أمس، سيطرت فصائل “المعارضة السورية” على مدينة حماة، بعد معارك امتدت لأكثر من 4 أيام مع الجيش السوري، الذي لم يصمد فانسحب منها، ليستقبل أهل المدينة الحدث الجديد بالأفراح والزغاريد، فماذا تعرفون عن حماة؟ وما هو تاريخها مع عائلة الأسد التي تحكم سوريا منذ أكثر من نصف قرن؟
تقع مدينة حماة وسط سوريا، تحديدا في الجزء الأوسط منها، على بعد 185 كيلومتراً شمال العاصمة السورية دمشق، وتحتل موقعاً استراتيجياً يربط بين مدن الشمال والمركز في سوريا، حيث يمر بقربها الطريق السريع “M5” الرابط بين حلب وحمص ودمشق والمعروف أيضا بطريق حلب – دمشق الدولي.
توزيع السكاني.. أغلبية وتنوع
حماة هي رابع أكبر المدن السورية، إذ يبلغ عدد سكانها وفق تقديرات برنامج “الأمم المتحدة الإنمائي” لعام 2021، نحو 2.5 مليون نسمة، بعد أن كان يقطنها 1.6 نسمة حتى عام 2011، وفق تقديرات المكتب المركزي السوري للإحصاء.
نهر العاصي يقسم المدينة إلى قسمين، وتنتشر على ضفافه البساتين والنواعير، ونواعير حماة تعد رمزاً للمدينة، وإرثاً ثقافياً لها، وهي عبارة عن دواليب كبيرة تُستخدم لجر مياه النهر ورفعها لسقاية البساتين المنتشرة على ضفاف العاصي.
تمتد حماة على مناطق واسعة ومتنوعة وسط غربي سوريا؛ إذ تصل حدودها غرباً لتشمل أجزاء من السلسلة الجبلية لساحل سوريا، ثم تسير بالتوازي مع مسار نهر العاصي شمالاً لتضم معظم أجزاء سهل الغاب، ثم تمتد شرقاً وصولاً إلى أجزاء من البادية السورية.
تبلغ مساحة محافظة حماة 10.2 ألف كيلو متر مربع، وهي أصغر بقليل من مساحة لبنان، تحدها إدلب وحلب من الشمال، والرقة من الشمال الشرقي، وحمص من الشرق والجنوب الشرقي، واللاذقية وطرطوس من الغرب.

أغلبية سكان حماة هم من المسلمين السنة، وتضم المحافظة مجموعات دينية أخرى، مثل العلويين، والإسماعيليين، والمسيحيين، إضافة إلى المسلمين الشيعة.
شكّل المسلمون السنة حتى نهاية عام 2016، 61 % من سكان المحافظة، والعلويون شكلوا 19 %، والإسماعيليون شكلوا 12 % من سكانها، والمسيحيون 2 %، والشيعة 1 %، بحسب دراسة أعدها “مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية”.
يتركز العلويون في الأجزاء الغربية من حماة، ويتركز الإسماعيليون في السلمية شرقاً ومصياف غرباً، أما المسيحيون فيتركزون في مدينة حماة، ومحردة والسقيلبية شمالي غربي المحافظة.
تُقسم المحافظة إدارياً إلى خمس مناطق، وتضم عدة مدن وبلدات كبرى مثل السلمية ومصياف وطيبة الإمام ومحردة والسقيلبية وصوران وحلفايا.
تاريخ المدينة.. من الآراميين إلى الاستقلال
يعود تاريخ الاستقرار البشري في حماة إلى العصور الحجرية. حكمها الآراميون في القرن الـ 11 قبل الميلاد، وكانت تُسمى وقتئذ “حماث”. سيطر عليها الآشوريون في القرن التاسع قبل الميلاد، ثم تتابع على حكمها، الفرس والمقدونيون والسلوقيون – وهم سلالة من الملوك اليونانيين – حيث أطلق السلوقيون على المدينة اسم “إبيفانيا” في القرن الثاني قبل الميلاد.
خلال الحكم البيزنطي، عادت لتُسمى “إيماث”، وهي لفظة قريبة من اسمها الأصلي، وفق الموسوعة البريطانية. سيطر المسلمون على المدينة في القرن السابع الميلادي. ثم استولى الصليبيون عليها في عام 1108، واستعادها المسلمون في عام 1115. سيطر عليها صلاح الدين الأيوبي في عام 1188، ثم انتقلت إلى المماليك في عام 1300، وإلى العثمانيين في أوائل القرن الـ 12.
أصبحت مدينة حماة وفق تقرير لشبكة “BBC” البريطانية، جزءاً من سوريا بشكلها الحالي بعد استقلالها وخروج القوات الفرنسية منها في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
نضال حماة مع عائلة الأسد
وصل “حزب البعث” إلى السلطة في سوريا على إثر انقلاب عسكري في عام 1963 أو ما يسميه النظام السوري بـ “ثورة الثامن من آذار”، برزت حماة كمركز محوري معارض لسياسات “حزب البعث” الحاكم بقيادة حافظ الأسد منذ الأيام الأولى لوصول الحزب إلى السلطة، وكان لطبيعة المدينة المحافظة، ولنشاط جماعة “الإخوان المسلمين” فيها دور بارز في ذلك.
تعود أولى مظاهر التمرد في المدينة إلى العام 1964، حين أُرسلت وحدات عسكرية إليها لمواجهة حركة احتجاجية قادها “الإخوان المسلمون” في شوارعها، وانتهت بمقتل نحو 100 شخص بحسب تقرير لـ “هيومن رايتس ووتش”.
عادت حركات الاحتجاج والتمرد إلى شوارع حماة بعد ذلك ضمن اضطرابات أوسع شهدتها عدة مدن وبلدات في سوريا في السبعينيات، تزامنت مع صعود حافظ الأسد إلى السلطة. واحتدمت الاضطرابات بشكل أكبر في النصف الثاني من السبعينيات في أعقاب التدخل السوري في الحرب الأهلية اللبنانية سنة 1976. وتخللت الاضطرابات مواجهات مسلحة وتفجيرات وأعمال عنف واغتيالات ونشر لقوات الجيش في المدينة.

كانت حماة بحسب “هيومن رايتس ووتش”، إحدى أهم مراكز المعارضة في ذلك الوقت، وهي معارضة اتخذت طابعاً مسلحاً عنيفاً في بعض الأحيان. في أبريل/ نيسان 1981، هاجم “مسلحون إسلاميون” حاجزاً عسكرياً قرب قرية على تخوم حماة، فأُرسلت وحدات خاصة إلى المدينة، فرضت فيها حظراً للتجول وفتشت المنازل، ونفذت إعدامات ميدانية في الشوارع، وخلال 3 أيام، قُتل أكثر من 350 شخصاً.
في فبراير/شباط عام 1982، وقع الحدث الأبرز والأكثر دموية في المدينة، وهو ما أصبح يعرف بـ “مجزرة حماة”. اتخذت الحكومة السورية القرار بوضع حد للمعارضة المسلحة في مدينة حماة بداية 1982 وفق “هيومن رايتس ووتش”، وألمح إلى ذلك تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان، أكد أن الوحدات العسكرية والأمنية السورية فرضت شكلاً من أشكال الحصار حول المدينة في كانون الثاني/ يناير 1982.
تم قصف الأحياء القديمة من المدينة من الجو وبالمدفعية للسماح بدخول القوات والدبابات عبر الشوارع الضيقة، ودُمرت أجزاء أخرى بالكامل في الأيام الأولى من القتال، وبعد عدة أيام من القصف والاشتباكات، أعلن وزير الدفاع السوري أن التمرد في حماة قد تم إنهاؤه.
إلا أنه، وبحسب “منظمة العفو الدولية”، ظلت المدينة “محاصرة”، وتلا ذلك أسبوعان من عمليات تفتيش المنازل والاعتقالات الجماعية، مع تقارير نقلتها المنظمة ووصفتها بالمتضاربة عن “فظائع وعمليات قتل جماعي للمدنيين”.
تعرضت حماة إلى “عقاب جماعي قاس”، وقوات الأمن نفذت عمليات إعدام جماعية في عدة مواقع، ورغم توقف “المقاومة المسلحة” في المدينة بعد 10 أيام من بدء الحملة العسكرية، إلا أن عمليات تفجير المباني، وتسوية الأحياء السكنية استمرت، وذلك “هيومن رايتس ووتش”.
تسببت العملية العسكرية بالمجمل في تدمير أكثر من ثلث المنازل في حماة، وفرّ عشرات الآلاف من المدينة، واُعتقل آلاف آخرون، وتراوحت التقديرات لأعداد الضحايا، إذ قدّرت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، الضحايا عند 40 ألف قتيل، دون احتساب القتلى من المسلحين وقوات الحكومة.
حماة ما بعد 2011
في الأيام الأولى من الحرب/ الثورة السورية عام 2011، خرجت عدة مظاهرات مناوئة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد في مدينة حماة، وشهدت المدينة عدة أحداث تمثلت في خروج المظاهرات وقمعها وفرض طوق أمني حول النقاط الحيوية والساحات العامة فيها.
أبرز الأحداث في المدينة وقع في الثالث من حزيران/ يونيو 2011، حين قتلت قوات الأمن السورية أكثر من 70 شخصاً بالرصاص خلال قمع احتجاجات مناهضة للنظام في المدينة، وفق جماعات حقوقية معارضة وشهود عيان.
رغم أن حماة كانت جزءاً من موجة الاحتجاجات التي اجتاحت مدناً عدة في السنة الأولى من الحرب/ الثورة السورية، إلا أن المدينة لم تشهد بعد ذلك معارك عسكرية، على غرار ما حصل في حلب في السنوات التي شهدت تحول الأحداث إلى صراعات مسلحة بين القوات السورية وفصائل “المعارضة السورية المسلحة”
أخيراً، تضرر نحو 6 % من البنية التحتية السكنية في مدينة حماة خلال الحرب/ الثورة السورية، بحسب تقديرات للبنك الدولي في 2017، وهي نسبة منخفضة نسبياً مقارنة بمدن سورية أخرى، واليوم باتت المدينة بيد “المعارضة السورية” وخارج قبضة النظام السوري.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة

الراقصة دينا: باسل الأسد صديقي ومشاهد صيدنايا ذكاء اصطناعي

سلاف فواخرجي: “الثورة كذبة ومن قام بها شيشان إسلاميون”

ابنة عم بشار الأسد: “عائلتي لم تؤذِ أحداً وهذه نصيحتي لـ أحمد الشرع”

“يذكرنا بعائلة الأسد”: سوريون ينتقدون ظهور الشرع على حصان أسود
الأكثر قراءة

وفد سوري يغادر إلى أميركا للمشاركة في اجتماعات صندوق النقد.. لماذا لم يرافقه وزير الاقتصاد؟

وسط غياب المحاسبة.. دوافع طائفية وانتقامية وراء تصاعد القتل ضد المدنيين بسوريا

وداع أصالة وسيرين لصبحي عطري.. الصورة تتحدث والكلمات تدمع!

هوية تُمحى.. استبدال اسم قرية مهجّرة بسوريا يثير مخاوف من تغيير ديموغرافي

هل تنقذ اتفاقية “الأمم المتحدة” البنوك السورية؟.. وخطة مساعدات ضخمة خلال 3 سنوات

نضال الشعار.. خبرة عالمية: هل تكفي لإنعاش اقتصاد سوريا؟
المزيد من مقالات حول سياسة

تحرك رسمي من “الأوقاف” و”العدل” بشأن أحداث جرمانا يثير انتقادات السوريين

بعد تصاعد التهديدات ضد “الدروز”.. دعوات سورية لوقف التحريض الطائفي

اشتباكات دامية في جرمانا.. الداخلية تتحرك ومرجعية الدروز تُندّد

تعزيزات عسكرية وتوترات في محيط سد تشرين بسوريا.. ماذا يحدث؟

“دعاة سلفيون” يطلقون حملات متشددة داخل الجامعات السورية

سوريا: غضب واستياء بين أبناء الطائفة العلوية بعد تصريحات منسوبة لرامي مخلوف

“لوموند”: فيديوهات موثقة تثبت تورط عناصر من النظام الجديد في مجازر العلويين
