شهدت الأسواق خلال الأشهر الأخيرة ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار المواد المحلية مقابل انخفاض مثيلاتها المستوردة، على الرغم من أن المألوف هو ارتفاعها نظرًا لتكاليف النقل والشحن التي تترتب على المنتجات المستوردة.
تلك المفارقة غير المُبررة بالسوق السورية لم يستوعبها المستهلك، في ظل تزايد صعوبة الظروف المعيشية التي يعيشها السوريون منذ أكثر من عقد، وباتوا غير قادرين على تأمين احتياجاتهم الأساسية.
إغراق الأسواق بالبضائع المستوردة
أغرقت البضائع المستوردة الأسواق السورية عقب سقوط نظام بشار الأسد، وذلك بفضل زوال القيود المفروضة على الدولار، والرسوم الجمركية الباهظة المفروضة على البضائع، وهو ما أدى إلى حدوث طفرة في السلع التي اختفت من الأسواق السورية طوال فترة الحرب.
ودخلت الأسواق السورية كميات كبيرة من البضائع الغربية وبضائع دول الجوار، وأصبحت المحال التجارية بالعاصمة السورية دمشق ترصّ المياه التركية المعلبة، ومكعبات مرق الدجاج المصنوعة في السعودية، ومسحوق الحليب اللبناني، وعلامات تجارية أجنبية معروفة لأنواع من الشوكولا ورقائق البطاطس المستوردة.

بينما كان النظام السابق يعتمد على رفع الرسوم الجمركية لرفد الإيرادات، ما أجبر السوريين على الاعتماد على المنتجات المصنّعة محلياً، مع تفشي التهريب من لبنان لسلع لا يمكن تأمينها داخل سوريا، مثل صلصة الصويا، كما فاقمت العقوبات الدولية حالة العزلة المفروضة على سوريا، على الرغم من إعفاء الأغذية والأدوية من تلك العقوبات.
واعتاد التجار والباعة إخفاء البضائع الأجنبية خلف طاولات البيع ليقوموا ببيعها سرّاً لمن يعرفونهم من الزبائن، كما زاد الخوف من المداهمات والاعتقال والابتزاز على يد عناصر الأمن.
انخفاض قيمة العلامات التجارية المحلية
مع انتهاء حكم الأسد البائد ووصول الحكومة الجديدة في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، والتي سمحت بالتعامل بالدولار، وأقرت حزمة جديدة من الرسوم الجمركية الموحدة والتي تهدف إلى خفض الرسوم، على حدّ زعمها، بنسبة تتراوح بين 50 و60 بالمئة.
تدفقت البضائع المستوردة التي ظلت طوال سنين تصل من تركيا إلى محافظة إدلب التي سيطرت عليها “هيئة تحرير الشام”، لتنتشر في بقية أنحاء سوريا، ناهيك عن البضائع الآتية من لبنان، بما أن معظم السيارات القادمة من هناك تعبر الحدود من دون أن يجري تفتيشها في الغالب الأعم.
وماتزال العلامات التجارية المحلية أرخص بكثير من الأجنبية، ما يهدد الصناعة الوطنية التي تعد عمودًا أساسيًا للاقتصاد السوري.
السبب وراء المفارقة
يعلق العضو السابق في مجلس غرفة تجارة دمشق، محمد الحلاق، على تلك الظاهرة، موضحًا أن التجار يعوضون قيمة خسائرهم الناتجة عن تلف بعض المواد الغذائية من المستهلك، وتحميله عبء التلف على الكميات المباعة.
وأفاد بأن هناك موادَّ أخرى أولية تستخدم كمدخلات صناعية أو كمواد معدّة للبيع بشكل مباشر، لكن ثمة خصوصية للخضار والفواكه واللحوم لجهة ظروف وشروط الحفظ والنقل والتخزين، وهناك أمثلة كثيرة عن بعض الخضار المعرضة للتلف وتغير المواصفات، حتى لو حُفظت وبُرّدت.

ارتفعت أسعار الخضار والفواكه خلال الفترة الماضية، حيث سجل سعر كيلو الفليفلة 18 ألف ليرة، وسعر كيلو الخيار البلدي 20 ألف ليرة، بينما المستورد منه 13 ألفاً، في حين وصل سعر البندورة إلى 9 آلاف ليرة بعد أن كان قبل فترة قصيرة 4 آلاف، وكذلك وصل سعر كيلو الباذنجان إلى 8 آلاف ليرة، بينما حلق التفاح ليصل سعر كيلو المستورد إلى 50 ألفاً، والمحلي 20 ألف ليرة، الأمر الذي انعكس سلباً على القدرة الشرائية للمواطنين.
وقال إن ظروف النقل والمكان تتحكم بسعر مختلف السلع وتحديداً الخضار والفواكه واللحوم وذلك بسبب توافرها في محافظات ومناطق محددة من دون الأخرى، فترتفع أسعارها عند نقلها من محافظة إلى أخرى وبالتالي تكون فروق الأسعار كبيرة بين محافظة وأخرى، إضافة إلى أنّ السماد والأعلاف تختلف نفقته من محافظة إلى أخرى وبالتالي عمليات البيع والشراء تختلف .
السلع المُهرّبة
يشير الحلاق إلى فروقات الأسعار بين عدد من السلع والخضار، منها انخفض سعرها فيما بعضها الآخر ارتفع إلى ما سمّاه الصدمة غير المتوقعة، فمعظم الناس كانت تعمل على أساس القلة وضعف المنافسة، وإحلال بدائل المستوردات ومنع الاستيراد، فكل تلك الاعتبارات كانت متحكمة بالأسعار.. إلى أن جاءت المتغيرات بعد التحرير وتمّ التخلص من تلك القيود والانتقال إلى اقتصاد السوق الحر، وكل شيء بات متاحاً وعاش السوق في حالة الصدمة وعدم التوازن.
السلع التركية التي وصلت إلى الأسواق السورية بمواصفات وجودة متدنية لأن تكلفتها بالأساس متدنية وأغلبها غذائية وغير مراقبة صحياً ومجهولة جهة الاستيراد، مرجحًا دخولها البلاد عن طريق التهريب من دون أي رسوم جمركية، وأن ما يقارب 70إلى 80بالمئة من المواد المستوردة تدخل البلاد عبر قنوات التهريب.
العضو السابق في مجلس غرفة تجارة دمشق، محمد الحلاق
وقال إن المستهلك تحول إلى تلك السلع الرخيصة بغض النظر عن الجودة، وبالتالي تلك السلع المهربة أوجدت حالة تشوه وارتباك في الاقتصاد فتراجع الإنتاج المحلي وارتفعت النفقات والكلف قياساً بالسعر السوقي في منافذ البيع للمستهلك.
ودعا الحكومة إلى تفعيل هيئة المنافسة ومنع الاحتكار لحماية الأسواق من الإغراق بالمنتجات الخارجية وتمكين الصناعة الوطنية من العمل والقدرة على المنافسة من خلال اللجوء إلى رفع الرسوم الجمركية وتخفيض النفقات على الإنتاج المحلي.
- الخطر الذي يتسلل مجدداً.. عن احتمالات عودة “داعش” إلى سوريا
- هيئتان لـ العدالة الانتقالية والمفقودين… ما المطلوب لضمان عمل مستقل؟
- “الليرة الجديدة”.. هل تنقذ الاقتصاد السوري أم تعمّق أزمته؟
- هل أصبحت سوريا مؤهلة لتلقي التمويلات الجديدة؟.. البنك الدولي يجيب
- وزير الدفاع يعلن دمج كافة الوحدات العسكرية.. ما دور بريطانيا بإعادة هيكلة الجيش؟
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة

الغلاء يضع بصمته على “الأكلات التراثية” السورية.. ما سبب ارتفاع أسعارها؟

مع انتصاف شهر رمضان.. استمرار الغلاء وسط لا مبالاة حكومية

انخفاض إنفاق السوريين بعد سقوط الأسد.. كم بلغ حجم احتياج الأسرة في رمضان؟

الضائقة الاقتصادية تغيّب الحلوى الرمضانية عن موائد السوريين
الأكثر قراءة

وسط ترقب لانفراجة من واشنطن.. “المركزي السوري” يخفض سعر الدولار مقابل الليرة

وسط اتهام للمقاتلين الأجانب.. الأمن العام يفتح تحقيقا في مقتل أربعة أشخاص باللاذقية

هل تنجح قرارات المركزي الأخيرة في إعادة بناء الثقة بالقطاع المصرفي السوري؟

هل تنتعش جيوب السوريين بعد رفع العقوبات الأميركية.. خبير يوضح

هل تبيع الحكومة الجديدة القطاع العام السوري كاملًا؟.. مستشار وزير الاقتصاد يجيب

نجوم سوريا يتفاعلون مع رفع العقوبات.. فرح وشكر من كل الأطراف!
المزيد من مقالات حول اقتصاد

“الليرة الجديدة”.. هل تنقذ الاقتصاد السوري أم تعمّق أزمته؟

هل أصبحت سوريا مؤهلة لتلقي التمويلات الجديدة؟.. البنك الدولي يجيب

العقوبات تُرفع والمراقبة تبدأ.. هل ينجح “الشرع” في تنفيذ الشروط الأميركية؟

مع دخول الصيف.. أزمة الكهرباء تفاقم الأوضاع في الحسكة ومطالب بالرقابة على “المولدات”

الوجود الأميركي في سوريا: فصل اقتصادي جديد؟

عملة سورية جديدة تطبع في النمسا: ما الفئات والرموز؟

من الرياض إلى أبوظبي.. حصيلة مكاسب “ترامب” الاقتصادية خلال جولته الخليجية
