يبدو أن الفراغ الأمني ​​الذي خلّفه سقوط نظام بشار الأسد قد شكل بيئةً مواتيةً لـ”داعش” لاستعادة قوته وإعادة ترتيب صفوفه. وقد أظهر التنظيم الإرهابي نشاطا متجددا في سوريا، حيث استقطب مقاتلين جددا وزاد من وتيرة هجماته، وفقا لمسؤولين من الأمم المتحدة والولايات المتحدة.

وبحسب تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، اليوم الأربعاء، فإن تنظيم “داعش” يحاول استغلال سقوط نظام الأسد لتحرير السجناء وإحياء قدرته على التخطيط وتنفيذ الهجمات، مما يزيد من خطر عدم الاستقرار في بلد يمر بمرحلة انتقالية.

وتثير هذه التطورات مخاطر كبيرة، خاصة مع تزامن هجمات التنظيم في سوريا والعراق مع بداية العام الجديد.

خطر “داعش” في سوريا

ورغم أن تنظيم “داعش” لا يزال بعيدا عن القوة التي كان عليها قبل عقد من الزمن، حين كان يسيطر على أجزاء واسعة من سوريا والعراق، إلا أن خبراء يحذرون من أن التنظيم قد يجد طريقة لتحرير آلاف من مقاتليه المتمرسين المحتجزين في سجون شمال وشرق سوريا تحت إشراف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من “التحالف الدولي” بقيادة واشنطن، بحسب تقرير الصحيفة الأميركية.

مخيم الهول بشمال وشرق سوريا- “وكالات”

وطبقا لـ”نيويورك تايمز”، فإن عودة “داعش” الخطيرة ستقوض ما بدا فرصة نادرة في سوريا للتغلب على “ديكتاتورية وحشية”. وقد تمتد تداعيات ذلك إلى نطاق أوسع، مما يؤدي إلى انتشار عدم الاستقرار في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

وتشير الصحيفة الأميركية إلى أن “داعش” استخدم سوريا سابقا كقاعدة للتخطيط لهجمات ضد جيرانها، وحتى في أوروبا.

ويُحتجز ما بين 9000 و10000 مقاتل من التنظيم ونحو 40 ألفا من أفراد عائلاتهم في شمال شرقي سوريا، ولن يُسهم هروبهم في زيادة أعداد التنظيم فحسب، بل سيمثل أيضا “انقلابا دعائيا”، وفق “نيويورك تايمز”.

السجون “جوهرة تاج داعش”

في هذا الصدد، قال كولين كلارك، رئيس قسم الأبحاث في مركز “صوفان”، وهو مركز أبحاث مقره الولايات المتحدة: “لا تزال السجون والمعسكرات جوهرة تاج تنظيم (داعش)”.

وأضاف كلارك: “مراكز الاحتجاز تؤوي المقاتلين الأكثر خبرةً في المعارك، لذا فإن فتح هذه السجون سيساعد في تعزيز جهود التجنيد التي يبذلها التنظيم لأشهر”.

في آذار/مارس الماضي، قدم كبار المسؤولين في الاستخبارات الأميركية تقييمهم السنوي للتهديدات العالمية إلى “الكونغرس”، وخلصوا إلى أن تنظيم “داعش” سوف يحاول استغلال سقوط نظام الأسد لتحرير السجناء وإحياء قدرته على التخطيط وتنفيذ الهجمات.

وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت أواخر العام الماضي أن جيشها ضاعف تقريبا قواته البرية في سوريا، ليصل إلى ألفي جندي. ويبدو أن ضرباتها العديدة على معاقل “داعش” في الصحراء السورية خلال الأشهر القليلة الماضية قد خففت من وطأة التهديد المباشر.

مخيم “الهول” في شمال وشرق سوريا- “أ ف ب”

بحسب مسؤولين عسكريين أميركيين رفيعي المستوى تحدثا لصحيفة “نيويورك تايمز” شريطة عدم الكشف عن هويتهما، فإن الولايات المتحدة تأمل أن تصبح الحكومة السورية الجديدة شريكا في الحرب ضد تنظيم “داعش”، وكانت المؤشرات الأولية إيجابية، بناءً على معلومات استخباراتية قدمتها واشنطن، أحبطت وزارة الدفاع السورية الجديدة ثماني هجمات للتنظيم الإرهابي في دمشق.

نشر الأيديولوجيا عبر الإنترنت

في سياق متصل، قالت الصحيفة الأميركية إنه رغم تراجع سيطرة تنظيم “داعش” على مساحات واسعة من الأراضي السورية، فإنه يواصل نشر فكره المتطرف عبر خلايا سرية وفروع إقليمية خارج سوريا وعبر الإنترنت.

طبقا لمسؤول في وزارة الدفاع الأميركية، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، فإن تنظيم “داعش” أعلن مسؤوليته عن 294 هجوما في سوريا عام 2024، بزيادة على 121 هجوما أعلن مسؤوليته عنها في 2023.

بينما قدرت “لجنة مراقبة تنظيم داعش” التابعة للأمم المتحدة، عدد الهجمات بنحو 400 هجمة العام الماضي، بينما قال مراقبو حقوق الإنسان في سوريا إن العدد أعلى من ذلك.

هذا ويواصل “التحالف الدولي” بقيادة واشنطن لمحاربة تنظيم “داعش” في العراق وسوريا عمليات عسكرية مستمرة ضد التنظيم في محاولة لمنعه من تنفيذ هجمات أو إعادة تنظيم صفوفه.

حملة أمنية داخل مخيم “روج”

في سياق ذي صلة، اكتشفت قوات الأمن الداخلي التابعة لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) مراكز سرية لتدريب اليافعين والأطفال على فكر “داعش” المتطرف داخل مخيم “روج” الذي يؤوي عوائل التنظيم الإرهابي. 

وصادرت قوى الأمن الداخلي، خلال اليوم الثاني من حملتها على مخيم “روج”، أسلحة خفيفة ومعدات لوجستية، بما في ذلك أجهزة كمبيوتر وهواتف محمولة، بالإضافة إلى وثائق ومعدات تحتوي على أختام وتحركات خلايا “داعش” النائمة في هذا المخيم المعزول.

حملة أمنية في مخيم “روج” شمال شرقي سوريا أسفرت عن اعتقال خلايا نائمة وكشفت أسرار تنظيم “داعش” -“الشرق الأوسط”

ويوم الأحد الماضي، قامت القوات الكُردية بحملة تفتيش لمعظم خيام وأقسام المخيم الواقع شمال شرقي سوريا. وأعلنت قوى الأمن الداخلي اعتقال ستة أشخاص متورطين في التعاون مع خلايا “داعش” الناشطة خارج المخيم، وفق “الشرق الأوسط”.

واستهدفت الحملة تفتيش جميع الخيام بدقة، وعثرت على مراكز لتدريب الأطفال والمراهقين، تُقدم لهم دروسا ودورات في الفكر المتطرف، بالإضافة إلى أجهزة جوال ومعدات لوجستية، كما جرت مصادرة ورقة مهمّات تُستخدَم من قبل خلايا التنظيم، في تحركاتها واتصالاتها مع مواليه.

وعن سير الحملة الأمنية وسقفها الزمني ومخاطر تصاعد تحركات الخلايا الموالية للتنظيم في هذه المخيمات، ذكرت القيادية في قوى الأمن الداخلي بالمخيم، آواز ولات، لـ”الشرق الأوسط” أنه بعد ورود معلومات استخباراتية قاطعتها مع عناصر الحراسة ومتعاونين بداخل المخيم، إلى جانب مراقبة الاتصالات الهاتفية ورصد تنقلات المشتبهات، “كشفنا مخططات لمجموعات تقوم بالعمل على ترتيب صفوف (داعش) وتحشيد مناصريه. ورصدت قواتنا تلك التحركات الخطيرة لهذه الخلايا، خصوصا داخل هذه المخيمات التي تضم أعدادا كبيرة من عوائل عناصر التنظيم”، منوهةً بأن الحملة مستمرة حتى تحقيق أهدافها لحماية القاطنين وقسم الحراسة في هذا المخيم.

يشار إلى أن قائد القيادة المركزية الأميركية، مايكل إريك كوريلا، وبعد زيارته إلى شمال شرقي سوريا وتجوله داخل مخيمي “الهول” و”روج”، حذر من أن “هذه المخيمات تخاطر بخلق الجيل القادم من (داعش)، وتحتاج لجهود دولية لإعادة المقاتلين، وإعادة تأهيلهم ودمجهم”، مشددا على أنه لا يزال هناك أكثر من 9 آلاف معتقل من التنظيم يتحدرون من أكثر من 50 دولة مختلفة، “في أكثر من 12 مركز احتجاز تحرسه قوات (قسد)، وهو ما يُعَدُّ جيش (داعش) حرفيا ومجازيا قيد الاحتجاز”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
5 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة