سلط سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد التساؤلات حول مسألة عودة اللاجئين السوريين في دول الجوار، بعد أن تمكنوا خلال أكثر من عقد عقب الأزمة السورية في عام 2011 من الاندماج في مجتمعات تلك الدول واقتصادياتها بالعمل في القطاعات المختلفة لا سيما التجارية منها والصناعية.
السوريون يمثلون أكبر نسبة للاجئين حول العالم 13 مليونًا و800 ألف سوري، بين نازح داخل البلاد ولاجئ خارجها، توزعوا حول العالم منهم من لجأ إلى دول الجوار مثل لبنان وتركيا ومصر والأردن والعراق، يقدر عددهم بأكثر من خمسة ملايين بحسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
اللاجئون السوريون بالدول المجاورة
بحسب أحدث بيانات “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” وصل عدد النازحين داخلياً إلى 7.2 مليون شخص، بينما بلغ عدد اللاجئين المسجلين في الدول المجاورة 4.8 مليون شخص.
أما بالنسبة لتوزيع اللاجئين السوريين في الدول المجاورة، فإن تركيا تستضيف العدد الأكبر من هؤلاء اللاجئين، فقد بلغ عددهم أكثر من 3.9 مليون شخص، بنسبة 61%. تليها لبنان في المرتبة الثانية، حيث تستضيف نحو 768.3 ألف لاجئ، بنسبة 15.9%.
أما الأردن فيحل في المرتبة الثالثة، حيث يستضيف حوالي 619.5 ألف لاجئ، بنسبة 12.9%، في حين تستضيف مصر نحو 148.4 ألف لاجئ سوري، بنسبة 3.1%.
تسهيل عودة اللاجئين
عقب سقوط النظام السوري دعت “المفوضية العليا لشؤون اللاجئين” في الأمم المتحدة، الإثنين الماضي، إلى إظهار “الصبر واليقظة” في شأن قضية عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بعد إسقاط بشار الأسد.
وقال المفوض الأعلى لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، في بيان: إن “المفوضية تنصح بإبقاء التركيز على قضية العودة” وتأمل أن تسمح التطورات على الأرض بـ”عمليات عودة طوعية آمنة ودائمة، مع لاجئين قادرين على اتخاذ قرارات واضحة”.
في اليوم التالي لسقوط الأسد شرعت الحكومة التركية تقديم التسهيلات للراغبين في العودة، عبر فتح المعابر الحدودية وتيسير إجراءات الانتقال، حيث أعلن الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” يوم الاثنين إعادة فتح معبر يايالداغي الحدودي مع سوريا لتسهيل عمليات العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين.
ومثل سقوط الأسد وفراره إلى خارج البلاد بارقة أمل لملايين من اللاجئين السوريين وعودتهم إلى وطنهم الذين هجروه قسرا منذ عام 2011، ويتصدر ملف عودتهم لصدارة المشهد السياسي والاقتصادي.
انعكاسات عودة اللاجئين على اقتصادات الدول المجاورة
وفي هذا الصدد استعرض الباحث الاقتصادي إياد الحجي، في حديث خاص لـ”الحل نت”، انعكاسات عودة اللاجئين السوريين على اقتصادات الدول المجاورة:
تركيا
بالنسبة لتركيا، فأوضح أن عودة السوريين المقيمين في أنقرة أثرها سيكون سلبيًا على الاقتصاد التركي الذي يعاني ارتباكًا خلال الوقت الراهن.
وأكد أن انسحاب اليد العاملة السورية من السوق التركية سيؤثر بشدة، حيث أن عودة العمال سوف تسبب ارباكًا ونقص في اليد العاملة بالعديد من القطاعات، خاصة في مصانع الألبسة والأقمشة التركية والخيوط والصناعات التحويلية والغذائية.
وأشار إلى أن عدد الأيدي العاملة السورية في تركيا يقدر تقريبا بنحو 650 ألف عامل ( 100 ألف المسجلين رسميا والباقي غير مسجلين رسميا) من أصل العدد الإجمالي نحو 3 ملايين سوري في تركيا، لافتًا إلى أن هذه الأعداد لن تعود دفعة واحدة، لكن فرضًا بأن 10% عادوا مباشرة فهناك 65 ألف وظيفة صعب تعويضها بسرعة من الأتراك أو غير جنسيات، خاصة وأن الاقتصاد التركي يعاني ارتباكًا خلال الوقت الراهن.
وذكر أن الشركات السورية في تركيا تبلغ تقريبا نحو 10 آلاف وثلاثمائة شركة بحجم استثمارات يتجاوز 10 مليارات دولار في تركيا، لافتًا إلى أن هذا الرقم مرشح لأن ينقص تدريجيًا حسب عدد السوريين العائدين في الأيام والأشهر القادمة، وفي حال افتتحت الموانئ السورية والمطارات والمنافذ البرية مع دول غير تركيا.
بنفس الوقت سيكون حجم الاستثمار هذا معرض للزيادة بل المضاعفة عدة مرات بعد تحرير المدن السورية الكبرى وحاجتها الماسة لكافة البضائع التركية والعالمية، قائلًا إن هناك أثر سلبي وبالمقابل آخر إيجابي على الاقتصاد التركي خاصة وأن المعابر البرية التركية السورية تعمل منذ سنوات وتكاد تكون المصدر الوحيد للاستيراد حتى الآن.
الباحث الاقتصادي إياد الحجي
وأفاد الحجي، بأن حجم التبادل التجاري عبر المعابر البرية بين تركيا وسوريا بلغ نحو 6 مليار دولار في العام الماضي، وهو معرض للازدياد والمضاعفة مرات عديدة بعد تحرير المدن الكبرى.
أما بالنسبة للعقارات والايجارات، فأوضح أن كثرة السوريين تسببت في رفع أسعار الإيجارات في تركيا، وأن عودتهم سوف تسبب انخفاضًا بالايجارات، كما أن هناك توقعات باستمرار انخفاض أسعار العقارات في تركيا في حال بيع السوريين والعرب عقاراتهم.
كما أشار الباحث الاقتصادي، إلى أن بورصة الأسمنت والحديد ارتفعت في تركيا في الأيام الأخيرة نتيجة تطلع الشركات التركية لإعادة الإعمار في سورية.
وعن قطاع البورصة والمال، أوضح الحجي خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن الليرة التركية بدأ تداولها في المدن السورية الكبرى المحررة حديثا مما أدى لزيادة الطلب والتداول عليها، مما قد يؤدي لتحسن قيمتها، لكن بالمقابل حجم تداول الدولار أكبر من الليرة التركية خاصة وأن التداول وسعر الصرف غير مضبوط في سوريا عبر البنوك بل عبر السوق السوداء للعملة، مما يؤدي لتذبذب سعر العملة التركية مقابل الدولار، وهو ما يؤثر سلبًا على سوق الصرافة والعملات في تركيا.
وتوقع أن يؤثر إعادة إحياء الصناعة في سوريا على الاعتماد على الصناعة التركية، وبالتالي نقص استيراد البضائع المصنعة في تركيا، خاصة وأن أسعار البضائع السورية أرخص بكثير من البضائع التركية، مشيرًا إلى أن ذلك يحتاج إلى فترة زمنية متوسطة.
لبنان
وعن لبنان أكد الحجي خلال حديثه، أن عودة السوريين من لبنان سوف يؤثر بشكل كبير على توفر اليد العاملة في لبنان خاصة وأن أغلب السوريين في لبنان يعملون في قطاعات لا يمكن تعويضها لبنانيا على رأسها لزراعة والخدمات، خاصة وأن الاقتصاد اللبناني بات شبه منهارًا وازداد انهيار خلال الحرب الأخيرة.
رؤوس الأموال والشركات السورية في لبنان قليلة نسبيا بالمقارنة بين دول مثل تركيا ومصر، والسبب هو المشاكل المصرفية في البنوك اللبنانية التي تعانيها منذ سنوات وأن الاقتصاد اللبناني مرتبك وغير منضبط.
الباحث الاقتصادي إياد الحجي
وأشار إلى أن الأموال السورية التي كانت تتدفق عبر لبنان كانت لمسؤولين في النظام السابق أو لتجار مرتبطين به بطريقة أو بأخرى، لافتًا إلى أن توقع مصير هذه الأموال غير واضح؛ لكنه له أثرًاً سلبيًا أيضًا على الاقتصاد اللبناني.
مصر
من الممكن أن تكون عودة السوريين من مصر بطيئة نسبيا، نظرا لتوفر نخبة اقتصادية متميزة فيها، والاندماج شبه الكامل داخل المجتمع المصري واقتصاده.
وأشار الحجي إلى أن اليد العاملة السورية في مصر تقدر بنحو 150 ألف عامل سوري من أصل 500 ألف من إجمالي عدد السوريين في مصر، حيث يتوزع العاملين على قطاعات مهنية متنوعة بين مطاعم المأكولات والمشاريع الصغيرة والمتوسطة والتجارة والصناعة، مستبعدًا أن تعود أعداد كبيرة منهم بصورة سريعة مما يخفف الأثر السلبي على الاقتصاد المصري.
وذكر أن الشركات ورؤوس الأموال السورية في مصر لديها إسهامات واضحة، خاصة وأن الاستثمارات الكبرى مستقرة ومن المستبعد عودتها أو مغادرتها مصر في المدى القريب أو المتوسط، كذلك بالنسبة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة المملوكة.
وقال إن التصدير من مصر إلى سوريا شبه متوقف لسنوات، ومن المتوقع أن يعود من جديد بنسب أكبر مما كانت عليه قريبًا، وكذلك الاستيراد من سوريا إلى مصر.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.