نتيجة الوضع المأزوم في الساحل السوري على خلفية المجازر التي شهدتها عدة قرى ومدن، أطلقت مجموعة من الأفراد والأهالي والمنظمات المحلية مبادرات إغاثية لمساعدة هذه المناطق الساحلية التي وصفت بـ”المنكوبة”.
إلى ذلك، أصدرت كل من منظمة “العفو الدولية” (أمنستي) ومنظمة “هيومن رايتس ووتش” تقارير حول الأحداث المروعة الأخيرة على الساحل السوري، داعيتين السلطات في دمشق إلى التحرك السريع لضمان حماية المدنيين في أي قتال جارٍ أو مستقبلي ووقف القتل على الفور.
وفي آخر المستجدات الأمنية والتي وصلت “الحل نت” من مصادر محلية عديدة، فإنه ثمة هدوءا نسبيا يخيم على معظم المناطق الساحلية منذ الأمس، إلا أن بعض القرى خالية من سكانها، حيث فروا إلى الأحراش و”البرية” خوفا من القتل على يد فصائل سورية محسوبة على الإدارة السورية الجديدة، والتي تصفها الأخيرة بـ”فصائل غير منضبطة”، متهمة إياها بارتكاب المجازر بحق الطائفة العلوية.
إضافةً إلى ذلك، تُسجّل حالات سرقة منازل، ولا تزال الفصائل العسكرية تجوب القرى، وذلك بغية نهبها ومن ثم حرقها. وعليه، يُطالب الأهالي السلطات السورية بالالتزام بتعهدها بتحقيق الأمن والاستقرار لهم عبر وضع عناصر قوى الأمن العام بكل المنطقة، ليتمكن الأهالي من العودة إلى منازلهم، حيث يعيشون في العراء منذ يومين.
سوريا.. ضمان وصول محققين دوليين
طالبت منظمة “العفو الدولية”، الحكام الجدد بدمشق إلى منح المحققين الوطنيين والدوليين المستقلين إمكانية الوصول إلى سوريا، بما في ذلك المناطق الساحلية، حتى يتمكنوا من إثبات الحقائق بعد مقتل المدنيين على الساحل السوري خلال الأحداث الأخيرة.
وقالت المديرة الإقليمية لـ”العفو الدولية” هبة مرايف، إنه “يجب على السلطات السورية الجديدة التحرك بسرعة لضمان حماية المدنيين في أي قتال جارٍ أو مستقبلي، ولمنع المزيد من عمليات القتل غير المشروعة وغيرها من الانتهاكات”.
وأردفت أنه في حال عدم التحرك بحزم وإجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة وفعّالة، وضمان تقديم مرتكبي الجرائم للعدالة، لن يؤدي إلا إلى تشجيع من يعتقدون أنهم قادرون على القتل دون عقاب.
بالإضافة إلى التزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي، يقع على عاتق الحكومة السورية التزامٌ بالحفاظ على حقوق الإنسان لجميع المقيمين فيها. ويجب على السلطات اتخاذ إجراءاتٍ واضحةٍ لضمان الحقوق المتساوية لجميع السوريين، بما في ذلك ضمان عدم استهداف أي شخص أو جماعةٍ على أساس انتمائهم السياسي المُتصوَر.
وقالت “العفو الدولية” في تقريرها، إن تعهد الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع، بمحاسبة مرتكبي الجرائم “بكل حزم ودون تساهل” لن يعني الكثير إذا لم يتم تحقيق العدالة بطريقة تعطي الأولوية لمشاركة الضحايا، وتدعم حقوق الناس، ويتم تحقيقها بشكل محايد، بغض النظر عن هوية المسؤول.
وطبقا لـ”العفو الدولية”، فإن هذه الأحداث المروعة تؤكد مجددا على الحاجة الملحة لاتخاذ السلطات السورية خطوات شاملة لضمان الحقيقة والعدالة والتعويض لجميع ضحايا الانتهاكات الجسيمة في سوريا.
ونوّهت إلى أن الصور المروعة التي تتدفق من الساحل السوري، لجثث ملقاة في الشوارع وعائلات ثكلى تنعى أحباءها، “تُذكرنا بفظائع الماضي التي عانى منها السوريون”، وتُنذر بتأجيج التوترات الطائفية وتأجيج المزيد من العنف المميت.
“أوقفوا القتل واحموا المدنيين”
أما منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية، فقد دعت في تقريرها المنشور حديثا، السلطات في دمشق بالإسراع في اتخاذ الإجراءات الحكومية لحماية المدنيين ومقاضاة مرتكبي إطلاق النار العشوائي والإعدامات الميدانية وغيرها من الجرائم الخطيرة.

وقالت المنظمة الحقوقية إنها “لم تتمكن من التحقق من عدد المدنيين الذين قتلوا أو نزحوا، ولكن تشير النعوات المتداولة على منصة (فيسبوك) إلى مقتل المئات، بما في ذلك عائلات بأكملها”.
نائب مديرة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى “هيومن رايتس ووتش”، آدم كوغل، قال إن “تقارير عن انتهاكات جسيمة على نطاق صادم ضد سوريين أغلبهم من العلويين في الساحل وأماكن أخرى في سوريا”.
وفي أحدث حصيلة لضحايا الساحل السوري، أكد “المرصد السوري لحقوق الإنسان” اليوم الأربعاء، مقتل ما لا يقل عن 1383 مدنياً، غالبيتهم العظمى من العلويين، جراء أعمال العنف التي اجتاحت المنطقة الساحلية في غرب سوريا منذ السادس من آذار/مارس الجاري.
إلا أن رصد “الحل نت”، منذ الأمس الثلاثاء لشهادات متفرقة من مناطق الساحل السوري، يشير إلى احتمالات وصول أعداد الضحايا المدنيين الذين قتلوا خلال الأيام الماضية لأكثر من 1500 شخص، حيث إن الرقم قابل للزيادة نظرا لصعوبة الوصول إلى كل الضحايا.
وفي 9 آذار/مارس الحالي، أعلن الشرع عن تشكيل لجنة وطنية مستقلة للتحقيق في الأحداث في غضون 30 يوما، وتعهد بإحالة المسؤولين عن الجرائم إلى القضاء. وعليه طالبت “هيومن رايتس ووتش” السلطات السورية أن تضمن قدرة اللجنة على القيام بعملها بشكل مستقل ومحايد.
منظمة “هيومن رايتس ووتش” راجعت فيديوهات وصورا لواقعة إعدام جماعي في قرية المختارية في ريف اللاذقية وحددت موقعه الجغرافي، حيث أحصت جثث 32 رجلا على الأقل.
وقال ناشطون سوريون في المنطقة الساحلية للمنظمة الحقوقية إن العلويين وغيرهم في المنطقة يعيشون في خوف بسبب الانتهاكات التي حدثت أثناء “عمليات التمشيط” منذ كانون الأول/ديسمبر، فضلا عن الخسارة واسعة النطاق لسبل العيش بسبب الفصل التعسفي من الوظائف وحل قوات الجيش والأمن السابقة.
المنظمة الحقوقية قالت إن موجة العنف هذه في المنطقة الساحلية السورية تؤكد على الحاجة الملحة إلى العدالة والمساءلة، مضيفة أنه “يجب أن تشمل المساءلة عن الفظائع جميع الأطراف، بما في ذلك الجماعات مثل (هيئة تحرير الشام) و(الجيش الوطني السوري) المدعوم من تركيا والتي تشكل الآن قوات الأمن الجديدة في سوريا، والتي لديها تاريخ موثق جيدا من الانتهاكات الحقوقية وانتهاكات القانون الدولي”.
مع إشارة لافتة إلى أن جهود العدالة تحتاج إلى معالجة الانتهاكات الماضية والمستمرة، وضمان محاسبة المعتدين وتعويض الضحايا. كما ينبغي للقيادة السورية الجديدة أن تتعاون بشكل كامل مع المراقبين المستقلين، بما يشمل “الآلية الدولية المحايدة والمستقلة لسوريا” و”لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا”، وتضمن لهم الوصول دون عوائق.
وقالت المنظمة الحقوقية أيضا إن الإصلاح الكامل للقطاع الأمني، الذي يشمل قوات الجيش والأمن السورية الجديدة، أمر بالغ الأهمية اليوم. يشمل ذلك إنشاء قطاع أمني يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وضمان الرقابة المدنية، وتنفيذ عمليات تدقيق صارمة لإزاحة الأفراد المتورطين في الانتهاكات.
مبادرات إغاثية محلية
في غضون ذلك، تعمل مجموعة من الأهالي والمنظمات المحلية جاهدة على تقديم احتياجات إغاثية الطارئة للقرى والمدن التي شهدت مجازر وأحداثا مروعة، مثل مدينة بانياس والقرى التالية: تسيسين، عين شقاق، صنوبر جبلة، الشلفاطية، المختارية… وغيرهم.
وبحسب القائمين على هذه المبادرات المحلية، كما نُشر على صفحاتهم الشخصية على منصة “فيسبوك”، فإن الهدف هو توفير مواد عينية، مثل المعلبات والخبز ومياه الشرب والأدوية والملابس والبطانيات، بالإضافة إلى التبرعات المالية والكوادر البشرية. ويؤكدون أن هذه المبادرات تتم بموافقة وتأمين السلطات المحلية.
هذا وفي السادس من آذار/مارس الجاري، شنّ مسلحون موالون لنظام الأسد المخلوع هجوما على قوات الأمن السورية في اللاذقية. وهو ما قوبل برد قوي من قبل السلطات السورية، والتي على إثرها توجه فصائل سورية مختلفة والتي كلها منضوية تحت وزارة الدفاع السورية، إلى الساحل السوري وحدث جرائم مروعة.
وأظهرت أشرطة مصوّرة إعدامات ميدانية نفذها مقاتلون من فصائل سورية محسوبة في نهاية المطاف على الإدارة السورية الجديدة، وبالتالي تتحمل حكومة دمشق المسؤولية، وهذا أفضل بكثير من محاولات الهروب والتملص منها.
وعليه، هل سيأخذ الشرع مسؤولية هذه المجازر على محمل الجد ويحقق العدالة لضحاياها، أم أن الأمور ستكون انتقائية ومحدودة بينما اللجان التي كلفها بالتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل ستجمع ما يمكنها وتغض الطرف عن الرؤوس الكبيرة التي تسببت بهذه المقتلة الكبيرة والتي سترسم مستقبل سوريا حتما؟
- مؤتمر “وحدة الموقف والصف” الكردي يعلن بيانه الختامي.. تفاصيل
- في ظل غياب العدالة الانتقالية.. استمرار أعمال التصفية والانتقام في سوريا
- مروان الحلبي.. طبيب الخصوبة الذي ارتقى لسُدة التعليم العالي
- رد دمشق على واشنطن تناول 5 مطالب… تفاصيل الرسالة السورية حول شروط رفع العقوبات
- تديّن أم موضة؟.. هجوم حاد من سارة نخلة على حجاب حلا شيحة “الموسمي”
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة

هوية تُمحى.. استبدال اسم قرية مهجّرة بسوريا يثير مخاوف من تغيير ديموغرافي

أم سورية تناشد لإعادة أبنائها الثلاثة المخطوفين من الساحل

اختطاف النساء في الساحل السوري و”سبيهن”.. ما القصة؟

تحقيق أميركي يكشف تفاصيل مروّعة عن مجازر الساحل السوري
الأكثر قراءة

واشنطن تتسلّم رد دمشق على متطلبات تخفيف العقوبات.. تفاصيل

هل تحمل زيارة وزير الخارجية الأردني لدمشق رسائل بعد حلّ “اللواء الثامن” بدرعا؟

مسؤول أميركي: لا ثقة بدمشق حتى الآن وهذه أولوياتنا في سوريا

مرهف أبو قصرة: من حقول حلفايا لوزارة الدفاع السورية.. رحلة مثيرة للجدل!

محمد البشير: من حكومتي الإنقاذ وتصريف الأعمال إلى وزارة الطاقة.. السيرة الكاملة

مباحثات أوروبية حول إمكانية تخفيف العقوبات عن سوريا
المزيد من مقالات حول شرق أوسط

هوية تُمحى.. استبدال اسم قرية مهجّرة بسوريا يثير مخاوف من تغيير ديموغرافي

وسط غياب المحاسبة.. دوافع طائفية وانتقامية وراء تصاعد القتل ضد المدنيين بسوريا

أم سورية تناشد لإعادة أبنائها الثلاثة المخطوفين من الساحل

الأمن السوري يعتقل قياديين في “الجهاد الإسلامي” بدمشق.. ما دلالات ذلك؟

اختطاف النساء في الساحل السوري و”سبيهن”.. ما القصة؟

تحقيق أميركي يكشف تفاصيل مروّعة عن مجازر الساحل السوري

إلهام أحمد: تطبيق اللامركزية سيخفف الأعباء عن دمشق
