“مضي يوم كامل على استشهاد عائلتي وللآن مازالوا في مكانهم في بيتهم على الأرض.. أصبحنا نتمنى أن يعيشوا بأمان والآن نتمنى أن يُدفنوا فقط”، هذا ما كتبه الشاب المتحدر من بانياس بريف طرطوس، عبر صفحته على منصة “فيسبوك”، حزنا على عائلته ورفاقه الذين قتلوا على يد فصائل سورية محسوبة على الإدارة السورية الجديدة.

لك أن تتخيل أن يُقتل عائلتك، والدك وأمك وإخوتك، وأنت غير قادر على الوصول إليهم أو التواصل مع أي من جيرانهم، وأن يبقوا مرميين على الأرض ليوم أو يومين، وأنت لا تستطيع أن تدفنهم أو الحداد عليهم وفق الأصول، هذا ما وصلت إليه الأوضاع في بعض المناطق السورية، نتيجة انفجار الأوضاع في الساحل السوري على خلفية المجازر التي وقعت في عدة قرى ومدن في الريف.

كلما نعى السوريون من الساحل أهاليهم وما حصل وجرى خلال الأيام الماضية لعوائلهم عبر منصة “الفيسبوك”، كلما تعمقت مشاعر الحزن واليأس، وما زاد من شدة ذلك أن من بين القتلى على يد هذه الفصائل العشرات من المعارضين لنظام بشار الأسد وعائلاتهم، بالإضافة إلى معتقلين سابقين في سجونه، ما برز وجه هذه العمليات المبنية على أسس طائفية وعرقية، وبالتالي تراكم غبار كثيف على المشهد السوري لا يقل سوادا عن الذي كان يخلفه الأسد.

“معارضون ومعتقلون” ضحايا بالساحل

كتب أهالي ضحايا الساحل السوري عن لحظات حزنهم وما جرى لهم خلال الأيام الماضية، بينما طالب السوريون بإعلان حداد عام في سوريا “تكريما لشهداء الأمن العام والشهداء المدنيين في الساحل السوري وفاءً لتضحياتهم واحتراما لذكراهم”، واعتبروا ذلك واجبا على كل السوريين.

ومن بين الضحايا عائلة المعارض والمعتقل السياسي السابق سمير حيدر، والمتحدر من بانياس، وقد أعلن عن وفاة شقيقه المتقاعد في مصفاة النفط، البالغ من العمر (74 عاما) وابنه المدرس في بانياس، وكان حيدر قد فقد شقيقه سابقا في معتقلات نظام الأسد المخلوع.

وكتب المعارض السوري من الساحل عبر منصة “الفيسبوك”: “قتلوا أخي الثاني عمره 74 وابنه معلم مدرسة بهاء.. في مطلع الثمانينات قدمت أسرتي أربعة معتقلين والآن ثلاث شهداء”.

وعبّر شريحة واسعة من السوريين عن تضامنهم مع حيدر، وطالبوا السلطات في دمشق بالتحرك الفوري، وكتب أحدهم في صدد ذلك: “لا اعرف ماذا اقول؟ ينتقمون ممن عارض الأسدين.. أكثر من 174 شخص وثقوا إلى الآن من العلويين المعارضين للأسدين. قتلوهم وبعضهم مع عائلاتهم في اليومين السابقين..”.

كما وونعت المعارضة السورية المعروفة لنظام الأسد والمعتقلة السابقة هنادي زحلوط، أشقاءها الثلاثة الذين قتلوا في قرية الصنوبر التي تتبع لناحية الهنادي بريف اللاذقية، فكتبت: “أنعي لكم اخواتي الثلاثة.. قتلوا أمس ونحتسبهم عند الله شهداء مع عشرات من رجال القرية الذين اقتيدوا من بيوتهم وتم اعدامهم ميدانيا. نطلب فقط حماية حياة من تبقى من نساء وأطفال، أن نستطيع دفن موتانا”.

وتابعت: “ما مات بريء بسوريا إلا وكنت ارفع اسمه وطالب بمحاسبة اللي قتلوه، شو ما كانت طائفته وشو ما كان القاتل، وينكن يا اخواتي السوريين؟ يلي كنتوا عيلتي الكبيرة؟ وينكن؟”

لكن رغم كل هذا الحزن والمجازر التي جرت بحق هؤلاء المعارضين والمعتقلين السابقين الذين قضوا سنوات من حياتهم في معارضة نظام الأسد الأب والابن، فإن هذا لم يمنعهم من شكر كل من ساعدهم ووقف إلى جانبهم في محنتهم، سواء من أهل السُنة في الساحل أو من بعض المنظمات التي ساعدتهم.

وكتب زحلوط في منشورات أخرى عبر صفحتها: “شكرا من القلب لكل السوريين الرائعين اللي ما تركونا أنا وعيلتي وكانوا حدنا، لكل رفاق الدرب، الدفاع المدني، الأمن العام..”.

بينما شكر سمير حيدر، مواقف البعض من أهالي السُنة، فكتب: “أهلنا السنه في بانياس خاطروا بحياتهم لإنقاذ عشرات العائلات من سكان حي القصور العلويين واستضافوهم في منازلهم وتم انقاذي بالدقائق الأخيرة..”.

رثاء على “الفيسبوك”

كذلك، عبر العديد من أبناء الضحايا بقرى ومدن الساحل في “القصير، صنوبر، المروج، حريصون، القبو، الحطانية، حمام واصل، بانياس، الشير، البصة، المختارية، قرفيص، عين العروس، بستان الباشا، بلوزة…”، عبر منصة “الفيسبوك”، وكان من بينهم زين نيوف المتحدر من بانياس الساحلية، حيث كتب: “أتمنى لو أنكم جلستم معهم وحادثتموهم ونظرتم في عيونهم.. ولله لخرجتم من بيوتنا معتذرين متأسفين على ما كنتم تظنون.. ولكن الضباع تبقى ضباع”.

حازم حمامة، وهو من أبناء ريف اللاذقية، والذي فقد والده ووالدته وشقيقتيه في المجازر التي ارتكبت بحقهم خلال الأيام الماضية، عبر قبل قليل عن حزنه في منشور آخر على منصة “الفيسبوك”، فقال: “هل يشعر الإنسان برحيله؟ هل يودع أحبائه بكلمات بين السطور…لا نفهم حقيقتها إلا بعد وقوعها وتكون أقصى الأماني بعد فهم الحقيقة.. بأنه يا ليت كنا معهم طوال الوقت بكل ثوانيه…لا نرمش أعيننا حتى لا نضيع هذا الجزء من الثانية الذي سنراهم فيه”.

وكتبت بتول نيوف عبر حسابها: “”في حملة تفتيش في بانياس قتلوا قريبنا يوسف نيوف وزوجته وابنه الشاب جميعا، وكذلك قتلوا شخصا/عائلة أخرى من جيرانهم. كما قتل ابن أختي آصف نيوف وعديله بالرصاص أمام بيتهم، وأيضا الصيدلي الشاب وحيد والديه، حيدر سلوم، في صيدليته في بانياس… هناك نهب محلات وسرقة سيارات وإطلاق نار على سيارات متوقفة”.

لكن ذلك لم يمنعها من شكر كل من ساعدها، حيث قالت في منشور آخر منفصل: “مع كل الألم الذي نعيشه، لا بد من كلمة حق.. قدم عمي أصيبت وكُسرت. حاولنا عدة مرات في الأيام الماضية النزول إلى المستشفى من قريتنا برمايا إلى بانياس، لكن لم يكن هناك أي سبيل على الإطلاق. إلا أن الدفاع المدني السوري استجاب ونقل عمي إلى المستشفى. وبعد الانتهاء من تثبيت الكسر أعادوه وأوصلوه إلى البيت”. كما شكرت قوى الأمن العام التي لعبت دورا كبيرا في تأمين الطرق لفرق الإسعاف.

وفي ضوء ذلك يمكن القول إن التكاتف المجتمعي والابتعاد عن الخطاب الطائفي من الأدوات الأساسية التي من شأنها أن تمنع العنف وتعزز الأمن والاستقرار في المجتمعات وقبول الآخر، وخاصة في مجتمع متنوع كالمجتمع السوري، بجانب الحقد والكره والتفرقة الذي راكمه وتركه النظام الأسدي البائد.

انتهاكات مستمرة

في خضم ذلك،  وبحسب مصادر محلية لـ”الحل نت”، فإن ثمة هدوء نسبي ولكن عدة مناطق ما تزال تتعرض لاقتحامات وتشهد إطلاق للنار بشكل مكثف، بينما لم نتمكن حتى كتابة هذه السطور تدقيق المعلومات والتأكد من سلامتها.

وقد أوضحت المصادر أنه في قرية السلاطة وحارة بيت سعيد بريف اللاذقية دخل رتل عسكري وتم إطلاق النار بشكل مكثف أمس عند حدود منتصف الليل، ما تسبب في نزوح بعض العائلات وحدوث حرائق في عدد من بيوت القرى.

كما تتحدث أنباء عن شهود عيان في ريف القرداحة عن مقتل عائلة بأكملها هناك على يد الرتل العسكري الذي دخل إلى هناك، وكان يقوم بعملية تمشيط في القرى، دون معرفة هوية ذلك الرتل أو إلى أي فصيل ينتمي.

ومنذ ما يقارب الأربعة أيام، ارتفعت وتيرة الأحداث الدموية بينما لا يزال من الصعوبة التوصل بدقة إلى أعداد محددة، نهائية وحاسمة، للضحايا المدنيين والقتلى من صفوف قوات الأمن العام، إلا أن رصد “الحل نت” لشهادات متفرقة من مناطق الساحل السوري، يشير إلى احتمالات وصول أعداد الضحايا المدنيين الذين قتلوا خلال الأيام الماضية لأكثر من 1500 شخص، حيث إن الرقم قابل للزيادة نظرا لصعوبة الوصول إلى كل الضحايا.

ويأتي ذلك في الوقت الذي أعلنت فيه وزارة الدفاع السورية انتهاء العمليات العسكرية على الساحل السوري، وقالت إنها “حققت أهدافها”، وبالتالي فإن استمرار الانتهاكات سيجعل إعلان وزارة الدفاع يفقد مصداقيته وفعاليته حتما.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة