منذ بدء مسار التطبيع بين دمشق وأنقرة، حاولت الأخيرة تجاهل الدور الإيراني في سوريا، خوفا على ما يبدو من أي جهود إيرانية معطّلة للعمليات السياسية، واتجهت بدلا من ذلك إلى روسيا ما أفضى لعقد شراكة روسية تركية بشأن الملف السوري.

بيد أن النفوذ المتزايد في سوريا، وموقف إيران غير المباشر برفض أي مسارات سياسية في سوريا لا تكون شريكا أساسيا فيه، أجبر أنقرة على قبول انخراط إيران في عمليات عودة العلاقات مع دمشق، ما قد يشكل تهديدا للشراكة الروسية التركية في سوريا.

دخول إيران على مسار التطبيع جاء بالتأكيد بعدم رغبة تركية، خاصة وأن جميع الأطراف باتت تنظر لإيران كعنصر معطل في الجهود والمسارات السياسية، إذ إن إيران لن تسمح بالتأكيد لأي مسار أن يؤثر سلبا على نفوذها في سوريا تزامنا مع تزايد التصعيد ضد الخصوم الإقليميين، فكيف سيؤثر الدور الإيراني على الشراكة التركية الروسية.

إيران تقتحم الشراكة الروسية التركية

من بوابة “أستانا” سعت إيران إلى اقتحام الشراكة الروسية التركية، التي حاولت تهميش طهران، التي بدورها لا تريد اتفاقيات ثنائية خارج “أستانا”، كونها قد تحمل بنودا تتعارض مع مصالحها، فضلا عن إدراكها أن دور روسيا في الوساطة بين أنقرة ودمشق، قد يكون بمثابة “اتفاقية ثنائية”، تُبعد إيران من الطاولة الثلاثية.

تأكيد بدء مشاركة إيران في مسار عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق، جاء على لسان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ما يدل على توتر يسود أجواء الكواليس بين إيران وتركيا، إذ إن دخول طهران إلى هذه الدائرة كان بموافقة الجميع لكن لا يبدو أنه برغبة حقيقية منهم.

أنقرة كانت تفضل خلال الأشهر الماضية التعامل مع روسيا فقط كوسيط للتقارب مع دمشق لكنها أدركت مؤخرا أنه لا يمكنها إغفال الدور الإيراني الذي يزداد نفوذا في سوريا، وما يدل على أن دخول إيران إلى مسار التطبيع جاء فقط لإرضائها، وأن الدور الإيراني لن يفيد جهود عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق، التي كانت تسير خطوة وراء خطوة بمساعدة الجانب الروسي.

أما لافروف فبرر دخول إيران المتأخر إلى مسار التطبيع، بأن الأخيرة هي أحد الأطراف الثلاثة في مسار “أستانا”، بالتالي من المنطقي مشاركتها في الاتصالات القادمة حول تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا، إذ اعتبر لافروف خلال مؤتمر صحفي بموسكو نقلت مضمونه صحيفة “الشرق الأوسط”، أنه “من المنطق مشاركة إيران في الاتصالات المخصصة لعودة العلاقات بين أنقرة ودمشق، بالتالي مشاركة جميع أطراف أستانا”.

دور إيران المعطِّل

الباحث السياسي المختص بالشأن الإيراني مصطفى النعيمي، رأى أن إيران هددت بشكل غير مباشر بتعطيل أي اتفاق روسي تركي في الملف السوري باستخدام قدراتها العسكرية في البلاد إذا تم تهميشها، مشيرا إلى أن جميع الأطراف تنظر إلى إيران كونها عنصرا معّطلا لأي اتفاق أو حل سياسي مستقبلي في سوريا.

النعيمي قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “أنا أرى بأن التموضع الإيراني في سوريا قد انتقل من مرحلة الميليشيات إلى الجيوش، وبالتالي ترغب طهران بفرض حضورها من خلال القدرات العسكرية البرية التي تتمتع بها وذلك من خلال شرعنة النظام السوري لوجودها وستكون عاملا معطّلا لأي اتفاق روسي تركي لما يخص الملف السوري”.

خلافات عديدة قد تظهر خلال الفترة القادمة بين إيران وتركيا في المسارات السياسية في سوريا بعد مشاركة طهران، خاصة وأن أنقرة تريد الوصول إلى تعديل على اتفاقية “أضنة” بما يخص قدرتها على التوغل إلى داخل الأراضي السورية لمتابعة من تصفهم بـ “الإرهابيين” إلى عمق 30 كم، هذا ما قد يهدد مناطق تموضع الميليشيات الإيرانية في الشمال السوري.

