هشام سراج الدين

يعيش اقتصاد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) فترة ذهبية، إذ تحول خلال فترة وجيزة من فصيل تعيش مجموعاته على الكفاف في صحراء #الأنبار، إلى تنظيم يسيطر على مساحات جغرافية واسعة تتوفر فيها الكثير من الثروات والموارد الاقتصادية، فعَبَرَ بذلك تلك المرحلة التي اعتمد فيها على تبرعات الداعمين الخارجيين، وبات يطمح ويغري عناصره ومؤيديه “للوصول إلى روما”.

 

مع إعلان #داعش  قيام “دولة #الخلافة الإسلامية” في صيف  2014م، بدأ التنظيم يقوم بمهام الدولة الرسمية، وكان أولها تحصيل وجباية #الضرائب، وفرض الغرامات دون أن يتحمل أعباء الدولة من حيث تأمين فرص عمل أو تقديم خدمات صحية أو بناء مستشفيات، أو تعليم، أو تعبيد طرق وتشييد جسور، يقول ناشط مدني يعيش في مناطق سيطرة داعش: “التزم تنظيم الدولة بواجب الدولة نحو عناصره دون الرعية، فهو يقدم لعناصره المسكن والراتب الجيد، والرعاية الصحية الجيدة، ويترك عامة الشعب فريسة الفقر والعوز”.

اقتصاد حر

يعتمد تنظيم الدولة سياسة #الاقتصاد_الحر، فلا يتدخل بتحديد الأسعار، كما لا يقوم بدعم أية سلعة، وينهج في إدارته للمناطق الخاضعة لسيطرته منهج اللامركزية، فلكل ولاية – حسب التقسيمات الإدارية الخاصة به- ميزانية خاصة بها، وهذا ما يفسر اختلاف أسعار المواد الأساسية بين الولايات كالخبز مثلاً، إذ لا يتحمل التنظيم عبء دعمه، فيختلف سعره من ولاية لأخرى.

يقول (م ح) عامل بمطحنة منبج: “تصور أن ولاية #حلب تقوم بشراء القمح من #ولاية_البركة، وبالتالي يُباع بأسعار أعلى”.

ويعمل تنظيم الدولة على تنويع مصادر اقتصاده، حيث قام بتحويل المؤسسات الاقتصادية الخدمية التي كانت تقدم خدماتها بأسعار رمزية إلى مؤسسات ربحية، ومشاريع اقتصادية تدر على التنظيم موارد مالية متجددة، ومن ذلك #الكهرباء و #الماء والنظافة.

يقول المهندس أحمد من ريف حلب:  “قام تنظيم الدولة بتركيب قواطع كهربائية لكل منزل لا تسمح لصاحبها باستهلاك أكثر من 10 أمبير”، علماً أنَّ الكهرباء لا تأتي إلا في ساعات محدودة”، ويتابع “ورغم ذلك يأخذ التنظيم مبلغاً بين  (500 – 1000) ليرة سورية من كل منزل، مع العلم أن الكهرباء تنتج من #سد_تشرين حيث لا تكلفة تذكر”، ويذكر أحد العاملين في شركة الكهرباء أنَّ تنظيم الدولة لا يتحمل أعباء التصليح، وقطع التبديل، إذ يضطر الأهالي لشرائها من السوق على حسابهم.

أما المحطة الحرارية فأوقفها التنظيم ليجبر النظام على القبول بشروطه، يقول أحد العاملين  بالمحطة: “التنظيم لا يصرف قرشاً واحداً، فالنظام يتعهد بتزويد المحطة بالغاز، ودفع رواتب الموظفين مقابل الحصول على 50% من الإنتاج”.

يضاف إلى كل ذلك الضرائب على أصحاب المولدات الكهربائية الخاصة، فيقول أبو أحمد  صاحب إحدى المولدات: “يفرض تنظيم الدولة شهرياً مبلغ 25 ألف على كل مولدة في ريف حلب”.

وينسحب الأمر ذاته على الماء التي تدر مالاً يقارب الكهرباء، إذ يأخذ التنظيم 500 ليرة على كل بيت وكذلك ضرائب النظافة والهاتف، وإن بمبالغ مالية أقل، علماً أنّ غالبية مناطقه تسقى بمياه الفرات، باستثناء بعض القرى التي تعتمد على الآبار.

والمبالغ التي يحصل عليها داعش من الخدمات تبلغ أضعاف ما يدفعه كمرتبات وتعويضات لعناصره، مع العلم أن تلك المرتبات هي التزامه الوحيد، حيث يدفع التنظيم بين 50 و100 دولاراً أمريكياً للعازب، و200 للمتزوج، ويزيد المرتب في حال وجود الأولاد أو تعددت الزوجات، بالإضافة لتأمين المسكن وتعويضات أخرى هذا بالنسبة للسوريين، أما بالنسبة للمهاجرين فالتعويضات مضاعفة.

قوت الشعب

لا يتلقى #الخبز (قوت الشعب) أي دعم من التنظيم، حيث تحول إلى سلعة ربحية، إذ تباع ربطة الخبز التي تحتوي 14 رغيفاً  بـ 150 ل. س في منبج مثلاً، ويقول المدرس عمر “تنتج منبج 120 ألف ربطة خبز يومياً من الأفران الآلية والاحتياطية، أما الأفران الخاصة فيوجد منها في المدينة وريفها أكثر من 50  فرن”.. وبالتالي تقدر أرباح الخبز على النحو التالي:

الأفران: العمال هم موظفون حكوميون والقمح استولى عليه التنظيم استيلاءً دون دفع أي ثمن، والمطاحن ملك التنظيم (مطاحن الحكومة السورية سابقاً)، أما إنتاج #الطحين فهو  60  ألف كيس بربح 100 ليرة سورية (ربح صافي للكيس الواحد)، وهو ما يساوي 6 مليون ليرة يومياً في #منبج وريفها فقط.

القمح الموجود حالياً تمت السيطرة عليه، ولم يدفع التنظيم قرشاً واحداً فيه، ولدى التنظيم أكثر من 750 ألف طن من القمح حسب منظمة #الفاو،  وهو ما يكفي لمدة عامين على أقل تقدير دون أن يشتري كيلو طحين واحد، كما أخذ التنظيم بإحدى صفقاته 25% من قمح النظام المار عبر مناطقه، مقابل السماح بمرور السيارات القادمة من #الحسكة إلى #حمص و #الساحل.

غرامات

ومن الموارد المتجددة في اقتصاد التنظيم، والتي لا تكلفه أي عبء مادي، الغرامات المالية المفروضة على المواطنين، نتيجة مخالفات شرعية وقانونية مخالفة لتعليمات التنظيم كالتدخين، والسفر دون محرم، وغير ذلك من المخالفات.

ويعد صندوق #الزكاة أبرز موارد التنظيم الاقتصادية، إذ يشمل كافة القطاعات الزراعية والصناعية والتجارية، بل ويقوم التنظيم بجباية الزكاة من عيادات الأطباء والصيدليات وكل فعالية تحقق ربحاً، ولا توجد أرقام واضحة ودقيقة عن المبالغ التي يجمعها التنظيم حتى الآن.

استطاع التنظيم من خلال الموارد الاقتصادية الداخلية المتجددة تجاوز العقوبات الاقتصادية المفروضة دولياً، والتغلب على محاولات خنقه اقتصادياً عبر ضرب آبار #النفط، فما زال التنظيم يستخرج من 30 إلى خمسين ألف برميل يومياً، ويباع البرميل بسعر بين 20 إلى 50 دولاراً، ويصل النفط إلى جميع مناطق #سوريا تقريباً حتى بعض مناطق النظام، ناهيك عن حقوق الغاز.

يقول  الاقتصادي محمود من ريف حلب “لا يمكن خنق داعش اقتصادياً لأنها تعتمد على الشعب في مواردها دون أن تتكلف شيئاً على هذا الشعب”، ولا ينفك ولاة التنظيم من ابتكار طرق جديدة لدعم خزينة التنظيم، ومن ذلك البناء في الأماكن العامة، ويقول أبو أحمد صاحب محل في السوق المقبي بمنبج: “تعدى التنظيم على #حديقة_المنصور، وأحاطها ببناء أكثر من سبعين دكاناً صغيراً، أجّر الدكان بثمانية آلاف ليرة شهرياً”، كما فرض مبلغ 15 ألف ل. س على كل بئر يحفر، ناهيك عن الضرائب التي يأخذها من السيارات التي تمر عبر مناطق سيطرته نحو مناطق النظام ومناطق المعارضة.

ويلجأ التنظيم لفتح دفاتر قديمة منسية يدعم بها خزينته، فقام بوضع يده على أملاك الأوقاف، وأعاد تأجيرها لملاكها بالسعر الراهن ليصل إيجار بعض المحلات إلى أربعين ألفاً، يقول أحد أصحاب المحلات من سوق السلالين: “معظم الموجودين في محلات الأوقاف الآن قاموا بشرائها عبر عقود فروغ من المستثمرين الأصليين، ويقومون بدفع إيجار رمزي للأوقاف، حيث أبطل التنظيم عقد البيع، وخيّرهم بين دفع إيجار السعر الراهن أو ترك المحلات، فهم يدفعون الآن إيجاراً لمحلات اشتروها بأموالهم، وتصل إلى 60 ألف ليرة شهرياً للمحل الواحد”.

مصادرات وغنائم

ومن موارد التنظيم الاقتصادية مصادرة بيوت وأموال مقاتلين في #الجيش_الحر، ورجال الدين الذين رفضوا منهج التنظيم، فحَكَم التنظيم على كل أولئك بالردة، فيبين أبو عمر من الجيش الحر في ريف حلب أن التنظيم قد صادر “كل ما نملك بدعوى أننا مرتدون، ولم يكتف بذلك إذ يتوعدنا بالقتل بمجرد إلقاء القبض علينا”، كما يصادر التنظيم بيت كل من يثبت سفره للخارج، ويحمل فكراً معادياً للتنظيم.

وتضاف إلى تلك الموارد، الأموال التي يجنيها التنظيم من معاركه، فلا تقتصر المكاسب على الغنائم العسكرية، يقول أبو حسين من #كوباني (عين العرب) “أخذ تنظيم الدولة كل ما استطاع حمله وشحنه من ريف كوباني على أنها غنائم، حتى المواشي من أغنام وأبقار ودجاج سرقها، بل وسرق الأدوات المنزلية، ولا أعلم كيف أحل لنفسه اغتنام أموال المسلمين؟!”

ليس لدى التنظيم خطوط حمراء فكل متاح مباح، طالما يمكن تأويله وإعطائه قالب شرعي كيفي، فالتنقيب عن الآثار ودفع الفديات هي موارد إضافية، كما تعتبر الأموال التي يجلبها عناصر التنظيم معهم موارد أخرى تضاف إلى الأموال التي يحوّلها مناصرو التنظيم من الخارج، ولكن التنظيم لا يعتمد عليها مثل اعتماده على موارده الداخلية المتجددة.

ضخّم الإعلام كثيراً من الأموال التي استولى عليها التنظيم من #بنك_الموصل (425 مليون دولار تقريباً)، كما ضخّم من الموارد التي يجنيها التنظيم من استثمار حقول النفط، وغابت عنه الأموال والموارد الاقتصادية المتجددة التي يجنيها داعش من عجلة الحركة الاقتصادية، ولا سيما أنَّ التنظيم يبتكر بين الحين والآخر طريقة للاستحواذ على خيرات المنطقة دون أن يقدم شيئاً.

مكنت هذه الموارد تنظيم الدولة من فتح بنوك ومصارف في أماكن سيطرته، يشرف عليها ما يسمى “بيت مال المسلمين”، وتمنح قروضاً دون فوائد، كما يعكف التنظيم على إصدار عملة معدنية خاصة به تعتمد الذهب والفضة لمنع ضربها في السوق.

 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.