الهجوم الذي شنته إسرائيل على لبنان قبل عدة أيام، فضلا عن اغتيال زعيم “حزب الله”، حسن نصرالله -وهو الاغتيال الذي وُصف بأنه “سيغير مسار الشرق الأوسط”- يبعث برسالة مفادها أن إسرائيل تريد كسر، أو بالأحرى إنهاء هيمنة الحزب على جنوب لبنان، فقد قالتها إسرائيل بوضوح وصراحة، على لسان وزير خارجيتها، يسرائيل كاتس، حين قال إن الوضع الوحيد المقبول لوقف إطلاق النار هو أن يُدفع “حزب الله” بعيدا عن حدود إسرائيل، ويبقى شمال نهر الليطاني منزوع السلاح، وأن التنفيذ الكامل لجميع قرارات مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، بشأن لبنان سيؤدي إلى وقف إطلاق النار.
وما يعزز هذه الفرضية هو تأكيد رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي أن بلاده مستمرة في الجهود الدبلوماسية لوقف إطلاق النار، مشيرا إلى أن لبنان مستعد لتطبيق القرار 1701 وإرسال الجيش اللبناني إلى منطقة جنوب الليطاني.
وما يثير الانتباه أيضا، ما قاله ميقاتي اليوم الاثنين، بعد محادثات مع رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، إن لبنان سيعقد جلسة للبرلمان لانتخاب رئيس جديد فور إقرار وقف إطلاق النار في الصراع بين “حزب الله” وإسرائيل.
لبنان مستعد لتطبيق القرار 1701
أثناء إلقاء نائب الأمين العام لـ”حزب الله” نعيم قاسم كلمة اليوم الاثنين، ردد فيها شعارات حول تماسك الحزب رغم الضربات المدمرة التي يتعرض لها، فضلا عن إطلاق توعيدات وتهديدات ضد الجانب الإسرائيلي، رغم أنه معروف بأن “حزب الله” غير قادر على الصمود أمام القدرات الإسرائيلية، قال رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي، الاثنين، إن لبنان مستعد لتطبيق القرار 1701 وإرسال الجيش اللبناني إلى منطقة جنوب الليطاني.
وأردف ميقاتي، في مؤتمر صحافي بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري، “نقبل كل الهبات وأكدنا على أن تستلم الأمم المتحدة للمساعدات حتى تقوم بتوزيعها على كل اللبنانيين”.
وأكد ميقاتي، وفق وسائل الإعلام، أن الحكومة تقوم بدورها مشيرا إلى تأكيد بري عن دعمه للحكومة في اتخذا القرارات المناسبة لتجاوز أي عراقيل.
وتابع: “أكد لي الرئيس بري إنه فور وقف إطلاق النار سيتم دعوة مجلس النواب لانتخاب رئيس توافقي، وليس رئيس تحدي لأحد”.
وفي وقت سابق من يوم أمس الأحد، نقل وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، رسالة إلى أكثر من 25 من نظرائه مفادها أن إسرائيل “لن توافق على وقف إطلاق النار في لبنان”، دون عدد من الشروط، وفق ما أوردته هيئة البث العام الإسرائيلية.
وبحسب الهيئة الإسرائيلية، فإن الدول التي تلقت الرسالة تشمل ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وكندا. وتقول الهيئة إن الوزراء المشاركين في المحادثات بشأن هدنة محتملة تلقوا الرسالة نفسها أيضا.
ويقول كاتس إن الوضع الوحيد المقبول لوقف إطلاق النار هو أن يُدفع “حزب الله” بعيدا عن حدود إسرائيل، ويبقى شمال نهر الليطاني منزوع السلاح. وأضاف كاتس: “التنفيذ الكامل لجميع قرارات مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، بشأن لبنان سيؤدي إلى وقف إطلاق النار… وما لم يحدث هذا، فستواصل إسرائيل إجراءاتها؛ لضمان أمن مواطنيها، وعودة سكان الشمال إلى ديارهم”.
كسر هيمنة “حزب الله” على جنوب لبنان
في الأثناء، شدد رئيس الوزراء اللبناني السابق فؤاد السنيورة خلال مقابلة خاصة مع “العربية/ الحدث” أن على الحكومة اللبنانية تحمل المسؤولية كاملة في البلاد وليس “حزب الله” الذي يتحكم في القرار بلبنان وهو خارج السلطة.
وفي المقابل، قال محمد جواد ظريف، نائب الرئيس الإيراني إن أعلى المستويات القيادية “ستأخذ القرار”، في حين أرسل نواب البرلمان الإيراني حزمة من المقترحات إلى مجلس الأمن القومي لتحديد الإجراء الذي تتخذه طهران.
إن إسرائيل تريد بعملياتها الأخيرة فرض تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 الذي اعتمد بعد حرب 2006 بين إسرائيل والحزب، ودعا إلى منطقة خالية من سلاح الحزب ومقاتليه بين خط الحدود ونهر الليطاني جنوبي لبنان.
ووسط تململ إيران عن الرد على إسرائيل، بإصدار البيانات والتهديدات، التي لم ولن ينفذ يبدو، خاصة عندما قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إن “حزب الله لا يستطيع البقاء بمفرده في مواجهة إسرائيل”، فإن ذلك يكشف المواقف والحوادث العملية لغياب أي دعم إيراني، سياسي أو ميداني، بل ووجود ممانعة من أطراف بالنظام الإيراني تجاه حدوث الدعم.
تمثل تصفية إسرائيل لزعيم “حزب الله”، حسن نصرالله محطة تاريخية غيرت كل موازين القوى في الشمال كما توعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بذلك، وهذا التصعيد الإسرائيلي المكثف والنوعي يلتمس حواف النهاية، ويذهب بكافة الأطراف إلى مستوى المواجهة المباشرة، بهدف تغيير تكتيكات ومناورات إيران ووكلائها وميلشياتها، وعدم وقوف إسرائيل إلى جانب الخط الدفاعي والاعتماد على ما تحدده خطوط النار من الجانب الشمالي، بل إن العكس تماما هو الصائب.
وما يعزز سيناريو سعي إسرائيل لإنهاء هيمنة “حزب الله”، عسكريا وسياسيا، في جنوب لبنان، واستبداله بسلطة الحكومة اللبنانية، هو ما قاله مسؤولون أميركيون سابقون وخبراء لصحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية، حيث أشاروا إلى أن هدف تل أبيب “تحييد” الحزب، وليس تدميره.
ويرى ديفيد شنكر، مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون الشرق الأدنى، أن الهدف الأساسي لتحرك إسرائيل الأخير هو تمكين نحو 70 ألفا من مواطنيها من العودة إلى منازلهم في الشمال، بعدما فروا منها تحت وطأة ضربات “حزب الله” منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
وأوضح شنكر أن هذه الخطوات هدفها “تحييد التهديد… وليس احتلال الأراضي اللبنانية مرة أخرى، بل ضمان أن قوات (حزب الله) لم تعد في وضع يسمح لها بمحاولة غزو إسرائيل والاستيلاء على أراضٍ واحتجاز رهائن”، كما فعلت حركة “حماس” في غلاف غزة في السابع من أكتوبر الماضي.
وأشار شنكر إلى أن “هذا على وجه التحديد ما حاول فعله المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين الذي اقترح أيضا ترسيم النقاط الحدودية المتنازع عليها بين إسرائيل ولبنان، وإنهاء التحليق الإسرائيلي فوق لبنان”.
“ضرورة ترسيم الحدود”
من ناحيته يقول مايكل روبن، من معهد “اميركان إنتربرايز” في واشنطن، إن إسرائيل تريد بعملياتها الأخيرة فرض تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 الذي اعتمد بعد حرب 2006 بين إسرائيل والحزب، ودعا إلى منطقة خالية من سلاح الحزب ومقاتليه بين خط الحدود ونهر الليطاني جنوبي لبنان.
ويرى ديفيد داود، الباحث في “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات” في واشنطن، أن هدف العمليات الإسرائيلية الأخيرة “ليس فقط استعادة الهدوء في الشمال، بل بالإضافة إلى ذلك حث الحزب على الانسحاب لمسافة كافية من الحدود لتحييد تهديد قذائفه أو توغل قواته، على غرار ما حدث في 7 أكتوبر”.
في العموم، يبدو أن إسرائيل لن تتراجع عن عملياتها العسكرية، بل وستتدخل بريا إذا تطلب الأمر، كي تحقق هدفها، ونزع منطقة الجنوب اللبناني من هيمنة “حزب الله”، فقد ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، بدا أنه يلمح، اليوم الاثنين، إلى عملية برية محتملة ضد الحزب في لبنان.
ونقلت عدة وسائل إعلام عن غالانت قوله لقوات من سلاح المدرعات بالقرب من الحدود اللبنانية “القضاء على نصرالله خطوة مهمة لكنها ليست النهاية. لإعادة سكان الشمال بأمان إلى منازلهم، سنقوم بتفعيل كل قدراتنا، بما في ذلك أنتم”.
وتابع “نحن نثق في قدرتكم على إنجاز أي شيء”. وأضاف “أقول هنا لرجال الاحتياط والرجال النظاميين – كل ما يجب القيام به سيتم فعله، هدفنا هو إعادة سكان الشمال إلى منازلهم، ولتحقيق ذلك سنكون مستعدين لبذل كل الجهود”.
وأردف “هذه هي مهمتكم، وهذه هي مهمة جيش الدفاع الإسرائيلي وهذا ما سنفعله وسنستخدم كل ما هو ضروري، قواتكم والقوات الأخرى من الجو والبحر والبر”.
هذا وقالت وزارة الصحة اللبنانية إن أكثر من ألف لبناني قتلوا وأصيب ستة آلاف خلال الأسبوعين الماضيين، دون أن تحدد عدد المدنيين بينهم. وقالت الحكومة إن مليون شخص، أي ما يعادل خُمس السكان، نزحوا من منازلهم.
وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، إن أكثر من مئة ألف شخص عبروا من لبنان إلى سوريا منذ تصاعد الصراع بين إسرائيل و”حزب الله” هذا الشهر.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.