خلال الفترة القادمة على الرغم من أن إيران لم تعلن بشكل مباشر رفض عمليات التطبيع، لكن كان موقفها يظهر من خلال تصريحات المسؤولين في دمشق، وكان أبرز ما طالبت به دمشق كشرط للاستمرار في محادثات التطبيع، خروج القوات التركية من الداخل السوري كخطوة استباقية ومبادرة حسن نية، الطلب الذي تجاهلته أنقرة.

حول ذلك أضاف النعيمي، “أنقرة لا يمكنها تحقيق ذلك وسط الاتفاقيات التي أبرمتها سواء مع الجانب الروسي أو الأميركي بخصوص تواجدها العسكري في سوريا، لذلك أعتقد أن ملف خروج تركيا من سوريا يتطلب جهودا دولية لحل المسألة السورية بشكل كامل نظرا للحجم الكبير من اللاجئين الذين سيتدفقون صوب الأراضي التركية ومنها إلى أوروبا بعد دخول القوات السورية، وما سيشكّلونه من أعباء جديدة على الاتحاد الأوروبي وبالتالي أمام تلك التوافقات والمناكفات، لا أرى أي متغير في مناطق النفوذ الدولية في سوريا، ولكن هذا لا يعني أن المنطقة ستنعم بالهدوء خاصة وأن إيران ما زالت موجودة عسكريا بشكل كبير وفي محاور استراتيجية هامة”.

قد يهمك: بعد انخفاض إيرادات النفط.. إلى أين يتجه الاقتصاد الروسي؟

النعيمي لفت إلى أن هناك العديد من التجارب المشتركة بين أطراف أستانا، “تشير إلى أن إيران ستلجأ إلى التصعيد العسكري البري في حال عدم تحقيق رغباتها، خصوصا وأن الدور الروسي المنشغل في حربه بأوكرانيا ربما أتاح لإيران بعض الوقت ومنحها مزيدا من حرية التحرك في سوريا، انطلاقا من ملء الفراغ الروسي”.

إيران جزء من الحل؟

النعيمي ختم حديثه بالقول، “لا أرى أن بمقدور إيران أن تكون جزءا من الحل بل أراها اليوم تمثل لكافة الأطراف عنصرا معطّلا لأي حل مستقبلي في سوريا، وأتوقع تنامي دور إيران في الملف السوري، بعد الزخم من التصريحات والتهديدات الإيرانية في حال تجاوزها في أي مسار سياسيا كان أم عسكريا، حيث تحاول الحفاظ على المكتسبات واستثمار نقاطها العسكرية والأمنية كمحطة ارتكاز تمارس من خلالها تقويض الأمن المحلي والإقليمي والدولي من أجل رفع سقف مطالبها في مسار المباحثات النووية”.

إيران تسعى كذلك لأن تكون جزءا من هذا المسار، لأن نجاح عودة العلاقات التركية مع حكومة دمشق، قد يمهّد الطريق أمام العديد من دول المنطقة للتطبيع مع دمشق، خاصة دول الخليج التي تهدف من خلال عودة علاقاتها مع سوريا إلى تحجيم النفوذ الإيراني في البلاد، في إطار مواجهتها مشاريع إيران العدائية في الشرق الأوسط.

بحسب مختصين تحدثوا لـ”الحل نت”، فإن إيران تريد أن تكون جزءا من أي كعكة تخص سوريا، ولذلك قد تدفع هذه التطورات الجديدة، لتنفيذ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أول زيارة إلى سوريا منذ عام 2011، لإظهار التأثير في أي مسار مُقبِل.

بالمقابل فإن تركيا بعد اضطرارها لإشراك إيران، يبدو أنها أصبحت الحلقة الأضعف في مسار التطبيع مع دمشق، فهي التي تريد التقدم في هذا الملف قبل الانتخابات الرئاسية لديها، وتبحث عن إرضاء كافة الأطراف الفاعلة.

تركيا ضمنت ربما عدم التصعيد الإيراني أو عرقلة جهود عودة العلاقات مع دمشق بعد إشراك طهران، لكن يبدو أن هذا الدخول سيعيد حسابات الشراكة الروسية التركية التي بدأت مؤخرا، وهدفها ليس فقط إنجاح عملية التطبيع بل فتح مسارات سياسية عديدة في سوريا، خاصة مع تعليق الجهود الأممية للوصول إلى حل سياسي في سوريا، فكيف سيتم التعامل مع ردات الفعل الإيرانية في هذا الصدد.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة