تشهد سوق العقارات في سوريا حالة من التضخم والاضطراب غير المسبوقين، بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، إذ أصبح ارتفاع أسعار الإيجارات والعقارات سمة بارزة لهذه المرحلة. 

يأتي هذا الارتفاع غير المسبوق في السوق العقارية على الرغم من تراجع أسعار بعض المواد بعد تحسّن قيمة الليرة أمام الدولار التي شهدت تدهورًا بالغًا على مدار سنوات الثورة السورية ضد الأسد، وتخفيض الرسوم على المواد المستوردة. 

ممارسات استغلالية

في حديث لـ”الحل نت” مع محمد الشامي _ أحد المُستأجرين في بلدة صحنايا، أكد أن أسعار إيجار الشقق السكنية ارتفع بنسبة 100% في العديد من المناطق، مشيرًا إلى أنه كان يستأجر مقابل 700 ألف ليرة شهريًا، بينما الآن بات مُطالب بدفع مليون ونصف ليرة سورية شهريًا. 

أحد الشوارع في سوريا- بعدسة “الحل نت”

وأردف مستنكرًا: “من وين بدك تجيب تأكل وتشرب أو تدفع إيجار”، مطالبًا “حكومة تصريف الأعمال” بإلزام أصحاب العقارات تخفيض الإيجارات، متابعًا: “الإيجار عم يكسر ضهر أغلب العالم.. إما الدفع أو اطلع نام بالشارع”، مؤكدًا أن الأسعار أصبحت غير منطقية. 

ومع التخلص من حكم النظام البائد تفاقمت الأوضاع في السوق العقارية التي باتت مسرحًا لممارسات استغلالية من قبل بعض المالكين، الذين استغلوا الظروف التي تمرّ بها البلاد، وارتفاع الطلب على شراء المساكن. 

وتنشغل “حكومة تصريف الأعمال” الحالية بالعديد من الملفات الطارئة، على رأسها إعادة الإعمار، غير ملتفتة للمشهد الذي تغيب فيه الضوابط المنظّمة للسوق العقارية، ما يستدعي أن يكون هناك تدخل حكومي عاجل لضبط هذه الفوضى ووضع أسس عادلة للإيجارات. 

ارتفاع بالطلب وتذبذب الأسعار 

تعليقًا على المشهد، قال الخبير الاقتصادي عمار يوسف، إن أسعار إيجارات العقارات في دمشق ارتفعت خلال الفترة الحالية بنسبة تتراوح بين 20% إلى 25%.. 

ارتفاع حجم الطلب من قبل المواطنين السوريين خلال الفترة الماضية، التي أعقبت إسقاط نظام الأسد، كان سببًا في الزيادة الملحوظة في أسعار العقارات 

الخبير الاقتصادي عمار يوسف

وفي تصريحات لـ “القدس العربي” أوضح الخبير الاقتصادي، أن السوق تشهد أيضًا تذبذب في أسعار الإيجارات، فبعض المناطق انخفضت فيها، وارتفعت في المقابل في مناطق أخرى، بسبب قدوم الكثير من العوائل إليها، والتي كانت تسكن في منازل تعود ملكيتها للدولة وتم تسليمها بعد سقوط نظام الأسد، مثل منازل المتطوعين في الجيش والشرطة وغيرها من التي تعود ملكيتها للدولة. 

وزارة الإدارة المحلية والبيئة السورية، هي المنوط بها تنظيم السوق العقارية، لم تصدر سوى تنبيه واحد بعد تولي الوزير محمد مسلم مسؤوليتها، والذي حذرت فيه من شراء عقارات أو كتابة عقود بيع مع أي شخص متورط بدماء السوريين الأحرار، كان في زمن نظام الأسد المخلوع، في السادس من كانون الثاني/ يناير الجاري. 

ارتفاع الطلب مقابل العرض 

فيما أكد الخبير الاقتصادي، فاخر القربي، أن العقارات باتت تشكل مصدر رزق لبعض أصحابها، مشددًا على ضرورة وضع حد لحالة الانفلات التي تعمّق الأزمة المعيشية لدى شريحة واسعة من المواطنين. 

آثار الدمار على حي جوبر السكني في مدينة دمشق- بعدسة “الحل نت”

ونقلت صحيفة “الحرية” عن الخبير الاقتصادي، تأكيده أن أسعار إيجارات العقارات شهدت ارتفاعاً كبيراً في مختلف المناطق بنسب متفاوتة، نتيجة للارتفاع الكبير في أسعار العقارات نفسها. 

وأوضح أن أصحاب العقارات يعتمدون في تحديد الإيجارات على القيمة الرائجة للعقار، وهو ما تسبب في ارتفاع الطلب مقابل العرض، خاصة مع فقدان كثيرين لمنازلهم بسبب الحرب. 

وأشار إلى أن كثيراً من الأُسر، وخاصة ذات الدخل المحدود، تجد نفسها عاجزة عن دفع الإيجارات المرتفعة، في ظل فقدان العديد منهم لمصادر رزقهم نتيجة للأوضاع الاقتصادية والحرب. 

تدخل حكومي 

طالب القربي بضرورة تدخل الحكومة لضبط الأسعار عبر وضع آليات منظمة للإيجارات، ورفع مستوى معيشة المواطنين، خاصة الموظفين، مع توفير مساكن بأسعار معقولة من خلال الجمعيات السكنية أو القروض العقارية الميسّرة. 

دعا الخبير الاقتصادي، فاخر القربي، إلى تشجيع الهجرة العكسية من المدن إلى الريف وإقامة مشاريع اقتصادية تدعم الاقتصاد الوطني وتخفف الضغط على المدن الكبرى. 

بحسب أحدث بيانات البنك الدولي، تضخم أسعار المستهلكين في سوريا ارتفع بنسبة 93%، وقد تفاقم هذا الوضع بسبب خفض الدعم الذي تقدمه الحكومة. 

وبلغ معدل التضخم السنوي في سوريا 67.4% خلال الفترة الممتدة من كانون الأول/ ديسمبر 2023 إلى تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، بحسب ما كشف “مصرف سوريا المركزي”. 

القروض السكنية 

من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي جورج خزام، أن هناك ضرورة لرفع مستوى الدخل مع تحريك العجلة الاقتصادية، إضافة إلى زيادة الإنتاج الذي يترافق مع زيادة القوة الشرائية لليرة السورية. 

أحد الشوارع السورية- بعدسة “الحل نت”

وأوضح خلال منشور له على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، أن مع كل تلك الخطوات سوف يزداد الطلب على العقارات، خاصة مع توفر فائض بالادخار لدى المواطنين سوف يتم استثمارها بشراء العقارات بقصد السكن، أو المتاجرة أو الادخار، أو التأجير. 

واقترح الخبير الاقتصادي، إطلاق قروض سكنية للسوريين سواء بنك سوري أو خليجي، بحيث يكون القرض والقسط بالدولار هو المشروع الحقيقي من أجل إعادة البناء، فبدلًا من دفع إيجار للمالك يتم دفع قسط للبنك. 

ورأى أن ذلك من شأنه أن يؤثر على زيادة الطلب على العقار وارتفاع الأسعار، بحيث يحقق مشروع البناء أرباحًا تستحق جذب شركات أجنبية من أجل الاستثمار في إعادة الإعمار. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات