تسعى سوريا إلى إعادة دمج نفسها في الاقتصاد العالمي بعد عقود من المنبوذية تحت حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد، الأمر الذي يثير التساؤل حول ما إذا كان من المتوقع أن تسدد الإدارة الجديدة للبلاد الديون الضخمة التي خلّفها النظام السابق بعد أن تكبدها أثناء الحرب.
وأعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوم الثلاثاء، أن الولايات المتحدة سترفع العقوبات عن سوريا، قبيل اجتماعه مع الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، الذي قاد سابقًا “هيئة تحرير الشام”، وهي الجماعة المتمردة التي أطاحت بنظام الأسد في كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
ديون ضخمة
بينما تسعى الحكومة الجديدة إلى إعادة بناء الاقتصاد السوري المتهالك، ثمة مسألة تحتاج إلى معالجة، وهي تراكم الديون الضخمة في البلاد، فقد اقترض نظام الأسد مبالغ طائلة من المال، معظمها من روسيا وإيران، بعد أن بدأت الحرب الأهلية في آذار/مارس 2011.
وتتصدر روسيا قائمة الدول الدائنة لسوريا، إذ استحوذت على 15 بالمئة من إجمالي ديونها البالغة قيمتها 4.9 مليارات دولار بنهاية 2023، بحسب بيانات البنك الدولي.

وبحسب صحيفة “صنداي تايمز” البريطانية، فإن الرئيس السوري السابق كان مديناً بأموال كبيرة لرعاته في طهران، إذ أنفقت مليارات الدولارات لرعايته ودعمه، وسلطت الضوء على ما جاء في مذكرة صادرة عن مكتب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بوزارة الخارجية في عام 2021، أن تلك الديون المكونة من قيمة مساعدات نفطية وإمدادات عسكرية بلغت حوالي 50 مليار دولار.
وبحسب مقال نشرته وكالة “رويترز“، للكاتب لي سي. بوخهايت، الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة إدنبرة؛ وميتو جولاتي أستاذ في كلية الحقوق بجامعة فرجينيا، برزت تساؤلات عن إمكانية استطاعة الحكومة السورية الجديدة الآن أن تتبرأ من الديون التي اقترضها الأسد بعد بدء الحرب الأهلية، على أساس أن المال قابل للاستبدال وأن عائدات تلك القروض، بشكل مباشر أو غير مباشر، موّلت محاولته لقمع التمرد الناجح في نهاية المطاف.
قانون دولي صارم
أشار المقال إلى أن قليلاً من مبادئ القانون الدولي يضاهي في صرامته مبدأ “الخلافة الحكومية”، حيث يُفترض أن ترث حكومات الدول حقوق والتزامات الحكومات السابقة، وينصّ القانون الدولي على أنه لا يهم مدى اختلاف الفلسفة السياسية للحكومة عن سابقتها، والتأكيد على أن الالتزام بسداد الديون المترتبة على تلك الأنظمة السابقة مطلق، أو يكاد يكون مطلقًا.
باختلاف الطريقة التي يصل بها الرؤساء إلى الحكم سواء عبر انقلاب أو انتخاب، لكن كل واحد منهم يجب أن يرث الالتزامات التي تعاقد عليها أولئك الذين حلّوا محلهم، حتى لو اعتقدوا أن القروض كانت غير حكيمة أو فاسدة أو كليهما.
وشددت المقال على عدم وجود استثناءات كثيرة لهذه القاعدة الصارمة في القانون الدولي، وأن الاستثناء المزعوم ذو الجاذبية العاطفية الأكبر هو مبدأ “الديون البغيضة”.
وقال إن علماء القانون ناقشوا هذه العقيدة لأكثر من قرن من الزمان دون التوصل إلى توافق في الآراء، ويرجع ذلك إلى عدم تمكن المعلقين من الاتفاق على ما يجعل الدين (أو المدين) مثيرا للاشمئزاز إلى الحد الذي يجعله يُعتبر “بغيضًا” من الناحية القانونية.
واستبعد كاتب المقال أن تتمكن الحكومة السورية الجديدة من استخدام مبدأ “الديون البغيضة” بنجاح للتنصّل من ديون الأسد.
ديون الحرب
أفاد المقال بأن هناك نوعًا واحدًا من الديون يتفق أغلب الناس على أنه لا ينبغي أن يكون ملزماً للإدارة التي ستخلف الرئيس، وهو ما يسمى “ديون الحرب”، حيث يقاتل المتمردون النظامَ الحاكم للسيطرة على البلاد، ويقترض النظام الحاكم المال لشراء الأسلحة التي يستخدمها ضد المتمردين للحفاظ على بقائه بالحكم، لكن ينجح المتمردون في الإطاحة به.

وتساءل المقال: “هل يستطيع أحد أن يزعم حقا أن المتمردين أو الحكومة المعترف بها الآن، يجب أن يكونوا ملزمين بسداد الأموال التي اقترضوها لغرض وحيد هو منعهم من أن يصبحوا الحكومة المعترف بها؟”.
وأشار المقال إلى سوابق تاريخية تتطابق مع ما حدث في سوريا، منها على سبيل المثال، تراجع الحكومة المكسيكية عام 1883 عن الديون التي تراكمت على الإمبراطور هابسبورغ ماكسيميليان خلال فترة سعيه للحفاظ على سيطرته على البلاد.
هل يستشهد الشرع بـ “ديون الحرب”
بعد حرب البوير التي اندلعت عام 1899، اتخذت بريطانيا موقفًا مفاده أن ملكها مستعدًا للاعتراف بالديون التي تراكمت على حكومة جنوب إفريقيا قبل اندلاع الأعمال العدائية، وليس بعدها، وكانت النظرية هنا أن المنتصر في الحرب غير مُلزم بسداد الديون التي تراكمت على الطرف المهزوم بعد بدء الحرب.
في الآونة الأخيرة، رفضت كمبوديا سداد الديون المستحقة للولايات المتحدة والتي تراكمت في عامي 1974 و1975، عندما خاضت حكومة لون نول المدعومة من الولايات المتحدة حرباً أهلية ضد الخمير الحمر وخسرتها.
وأوضح المقال أن فئة “ديون الحرب” هي بالفعل واحدة من الاستثناءات القليلة المعترف بها لمبدأ الخلافة الحكومية الصارم، مشيرًا إلى أن الرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع قد يكون قادراً على الاستشهاد بها، خاصة وأن الأسد اقترض الأموال أثناء القتال، مؤكدًا أن عملية سداد ديون سوريا ستكون شاقة، لكن الحكومة الجديدة قد تملك ورقة رابحة.
- إقليم كُردستان العراق يوقع اتفاقيتين في قطاع الطاقة مع شركات أميركية
- الأردن يعود إلى دمشق.. ملفات التعاون الاقتصادي تعيد دفء العلاقات بين البلدين
- بعد واشنطن.. أوروبا ترفع عقوباتها عن سوريا
- لافروف: نشعر بالقلق إزاء عمليات التطهير الطائفي في سوريا
- ما الذي تعرفه عن أكبر اتفاقية بين الأردن وسوريا منذ عام 1920؟
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
اشترك الآن اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد من الحل نت
مقالات ذات صلة
الأكثر قراءة

وسط ترقب لانفراجة من واشنطن.. “المركزي السوري” يخفض سعر الدولار مقابل الليرة

وسط اتهام للمقاتلين الأجانب.. الأمن العام يفتح تحقيقا في مقتل أربعة أشخاص باللاذقية

هل تنجح قرارات المركزي الأخيرة في إعادة بناء الثقة بالقطاع المصرفي السوري؟

هل تنتعش جيوب السوريين بعد رفع العقوبات الأميركية.. خبير يوضح

هل تبيع الحكومة الجديدة القطاع العام السوري كاملًا؟.. مستشار وزير الاقتصاد يجيب

نجوم سوريا يتفاعلون مع رفع العقوبات.. فرح وشكر من كل الأطراف!
المزيد من مقالات حول اقتصاد

إقليم كُردستان العراق يوقع اتفاقيتين في قطاع الطاقة مع شركات أميركية

الأردن يعود إلى دمشق.. ملفات التعاون الاقتصادي تعيد دفء العلاقات بين البلدين

من العزلة إلى الشراكة.. تحرك خليجي جديد للمساهمة في إعادة إعمار سوريا

الاتحاد الأوروبي يرفع جميع العقوبات عن سوريا.. تفاصيل

الحكومة السورية وكبح جماح المتلاعبين بسعر الدولار.. مستشار وزير الاقتصاد يطرح البدائل

هل يفتح قرار رفع العقوبات عن سوريا نافذة أمل لاقتصاد لبنان المُتعثر؟

“مجلس للتنسيق الأعلى” بين عمان ودمشق.. عهد اقتصادي جديد
