في ظل حراك سياسي محلي وإقليمي تشمله وساطات عديدة من عدة أطراف فاعلة في المشهد السوري، فإن هناك محاولات جمة لحلحلة المواقف والتعقيدات بشأن شمال شرقي سوريا الواقع تحت سيطرة الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، حيث إنه ما تزال تهديدات تركيا و”الفصائل السورية” التابعة لها تؤشر إلى رغبة في عزل المكون الكُردي عن الانخراط في البناء السياسي، وتهدف إلى الإقصاء، ذلك ما يتم عبر التحشيدات العسكرية حول كوباني/عين العرب، فضلا عن المسيّرات التركية التي تواصل استهداف المنشآت المدنية. 

غير أن اللقاء الذي جمع الجنرال مظلوم عبدي القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية بقائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع في دمشق رغم عدم دعوة الأول إلى الاجتماع الخاص بالفصائل العسكرية، وفق ما ذكر في لقاء خاص مع قناة “العربية“، يعكس رغبة لافتة من عبدي للوصول إلى تفاهمات سياسية وميدانية بشأن المرحلة المقبلة من دون إملاءات أو ضغوطات خارجية والاتجاه نحو دمشق، لاستباق أي خطوات من قوى إقليمية ترغب في تأزيم الوضع، وتعميق الهوة بين الأطراف السورية وقطع الطريق على الحوار والحل.

سوريا.. ضرورة ضمان حقوق الكُرد

وقال عبدي إنه اقترح تشكيل “لجنة عسكرية مشتركة لدراسة موضوع دمج القوات العسكرية بالجيش الوطني وربطها بوزارة الدفاع وأن تكون قسد ككتلة عسكرية ضمن هذا الكيان، أي وزارة الدفاع السورية، وأن تتولى هذه اللجنة دراسة ومراجعة التفاصيل للاتفاق عليها لاحقا” ومؤكدا معارضته وجود جيشين بسوريا بل جيش واحد تابع لوزارة الدفاع. 

القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي- “وكالات”

كما أوضح قائد قوات “قسد” أنه يتعين الاتفاق مع الحكومة المركزية بدمشق على ضمان حقوق الشعب الكُردي الثقافية والتاريخية، لافتا إلى الحرمان قسرا من “التحدث بلغته، وعدم امتلاك بطاقة هوية”.

وأوضح عبدي أن غالبية الكُرد في سوريا هم من مكتومي القيد ويتم اعتبارهم غير سوريين و”أجانب” وذلك في سياق الإحصاء الاستثنائي في ستينات القرن الماضي والذي تسبب في فقدان الجنسية، وهي “مشاريع عنصرية في عقدي الستينات والسبعينات ترتب عليها تجريم اللغة الكُردية وعدم الاعتراف بها وتصنيف الكُرد ببطاقات الهوية على أنهم عرب وذلك بخلاف الحقيقة”. وبالتالي، شدد مظلوم عبدي على ضرورة أن يضمن الدستور حقوق الأكراد في سوريا كما باقي المكونات.

ما الذي دار بين عبدي والشرع؟

تشهد سوريا في هذه الأيام جولات مفاوضات مكثفة، لبحث وضع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في ظل مساعي الإدارة الجديدة لتوحيد جميع الفصائل المسلحة تحت سلطة الجيش.

قال عبدي إنه بداية اللقاء بأحمد الشرع كان ثمة إشارة أو “لافتة جميلة” حد توصيفه عندما باغته بالرد باللغة الكُردية، غير أن مستقبل العلاقات في ظل التجاذبات السياسية الإقليمية، وما إذا كانت تساهم في تقارب أو تباعد الداخل السوري، تبدو متفاوتة، إذ قال قائد “قوات سوريا الديمقراطية” أن الوجود الأميركي والتحالف الدولي عامل مساعد لتقريب وجهات نظر السوريين، حتى لا ينفرد طرف على الموقف ضد باقي الأطراف.

أما تركيا فيبدو أن لها مخطط حيث تريد الهيمنة الكاملة على سوريا لحساب مصالحها الضيقة، ولفت مظلوم عبدي إلى أن القوى الدولية موجودة لهزيمة تنظيم “داعش” الإرهابي وإنهاء تهديداته، لكنه وجود في المحصلة باعث للاستقرار وبمثابة عامل إيجابي. 

كما نوّه عبدي في لقائه مع “العربية” إلى أن الإدارة الأميركية من المرجح بشدة أن يكون لها موقف مختلف عما كان سابقا في عام 2019، في إشارة لاحتمالات أن لا يتراجع الدعم الأميركي لحلفائهم في شمال شرقي سوريا، ودعم مناطقهم سواء ضد الإرهاب و”داعش” أو الهجمات التركية ورغبتها للتوغل.

قائد الإدارة الجديدة في دمشق، أحمد الشرع- “وكالات”

وفي ما يبدو أن الحراك السياسي المحلي والإقليمي يشهد انعطافة قوية لإيجاد حلول تنهي تلك التوترات والأمنية بما ينعكس على سوريا الجديدة نحو الاستقرار، ونقلت وكالة “رويترز” للأنباء عن خمسة مصادر تأكيدهم بأن “مفاوضين دبلوماسيين وعسكريين من واشنطن وأنقرة ودمشق، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية، يبدون أكبر قدر من المرونة والصبر” في عملية التفاوض.

كما كشف 6 مصادر للوكالة، أن تلك المفاوضات “قد تكون توطئة للوصول إلى اتفاق في الأشهر المقبلة، ويشمل مغادرة بعض بعض المقاتلين الأكراد من شمال شرقي سوريا، ويحل مكانهم آخرون تحت قيادة وزارة الدفاع الجديدة في البلاد”. وهو الموقف ذاته الذي سبق وأعلن عنه مظلوم عبدي بخصوص إنهاء وجود المقاتلين الأجانب وانحصرت مهمتهم المؤقتة في محاربة إرهاب “داعش”.

“لا شيء واضح بعد”

فيما أشارت وكالة الأنباء العالمية إلى أن “مفاوضات تنعقد أيضا كل على حدة بين “هيئة تحرير الشام” من جهة وكل من واشنطن و”قسد” وأنقرة من جهة أخرى”. 

وفي المحصلة، ما تزال مسار هذه المفاوضات والمآلات السياسية النهائية محل تردد، والبحث عن تسوية في ظل ربما تعارض أو تفاوت مصالح الفواعل الإقليميين، لا سيما في ما يخص دمج “قسد” في وزارة الدفاع ككتلة عسكرية وإدارة مناطقهم وفق اللامركزية، وهي كلها أمور كشف الجنرال مظلوم عبدي أنه قد طرحها في لقائه مع أحمد الشرع، بينما لم يوضح بدقة حجم التفاهمات أو الخلافات، والتي تبدو رهن المستقبل وقدرة الأطراف على الاستجابة للمتغيرات في سوريا والوصول لصيغة التعايش المشترك والاستقرار بدعم الأطراف الدولية وواشنطن.

وحتى أمس الأحد، خرج وزير الدفاع في الإدارة السورية الجديدة، مرهف أبو قصرة، ليعارض وجود “قسد” ككتلة عسكرية في الجيش السوري وقال “لن يكون من الصواب” الاحتفاظ بـ”تكتل خاص”.

فيما أكد قائد “قسد” مظلوم عبدي، أن قواته لم تقرر تسليم السلاح ولا حلّ نفسها، ولكن تريد الانخراط في جيش سوريا المستقبل، وحذر أيضا من أن أي طريق غير التفاوض في مسألة دمج القوات بوزارة الدفاع سيؤدي إلى مشاكل كبيرة، على حد تعبيره.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات