السيولة الأمنية وضعف الهياكل الحكومية، وتصر على دق الأسافين بين المكونات الطائفية والدينية بغرض تقويض مساحات التسامح والتعايش المشترك بين المسلم والمسيحي، وتلغي أي إمكانية لإدارة التعدد الديني، وبدلا من ذلك تنفجر الحوادث الطائفية الدموية وتشتعل موجات العداء التي تستفيد منها الجماعات الإرهابية بالتمدد وتعبئة عناصر جدد، وإيجاد بيئة مواتية لنشر خطابها. ولهذا تتكرر حوادث الاعتداء على المساجد والكنائس لإحداث التوترات.
وقد سبق لمراقبين أن اعتبروا دول الساحل وبوركينا فاسو تعاني من وضع يجعلها في حالة طوارئ مستمرة، في ظل استمرار الهجمات المباغتة والعنيفة التي تراكم ضحايا بالمئات في صفوف المدنيين، لدرجة أن السلطات الأمنية شددت في بوركينا فاسو مطلع الأسبوع على عدم استثناء السيارات التابعة لجهات دبلوماسية فضلا عن عربات نقل الموتى وسيارات الإسعاف من التفتيش الأمني حتى يتسنى لهم التأكد من عدم استعمالها في أعمال إرهابية قسرا من قبل تنظيمي “داعش” و”القاعدة” الإرهابيين.
وبحسب صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية، فإن دول الساحل الثلاث، تؤشر إلى ارتفاع خطر الإرهاب وأنه لا يزال يتصاعد، وتنقل عن منظمة “أكليد”، التي ترصد ضحايا النزاعات حول العالم، قولها بأن نحو 1500 مدني وعسكري قُتلوا في هجمات إرهابية خلال العام الماضي في النيجر وحدها، مقارنة بـ650 بين تموز/يوليو 2022 و2023.
بوركينا فاسو في مرمى الإرهابيين
وتشير تقارير منظمات دولية أخرى، إلى أن عام 2024 الحالي، مرشح بقوة لأن يكون العام الأكثر دموية في بوركينا فاسو، منذ بداية الهجمات الإرهابية عام 2015، في هذا البلد الإفريقي الفقير والهش.
ويمكن القول إن من بين أسباب انتشار الإرهاب وارتكاز المنظمات الإرهابية في بوركينا فاسو، ليس فقط ضعف بنى وهياكل الدولة، وانحسار المؤسسات الأمنية، بل هو كل ذلك ويضاف لها، وقوع هذا البلد الإفريقي بين مالي والنيجر وكل منهما يعاني الوضع ذاته سياسيا وأمنيا، ما يفاقم من مسببات الضعف، وقدرة التنظيمات الإرهابية على التغلغل بالعمق في البلد الواقع بين الساحل وغرب إفريقيا.
قضى ربع ضحايا الإرهاب على مستوى العالم في بوركينا فاسو وتعد منطقة الساحل أحد أبرز المناطق التي تئن من العمليات الإرهابية لا سيما بالمثلث الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو.
تقرير لـ”مؤشر الإرهاب العالمي”
وقد دان أعضاء “مجلس الأمن الدولي”، بأشد العبارات، الهجمات الإرهابية الشنيعة التي أسفرت عن خسائر في أرواح المدنيين، على مدى الأشهر الماضية، في بوركينا فاسو، بما في ذلك الهجوم الذي وقع في بلدة بارسالوغو في 24 آب/أغسطس 2024، والذي أعلنت جماعة مسلحة تابعة لتنظيم القاعدة تُعرف باسم “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” مسؤوليتها عنه.
وأعرب أعضاء المجلس في بيان، نهاية الشهر الماضي آب/ أغسطس، عن خالص تعازيهم وتعاطفهم مع أسر الضحايا والسلطات الانتقالية وشعب بوركينا فاسو، وتمنوا الشفاء العاجل والكامل للمصابين. وأكدوا أن الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره يشكل أحد أخطر التهديدات للسلم والأمن الدوليين، مشددين على ضرورة تقديم مرتكبي ومنظمي وممولي ورعاة هذه الأعمال الإرهابية المشينة إلى العدالة.
وحثوا جميع الدول على التصرف وفقا لالتزاماتها بموجب القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة. وأعرب أعضاء مجلس الأمن عن قلقهم إزاء الوضع الأمني في بوركينا فاسو والبعد العابر للحدود الوطنية للتهديد الإرهابي في منطقة الساحل. وأكدوا أن أي أعمال إرهابية هي أعمال إجرامية وغير مبررة، بغض النظر عن دوافعها، وأينما ومتى وأيا كان مرتكبوها.
وشدد أعضاء المجلس على ضرورة أن تحارب جميع الدول بكل الوسائل، وفقا لميثاق الأمم المتحدة والالتزامات الأخرى بموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي لحقوق الإنسان وقانون اللاجئين الدولي والقانون الإنساني الدولي، التهديدات التي تواجه السلام والأمن الدوليين الناجمة عن الأعمال الإرهابية.
إذاً، نحن بصدد تفشي ظاهرة الإرهاب رغم انحسار هيمنتها التي ارتفعت مع “دولة الخلافة” المزعومة لتنظيم “داعش” الإرهابي بين عامي 2015 و2019، وانتهت بهزيمة آخر جيب لهم بالباغوز على يد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بشمال شرقي سوريا، بل إن تفشي الإرهاب له طبيعة مختلفة عما سبق ويعتمد على تكتيكات متباينة تجعل ضحايا العنف والجريمة تتضاعف رغم انخفاض عدد الهجمات الإرهابية، والتي أمست أكثر أكثر تركيزا.
وبحسب مؤشر الإرهاب العالمي، فقد قضى ربع ضحايا الإرهاب على مستوى العالم في بوركينا فاسو وتعد منطقة الساحل أحد أبرز المناطق التي تئن من العمليات الإرهابية لا سيما بالمثلث الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو.
“فاغنر” الروسية أحد عوامل صعود الإرهابيين
وثمة عوامل ضاعفت من ارتفاع مؤشر الإرهاب بالساحل، منها الفراغ الذي تسبب فيه انسحاب القوات الفرنسية عام 2022، وساهم ملء قوات “فاغنر” الروسية للفراغ بتقويض الأمن وهي متهمة بأعمال وحشية وجرائم بحق المدنيين، ثم بعد عام إنهاء بعثة الأمم المتحدة لمهمتها. وصل ضحايا العمليات الإرهابية لـ8352 ليسجل زيادة بنحو 22 بالمئة عن العام الماضي.
تنظيم “جبهة نصرة الإسلام والمسلمين” في منطقة الساحل جنوب الصحراء، أشار تقرير “مؤشر الإرهاب العالمي” إلى كونه مسؤولا للمرة الأولى عن سقوط أكثر من ألف ضحية منذ بداية نشاطه وتأسيسه عام 2017 من تنظيمات سلفية جهادية أبرزها “جماعة أنصار الدين” و”المرابطين” و”القاعدة في المغرب الإسلامي”.
وينشط التنظيم في عدة دول مثل بوركينافاسو والنيجر ومالي وتشاد وموريتانيا، ولكنه يتمتع بحضور خاص في بوركينافاسو، حيث يقدر التقرير بأن نحو 40 بالمئة من مساحة البلاد غير الخاضعة لسلطة الحكومة تقع على الأرجح تحت سلطة هذا التنظيم.
وبالمثل فإن نحو 50 بالمئة من هجمات هذا التنظيم وقعت في بوركينافاسو بينما وقعت 25 بالمئة منها في مالي، بما يوحي بأن التنظيم يخطط لتوسيع نشاطه في دول الجوار في الفترة القادمة، كما جاء في دراسة لـ”مركز الأهرام” للدراسات السياسية والاستراتيجية. جاءت بوركينافاسو في المركز الأول بعد أن حافظت على مرتبة متقدمة في هذا التصنيف خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة.
ويعزو التقرير ذلك إلى تأثرها بعاملين معا، الصراع المسلح والإرهاب وليس عامل الإرهاب وحده، فالبلاد تشهد صراعا بين القوات الحكومية والإرهابيين، وهؤلاء ينقسمون فيما بينهم بين موالين لتنظيم “جبهة نصرة الإسلام والمسلمين” وبين تنظيم “داعش”.
كما أن سلطة القوات الحكومة المتراخية قد أدت إلى تغلغل النشاط الإرهابي خاصة في الأقاليم الحدودية المحاذية لمالي والنيجر، بما ينذر بالمزيد من التصعيد والانتشار في النشاط الإرهابي فيها وفي دول الجوار، مما جعل مالي تحتل الترتيب الثالث والنيجر في الترتيب العاشر لهذه القائمة.
ويبدو تقدم مالي للمركز الثالث هذا العام بعد أن كانت في المركز الرابع العام السابق منطقيا، كما احتفظت النيجر بالمركز العاشر للعام الثاني على التوالي. ويعتبر التقرير أن انتشار الإرهاب في مالي منشأه الأساسي عدم استقرار الحكم المدني وتكرار الانقلابات ورحيل القوات الفرنسية والأممية العاملة فيها لمكافحة الإرهاب، وكان العداء لهذه القوات الوقود الأساسي للتجنيد من جانب التنظيمات الإرهابية وخاصة “جبهة نصرة الإسلام والمسلمين”.
- بوابات النار في مثلث دول الساحل الإفريقي.. ما علاقة تنظيمي “داعش” و”القاعدة”؟
- خروج الحقيقة للعلن.. كيت وينسليت تكشف سر مشهد الباب في “تيتانيك”
- “حزب الله” لن يوسع رقعة الحرب ومعركة الحساب المفتوح “أكذوبة”
- إيران تتوسط في محادثات لإرسال صواريخ روسية لـ”الحوثيين”
- مريم الجندي تكشف: إسعاد يونس أنقذتني من الموت!
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.