في ظل تداول تقارير وأخبار عن مطالب دولية وعربية لتخلي دمشق عن طهران وإنهاء نفوذها في سوريا، بدأت إيران بإرسال وفود، سياسية وعسكرية، إلى العاصمة السورية، للقاء مسؤولين هناك، بغرض إضفاء طابع يشير إلى تثبيت وجود سوريا ضمن ما يعرف بـ “محور المقاومة”.

إذ زار وزير الدفاع الإيراني العميد عزيز نصير زاده، دمشق، بناء على دعوة من نظيره السوري، حيث التقى زاده، أمس الأحد، الرئيس السوري، بشار الأسد، وبحثا قضايا تتعلق بالدفاع والأمن في المنطقة.

وجاءت زيارة زاده، بعد نقل كبير مستشاري المرشد الإيراني وعضو “مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران”، علي لاريجاني، رسالة إلى الأسد، الخميس الفائت.

ما هي الرسائل؟

لم تختلف أجندة زيارتي المسؤولين الإيرانيين إلى سوريا، فكلاهما حمل رسالة من المرشد الإيراني، علي خامنئي، والتقيا بالأسد في دمشق، ومسؤولين آخرين، على رأسهم، رئيس مكتب الأمن الوطني السوري، اللواء كفاح ملحم.

في تصريح له عقب وصوله مطار دمشق الدولي، أعلن الوزير الإيراني، أن زيارته إلى دمشق “تمت بناءً على دعوة رسمية من وزير الدفاع السوري، علي عباس، بهدف عقد لقاءات مع المسؤولين السياسيين والعسكريين والتباحث في عدة مسائل مشتركة بين الدولتين وخاصة في مجال الدفاع والأمن”.

واعتبر “نصير زاده” أنّ سوريا داعم أساسي في محور المقاومة، وأن إيران مستعدة لتقديم كل وسائل الدعم للدولة الصديقة، بناء على توصيات المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي.

زيارة زاده إلى دمشق كان باهتة، إذ لم تعلن وسائل الإعلام السورية الرسمية على هذه الزيارة إلا بعد ساعات من وصوله، وهو ما يشير إلى عدم الرغبة السورية بهذه الزيارات الرسمية في هذا التوقيت الحرج.

الباحث المختص في الشأن الإيراني، مصطفى النعيمي، يرى في حيث لـ “الحل نت”، أن الرسائل التي وُجهت إلى دمشق تفيد بضرورة بقائهم ضمن محور إيران، وإلا سيكونون هدفاً مشتركاً لكلا الجانبين، الاسرائيلي والإيراني.

ويرى أن الزيارات الإيرانية العسكرية إلى دمشق ستتكثف في الفترة القادمة، والسبب الرئيسي في ذلك أن طهران تعتقد أن وجودها في سوريا يعتبر من أهم النقاط الاستراتيجية.

إيران تستطيع الضغط على المنظومة الدولية بما يخص ملفاتها التفاوضية، لا سيما استثمارها لمقاربة الأوراق التفاوضية في ملفات، النووي والبالستي والمسيرات، والتي من خلالها تضغط على المنظومة الدولية بعامل الزمن للوصول إلى إنتاج القنبلة النووية كهدف إيراني واضح المعالم، بحسب النعيمي.

تخشى طهران من انعطافٍ أميركي جديد في ظل صعود دونالد ترامب الى السلطة مجدداً، لذلك تحاول التواصل مجددا مع الوكالة خشية أن يستثمر ترامب الضغط على المنظومة الدولية لاستصدار قوانين جديدة للعقوبات بحق إيران ضمن مشروع “سناب باك” للعقوبات ضد طهران، الذي يتيح للولايات المتحدة فرض حزم من العقوبات في آنٍ معاً، بحسب النعيمي.

ولم تُشر التصريحات الرسمية إلى فحوى الرسالة الإيرانية، إذ قالت وكالة “سانا” السورية، إن الأسد بحث مع زاده قضايا تتعلق بالدفاع والأمن في المنطقة، وتعزيز التعاون بين البلدين لمواجهة الإرهاب وتفكيك بنيته بما يخدم استقرار المنطقة وأمنها.

وأضافت أن الأسد أكد أن القضاء على الإرهاب مسؤولية إقليمية ودولية لأن أخطاره تهدد شعوب العالم كلها.

لاريجاني مهّد لزيارة زاده؟

الواضح أنَّ زيارة لاريجاني إلى دمشق، الخميس الفائت، كانت تمهيدية لقدوم وزير دفاع بلاده، عزيز نصير زاده، حيث تحمل هذه الزيارات عدّة أبعاد في ظل التصعيد الإسرائيلي في المنطقة، والتخوف الإيراني من عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، إذ بدأت طهران بوضع مسارات المرحلة المقبلة لتجنب التصعيد على أراضيها.

الترجيحات تشير إلى أن لاريجاني حمل رسالة إلى الأسد تطلب السماح للميليشيات الإيرانية بفتح جبهة محدودة على إسرائيل من الأراضي السورية، الأمر الذي ترفضه دمشق ومن خلفها موسكو، حيث قدِم زاده للحصول على ردٍ بهذا الخصوص.

عقب الزيارة رفض لاريجاني الكشف عن فحوى الرسالة، لكنه أشار إلى أن الشيء الهم في رسم الشرق الأوسط الجديد هو الميدان، بحسب ما نقله موقع “تايناك” الإيراني، إذ قال إنّ وجوده في سوريا ولبنان هو لدعم هذه البلدان ومقاومتها، زاعماً أنّ “وزير الخارجية الأميركي السابق كان يبحث عن شرق أوسط جديد لكن في النهاية فشل بعد أن أنفقوا الكثير من الأموال”، وفق وصفه.

واكتفى لاريجاني بالقول: “إنّه عرض الرسائل عليهم والإجابة معهم وهم الآن يتحققون من الإجابة، وإنّ “إيران تحترم قرارات وآراء أصدقائها، ومن غير اللائق الكشف عن فحوى الرسالة”.

الباحث، مصطفى النعيمي يرى أن إيران ستمارس ضغوطها القصوى على دمشق، من أجل زجها في المعركة، من حيث استثمار نقاطها العسكرية ومراكز القيادة والسيطرة والقوى العسكرية البرية، إضافة إلى الدفاعات الجوية في الاشتباك مع الجانب الاسرائيلي لكنها حتماً ستُدمَّر من خلال تل أبيب.

ويقابل ذلك “الى أين سيمضي النظام السوري بعد تقليص قدرته العسكرية من خلال استثمارها ايرانيا واستهدافها إسرائيليا”، وفق النعيمي، مشيراً إلى أن دمشق لن تنخرط بشكل مباشر في العمليات البرية ضدّ أي توغل إسرائيلي.

هل يتخلى الأسد عن طهران؟

هذه الزيارات تأتي في وقت زادت فيه تل أبيب من وتيرة استهداف الأراضي السورية في الأيام الأخيرة الماضية، إضافة إلى تداول أخبار وتقارير تشير إلى مغريات عربية لدمشق مقابل التخلي عن إيران وما يعرف بـ “محور المقاومة”.

تقرير لـ “الحل نت” كشف عن إغراءات لإضعاف الوجود الإيراني في سوريا، وعدم الانجرار إلى الحرب، ناهيك عن قطع طرق إمداد “حزب الله” عبر سوريا، إذ تتمثل بـ تخفيف العقوبات، ودخول قوى إقليمية في مسألة إعادة الإعمار، ووعود بشأن أن يكون ملف اللاجئين بسوريا “طوق النجاة” الذي يقرب بينه وبين الغرب، وفق مصدر سياسي مطلع.

كل تلك المحاولات والحوافز التي “قُدمت للنظام السوري لن تجبره على تغيير موقفه”، من حيث التحالفات الاستراتيجية مع إيران واتفاقيات الدفاع المشترك التي أُبرمت منذ عام 2019 وحتى هذه اللحظة، وفق الباحث، مصطفى النعيمي.

ويضيف: “لكن بنفس التوقيت سيكون هدفاً اسرائيلياً في حال بقائه ضمن محور إيران، وبنفس التوقيت فيما لو حاول الخروج من العباءة الإيرانية سيكون هدفا ايرانياً والمشروع الاسرائيلي سيبقى يستهدفه”.

الواضح أن إيران تدرك خطر تقديم مغريات للأسد للخروج من محورها، إذ بدأت بالهرولة إلى دمشق للتأكيد على استمرارها، إذ قال الوزير الإيراني إن “العلاقات الإيرانية-السورية متنامية، وندعم بعضنا بعضا في الظروف الحساسة”.

وبحسب الوزير، فإنه “بناءً على توصيات قائد الثورة، نحن مستعدون لدعم هذا البلد الصديق والشريك الاستراتيجي، وندرس سبل تطويره”، وفق وصفه.

خيارات طهران أصبحت تتقلص تدريجياً، نظراً لأنها تعاني من أزمات مركبة، سواء على صعيد الاقتصاد أو على الصعيد العسكري، لا سيما بعد الضربات التي وُجهت الى العمق الايراني عبر سلاح الجو الإسرائيلي.

وبناء على ذلك يرى النعيمي، أن إيران ستُجبر على التخلي عن تلك المكتسبات لكن عملية الإجبار ستتخللها مزيدا من الضربات، وليس عبر التفاهمات السياسية، وبالتالي ستخسر إيران تلك الساحة في المرحلة القادمة؛ نظرا لأنها لم تدرك حجم التهديدات الإسرائيلية والأمريكية المتعاقبة بخصوص أنشطتها المزعزعة للأمن الاقليمي والدولي وارتداداتها على المنطقة العربية والعالم أجمع.

إذاً، الزيارات الإيرانية المتلاحقة إلى سوريا، يمكن وصفها بأنها استعراضية من جهة، وتوجيه رسائل بأن طهران تتمسك بدمشق وبيروت، إذ إن ذلك يعد لعبا في الوقت بدل الضائع في حال كان الأسد اتخذ قراراً بالعزوف عن إيران والبدء بمرحلة سياسية جديدة، تبدأ بإنهاء “حزب الله” في لبنان وكف يد إيران عن المنطقة، في ظل ما تعانيه طهران من أزمات وضبابية المشهد بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض مجدداً.

• إسرائيل تتخوف من “الواقع الجديد” في سوريا.. ماذا تخطط؟
• بعد شهر من التحرير.. كيف يرى رجال الأعمال الأوضاع في دمشق؟
• خاص لـ”الحل نت”: إيطاليا تستعد لافتتاح سفارتها في دمشق
• “تريند أبو عمر” يتسبب بوفيات في المسجد الأموي بدمشق
• ما خطط الإدارة الجديدة بسوريا لإنهاء الاحتكارات والإتاوات وضبط الأسعار؟