على إثر المجازر المروّعة التي شهدها الساحل السوري خلال شهر آذار/مارس الفائت، والتي طالت سكان بلدات وقرى ذات غالبية علوية، وخلفت المئات من القتلى، فضلا عن نزوح أعداد كبيرة، وسط حالة من الصدمة والحزن، وتعتيم إعلامي رسمي، فرّت عائلات علوية عديدة من منازلها، متجهةً صوب لبنان أو إلى مناطق أكثر أمانا داخل سوريا. وكانت مدينة القامشلي/قامشلو في شمال وشرق سوريا، أحد الملاذات الآمنة لهم.

وروى بعض هؤلاء الناجين، الذين لجأوا إلى مدينة القامشلي/قامشلو، الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، “للمرصد السوري لحقوق الإنسان” تفاصيل مروعة عن معاناتهم، مشيرين إلى أن عمليات القتل استهدفتهم بشكل ممنهج، وأن يد الإجرام لم تُفرّق بين رجل وامرأة، أو طفل وشيوخ. 

نازحون من الساحل في القامشلي

وأردف “المرصد السوري”، اليوم الاثنين، أنه مع تصاعد العنف في الساحل السوري منذ السادس من آذار/مارس، لم يعد أمام العائلات العلوية الناجية خيار سوى الفرار، بعد أن تحولت بلداتهم إلى ساحات قتل مفتوحة.

اتهم النازحون بشكل واضح عناصر مسلحة تابعة للسلطات السورية الجديدة باستهداف المدنيين العلويين بشكل متعمد- “المرصد”

وأشار “المرصد السوري”، إلى أن “القصف العشوائي وعمليات الخطف والاعتقال التي اجتاحت محافظتي اللاذقية وطرطوس أسفرت عن مقتل مئات المدنيين، ما أجبر من تبقى على الفرار خوفا على حياتهم”.

وأكد “المرصد السوري” أن النازحين توزعوا بين وجهتين، بعضهم عبر الحدود إلى لبنان، فيما سلك آخرون طرقا خطرة إلى شمال وشرق سوريا، بحثا عن ملاذ آمن يحميهم من الموت الذي يلاحقهم في كل زاوية من قراهم ومدنهم.

وطبقا لـ”المرصد السوري”، فإن شهادات النازحين من الساحل كانت “صرخة في وجه العالم، تفضح حجم الكارثة التي يتعرض لها أبناء الطائفة العلوية في الساحل السوري”.

المطالبة بفتح تحقيق دولي

بحسب “المرصد السوري”، اتهم النازحون بشكل واضح عناصر مسلحة تابعة للسلطات السورية الجديدة باستهداف المدنيين العلويين بشكل متعمد، مطالبين بتحقيق دولي عاجل ومستقل لكشف ملابسات هذه المجازر التي وصفوها بـ”جرائم إبادة جماعية”.

وحذروا عبر “المرصد السوري” من أن تجاهل المجتمع الدولي لهذه الفظائع قد يمهد لمزيد من التصعيد الدموي والتهجير القسري.

ونشرت الصحافية الأميركية ليندسي سنيل، عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، صورة لأطفال، قالت إنهم لعوائل علوية فرت إلى مناطق “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا. وأشارت سنيل على صفحتها عبر منصة “فيسبوك” إلى أنها متواجدة حاليا في القامشلي/قامشلو بشمال وشرق سوريا.

وكتبت سنيل: “فرّت عائلات علوية عديدة من حمص والساحل بحثا عن الأمان في مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا. ولا يوجد دعم دولي كافٍ لهم؛ إذ كانت إحدى الشقق الثلاث تؤوي ثماني عائلات. قال رجل من حمص: (اليوم، العلويون هم من يواجهون الخطر، لكن جميع الأقليات السورية في خطر)”.

“إفادات مزورة”

وفي ظل استمرار عمل لجنة تقصي الحقائق الخاصة بأحداث الساحل السوري، يتعرض ذوي الضحايا لضغوط من الجهات الأمنية والإدارية لفرض رواية رسمية مغايرة لظروف مقتل ذويهم في المجازر المرتكبة في الساحل، غربي سوريا، والتي راح ضحيتها 1676 شخصا، وفق آخر إحصائية لـ “المرصد السوري لحقوق الإنسان”.

وتتمثل هذه الإجراءات، وفق “المرصد السوري”، بإلزام الأهالي على توقيع إفادات تشير إلى أن الضحايا قضوا على يد فلول النظام المخلوع، كشرط للحصول على شهادة وفاة.

بالإضافة لعدم منحهم وثائق رسمية، قال “المرصد” في تقرير له، إن هناك إجراءات إضافية تتخذها السلطات السورية في حال رفض ذوي الضحايا التوقيع، تتمثل بحذف أسماء القتلى من السجلات المدنية نظرا لاستمرار اعتماد نظام السجلات الإلكترونية، الذي تم إدخاله في المراحل الأخيرة من حكم النظام السابق، وما يزال يُعمل به في ظل الإدارة الحالية.

نظام السجلات الإلكترونية يتيح إمكانية إزالة الأسماء بشكل كامل من قاعدة البيانات، نظراً لغياب ما كان يُعرف بـ”الخانة”، وهي الآلية التي كانت تُستخدم في السجلات الورقية لتوثيق جميع الأفراد الذين يندرجون ضمنها في سجل واحد منذ تاريخ إنشائه، مما يجعل عملية محو أسماء ضحايا المجازر أكثر سهولة ودون ترك أي أثر لوجودهم من قبل، بحسب “المرصد السوري”.

تتمثل أبرز هذه الحالات، بمقتل مدني من قرية سقوبين بريف اللاذقية، على يد عناصر حاجز يتبع لإدارة العمليات العسكرية في المنطقة، إذ طُلب من ذويه التوقيع على إفادة تدعي بأنه قُتل على يد “فلول النظام”، مقابل إصدار شهادة وفاة، وهو ما رفضته العائلة، وفق “المرصد السوري”.

واعتبر “المرصد” أن هذه الممارسات تندرج ضمن سياسة ممنهجة تهدف إلى تزييف الوقائع وتغيير طبيعة الجرائم المرتكبة، عبر التحكم في السجلات الرسمية وفرض رواية معينة على الأهالي.

وأضاف أن استمرار اعتماد هذا النهج يسهم في تقويض أي إمكانية مستقبلية لتحقيق العدالة أو إجراء عمليات تحقيق محايدة وشفافة. بينما يرسّخ مناخ الإفلات من العقاب، وبالتالي التشجيع على ارتكاب جرائم أكثر، إلى جانب المساهمة في تعميق حالة الانقسام داخل المجتمع المحلي، لاسيما في الساحل السوري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة