بينما تتجه أعمال الدراما المشتركة إلى الاندثار، نشهد في موسم رمضان 2025 الحالي، ظهور أعمال الكوميديا المشتركة، والتي يبرز فيها نجوم الفن السوري بالاشتراك مع نجوم من دول أخرى، وهذا الأمر ترك العديد من التساؤلات وعلامات الاستفهام، حول هذه الأعمال، ومصير الكوميديا السورية، ومدى نجاح أعمال الكوميديا المشتركة، وسبب لجوء الفنانين السوريين إلى الأعمال المشتركة.

في هذا الموسم الرمضاني، برزت الكوميديا المشتركة، من خلال عملين، هما مسلسل “كذب أبيض”، وهو مسلسل إماراتي – سوري مشترك، ومسلسل “يا أنا يا هي”، وهو عمل أردني – سوري مشترك، فهل سبنجحان؟ ولماذا اللجوء للأعمال المشتركة في الكوميديا، في الوقت الذي اندثرت فيه على الجانب الآخر أعمال الدراما المشتركة؟

نظرة على تجربة الدراما المشتركة: كيف انتهى بها المطاف؟

في البداية، فإن أعمال الدراما المشتركة، انتشرت شرارتها، نتيجة النزوح السوري إبان سنوات الحرب السورية، فلجأ العديد من الفنانين السوريين إلى لبنان المجاورة، وهناك تبلورت فكرة الأعمال السورية اللبنانية المشتركة، حيث غالبا ما يكون البطل هو ممثل سوري، والبطلة ممثلة لبنانية.

حققت تلك الأعمال مع بدايتها نجاحا ملحوظا، وهذا يعود إلى الكيمياء بين البطلين، والثقافة المتقاربة بين البلدين الجارين، لكن ورغم نجاح تلك الأعمال، إلا أنها لم تُحفر بالذاكرة جيدا، بل مرت مثل معظم الأعمال العادية، التي تنتشر سريعا وقت عرضها، لكن لا تترك أثرا للسنوات اللاحقة، كما الأعمال التي بقيت خالدة في الذاكرة، والتي هي بالأساس كانت ابنة بيئتها، أي ليست مشتركة.

مع مرور الوقت، انحسرت الأعمال الدرامية المشتركة، وما زاد من انحسارها أو شبه اندثارها، هو اقتحام الأعمال المعرّبة للساحة الفنية، أي تعريب الأعمال التركية، حيث لجأ للمشاركة فيها نخبة النجوم، على حساب الأعمال المشتركة، لدرجة أن موسم رمضان الحالي، لم يشهد إلا عملا دراميا يتيما مشتركا، هو مسلسل “نفس”، الذي يجمع الممثليْن السوريّيْن عابد فهد ومعتصم النهار مع الممثلة اللبنانية دانييلا رحمة في أدوار البطولة.

فيما يخصّ أعمال الكوميديا، فإنها لم تغادر بيئتها، وبقيت الكوميديا السورية طاغية على قريناتها في المنطقة، واستمر الحال هكذا حتى مع اشتداد الأزمة السورية بعد اندلاع الحراك الشعبي في 2011 ضد النظام السوري السابق، فالكوميديا السورية لها ثيمتها الخاصة، ثقافتها التي تميزها، ولهجتها المختلفة.

لكن فجأة، طفت إلى السطح في موسم رمضان الحالي الكوميديا المشتركة، وبرزت من خلال مسلسلي “كذب أبيض” و”يا أنا يا هي”، الأول إماراتي – سوري، والثاني سوري – أردني، فهل سنشهد تحولا في الكوميديا السورية مستقبلا أم أنها تجربة سرعان ما ستنتهي كما جرى مع أعمال الدراما المشتركة؟ وما أسباب اللجوء للكوميديا المشتركة؟

يتناول المسلسل السوري – الإماراتي المشترك “كذب أبيض”، قصة ملياردير لديه 4 بنات يعشن حياة مليئة بالترف، ويواجهن تحديات عديدة بعد وفاته المفاجئة، ما يضطرهن إلى التعامل مع مشكلات الحياة بطرق جديدة تأخذهن إلى مواقف وحالة كوميدية في غالبيتها.

يشارك في بطولة العمل، صفاء سلطان، أيمن رضا، أمل عرفة، حسام تحسين بيك، ورنا شميس، وهو من تأليف رامي مدني، وإخراج مخلص الصالح، ويُعرض عبر عدة محطات فضائية، ومنصات رقمية، كل يوم بعد وقت الإفطار.

أسباب اللجوء إلى الكوميديا المشتركة

يُرجع البعض من المراقبين، أسباب ظهور الكوميديا المشتركة، إلى تغيير النظام في سوريا وعلاقة عدد من الفنانين السوريين به، فالكثير منهم كان داعما لنظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، وبعد سقوط نظامه في 8 كانون الأول/ ديسمبر المنصرم، وهروبه إلى موسكو، وجد عدد من الفنانين السوريين المؤيدين للنظام السابق، أنفسهم في موقف صعب، حتى أن بعضهم لم يعد إلى دمشق ومن كان فيها غادرها، خشيةً من النقمة التي ستطالهم.

وجود تلك الفئة من نجوم الفن السوري خارج البلاد، جعلتهم بحسب المراقبين، يلجؤون إلى الأعمال الكوميدية المشتركة في الدول التي يقيمون فيها، لا سيما وأن الفنان السوري يعد ورقة ثمينة لأي عمل في أي بلد، وهذا ما جرى في مسلسلي “كذب أبيض” و”يا أنا يا هي”.

“يا أنا يا هي”، يجمع في بطولته، الفنانة السورية أمل عرفة، مع الفنانة الأردنية أمل الدباس، و يستضيف في حلقاته عدد من الممثلين منهم، وائل زيدان، جمال العلي، وفاء موصللي، غادة بشور، وغيرهم.

السبب الثاني للجوء الفنانين السوريين إلى الكوميديا المشتركة، يرجعه المراقبون، إلى العامل المادي، فـ الأجور التي تُعطى للممثل السوري في الأعمال الكوميدية، هي متدنية ولا تلبي الطموح، خاصة مع انهيار الوضع الاقتصادي في البلاد، لذلك اختار عدد من النجوم الأعمال المشتركة؛ كون المردود المادي أعلى فيها مما ينالونه في الكوميديا المحلية.

السؤال الذي يبرز، هل ستنجح الأعمال الكوميدية المشتركة؟ وفي نظرة على الأصداء حول العملين، فإنهما لم يحظيان بالقدر الكافي من قبل المتابعين في السوشيال ميديا، على العكس مثلا من المسلسل الكوميدي السوري “نسمات أيلول” الذي تخرجه رشا شربتجي، فهو الأكثر حظوة وانتشارا بين المتابعين، وهذا إن دل على شيء فهو يدلّل على أن المتلقي السوري وحتى غير السوري يميل للكوميديا السورية المحفورة في ذاكرته منذ سنوات طويلة، على غرار “ضيعة ضايعة” وغيرها، فالأعمال المشتركة باهتة نتيجة اختلاف اللهجات والثقافات وانعدام الكيمياء بين الممثلّين.

أخيرا، لا مانع من تجربة الأعمال الكوميدية المشتركة، فالتجربة هي التي تقرر الاستمرار من عدمه، لكن الأصداء الأولية، تشير إلى أن الكوميديا المشتركة لن تستمر طويلا، و ستسير إلى اندثارها على غرار ما حصل مع الأعمال الدرامية المشتركة، والشيء الثابت، أن الكوميديا لكي تنجح، فلا بد من أن تكون الأعمال سورية محلية خالصة، فالبيئة هي أساس نجاحها، وبالتالي مهما ابتعد النجوم وذهبوا نحو الأعمال المشتركة، فالنهاية ستكون بالعودة للأعمال السورية، فالنجاح مقترن بالعودة إلى بيئتهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة