انتشار “مافيا الكهرباء” وتصاعد سرقات الشبكات.. ماذا يحدث في الجنوب السوري؟

برزت مؤخرًا الشكاوى من تصاعد التعديات على شبكات الكهرباء المعفية من التقنين في محافظتي السويداء ودرعا، والتي تُعرف باسم “الخط الذهبي”، ما يهدد بتفاقم أزمة الكهرباء ويُعرّض الخدمات الأساسية للانهيار. 

ومن المعروف أن شبكات “الخط الذهبي” لا تشملها قرارات قطع الكهرباء الدورية، والتي تحولت إلى ساحة صراع بين قوى متعددة، تتنازع على ما تبقى من موارد الدولة المنهكة. 

تصاعدٌ غير مسبوق في التعديات 

بدأ يظهر خلال الأشهر الأخيرة عقب سقوط نظام الأسد المخلوع، تصاعدٌ غير مسبوق في التعديات على شبكات الكهرباء، حيث تجاوزت حالات السرقة والتخريب كل التوقعات. 

وبعد أن كان يمثل “الخط الذهبي” في السابق شريان الحياة للخدمات الأساسية، تحول اليوم إلى مصدر للصراعات والنزاعات بين أفرادٍ نافذين في فصائل مسلحة، لتتحول الكهرباء إلى سلعة في السوق السوداء. 

على الأرض، تبدو الصورة أكثر قتامة، فبعد أن كانت الفروع الأمنية والمواقع العسكرية التابعة للنظام السابق تستغل هذا الخط على حساب مصالح المواطنين والمؤسسات الخدمية، انتقلت الظاهرة إلى أفراد الفصائل المسلحة ليقتسموا الكعكة. 

قام هؤلاء المسلحين بتحويل مسار التيار الكهربائي لصالح مجمعات سكنية ومحال تجارية مقابل أجور مالية طائلة واشتراكات شهرية، ليكوّنوا “شبكات تغذية مأجورة”، مما تسبب في زيادة الأعطال الفنية ونقص حصص المواطنين والمؤسسات الحيوية كالمشافي والمخابز والمناطق الصناعية وغيرها التي باتت تغرق في الظلام لساعات. 

عملية ممنهجة 

نقل أحد العاملين في شركات كهرباء السويداء الصورة ليوضح حجم الكارثة، موضحًا أن التعديات لم تعد تقتصر على سرقة الكابلات والمحولات، بل امتدت إلى تهديد حياة عمال الصيانة الذين يحاولون إصلاح الأعطال أو منع التخريب، مؤكدًا أن الأمر تحول إلى عملية منهجية لتدمير البنية التحتية. 

شركة الكهرباء تواجه معضلة كبيرة، إذ يتعذر عليها قطع التيار عن هذه الخطوط لأنها تُغذي آبار المياه والمستشفيات والمناطق الصناعية ومراكز الاتصالات، مما دفع شركتا الكهرباء في درعا والسويداء إلى فرض برنامج تقنين جديد (قطع الكهرباء) يشمل حتى المنشآت الخدمية، كمحاولة يائسة للسيطرة على الوضع. 

وقد أثار القرار موجة استياء واسعة بين السكان، لكن المسؤولين في الشركتين يقولون إنه “إجراء اضطراري لا بد منه في ظل الظروف الحالية”. 

وأطلقت الشركتان نداءً عاجلًا، ناشدت فيه الأهالي التعاون لوقف هذه التجاوزات، وهو ما كشف عن حجم الكارثة المحدقة، حيث أصبح خط الاحتياط الوحيد المتبقي تحت تهديد مباشر، فأي عطل أو تخريب إضافي قد يؤدي إلى انقطاع التيار عن كامل المحافظتين لأسابيع، مع ما يرافق ذلك من تداعيات كارثية على القطاعات الصحية والزراعية والصناعية.   

فوضى أمنية وانهيار بنية تحتية 

تنعكس أزمة الكهرباء هذه سلبًا على مناحي الحياة كافة في المحافظتين، حيث تعاني المشافي من انقطاع التيار المتكرر، ما يهدد حياة المرضى في أقسام الطوارئ والعناية المركزة، وتشهد آبار المياه تعطل بسبب عدم انتظام التيار الكهربائي، ما يفاقم أزمة المياه التي تعاني منها المنطقة أصلاً، كما تكابد المناطق الصناعية من أجل الاستمرار في العمل. 

تشير تقديرات غير رسمية إلى أن الخسائر الناجمة عن التعديات على شبكات الكهرباء تتجاوز ملايين الليرات شهرياً، هذه الخسائر لا تقتصر على قيمة المواد المسروقة فحسب، بل تشمل أيضاً تكاليف الإصلاح والتعويضات عن الأضرار الناجمة عن انقطاع التيار. 

المشهد الحالي يعكس التداخل المعقّد بين الفوضى الأمنية وانهيار البنية التحتية، حيث تتحول الكهرباء من خدمة أساسية إلى ساحة للصراع بين جهات متعددة. 

ويندد المواطنون بغياب سلطة الدولة الفعلية في ظل استمرار التعديات، وانتشار الجماعات المسلحة والمتنفذين المحليين، ليحمّلوا السلطة مسؤولية استمرار الأزمة، خاصة مع تورّط بعضها في شبكات المتاجرة غير المشروعة بالوقود والكهرباء، مناشدين بضرورة حلّ تلك الأزمة بشكل جذري قبل أن تصل المحافظتان إلى مرحلة الظلام الدامس.  

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
أقدم
الأحدث الأكثر تقييم
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة