مع تطور الأحداث الميدانية في حلب إثر وقوعها تحت سيطرة فصائل “المعارضة السورية” المتحالفة مع “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقا)، عاود الوضع في سوريا من جديد إلى دائرة التجاذب بين القوى الإقليمية والدولية، حيث تتسارع التصريحات التي تفصح عن محاولات عديدة لبدء جولة من المفاوضات وإعادة ترسيم حدود النفوذ والمصالح في ظل التغيير الذي شهده المتغير الأخير وخروج حلب من سيطرة الحكومة في دمشق. 

وقد أعقبت زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى دمشق ولقاء بشار الأسد، جولة مماثلة في أنقرة ولقاء نظيره التركي هاكان فيدان، ليؤكد في عبارة مقتضبة “دعم بلاده للحكومة السورية” في مواجهة “الفصائل السورية المسلحة”. 

وتأتي تصريحات وزيري خارجية تركيا وإيران بالتزامن مع طلب الحكومة السورية جلسة طارئة لمجلس الأمن يوم غد الثلاثاء لمناقشة التصعيد الحالي.

خلافات بشأن سوريا

وتؤشر التصريحات المقتضبة والفضفاضة من الجانبين على أن ما يبدو ظاهريا لا يتطابق مع الحقائق، حيث إن الخلافات تباعد بين الطرفين، في التناقضات السياسية بينهما، ففي حين أكدت طهران وأنقرة على التصدي للفصائل، وأن لا تكون سوريا ساحة بؤرة لنشاط “الجماعات الإرهابية”، فإن تفسير هذا الحديث سياسيا وبشكل عملي على أرض الواقع لا يؤدي إلى تطابق في المواقف، لا سيما أن الفصائل في حلب مدعومة من أنقرة، ولا يصنفها “الجانب التركي” بالإرهابية، كما رفض الأخير الاتهام الإيراني للفصائل بأنها تنسق مع إسرائيل وأميركا. 

وزير الخارجية الإيراني يلتقي نظيره التركي- “وكالة مهر” الإيرانية

واتفق الجانبان على التداعيات الكبيرة للأحداث على الوضع الإقليمي، ودول المنطقة، وأكد هاكان فيدان أن الموقف الإيراني بخصوص “اتفاق أستانا” متماهي مع أنقرة.

وقال وزير الخارجية التركي: “لا نريد أن تزداد حدة الحرب الأهلية في سوريا، أو أن تُدمر المدن ويُقتل المدنيون، ولا أن يُجبر الناس في سوريا على النزوح مرة أخرى والهجرة”، وفق وسائل الإعلام.

تتواجه أنقرة وطهران تلك المرة بشكل مباشر في الملف السوري، حيث إن تقدم الجانب التركي وتعزيز نفوذه عبر فصائله في الشمال السوري، يقلص من حصة طهران ووكلائها، ويفرض تبعات تبدو انقلابية لدى طهران التي تتفاقم عمليات تهميشها وإضعاف وجودها الإقليمي الذي راكمته خلال العقد الماضي مع دعمها المتواصل للرئيس السوري، بشار الأسد، ولم تتوان عن الإلحاح بخصوص النفقات الهائلة التي تكبدتها في الحرب السورية، بل ومطالبة الأسد بها، المرة تلو الأخرى.

ومن ثم، فإن توقيت الأحداث يبدو حساسا ودقيقا بعد التطورات كافة التي جرت منذ وقف إطلاق النار بين “حزب الله” وإسرائيل، والوضع الهش والمتداعي الذي تعاني منه الميلشيات الإيرانية في لبنان. 

تركيا “المستفيدة” وموسكو “تغض الطرف”

بالتالي، فإن استكمال الدائرة على طهران في سوريا وتقويض نفوذها، يضاعف من فاتورة الهزيمة، ويجعلها في وضع مرتبك إقليميا لا سيما في علاقتها مع حليفها الروسي الذي غض طرفه عن الهجوم في حلب، ووصول فصائل “المعارضة السورية”، والأمر ذاته بالنسبة للطرف التركي والذي يبدو مستفيدا من تحريك الملف السوري لجهة تحقيق أفق التفاوض المطلوب والذي سبق للرئيس رجب طيب أردوغان الإلحاح على طلب التعاون والتطبيع بين البلدين ومناقشة بعض القضايا مثل إعادة اللاجئين، لكن الأسد اشترط الخروج من المناطق التي تسيطر عليها القوات التركية قبل بدء أي مفاوضات أو القبول بأي “تطبيع”. 

صحيح أن موسكو شكلت غطاء عسكريا لوصول قوات الجيش السوري أو بالأحرى استعادة سيطرتها على حلب نهاية عام 2016، لكن يبدو أنها لم تبد أي موقف عسكري تجاه التطورات الأخيرة منذ الأربعاء الماضي، وما تزال النتائج مأساوية على الناحية الإنسانية، وقد تضاعفت حصيلة القتلى لنحو 450، على الأقل، منهم 61 مدنيا، وفق “المرصد السوري لحقوق الإنسان: في تقريره اليوم الاثنين.

بالعودة إلى لقاء فيدان وعراقجي، كان لافتا رفض الوزير التركي تحميل المعارضة نتائج ما جرى، لافتا إلى أن مقاربة الأزمة بالتدخلات الخارجية وحده “خطأ”، وأوضح أن “عملية أستانا ساهمت في وقف النزاعات، لكن السبب الرئيسي للصراع هو المشكلات التي لم يتم حلها في سوريا على مدار 13 عاما. انخراط النظام في العملية السياسية كان خطأ”. 

وتابع: “نحن في تركيا ندعم، وسنواصل دعم، الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، ونؤكد أهمية التوصل إلى استقرار حقيقي في البلاد. لا نريد تصعيد الحرب الأهلية. لا نريد تدمير المدن ولا تهجير السكان. على العكس، من المهم للغاية وقف تدفق اللاجئين والعمل على عودتهم”.

خلافات “واضحة”

وفي ما يبدو أن الطرف التركي لا يقف على الأرضية ذاتها مع نظيره الإيراني بشأن تفسير “الجماعات الإرهابية”، رغم تباين المصالح بشأن فصائل المعارضة في حلب والتي هي أقرب لأنقرة منها لإيران، لكن أنقرة ألمحت إلى توافق “على مواجهة الإرهاب، سواء ضد تنظيم PKK أو امتداداته”، ذلك ما يجعل اللقاء بينهما يحمل كثيرا من الالتفاف والمناورة، ويؤكد على أن ثمة تكرار لمواقف عامة وتقليدية من الأزمة السورية من دون تخصيص للمتغير الأخير، حيث تسعى أنقرة إلى أن تظل السيولة الأمنية والعسكرية قائمة مع كسب الوقف لتحقيق الأهداف المطلوبة عبر الضغط على “الأسد”.

عناصر من “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقا) في حلب- “رويترز”

فيما ذكر فيدان: “أجرينا تقييما شاملا للأحداث خلال السنوات الثلاث عشرة الماضية وناقشنا الخطوات التي يمكن اتخاذها في المرحلة المقبلة. كان وقف الحرب الأهلية من خلال عملية أستانا انجازا كبيرا. لعبت تركيا وروسيا وإيران دورا كبيرا في هذا النجاح. واتبع النظام والمعارضة هذا الإطار. وأكد رئيسنا أن الحل يجب أن يكون من خلال الحوار”. 

ثم طالب بضرورة أن تكون هناك قناة تواصل بين المعارضة والحكومة في دمشق موضحا أن “التطورات الأخيرة تؤكد الحاجة إلى حل وسط بين الأطراف السورية. نحن مستعدون للمساهمة في تسهيل هذا الحوار إذا تطلب الأمر”.

وإلى ذلك أكد عراقجي التوافق بخصوص عدم إهدار مكتسبات اتفاق “أستانا”، مؤكدا أن “حالة عدم الاستقرار في سوريا تُلحق ضررا بالشعب السوري واقتصاده. يجب ألا تتحول سوريا إلى مركز للجماعات الإرهابية، سواء كانت تكفيرية أو غير تكفيرية”. 

وأردف: “بصفتنا دولا مجاورة، يجب أن نتخذ خطوات فعالة وسريعة لمنع زعزعة الأمن والاستقرار في سوريا”. وأكد: “كما في السابق، تقف إيران اليوم بشكل حاسم إلى جانب الشعب السوري وجيشه وحكومته”.

آخر التطورات الميدانية

ويأتي كل ذلك وسط تصاعد القتال في سوريا، حيث تمكنت فصائل “المعارضة السورية” شمالي البلاد من إحكام سيطرتها على مدينة حلب ثاني أكبر مدن البلاد والعاصمة الاقتصادية لسوريا، ويتجهون الآن للتركيز على جبهة حماة.

هذا بالإضافة إلى سيطرة الفصائل المنضوية ضمن غرفة عمليات ما بعرف بـ “ردع العدوان”، على بلدة كرناز وقرية الكركات وقصر أبو سمرة بريف حماة الشمالي.

كذلك، أعلنت فصائل “المعارضة السورية”، صباح اليوم الاثنين، استكمال عملية السيطرة على عدة قرى وبلدات في ريف حلب من الجهة الشمالية.

فيما قال “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، اليوم الاثنين، إن حصيلة القتلى بلغ نحو 450 شخص في إدلب وحلب وريف حماة خلال 5 أيام.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات